Site icon الشيخ علي فقيه

قِصَّةُ عَصَا موسى

قِصَّةُ عَصَا موسى

تبدأ هذه الحكاية من اللحظة التي بُعث فيها موسى نبياً لدى عودته من أرض مَدْيَن برفقة أهله، وقد سدّده ربه بالمعجزات وطمأن بها قلبَه.
ومن جملة هذه المعجزات هي تلك العصا العادية التي اتخذها موسى لنفسه من شجرة عادية والتي تحولت إلى ثعبان انتصر به مرتين، مرة أمام فرعون في قصره، ومرة أمام السحرة على أعيُن الجميع.
لقد تحوّلت عصا موسى إلى ثعبان ثلاث مرات:
ففي المرة الأولى حدث ذلك في البقعة المقدسة في الوادي طُوى عند الشجرة المشتعلة، بعدما سمع موسى كلام الوحي يأتي من تلك الشجرة، وفي هذا التحوّل الأول قال سبحانه(وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى)
وفي المرة الثانية تحولت عصاه إلى ثعبان مخيف أمام فرعون داخل قصره عندما دخل عليه موسى وهارون ودعواه إلى الإيمان برب العالمين فلم يصدقهما، وهناك أوحى الله تعالى إلى كليمه أن يلقي عصاه ويضمم يده إلى جناحه(قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى)
وفي المرة الثالثة تحولت العصا إلى ثعبان عندما ابتلعت حبال السحرة وعِصيَّهم، وإليكم بعضاً من تلك التفاصيل.
فعندما دخل موسى إلى قصر فرعون لدى عودته من مدين ومروره في البقعة المباركة بعد أن كلّفه ربه بتبليغ الرسالة جرى حوار طويل بينهما، فلقد تحدث إليه موسى بالعقل والعلم والمنطق السليم(قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى* قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى) فلم يؤمن عُتواً ولم يخشع تَكبُّراً، هذا مع العلم أنه في قرارة نفسه موقنٌ بصدق ما جاء به موسى الذي أراه حينها بعضاً من آيات ربه التي كان منها الثعبان واليد المشعّة بنورٍ عظيم، فشعر بالخوف ولم يستسلم رغم أنه كاد يسقط عن كرسي عرشه من شدة الخوف وهو يصيح أبعدوها عني(أي تلك الحيّة)، ثم خرج موسى وهارون من قصره فأمر فرعون بجمع أمهر السحرة في العالَم عندما اتهم موسى بالسحر وتواعدا معاً على يوم المواجهة الكبرى أمام أعين الناس(قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) وهو يومُ عيدٍ عندهم، وبما أنه لا عمل في هذا اليوم فإنَّ بإمكان الجميع أن يجتمعوا في الوقت المحدد.
انتظر الناس اليوم المحدد بفارغ الصبر ليعرفوا مَن الصادق ومن الكاذب، واجتهد فرعون في جمع السحرة من كل البلدان، وقد اختار أمهرهم حتى يتأكد من انتصاره على سحر موسى حسب زعمه، وقد أغراهم بالذهب وأدناهم من مجلسه إن هم انتصروا على موسى، وكان عددهم كبيراً جداً، فأكدوا له بأن الإنتصار سوف يكون حليفه حيث لا يمكن لساحرٍ في العالَم أن ينتصر عليهم فوافق على جميع طلباتهم ووعدهم بتنفيذ شروطهم(فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) وفي سورة الشعراء(قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ* لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ)
ترقّب الناس ذلك اليوم ليتبعوا المنتصر، وهذا عين النفاق الذي استعمله المنافقون في زمن خاتم الأنبياء محمد(ص) وهي حالة منتشرة بين جميع الناس وفي كل العصور.
وجاء الموعد المحدد فاجتمع الناس في ساحة كبيرة ووقف موسى وأخوه في ناحية، وعشرات السحرة في ناحية أخرى ثم سألهم أيبدأ أم يبدأون، فطلبوا أن يكونوا هم أول من يبدأ حتى يسحروا الناس فيخاف موسى ويقر بالهزيمة حسب ظنهم، فوافق على طلبهم وألقوا حبالاً وعِصياً كانت بحوزتهم فسحروا بها أعين الناس حيث خُيّل لهم بأنها أفاعٍ تسعى(فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) وفي سورة طه(قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)
وفي تلك اللحظة وبسبب انتشار الذعر بين الناس شعر فرعون والسحرة بنشوة النصر الذي لم يكن حليفهم يومها، فأوحى الله سبحانه إلى كليمه موسى أن يلقي عصاه فألقاها فتحولت بقدرة الله تعالى إلى حية كبيرة أكلت عصي السحرة وحبالهم وأنهت تلك المهزلة.
وعندما رأى السحرة ذلك أيقنوا بأنه ليس سحراً بل هو معجزة خارقة لقوانين الطبيعة، فلو كان سحراً ثم زال لاسترجعوا حبالهم وعصيّهم، ولكنه عندما عادت الحية عصاً كما كانت فلم يكن هناك أثرٌ لأدوات سحرهم، وعندها خرّ السحرة ساجدين لله مقرين بالإيمان(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)
وعندما رأى فرعون صنيع السحرة شعر بخيبة الأمل بعد أن كان ظاناً بالنصر، وقد خاف أن يعلن الناس إيمانهم بموسى في تلك اللحظات المؤثرة فراح يستعمل جبروته مجدَّداً فتوعّد السحرة بالذبح بعد التعذيب لهم ولنسائهم وأطفالهم(قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى)
وهناك سجّل السحرة موقفاً تغنَّى به التاريخ حيث واجهوا فرعون بكل بسالة(قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)
ثم تمادى في غيّه ونفّذ جميع تهديداته ولم يتراجع السحرة عن إيمانهم لأن الحق واضح لا يشك به إلا المعاند.
والفرق بين المعجزة والسحر هو أنّ المعجزة أمرٌ خارقٌ لقوانين ونواميس الطبيعة، أما السحر فإنه مجرد وهمٍ وخداع بمعنى لو دنا أحدهم من حبال السحرة التي رأوها ثعابين وأخذها بيده لما لسعته لأنها في الواقع ليس ثعباناً، بل مجرد خيال، أما لو دنا من الحيّة التي خلقها الله سبحانه بلحظة لابتلعته.

Exit mobile version