مؤلفات

قِصَّةُ نَارِ النِّمْرُود

 

قِصةُ نَارِ النمْرُود

 

قال عز وجل(قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)
تشير الآية الكريمة إلى قصةٍ حدثت مع خليل الله إبراهيم(ع) الذي أجرى الله له معجزة ضجّ بها العالَم وانتشر خبرها كالبرق فأصبحت حديث الساعة لكل قريبٍ وبعيد في ذلك الزمان مما جعل من إبراهيم(ع) شخصية القرن، وقد تناقلها الناس عبر الزمن نظراً للفوائد التي نجمت عنها، وكان لها أثرٌ على ترك الكثيرين منهم لعبادة الأوثان التي لا تضر ولا تنفع، حيث أتاهم بالحُجة البالغة والدليل القاطع الذي لا يقبل أي شك، وكانت تلك الحادثة بمثابة أعظم انتصارٍ للحق ضد الباطل في ذلك الزمان.
وخليل الله إبراهيم هو ثاني أنبياء العزم(ع)، بل هو شيخ الأنبياء، وهو الذي رفع القواعد من البيت المحرَّم(الكعبة الشريفة) وهو الذي سمَّانا المسلمين، وهو الذي أمر الناس بالحج إلى الكعبة تلبيةً لأمر الله عز وجل، وهو من أكثر الذين نالوا مدحاً في كتاب الله العزيز الذي قال في حقه(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)
وكانت حياته مليئة بالأحداث الهامة والحوارات الشيّقة والمواقف المشرّفة التي أرستْ قواعد الإيمان في المجتمع البشري، وقد اخترنا من بين تلك الأحداث واحدة تدلُّنا على عظمة الإيمان ومدى آثاره على الإنسان في الدنيا والآخرة، وكيف أنّ الله تعالى يسدّد عباده وينصرهم.
فالله تعالى مع الذين أمنوا واتقَوا وأحسن، وهو معهم في يقظتهم ونومهم، وفي سرّائهم وضرائهم، يسيرون بعينه ويعيشون في كنفه.
لقد واجه إبراهيم الخليل عبدَةَ الأوثان أكثر من مرة، فحقّر أوثانهم وسفّه أحلامهم بعد أن رفضوا الإستماع للمنطق السليم، واستعمل معهم العديد من الطرق لإقناعهم فلم تلِنْ قلوبهم ولم تخشع نفوسهم رغم ظهور الحق فيهم وإعطاء الأدلة لهم، وكان في كل مرة يُثبت لهم الحق فينكروا ويصروا على عبادة الأوثان رغم جلاء الصورة، حتى قرّر حاكمهم(نمرود) أن يقضي على خليل الله بعد أن أصبح يُشكّل له عائقاً في ساحة مُلكه، فأرسل إليه حتى يهزمه بمعركة كلامية انتهت بانتصار إبراهيم صاحب الدليل الدامغ، وقد أشار القرآن الكريم إلى أهم تلك المناظرات حيث قال سبحانه(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
هذا بالإضافة إلى أنه حطّم أصنامهم فلم يعُد الإحتجاج بها مُجدياً، ومنذ ذلك الحين قرر النمرود أن يقتله ليزيحه من دربه بعد أن عجز عن مواجهته بالدليل العقلي والمنطق السليم، فحكم عليه بالإعدام حرقاً بنارٍ لا مثيل لها، ولعل الحاكم نمرود أراد أن يصنع ناراً تضاهي نار جهنم التي واعده إبراهيم بها حسب زعمه إن هو بقي على الضلال.
وليس ذلك ببعيد عن شخص ادعى بأنّ الحياة والموت بيده، فأراد أن يُثبت لإبراهيم ومَن حوله أنه أقوى من رب إبراهيم، وأنه يستطيع صُنعَ ناراً تضاهي نار جهنم.
انتشر الخبر بين الوثنيين، فتسابقوا لنيل شرف الإنتقام لآلهتهم، فراحوا يجمعون الحطب لأيام طويلة بداعي الحقد الدفين والعصبية العمياء حتى أصبحت الكَومة كالجبل، ثم أضرموا فيها النيران التي وصل لهبها إلى مسافات بعيدة، فلم يستطع أحدهم الإقتراب منها ليضع إبراهيم فيها، فأُشير عليهم أن يلقوه بواسطة المنجنيق، ففعلوا ذلك ورمَوه من مكان بعيد، فوقع وسط تلك النيرات الملتهبة.
علَتْ الأصوات هاتفةً بالفرحة ونشوة النصر، وفرح الوثنيون بهذا الإنجاز الكبير الذي أراحهم من إنسانٍ يدعوهم إلى الهدى والخير، وانتظروا حتى تخمد النيران، ولعله طال انتظارهم بسبب حجم تلك النار، وبعد أن خمدت استطاعوا الإقتراب منها والبحث عن رفات إبراهيم المحترقة، وإذ بهم يُصعقون عندما رأوه جالساً وسط تلك النيران لم يُصب بأي أذى، فأخذتهم الدهشة وسيطر عليهم الخوف المصحوب بالعَجَب، وعَلتْ أصواتهم مُقرّين بالعجز أمام قدرة الله عز وجل، وآمن الكثيرون منهم بعد تلك المعجزة التي أثبتت لهم الحق، وأنّ ما دعاهم إليه إبراهيم الخليل كان الهدى بعينه.
لقد حقق الله تعالى هناك أعظم انتصار للحق في ذلك العهد حيث انقلبت الموازين، بل انقلب السحر على الساحر، وخابت آمال الوثنيي،ن وسقطت أصنامهم في النفوس قبل سقوط أحجارها.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى عظمة العقيدة التي استقرت في قلب خليل الله(ع) فقد ورد أنه في الوقت الذي كان يُلقى فيه بواسطة المنجنيق وهو معلّق في الهواء هبط عليه الأمين جبرائيل وقال له: يا إبراهيم هل من حاجة فأقضيها لك؟ فقال له إبراهيم: إن كانت منك فلا أريدها: وفي تلك اللحظة الحرجة أوحى الله سبحانه إلى تلك النيران أن لا تمس إبراهيم بأي أذى(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)
لقد أرادوا أمراً، وأراد الله أمراً آخر، ولم يكن ولا يكون إلا ما يريد الله تبارك وتعالى.

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى