منوعات

مَفهوْمُ الدُّعَاء في السُنّة المُطهَّرَة

مَفْهُومُ الدُّعَاءِ فِي السُّنَّةِ المُطَهَّرَة

لقد أوجز القرآن المجيد حديثه عن الصيام كما أوجز الحديث عن غيره من العبادات والأحكام والمفاهيم من باب كونه معجزة بإيجازه، ولا ينبئ ذلك عن نقص أو خلل أو تقصير، وإنما ينبئ عن العظمة الإلهية والقدرة الباهرة التي أخرجت هذه المعجزة الخالدة لتتماشى مع كل الأزمان ولتبقى المعجزة الخالدة رغم التطور ومرور الأيام والسنين والقرون.
ولا يوجد في هذا الإيجاز ظلم للناس حيث لم يحرمهم ربهم من بيان كل شيء، فقد بيّن لهم ما يحتاجون إليه في هذه الحياة على لسان خاتم الرسل محمد(ص) وقد أمرنا الله بالأخذ عنه لأنه لا ينطق من عند نفسه وإنما هو الوحي الإلهي الذي كان ينزل عليه بين الحين والآخر.
ولأجل ذلك نرى بأن السنّة الشريفة أولت عناية كبيرة لجميع ما أوجز القرآن ذكره كيلا يحرم أحد من تلك التعاليم والمفاهيم خصوصاً وأن الله تعالى ليس بظلام للعبيد.
والدعاء هو من الأمور التي كثر الحديث عنها على لسان النبي والأئمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين أولئك الذين جعلهم الله تعالى لسان حق وعلم وعدل فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وجعلهم قدوة للبشر ومنارة لهذا التاريخ الذي أظلمه الفساد والضلال والجهل والعناد وكان النبي وآله الحصن الحصين والسد المنيع في وجه الأعاصير الهوجاء التي لو لم يدغعها النبي وآله لدمرت الإنسانية من أساسها.
نأتي الآن إلى مفهوم الدعاء في كلام المعصومين(ع) ولا بد من بيان كل ما يتعلق بهذه العبادة التي نحن بأمس الحاجة إليها في كل زمان.
قال(ص) “الدعاء مخ العبادة ولا يهلك مع الدعاء أحد”
فقوله(ص) مخ العبادة هو أن الدعاء أساس ثابت في عالم الإيمان فكيف يكون الإنسان مؤمناً وهو بعيد عن الله لا يدعوه ولا يسأله، ينبغي على كل مؤمن أن يدعو الله تعالى مراراً لأن الله يحب أن يسمع دعاء عبده المؤمن.
وقال(ص): الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السموات والأرضين:
فقد ظهر معنا من خلال ما قلناه في بحوث سابقة أن الدعاء هو أقوى سلاح يمتلكه الإنسان في هذه الحياة لأنه يستمد القوة من الخالق القدير سبحانه وتعالى ذي القوة القاهرة والعظمة الباهرة.
وأما مسألة أنه عمود الدين فلقد اشتهرت هذه العبارة في الصلاة وأما كون الدعء عمود الدين فهو يشكّل أساساً في العبادة كما تشكل الصلاة أساساً فيها وهي تشتمل على الدعاء إن لم نقل بأن أكثر أجزاء الصلاة هي دعاء.
فالصلاة عمود الدين تشير إلى جهة خاصة بل هي غاية في الخصوصية العبادية، وأما الدعاء عمود الدين فهو يشير إلى جهة أخرى تلتقي مع الجهة الأولى في أكثر المصاديق، ولا يوجد تعارض أو تناقض بين الأمرين، وبناءاً عليه يمكن وصف جميع العبادات بهذا الوصف مع ملاحظة خصوصية كل واحدة منها.
وأعظم تعبير عن الدعاء في هذه الرواية هو أن الدعاء نور السموات والأرض، ولا عجب في هذا الوصف لأن الدعاء أمر يتصل بالله مباشرة.
