قصص وحكايات

قصص القرآن الكريم(الحلقة 25)

قِصةُ بِنَاءِ الكَعْبَة وَبِئْرِ زَمْزَم

 

 

قِصةُ  بِنَاءِ الكَعْبَة وَبِئْرِ زَمْزَم

 

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

منذ أن خلق الله سبحانه هذه الأرض اختار منها بقعة لتكون موضع بيته الحرام، وقد أضفى الله تعالى البركة والقداسة على تلك البقعة الشريفة يومَ خَلَق السموات والأرض.

ويوجد في عقيدتنا السمحاء نصوصٌ نبوية تؤكد أنّ الله سبحانه قد اختار أزماناً وأشخاصاً وأماكن فجعلها مقدسةً ومبارَكة عنده.

وقد ورد في الأخبار أنّ الكعبة الشريفة كانت قائمة في مكانها قبل أن يُعيد ابراهيم بناءها، وقد تهدمت مراتٍ عديدة عبر التاريخ، منها ما كان بفعل البشر، ومنها ما كان بفعل الطبيعة، وكان ابراهيم(ع) يعلم الكثير عن ذلك المكان قبل أن يرفع القواعد من البيت، والدليل أنه عندما أُمر بترك زوجته وولده اسماعيل في تلك البقعة الخالية من أي شيء قال(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) ولم يكن في تلك البقعة أي مَعْلَمٍ من معالم الحياة، والملاحَظ أن إبراهيم صرّح بتركهم عند البيت المحرّم، وقد صدر هذا الكلام قبل أن يبني الكعبة بسنوات، معنى ذلك أنه كان يعرف حقيقة هذا الموضع المبارك.

وكان تَرْكُهم هناك وحيدَين امتحاناً لإبراهيم(ع) الذي كان مشغوفاً بولده اسماعيل الذي وهبه الله إياه على الكِبَر، ورغم تعلُّقه به امتثل لأمر الله الرحيم الذي لا يتخلى عن عباده الصالحين أينما كانوا.

لقد تركهم في وضعٍ حَرِجٍ لا يُحسدون عليه، ولكنه عندما أُمر بالرجوع إليهم وجدهم على أحسن حال، حيث أخرج الله سبحانه ماء زمزم بعد أن كاد اسماعيل وأمه هاجر يموتان عطشاً.

إنها من أعظم المعجزات في ذلك الوقت، فكيف يمكن لمثل هذا المكان الصحراوي الجاف أن ينبع منه الماء العذب، وليس ذلك على الله بعزيز فإنّ بيده مقاليد السموات والأرض.

ومنذ ذلك الحين أصبح ذلك المكان مؤهولاً بالناس ومقصوداً من قِبل القوافل التجارية، وقد أُسست فيه أسواقٌ للتجارة.

فبعدما أمر الله تعالى نبيَّه إبراهيم الخليل(ع) بترك زوجته وولده في وادي مكة حيث لا ماء ولا نبات ولا أحد من الناس، وكان ذلك ابتلاءاً يمتحن الله به خليله إبراهيم بالإضافة إلى كونه تمهيداً لبناء الكعبة وتأسيساً لفريضة الحج كان ذلك أمراً شاقاً على إبراهيم الذي تعلق قلبه وتعانقت روحه بروح ولده إسماعيل الذي رزقه الله به على الكِبَر.

إنَّ التغرُّب عن الأهل والولد والجيران والأقرباء أمرٌ صعبٌ  وشديد على الإنسان وإن ترك أهله بين الجيران والأقارب، فهو يحمل همهم في غربته وينشغل باله في شأنهم حذراً من أن يمسهم سوء وهو بعيد عنهم.

فكيف به إذا ترك الأهل والولد في مكان قفر وموحش وخال من الأنيس والزائر والطعام والشراب، إن ذلك لا شك حُكمٌ عليهم بالموت بعد الجوع والعطش والخوف.

