أَنْوَاعُ الأَدْعِيَة

أَنْوَاعُ الأَدْعِيَة
الأدعية نوعان: عامة وخاصة:
ونتيجة البحث الأولية هي أنه باستطاعتك أن تخصص العامة، ولا ينبغي أن تعمم الخاصة في أكثر الأحيان، وذلك بسبب مجموعة من الإعتبارات التي ينبغي الأخذ بها.
أما نتيجة البحث الثانوية التي سنصل إليها بعد بيان الأسباب وذِكر القرائن والأهداف فسوف تختلف عن النتيجة الأولية حيث يمكن بعد ذلك أن تعمم الخاصة وتخصص العامة بشكل مطلق.
هذا على اعتبار خاص، وباعتبار آخر يمكن تصنيفها أو تنويها إلى غير واحد:
النوع الأول: الأدعية الزمانية:
وهي الناظرة إلى الزمان من دون ملاحظة المكان، كدعاء كميل بن زياد الذي تُستحب قراءته في كل ليلة جمعة، وفي ليلة النصف من شعبان، أينما قرأه الداعي، أي سواء في المسجد أو في المنزل أو في السفر أو في الحضر، فإن الحكم الخاص بهذا الدعاء هو استحباب قراءته بملاحظة الزمان فقط.
النوع الثاني: الأدعية المكانية:
وهي الناظرة إلى المكان من دون ملاحظة الزمان: كالأدعية التي ورد استحبابها في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي أو في أي مكان آخر فإن الأمثلة كثيرة والشواهد عديدة.
النوع الثالث: الأدعية الزمانية والمكانية:
وهي الناظرة إلى المكان والزمان، والتي تعلّق استحقاق الثواب الخاص على اجتماع الأمرين معاً كالدعء تحت منبر الرسول(ص) في وقتٍ محدد، أو تحت ميزاب الرحمة في وقت خاص.
النوع الرابع: الأدعية اللازمانية واللامكانية:
ويمكن لنا أن نعبّر عنها بالأدعية المطلقة، كدعاء”اللهم كن لوليك: وهذا النوع من الأدعية كثير جداً حيث فتحت الشريعة السمحاء مجالاً واسعاً أمام المؤمنين للتحلي ببركات مثل هذه الأدعية خصوصاً للذين يرغبون بالدعاء مثلاً ولا يستطيعون انتظار حلول حضور المكان أو حلول الزمان.
النوع الخامس: الأدعية المقترنة بحدَث:
وهي التي ترتبط بزمن غير معلوم، والفرق بين هذا النوع الأول هو في معرفة زمن الحدث وعدم معرفته، كالدعاء مثلاً عند نزول الموت بأحد، أو الدعاء عند نزول البلاء أو عند حدوث مخوف أرضي أو سماوي، فنحن لا نعرف متى ينزل الموت بأحدنا، ولا نعرف متى يحصل الخوف المذكور.
تَحْوِيْلُ الأَدْعِيَةِ الزَّمَنِيَّةِ إِلَى زَمَنِيَّةٍ وَمَكَانِيَّة وَكَذَا العَكْس
ذكرنا قبل قليل تلك الأنواع الخمسة التي تعرّفتم عليها، ولم أهدف من خلال هذا التقسيم إلى الفصل بينها إلا لبيان الحقيقة والأنواع لأنها هي كذلك بالفعل، ولكن لا ينبغي أن نزرع في نفوسنا فكرة أن دعاءاً زمنياً لا يقع في مكان دعاء مكاني أو العكس، فلك أن تدعو بما تشاء في أي زمان أو مكان حتى مع مخالفة الزمان والمكان.
يعني: هناك دعاءٌ مرتبط بزمن خاص، كدعاء الإفتتاح الذي تُستحب قراءته في ليالي شهر رمضان المبارك، فإن ارتباط دعاء الإفتتاح بهذا الزمن المخصوص لا يعني أنك ممنوع من قراءته في غير شهر رمضان، أو الدعاء عند منبر أو قبر الرسول(ص) فإن لك أن تصنع ذلك عن بُعد.
ولكن الفرق بينهما هنا هو في النية، فنية القراءة في الزمان الخاص تختلف عن النية في غيره، وكذا النية في المكان الخاص، وكذا العكس، ولا شك بأن الإلتزام بالمكان والزمان المخصوصيين أمرٌ آكد على استحقاق الثواب المنصوص عليه، ولكن هذا لا يعني أنك محروم من الثواب إذا قرأت أدعية شهر رمضان في شهر شوال، فيمكن أن نقول بأن الثواب هنا يختلف، ولا مانع من ذلك لأن الله تعالى يريد أن يعلّمنا على نظم أمورنا حتى في الأمور العبادية، وفي نفس الوقت فإنه تعالى يدلنا على ما فيه المصلحة الأكبر والمنفعة الأعظم، فلو جعلنا الدعاء المرتبط بزمن معيّن بنفس المرتبة فيما لو وقع في غير زمانه فقد ارتكبنا خطئاً كبيراً لأنه إذا فعلنا ذلك فلربما قتلنا روح الزمن الخاص فلا نعبأ به بعد ذلك.
يجب أن تبقى خصوصية الزمان والمكان موجودة حتى يبقى التوجه المطلوب، وهذا ما يعمل الناس به بفعلِ فطرتهم، بل هذا ما يشعرون به، وأنا شخصياً لا أعتقد بأن الذي يقرأ دعاء الإفتتاح في غير شهر رمضان سوف يكون توججه إليه مثل توجهه إليه في محله.
فلو خُلّي الإنسان ونفسَه، وقرأ دعاءاً خاصاً بليلة القدر في غير ليلة القدر وقال مثلاً هذه الفقرة: اللهم اجعل فيما تقضي وتقدر من الأمر المحتوم، وفيما تفرق من الأمر الحكيم في ليلة القدر من القضاء الذي لا يرد ولا يبدل: فسوف يشعر بأمر غير طبيعي وغير منطقي ربما يحصل معه النفور من الدعاء، وهذا النفور وإن حصل نتيجة قراءة هذا الدعاء في غير ليلة القدر فإنه سوف يشعر به بشكل أقل حتى عندما يأتي زمانه، وهذه حقيقة يثبتها علماء النفس.
نحن هنا لا نمنع من الخلط والتعميم والإطلاق، ولكننا ننصح بالإلتزام ضمن المنهج الديني الموضوع لذلك لأن الله تعالى أعلم بالمصالح والمفاسد، ولو كان في الخلط أو التعميم نفس الفائدة في التخصيص لبيّنها رب العالمين لنا.
وعند عدم البيان يجب أن يبقى الوضع على ما هو عليه حتى يتغيّر المقام.
لقد عنيت شريعة الإسلام بنظام خاص ودقيق في الأعمال والآداب حيث أحاطت بهذا الموضوع من كل جانب فلم تدَعْ وقتاً من أوقات هذا العمر إلا وجعلت له أعمالاً خاصة به، وهذا من ضروب التدبير والمحافظة على العلاقة المستمرة بين الله تعالى وعبيده.
لقد وضعت شريعة الإسلام الحنيف أعمالاً للسنة، وأعمالاً للشهر، وأعمالاً للأسبوع، وأعمالاً لليوم والليلة، وأعمالاً لكل ساعة النهار، مما يدل على مدى تلك الرعاية والعناية من قِبل هذا الدين الحنيف الذي لم يأت إلا من أجل توطيد العلاقة بين الخالق والمخلوق، وفي نفس الوقت فإن جعْلَ هذا النظام يقطع العذر ويلغي الحجة، بل إنه يلقي الحجة على الجميع.
ولأجل توضيح الأمر أذكر لكم نماذج شريعة عن جوهر هذا النظام العبادي الدقيق.
هناك أعمال تُعمل مرة في السنة، كأعمال أول يوم من كل سنة، أو أعمال كل ليلة على حدة من ليالي شهر رمضان لكونها لا تُكرر أكثر من مرة في السنة الواحدة، فأنت عندما تقوم بأعمال الليلة الأولى منه فإنك لن تستطيع أن تكررها إلا عند السنة القادمة في نفس الليلة.
وهناك أعمال خاصة بالشهور كجزء من اثني عشر جزء، وكحقبة زمنية مكونة من ثلاثين يوم وليلة فيها أعمال لبعض لياليها وليس في جميع لياليها، كتلك الأعمال التي نسميها(أعمال الأشهر الهجرية) ولم نقل أعمال الأيام أو أعمال الليالي لأن هذا شيء، وذاك شيء آخر، ولأجل أن نوضح الأمر أكثر لا بد من أن نذكر نموذجاً عن الأعمال الشهرية بهذا المعنى.
فشهر شعبان مثلاً: له أعمال لكل ليلة، وله أعمال لبعض الأيام وليس في جميع الأيام، فدعاء (شجرة النبوة) يُقرأ كل يوم من أيام شهر شعبان، ولا يُقال بأنها أعمال يومية بل شهرية لأن ظرفها هو شهر شعبان، ونعني بالأعمال اليومية هي التي تتكرر بعدد أيام أو ليالي السنة.
وهناك أعمال خاصة بالأسبوع، كدعاء كميل الذي يُقرأ مرة في الأسبوع، أو أدعية الأيام التي يُقرأ كل واحد منها مرة واحدة في الأسبوع كدعاء يوم الإثنين مثلاً فلا نقرؤه إلا في يوم الإثنين، يعني مرة واحدة في الأسبوع، فهو من الأعمال الأسبوعية وإن كان مورده يوماً من الأسبوع.
وهناك أعمال خاصة بالأيام والليالي: كالأعمال التي تُستحب نفسها في كل يوم أو في كل ليلة، وهي كثيرة جداً، وموجودة في أغلب الكتب الخاصة بهذا الشأن.
وهناك أدعية خاصة بالساعات: كأعمال الساعة الأولى من هذا اليوم أو تلك الليلة، وهكذا حتى لا يخلو أي وقت من السنة من أعمال وآداب.
مَضَامِيْنُ الأَدْعِيَة
كل الأدعية عظيمة سواء صدرت من المعصوم أو من غيره، لأن الهدف من الدعاء هو الله تبارك وتعالى، وفي مثل هذه الحالة فإننا لا ننظر إلى الدعاء ومصدر صدوره، بل إلى المدعو به له.
ولكن الفرق بين الأدعية الصادرة عن المعصومين(ع) تختلف بمضامينها عن الأدعية الصادرة عن غيرهم، لأن أدعية أهل العصمة(ع) تشتمل على أنواع كثيرة من العِلم وبيان العقيدة والأحكام وإظهار القدرات الإلهية والنعم الكبرى وغير ذلك مما يكشف الحقيقة للمخلوق حول خالقه العظيم، ولو كان هذا الكتاب معقوداً لهذا البحث فقط لما كفت صفحاته لبيان تلك الأدعية العظيمة، والتي كان في مقدمتها أدعية الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين(ع) التي يقرؤها المؤمن بهدف العبادة، وغير المؤمن بهدف الإستفادة.