وقال(ص): يدخل الجنة رجلان كانا يعملان عملاً واحداً فيرى أحدهما صاحبه فوقه فيقول يا رب بما أعطيته وكان عملنا واحداً؟ فيقول الله تبارك وتعالى:سألني ولم تسألني:
يكشف لنا هذا الحديث عن النتيجة الحتمية للدعاء وهي تفضيل الداعي ورفع مستواه ودرجته على مستوى المقصرين والمتوانين عن اتخاذ هذه العبادة ركناً أساسياً لهم في الحياة.
والرواية صريحة الدلالة في بيان هذا التفاضل والتمايز بين المؤمنين، وهي في نفس الوقت تؤكد الرأي الذي ذكرناه حول موضوع وجوب الدعاء أو عدم وجوبه فهي تكشف عن كونه غير واجب وإلا فلو كان واجباً لما دخل الجنة من لم يسأل الله عز وجل.
ويقول علي(ع) ” الدعاء مقاليد الفلاح ومصابيح النجاح ”
ولا شك في وضوح المراد من هذين الوصفين لمسألة الدعاء، وهذا من شأنه أن يبعث في المؤمن روح التوجه نحو الله تعالى في جميع الحالات، لأن المؤمن في هذه الحياة يبحث عن كل ما يدنيه من ربه ويكسبه الثواب ويربي رصيده في يوم الحساب.
وقال: الدعاء مفتاح الرحمة ومصباح الظلمة
الدعاء مفتاح الرحمة لأن الداعي المؤمن أول ما يطلبه من الله هو الرحمة في الدنيا والآخرة وهو يدعو ربه باستمرار أن لا يخرجه من هذه الدنيا إلا بعد أن يرضى عنه، فلا ينبغي على الإنسان أن يتكل على عمله فقط فإن العمل لوحده لا يكفي للخلاص من العذاب ونيل الرحمة بل لا بد من أن يسأل الله ذلك ليتعامل معه بلطفه ولأجل ذلك قال الإمام زين العابدين(ع) في دعائه: لَسْتُ اَتَّكِلُ فِي النَّجاةِ مِنْ عِقابِكَ عَلى اَعْمالِنا، بَلْ بِفَضْلِكَ عَلَيْنا، لاَِنَّكَ اَهْلَ التَّقْوى وَاَهْلَ الْمَغْفِرَةِ تُبْدِئُ بِالاِْحْسانِ نِعَماً، وَتَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ كَرَماً:
وأما وصفه(ع) للدعاء بأنه مصباح الظلمة فهو يحمل نفس المعنى الذي حمله قول الرسول(ص) ” الدعاء نور السموات والأرضين ”
وقال(ع): أحب الأعمال إلى الله في الأرض الدعاء ”
وقد مر معنا ما يشبه هذا المعنى وذلك عند الحديث عن أن الله تعالى يحب أن يسمع دعاء عبده المخلص له، والحكمة في كونه أحب الأعمال هو أنه الرابط المستمر بينه وبين خلقه والذي يصدر في كل زمان ومكان من دون ملاحظة الألفاظ والظروف وغيرهما من العوامل المؤثرة في هذا المجال.
ويقول الحسن(ع): ما فتح الله على أحد باب مسألة فخزن عنه باب الإجابة ”
الإمام الحسن سلام الله عليه يشير في هذا الكلام إلى موضوع يتعلق بلطف الله ورحمته وعدله فقد دعانا الله للدعاء وضمن لنا الإجابة ولا يعقل أن يخزن الله الإجابة عن الداعين المخلصين بعد أن دعاهم للمسألة.
وقال(ع): من قرأ القرآن كانت له دعوة مجابة إما معجلة وإما مؤجلة ”
وهنا يبين لنا وجهاً من وجوه العلاقة بين القرآن والدعاء وهو أن قراءة القرآن أهم مفاتيح الإجابة، وهذا السلوك يجب أن يتبعه المؤمنون جميعاً في توطيد العلاقة بين العبد وربه.
ويقول الحسين(ع): كان رسول الله(ص) يرفع يديه إذا ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين:
وبهذا الكلام يشير الإمام الحسين(ع) إلى نقطة مهمة يجب أن تتوفر في عملية الدعاءوهي التذلل لله واتهام النفس أمامه لا أن يدعو الإنسان ربه بطريقة تشبه كلامه مع قرنائه من الناس، يجب أن تميز مخاطبتك لربك عن مخاطبتك للآخرين وتعلم أنك تدعو إلهاً عظيماً بيده كل شيء.
ويقول الإمام زين العابدين(ع) في مناجاته: لا تجعلني ممن يبطره الرخاء ويصرعه البلاء فلا يدعوك إلا عند حلول نازلة:
هناك كثير من المسلمين يتغافلون عن المسألة والدعاء فلا يتذكرون ذلك إلا وقت الحاجة والضرورة فهم يعربون عن الله ولا يتواصلون معه إلا في حالات الشدة عندما لا يرون أمامهم سوى القدرة الإلهية لحل مشكلتهم وهذه صفة نقص في الإنسان فهي تعني البعد والجفاء وتحمل معنى الطمع والنفعية.
هؤلاء يظنون بأنهم يؤدون ما عليهم تجاه الله في الواجبات التي يقومون بها والتي قد تصدر عنهم كوظيفة يؤدونها فقط خالية من التوجه والخشوع والخضوع وإن أنبأ ذلك عن شيء فإنما ينبئ عن الجفاء القائم بينهم وبين الخالق سبحانه وتعالى الذي يجب التواصل معه في كل لحظة من لحظات العمر إذ لا قيمة للحياة في جنب البعد عن الله.
الدعاء في حالات الشدة قد ينبئ عن أمر فطري فقط أي أنك لم تدع ربك إلا لأنك بحاجة إليه، أما الدعاء في حالات الرخاء فهو الذي يحكي مدى التواصل مع الله والإخلاص له وهو النوع الذي يحبه الله سبحانه وتعالى.
كما ويمكن لنا سلخ صفة الدعاء عن مثل هذا النوع النفعي الذي قد يصدر من دون أي شعور وتوجه.
ويقول الإمام الباقر(ع): إن العبد يسأل الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيء فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك لا تقض حاجته واحرمه إياها فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني ”
والإمام الباقر هنا يلفت نظرنا إلى وجود عوامل تحجب الدعاء وتمنع الإجابة وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين(ع) في دعاء كميل حيث قال:أللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء”
وهنا لا ينبغي على الداعي أن يتذمر لعدم الإجابة فإن النقص في مقدماته وليس في أصل مسألة الإجابة التي لا بد من حصولها إذا صدر الدعاء بالطريق المطلوب.
فهناك إذن.. موانع تحجب الإجابة عن الداعي ولا يمكن أن يجاب على شيء من مسألاته إلا إذا غيّر الواقع الذي يحول بينه وبين الإجابة.
ويقول الصادق(ع) إن الله عز وجل لا يستجيب دعاءاً بظهر قلب ساه فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن الإجابة ”
وهذا الحديث يحمل معنى الحديث السابق لأن المنشغل عن الله لا يصدر منه الصواب ولا يؤمل منه المطلوب، فإذا أردت أن يستجاب لك فعش مع الله بقلبك وجميع جوارحك.
وقال(ع): من سره أن يستجاب دعاؤه فليطيّب كسبه:
وهنا يشير الإمام الصادق(ع) إلى أحد عوامل الإجابة وهو الكسب الحلال لأن البطن الذي يأكل حراماً يعكس ظلاماً دامساً على القلب والروح، وهذا يسد باب الرحمة والإجابة لأن آكل الحرام عاص ومذنب والذنب يمنع الإجابة.
ويقول الكاظم(ع): قال قوم للصادق(ع) ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال لأنكم تدعون من لا تعرفونه:
وليس معنى هذا الحديث ببعيد عن سابقه بل هو يحمل معنى أوضح، وهو أن الإنسان الذي يدعو شيئاً مجهولاً لا يمكن أن يجاب إذ كيف تطلب أمراً من شيء أنت لا تعرفه، فعلى الداعي أن يعرف الله تعالى وأنه قادر على كل شيء وأنه يجيب دعوة الداعي وأنه قريب من عباده، فإذا جهل الداعي هذه الخصال فقد جهل كل شيء.
ويقول الإمام الرضا(ع): دعوة السر تعدل سبعين دعوة في العلانية ”
وذلك لأن الدعاء في السر يكون في الغالب خالصاً لله حيث أن الإسرار في أغلب الحالات يخلو من الرياء والعجب.

آدَابُ الدُّعَاءِ وَعَوَامِلُ عَدَمِ الإِجَابَة

يعتبر الدعاء من المفاهيم الواسعة في دين الإسلام حيث اشتمل على عدة حقائق وبنود وآداب.
في هذا البحث سوف نشير إلى آداب الدعاء وبعض عوامل منع الإجابة بشكل موجز، لأنه من الضروري جداً أن نتم هذه البحوث بذكر الآداب الخاصة في مسألة التواصل مع الله عز وجل لأن العمل على طبق هذه الآداب يضمن الإجابة ويزيد في الأجر والثواب.
لقد ذكر علماء الإسلام كثيراً من تلك الآداب الخاصة التي سوف نذكر أهمها:
منها: البسملة:
فيستحب للداعي أن يبدأ دعاءه ببسم الله الرحمن الرحيم فإن لها أثراً على الإجابة حيث ورد عن رسول الله(ص) أنه قال: لا يُرد دعاء أوله بسم الله الرحمن الرحيم: والبسملة هي مفتاح الرحمة والبركة وقد ذُكر لها في الشريعة آثار كريمة تنبئ عن عظمتها، ويمكن لنا اكتشاف عظمتها من وجودها أول كل سورة قرآنية ومن استحباب الجهر بها في الصلوات الإخفاتية.
ومن آداب الدعاء: تمجيد الله سبحانه وتعالى:
قبل أن تبدأ بالدعاء والمسألة مجّد الله عز وجل واذكر بعض صفاته من باب البركة والتأكيد على الإجابة وهذا يجعل العلاقة بين وبين الله تعالى وثيقة وعميقة فلا تكون العلاقة بينكما مجرد مسألة وإجابة بل علاقة عبد برب كريم وعظيم وقدير، وقد ذكر الإمام علي(ع) هذه السنّة من سنن الدعاء والتي ينبغي على كل داع أن يراعيها فإن مراعاة هذه السنن تعود بالمنفعة الأكيدة على الداعي فقد قال(ع): المدحة قبل المسألة فإذا دعوت الله عز وجل فمجّده:
ويقول النبي(ص) إن كل دعاء لا يكون قبله تمجيد فهو أبتر:
ومن آداب الدعاء: الصلاة على محمد وآل محمد:
وهذه السنّة من أهم آداب الدعاء لأن التوسل بالنبي وآله هو أوسع باب للإتصال مع الله الذي لا يرد الدعاء المبدوء بالصلاة عليهم فإن ذكرهم عبادة يحبها الله عز وجل، وقد أحسن الفرزدق عندما قال في قصيدته الشهيرة.
مقدم بعد ذكر الله ذكرُهم في كل حكم ومختوم به الكلم
وهذا ما أشار إليه خاتم النبيين وسيد المرسلين رسول الله محمد(ص) حيث قال: صلاتكم عليّ إجابة لدعائكم وزكاة لأعمالكم:
فلا ينتظرن أحد منكم إجابة دعائه وهو بعيد عن النبي وآله أو كاره لهم أو ناصب العداء لهم فهم الصفوة والقدوة وخلاصة الطهر في هذه الدنيا.
فمن أراد أن يُفَك أسر دعائه ويستجاب له فليقتدي بهؤلاء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قال الصادق(ع) لا يزال الدعاء محجوباً حتى يصلّى على محمد وآل محمد:
وفي حديث آخر قال(ع): من كانت له إلى الله عز وجل حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد فإن الله أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط إذ كانت الصلاة على محمد وآل محمد لا تحجب عنه:
ومن تلك الآداب: الإستشفاع بالصالحين:
وهو التوسل بمن كان له شأن عند الله من الأولياء والصلحاء الذين شهدهم تاريخ البشر، ومنفعة هذا الإستشفاع هو أن الله تعالى إذا لم يستجب لك لأجلك فإنه سوف يستجيب لك من أجل الذين توسلت بهم وذكرت أسماءهم في دعائك.
ومن آداب الدعاء: الإقرار بالذنب.
هناك كلمة شهيرة تتردد كثيراً على ألسنة الناس وهي أن الإعتراف بالخطأ فضيلة: وهذه العبارة ليست ببعيدة عن الموازين والأنظمة الإسلامية فهي قريبة عندما تكون مشروطة وليست مطلقة فإن الإطلاق فيها لا يدل على الفضيلة فإن الإعتراف بالخطأ لمجرد الإعتراف الذي لا يستتبع استقامة لا يكون فضيلة بل هو حينئذ رذيلة لأنه يعقبه التجرأ على الخطأ مرة بعد مرة.
الإغتراف بالخطأ فضيلة عندما يعزم المعترف به في نفسه على عدم العودة لهذا الخطأ وأمثاله مما يغضب الله ويضر بالآخرين.
ولأجل ذلك يمكن لنا أن نستبدل هذه العبارة بعبارة أدق منها فنقول: ترك الخطأ فضيلة:
فالإقرار بالذنب والإعتراف بالخطأ الذي يستتبع استقامة النفس هو أحد آداب الدعاء وهو أهم نوافذ الوصول إلى الهدف من وراء الدعاء لأنه يدعم عوامل الإجابة.
وهذا الإقرار لا يختص ولا ينحصر بالمذنبين فقط فإن بإمكان المطيع الذي لا يخطئ أن يقر بذنب لم يرتكبه وهو ضرب من ضروب التذلل لله سبحانه وتعالى وهو من الأساليب التي اتبعها الأئمة المعصومون عليهم السلام في أدعيتهم ومناجاتهم.
فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) قد اتبع هذه الطريقة في الدعاء الذي كتبه عنه كميل بن زياد يقول فيه:
اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء أللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء اللهم اغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء أللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم اللهم غفر لي الذنوب التي تغير النعم.
وهذا عين التذلل لله وعين القرب منه والله تعالى يحب هذا الأسلوب في الدعاء لأنه مسرّع للإجابة هو عبادة جميلة وعظيمة يتعبد بها المؤمن لربه.
وليس في هذا الأسلوب كذب كما يحاول البعض أن يشوه هذه الصورة الجميلة فإن الكذب يكون كذباً إذا اجتمعت فيه مقدمات الكذب وكان الهدف منه أمراً قبيحاً، أما اتهام النفس بالمعصية أمام الله فليس فيه شيء من ذلك لأن الداعي يعلم بأن الله تعالى يعلم السر وما في ضمائر المخلوقين مما مضى ومما لم يأت بعد فهو لا يتجرأ بالكذب على العليم السميع البصير، أما الكذب على المخلوقين أو تكذيب الشرائع السماوية فهو المبغوض.
فالذي يتهم نفسه بالمعصية وهو طيلة حياته لم يعص فإن تاريخه الحافل بالطاعة الخالي من المعصية لأكبر دليل على كون هذه الإتهامات لنفسه خالية من الكذب لأنه لو أراد أن يكذب لكذب في غير هذا الموضع.
وعلى ذكر هذه الفقرات من دعاء كميل لا بد من إجلاء صورة شوهها بعض المغرضين الذين يتقربون إلى الناس من خلال اتهام المعصومين بما لا يليق بشأنهم الرفيع، وعلى كل حال فإن أهداف هؤلاء باتت معلومة لدى القاصي والداني فقد ذهبت آثار أكاذيبهم ولكن التبعات ما زالت ملازمة لهم وسوف يحاسبون عليها في يوم القيامة لأنهم اشتروا رضا المخلوقين بسخط الخالق وهم أخسر الناس لما ورد في الحديث أن أخسر الناس من خسر دينه بدنياه وأخسر منه من خسر دينه بدنيا غيره.
لقد استدل هؤلاء المتسترون بالدين على كون المعصوم يرتكب الذنب من خلال هذه الفقرات وهم أعلم من غيرهم بسبب إطلاق هذه التهم على النفس.
نحن نقول إن هؤلاء يتهمون المعصوم بالمعصية حتى يبرروا معصياتهم الكبيرة التي يرتنكبونها يومياً.
فلو أننا فكرنا قليلاً بهذا الكلام الصادر عن علي وربطناه ببعض كلامه الدال على عصمته لأدركنا أن الأمر ليس اعترافاً بل هو اتهام للنفس بهدف التذلل لله.
كيف يمكن أن يكون الإمام مخطئاً وهو القائل: لو أعطيت الأقاليم السبع بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت:
وهو الذي لم تغره زخارف الحياة ولا أمتعتها بينما نجد الذين يوجهون هذه الإتهامات الباطلة لهذا المعصوم العظيم قد غرقوا في متاهات الحياة وملذاتها وشهواتها فهم يسكنون القصور وعلى لم يسكن القصور رغم استطاعته على أكثر من ذلك، وهم خزنوا الأموال لأنفسهم وأقاربهم وعلى لم يخزن المال إلا من أجل المسلمين، وهو الذي منع أخاه عقيلاً من حصة زائدة فسوى بينه وبين جميع الفقراء، علي كان يتناول صنفاً واحداً من الطعام المتدني وهؤلاء يأكلون أشهى أنواع الطعام ويبذرون ويسرفون في الولائم التي لم يكن الهدف منها سوى الزعامة والسمعة.
على لم يخف من الناس وهؤلاء يخافون الموت فيحصنون أنفسهم بالدروع البشرية وغير البشرية.
علي لم يتاجر باسم الفقراء والأيتام وهؤلاء نالوا دنيا قارون باسم الأيتام والفقراء.
علي ذاب في حب الله وهؤلاء ذابوا في حب دنياهم القائمة على المعتقدات الفاسدة.
وكذا الحال فيما ورد عن الإمام السجاد(ع) في دعاء أبي حمزة الثمالي حيث بالغ الإمام في توجيه التهم لنفسه وهذا أمر عظيم للغاية فقال(ع): أنا الذي عصيت جبار السماء أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشا…
وفي موضوع الإقرار قبل الدعاء قال الإمام الصادق(ع) إنما هي المدحة ثم الإقرار ثم المسألة:
ومن آداب الدعاء: التضرع إلى الله عز وجل:
فقد أوحى الله إلى موسى(ع): يا موسى كن إذا دعوتني خائفاً مشفقاً وجلاً وعفر وجهك في التراب واسجد بمكارم بدنك واقنت بين يدي في القيام وناجني حيث تناجيني بخشية من قلب وجل:
وقد أوحى تعالى إلى عيسى(ع): يا عيسى أدعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث.. ولا تدعني إلا متضرعاً:
ويستحب قبل الدعاء صلاة ركعتين قربة لله تعالى بنية قبول الدعاء.
ومن آداب الدعاء: عدم استكثار المطلوب:
فلك أن تدعو الله بما شئت واطلب منه ما تريد لإنه الله واسع عليم كريم قد يجيبك إلى ما دعوته وإن كان كثيراً فلا ينبغي على الداعي المؤمن أن يستكثر مطلوبه كيلا يكون ذلك انتقاصاً من قدرة الله عز وجل.
قال(ص) قال الله تعالى: لو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا فتمنى كل واحد ما بلغت أمنيته فأعطيته لم يتبين ذلك في ملكي:
وورد عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: لا تستكثروا شيئاً مما تطلبون فما عند الله أكثر مما تقدّرون:
ومن آداب الدعاء: تعميم الدعاء:
وهو أن تدعو لنفسك ولغيرك بل أن تقدم الدعاء للمؤمنين على الدعاء لنفسك فإن الله تعالى ببركة دعائك لهم يستجيب لك.
ومن الآداب المطلوبة في الدعاء: الإسرار بالدعاء:
فإن الإسرار فيه أعظم من إعلانه، وهو المعبر عنه بقوله تعالى(ودون الجهر من القول)
ومن الآداب: حسن الظن بالإجابة:
قال(ص) ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:
ومنها: اختيار الأوقات المناسبة:
كشهر رمضان المبارك واختيار أعظم أوقاته كالسحر مثلاً.
ومنها الإلحاح على الله في الدعاء فإن الله يحب الإلحاح من عبده المؤمن.

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى