مؤلفات

قِصَّةُ رُؤْيَا فِرْعَوْن

قِصَّةُ رُؤْيَا فِرْعَوْن

لو بحثتم في شرق الأرض وغربها، وحلّقتم في أرجاء هذا الكون على أن تجدوا مثل قصص القرآن الكريم وتروا مثل عِبَره لما وجدتم وما رأيتم، لأنها قصص واقعية صِيغَت بقدرة الله بعدما اختار الله مضمونها وانتقى من دروس الحياة أنفعها، وقد سجّلها بين دفتي الكتاب الخالد.
وهذا يعني أنّ قصص القرآن تنفع الإنسان من بدايتها وحتى نهايتها، ولا يمكن لزمنٍ أن يمحوها مهما ابتعدنا عن زمن حدوثها لأنَّ القرآن خُلق ليستمر ويبقى وينسجم مع كل زمن وجيل.
فمع بداية القصة القرآنية ينجذب القلب نحوها من أول كلمة يسمعها، ثم يتابع الغوص فيها فلا يخرج من ذلك البحر إلا بصيدٍ ثمين.
ومن تلك القصص التي جرّت خلفها تاريخاً حافلاً ما حدث بعد رؤيا فرعون التي كانت مفتاح شرٍ لبني إسرائيل الذين استعبدهم وذبح أبناءهم واستحيا نساءهم دون أن يردعه شيء، ولكنها في ذات الوقت كان إنذاراً بنهاية جبرةت فرعون الذي أفسد البلاد والعباد.
ففي صبيحة يومٍ من الأيام استيقظ الظالم فرعون على رؤيا أخافته كثيراً، وقد عبّر عنها بالكابوس لفظاعتها حيث بدأت تظهر عليه التغيرات من حينها، ولعله كان يفهم معناها فأحب أن يكذّب نفسه ليشعر بالطمأنينة فجمع الكَهنة والسَحَرة على الفور وقصّ عليهم رؤياه فقال: رأيت وكأنّ ناراً أقبلت من جهة بيت المقدس فأحرقت دور مصر والأقباط، ولم تضر ببني إسرائيل: فترددوا في تفسيرها له خوفاً من غضبه حيث كان معناها عندهم واضح، فأمرهم بالكلام أياً يكن الأمر بعدما أعطاهم الأمان، فقام كبيرهم وقال له: سوف يولد في بني إسرائيل مولودٌ يكون هلاكك على يديه.
فغضب من كلام الكاهن وكأن صاعقة نزلت على رأسه، فاستدعى هامان الداهية الكبرى ليستشيره فيما يجب القيام به، فإن كان فرعون لعيناً فإن هامان كان ألعن منه، وبعد مشاورات دارت بينهما اتفقا على أن يقوما بمذبحة جَماعية لم يشهد الناس مثلها من قبلُ إلا في زمن خليل الله إبراهيم(ع) الذي شابهت نشأته نشأة موسى(ع) من حيث الرؤيا التي رآها ملِك زمانه وكان مضمونها مشابهاً لمضمون رؤيا فرعون، وسلوكه مشابهاً لسلوك فرعون.
بدأ الذباحون بتنفيذ هذا الأمر الإجرامي فقتلوا عدداً كبيراً من الأولاد حتى خشي أهل مصر من فناء القوم وهم بحاجة إلى خدمات بني إسرائيل، فإن ذبحوا جميع أطفالهم ومات شيوخهم وهرِم شبابهم فلن يبقى لهم من يخدمهم ويبني لهم القصور والقلاع، فذهبوا إلى فرعون وكانوا ذا رأيٍ عنده واقترحوا عليه فكرةً تقضي بتعديل هذا القرار، بعدما طلبوا منه إلغاءه فرفض وأصر على استمراره بسبب خوفه وجبروته لأنه لا يحب الخسارة ولم يتعوّد عليها طيلة مدة حكمه، فأخذ كلامهم بعين الإعتبار ولكنه لم يلغ قراره الأول، بل أجرى عليه بعض التعديلات التي ترضي حاشيته فخفف منه إذ قرّر أن يذبح الأولاد الجدد عاماً ويعفو عن المولودين الجدد عاماً.
وصادف أنّ هارون أخا موسى(ع) قد وُلد في عام العفو فلم يُقتل.
وفي العام الثاني(عام القتل) وُلد موسى(ع) وأخفته أمه ثم ألقته في اليم، ثم شاءت قدرة الله تعالى أن ينشأ موسى في قصر عدوه، فسبّب الأسباب حتى انتهى الأمر بهلاك فرعون ومعاقبته على ما اقترفته يداه من جرائم جَماعية وفردية، وانتصر موسى ومن آمن معه، ولن يكون إلا ما أراده الله سبحانه.

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى