قِصَّةُ أَصْحَابِ الفِيْل
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ)
يرتبط شيء من هذه القصة الشهيرة بقصة أصحاب الأخدود حيث أمر الملِك ذو نواس بحرق النصارى في نجران عندما امتنعوا عن الدخول في اليهودية التي كان عليها ذو نواس الذي أمر رجاله بحفر أخدود كبير فأضرموا فيه النيران وألقوا فيها ما يقرب من عشرين ألف مسيحي كانوا على دين عيسى بن مريم(ع).
نجى منهم شخصٌ اسمه(دوس) فذهب إلى القيصر ملك الروم وأخبره بهذه المجزرة التي ارتكبها ملك اليمن، وكانت اليمن بعيدة عن مكان تواجد قيصر، فكتب إلى النجاشي ملك الحبشة أن ينتقم من ذي نواس وجنوده عقاباً لهم على تلك المجزرة البشعة.
جهّز النجاشي جيشاً بلغ عدده سبعين ألفاً بقيادة(أرياط) وأمره بالتوجه إلى اليمن.
وكان أبرهة الأشرم أحد قادة جيش أرياط الذي أصبح حاكماً على اليمن، وبعد مدة ثار عليه أبرهة واستلم مكانه، فعلم النجاشي بالأمر فقرر أن يقمع أبرهة، وعندما علِم أبرهة بقرار النجاشي ذهب إليه ووضع نفسه في تصرّفه وأعلن ولاءه الكامل له فعفا عنه ورضي بحكمه على اليمن.
فأراد أبرهة أن يُثبت ولاءه التام لأبرهة فبنى كنيسة ضخمة وجميلة وأمر أهل اليمن أن يحجوا إليها بدل أن يحجوا إلى الكعبة، وكان هذا القرار قراراً اقتصادياً بمعنى الكلمة، حيث طمع أبرهة بما كان يحمله أهل اليمن معهم إلى الكعبة في موسم الحج، ولكنهم امتنعوا عن الحج إلى تلك الكنيسة لأن الأمر لا يتعلق بجمال البناء ولا بزخارفه.
أرسل أبرهة الوفود والدعاة إلى جزيرة العرب ليدعوهم للحج إلى تلك الكنيسة فشعر أهل الحجاز بالخطر الذي بات يتهدد كعبتهم التي ارتبطوا بها ارتباطاً وثيقاً، فذهبت مجموعة من العرب وأضرموا النيران في تلك الكنيسة ليعبّروا عن اعتراضهم في دعوة أبرهة لهم.
غضب أبرهة من هذه الإهانة وقرر أن يهدم الكعبة انتقاماً وحسداً وظناً بأنه إن هدم الكعبة فسوف يُرغم الناس على الحج إلى كنيسته.
جهّز جيشاً عظيماً واصطحب معه بعض الفيلة وتوجه نحو مكة لتنفيذ خطته الشيطانية.
وعند اقترابه من مكة أرسل بعض جنوده لنهب أموال أهل مكة، وكان مما نهبوه مائتا بعير لعبد المطلب جد النبي محمد(ص).
ثم بعث أبرهة رسولاً من عنده إلى مكة يطلب اللقاء بكبيرها، فوصل رسول أبرهة ودلّوه على عبد المطلب فالتقى به وبلّغه رسالة أبرهة فقال له عبد المطلب: لا طاقة لنا بحربكم وللبيت ربٌ يحميه: ثم ذهب مع الرسول للقاء أبرهة.
وعندما وصل عبد المطلب إلى خيمة أبرهة اندهش الأخير لهيبته فقام من مجلسه احتراماً له وجلس بالقرب منه وراح يحدثه.
لم يكترث عبد المطلب لحديث أبرهة وإنما طالبه بمائتي بعير سرقها رجاله.
اندهش أبرهة من كلام عبد المطلب وطلب من مترجمه أن يقول له: إنه احتل مكانة في قلبه عندما رآه، أما الآن فقد سقطت هيبته، فأجابه عبد المطلب بقوله الشهير: أنا ربُّ الإبل، وللبيت ربٌ يحميه:
رجع عبد المطلب إلى مكة وطلب من رجالها أن يرسلوا أطفالهم ونساءهم إلى الجبال لأن أبرهة مصمم على حربهم وهدم كعبتهم.
جمعهم في إحدى شعاب مكة ثم أمر أحد أولاده أن يصعد الجبل ليستطلع الأمر، فصعد الولد ثم رجع وقال لأبيه عبد المطلب: هناك سحابة سوداء تتجه من البحر الأحمر نحو مكة: فاستبشر وصاح قائلاً: يا معشر قريش أدخلوا منازلكم فقد أتاكم الله بالنصر من عنده.
وعندما اقتربت الفيلة من الكعبة استدبرت وأبت الإقتراب رغم أنهم كانوا ينهرونها، وكأن القدرة منعتها من الإقتراب، ثم أتت الطيور تحمل في أفواهها حجارة من نار وراحت تلقي بها نحو أبرهة وجيشه فاحترقوا ولم يبق لهم أي أثر فأصبحوا كالعصف المأكول، أي كالعُشب المسحوق الذي ذهبت معالمه.
ومنذ ذلك الحين ازداد شأن البيت المعظّم في نفوس الناس وقد انتقلت تلك الأخبار إلى كافة بقاع الأرض.

