قِصَّةُ غَرَقِ فِرْعَوْن

قِصَّةُ غَرَقِ فِرْعَوْن
(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
ما أجملها مِن قصص، وما أروعها من حكايات، وما أعظمها من عِبرٍ حملت المنفعة للبشرية عبر الزمن، إنها قصصٌ واقعية، وحكاياتٌ حقيقية، لا تُشبه تلك التي من نسج الخيال، بل هي نافعةٌ على كل حال، فيها العِلم والتاريخ واليقظة، والتجارب والنفع والموعظة.
ومن تلك القصص القرآنية ما حدث لأعتى رجلٍ في التاريخ وأكثر الناس قوةً على الإطلاق، الذي ذاع سيطه في البلاد، ولم يقصّر في ظلم العباد، فرعون الذي وُصف بذي الأوتاد، الذي طغى بقوله وفعله، وادعى الربوبية لنفسه.
في هذه القصة سوف يظهر لنا ضَعْفُه وكَذِبه، وأنه لا يوجد قوةٌ في العالم تضاهي قوة الحق، ولا يمكن للشر أن يتغلّب على الخير قط.
فبعد ظلمٍ لبني إسرائيل دام عقوداً من الزمن، وبعد القتل والتجويع والسجن والذبح والمجازر الفردية والجماعية أراد الله سبحانه أن يرحم بني إسرائيل من ظلم حاكمهم ومستعبدهم فأرسل إليه كليمه موسى يؤازره أخوه هارون الذي كان أفصح منه لساناً.
فدعاه إلى الإيمان برب العالمين فأنكر رغم حدوث المعجزة، ورغم أنه في قرارة نفسه أدرك صِدْقَ ما يدعيه ابن عمران(فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى)
ولكنّ جبروته وعنفوانه منعاه من الإذعان فأنكر الحق وآثر الضلال على الهدى وجحد بآيات ربه وهي بيّنة، وبعد ما كان من أمر تلك الرحلة القصصية الطويلة قرر فرعون أن يقتل موسى ومن آمن معه فلحق بهم وحاصرهم في مكانٍ مُحاط بالبحر من الأمام وبفرعون وجنوده من الخلف، وفي تلك اللحظات الحرجة على بني إسرائيل الذين استسلموا للهلاك وظنوا أنهم أحيط بهم أوحى الله إلى كليمه موسى أن يلقي عصاه في البحر فألقاها فانشق البحر وكان كل فِرقٍ كالجبل الكبير، فمرّ موسى ومن معه بأمان ولحق بهم فرعون فجاء أمر الله بإطباق الماء عليه وعلى جيشه الجرار فابتلعتهم المياه ولم يبق لهم أثر سوى فرعون الذي أمر الله الموج أن تلقي بجثته إلى الشاطئ ليراها الناس كيلا يبقوا ظانين بأنه إله وقد صعد إلى السماء بحيث يراهم ولا يرونه(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) وهذا تعبير صريح بالغاية من إنقاذ جثة فرعون فقط.
فعندما شعر فرعون بالخطر وسط الماء أذعن وأقر بصدق موسى وأعلن إسلامه ولكن بعد فوات الأوان حيث تاب في وقتٍ لا تصح فيه التوبة(حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
الآن تبتَ أيها الظالم عندما لم يبق لك حولٌ ولا قوة، لا، لن يقبل الله توبته بل أعد له عذاباً أليماً نتيجة لظلمه الذي لا يكاد يوصف، فقد بغى وفسد وأفسد حتى سولت له نفسه ادعاء الألوهية لنفسه.
وبذلك طوى الله صفحة الظلم تلك، وذهب بنوا إسرائيل برفقة نبيّهم موسى(ع) لتبدأ مرحلة جديدة لهم من مراحل الإمتحان الذي لم ينجحوا به أيضاً.