ففي مثل تلك الظروف القاسية التي مر بها إبراهيم وعائلته لم يكن هناك مجال للخلاص إلا بالعناية الإلهية الخاصة أو ما نعبّر عنه بالمعجزة.

وبالفعل لقد حصلت المعجزة على يد نبي الله إسماعيل وأمه هاجر عندما كاد إسماعيل وأمه يموتان عطشاً في جو تلك الصحراء القاتلة فذهبت الأم تبحث عن نبع ماء وهي تعلم بأن الأمر مستحيل حيث لم يعهد الناس في ذلك المكان مكاناً فيه ماء، فرجعت تلك الأم المحتارة إلى ولدها يائسة من وجود الماء حاكمة على نفسها وولدها بالموت، وإذ بها ترى ماءاً يتدفق من تحت قدمي ولدها، وإذا بها عين زمزم التي جعلها الله تعالى معجزة للبشر عبر الزمن.

لقد كانت بئر زمزم معجزة كبرى إذ كيف يمكن أن تنبع في الصحراء عين ماء بارد ، وما زالت تلك المعجزة قائمة حتى يومنا هذا إذ أن حجاج بيت الله الحرام يشربون من تلك العين، ومن المستحبات أن يشرب الحجاج من تلك البئر المباركة فإن فيها الشفاء والبركة والفائدة.

ما زالت زمزم موجودة وهي تنبع بشكل مستمر وغزير تكفي جميع الوافدين إلى مكة، ولكن أكثر الوافدين إليها والشاربين من مائها هم يؤمنون بكون مائها مباركاً، ولكنهم ينسون أن هذا الماء بحد ذاته معجزة للبشر عبر الزمن.

فعلى الناظر إلى ماء زمزم أو الشارب منه أن يتأمل في أصل نبعه في ذلك المكان الصحراوي، وأن يرجع بالفكر إلى زمن إسماعيل ويتأمل في عظيم تلك المعجزة التي كانت موضع دهشة المسافرين الذين لم يروا في حياتهم قبل إسماعيل أي أثر لعين ماء هناك.

إن هناك معجزات كثيرة ما زال أثرها موجوداً ووجودها فعالاً، ولكن الأمر بحاجة إلى شيء من التفكر الذي كان بحد ذاته عبادة، فلو أهمل الناس تلك المعجزات ولم ينظروا إليها إلا من المنظار المادي لأصبحت المعجزات منسية ومهملة، مع أن المفروض هو إحياؤها بشكل دائم لأنها تربط الإنسان بالله سبحانه وتعالى.

وبفضل تلك المعجزة أصبح ذلك المكان مأهولاً بالسكان ومَقصداً للمسافرين ومورداً للحجاج الذين دعاهم إبراهيم إلى الحج بعد أن رفع القواعد من البيت

والكعبة الشريفة هي أول بيتٍ يُعبد فيه الله سبحانه، فقد كانت الأمم تبني البيوت والمعابد ليعبدوا فيها الأصنام، وقد أشار القرآن إلى عظمة الكعبة المشرّفة حيث قال(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)

وعاش ابراهيم مع زوجته وولده في ذلك المكان حتى أصبح اسماعيل شاباً، فأمر الله خليله إبراهيم ببناء الكعبة وباشر بتنفيذ الأمر الإلهي وقد عاونه على ذلك ولده النبي إسماعيل(ع).

وبعد اكتمال البناء أمر الله إبراهيم أن يُؤذّن في الناس بالحج ويدعوهم إلى زيارة هذا البيت المُعظَّم(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ)

أما عن الحجر الأسود فقد ورد أنه نزل به جبرائيل الأمين من السماء وقد وضعه إبراهيم في موضعه ليتبرك الناس به عبر الزمن.

وأما شكلها وحجمها فقد تم بوحي من الله تعالى.

وقد علّمه الله سبحانه مناسك الحج ليشهد الناس في ذلك المكان منافع لهم في الدنيا والأخرة.

اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام في عامنا هذا وفي كل عام.

الشيخ علي فقيه

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى