كتُب

سِلْسِلَةُ حَقِيْقَةِ الإِنْسَان

خَلْقُ السَّمَواتِ وَالأَرْض فِيْ سِتَّةِ أَيَّام

بِدَايَةُ التَّكْوِيْن

كثير من الحقائق لا يتم الكشف عنها إلا من خلال بعض الحقائق المرتبطة بها تكويناً.
ولكي نعرف حقيقة الإنسان ونميزها عن باقي الحقائق وجب بيان تلك الحقائق الأخرى ولو على نحو الإيجاز حتى تتم الفائدة ببيانها.
ثم إن الحديث عن الحقائق المرتبطة بالإنسان تكويناً تساعد كثيراً على فهم حقيقة الإنسان مادياً ومعنوياً، وإلا كان البحث ناقصاً.
وهذا الإنسان مرتبط بمحيطه من المخلوقات التي هي فوقه وتحته وحوله كالسماء وما فيها، والأرض والحيوان والنبات، فجميعها جزء من هذا الكون المتكامل.
ولذا رأيت من المناسب أن أدخل في بيان حقائق ذات صلة مباشرة بحقيقة الإنسان حتى أصل إلى أعلى مستويات الهدف المطلوب من هذا الكتاب.
فإن لكل مخلوق بداية وحيزاً في هذا الوجود، ووظيفة يقوم به بالإختيار أو الإجبار، وسوف أعمل على بيان أصول وحقائق وأنظمة بعض المخلوقات المحيطة بنا ثم أعرّج على أصل الموضوع، وهو حقيقة الإنسان.
ومن طبيعة الإنسان الطموح أن يترقى بالعطاء والسعي لخدمة الإسلام وأهله وبيان كل ما يتعلق بالعقيدة من قريب أو بعيد، وذلك مع مراعاة القدرات الفكرية والإمكانات الإستيعابية للعديد من الفئات المؤمنة لأن بعض الطبقات تتمنى علينا الإختصار، والإختصار أمر جميل، ولكن ليس في جميع الحالات إذ قد يكون الإختصار مخلاً في بعض المراحل، وبعضهم يطلب منا قليلاً من التفصيل لعلمهم بأن المنفعة الكبرى تكمن خلف التفصيل.
والعمل الذي بين أيدينا سوف يكون بين الأمرين، وبهذه الطريقة نرضي جميع الأطراف فضلاً عن ضمائرنا وشعورنا بالواجب تجاه ديننا الذي يجب أن نظهره بأحسن صورة وأجمل طريقة وأسمى كيفية.

كَيْفَ خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ؟

بغض النظر عن إثبات كونه تعالى هو الخالق للأشياء لأن هذا الأمر مفروغ منه ومحقق به يؤمن به الجميع حتى عبَدة الأصنام، وبغض النظر عن كونه خلقه في ستة أيام وما الذي خُلق أولاً وما الذي وُجد في الأخير لأن هذه البحوث سوف نطرحها بالتفصيل في هذا الجزء إن شاء الله تعالى، ولكن ضرورة الأمر تفرض علينا الإشارة إلى هذه النقطة الآن وبالذات كيلا يكون البحث ناقصاً وقبل الدخول في الكلام عن الكون وما فيه، وهنا سوف أكتفي بما اكتفى به أمير المؤمنين علي(ع) في نهج البلاغة حيث وضف عملية الخلق بقوله:
” أَنْشَأَ الخَلْقَ إنْشَاءً، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلاَ رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا، وَلاَ تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا، وَلاَ حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا، وَلاَهَمَامَةِ نَفْسٍ اظْطَرَبَ فِيهَا. أَحَالَ الْأَشيَاءَ لَأَُوْقَاتِهَا، وَلْأَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا، وَغَرَّزَ غَرائِزَهَا، وَأَلزَمَهَا أَشْبَاحَهَا، عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا، مُحِيطاً بِحُدُودِها وَانْتِهَائِهَا، عَارفاً بِقَرَائِنِها وَأَحْنَائِهَا ، ثُمَّ أَنْشَأَ ـ سُبْحَانَهُ ـ فَتْقَ الْأََجْوَاءِ، وَشَقَّ الْأََرْجَاءِ، وَسَكَائِكَ الَهوَاءِ، فأَجْرَي فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ، مُتَراكِماً زَخَّارُهُ، حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ، وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ، فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ، وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ، وَقَرنَهَا إِلَى حَدِّهِ، الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيقٌ، وَالمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ ، ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا، وَأَدَامَ مُرَبَّهَا، وَأَعْصَفَ مَجْرَاها، وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا، فَأَمَرَها بِتَصْفِيقِ المَاءِ الزَّخَّارِ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ البِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ، وَعَصَفَتْ بهِ عَصْفَهَا بِالفَضَاءِ، تَرُدُّ أَوَّلَهُ عَلَى آخِرِهِ، وَسَاجِيَهُ عَلَى مَائِرِهِ ، حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ، وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ ، فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ، وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ ، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَموَاتٍ، جَعَلَ سُفْلاَهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً ، وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً، وَسَمْكاً مَرْفُوعاً، بِغَيْر عَمَدٍ يَدْعَمُهَا، وَلا دِسَارٍ يَنْظِمُها. ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزينَةِ الكَوَاكِبِ، وَضِياءِ الثَّوَاقِبِ، وَأَجْرَى فِيها سِرَاجاً مُسْتَطِيراً ، وَقَمَراً مُنِيراً: في فَلَكٍ دَائِرٍ، وَسَقْفٍ سَائِرٍ، وَرَقِيمٍ مَائِرٍ”
وفي الحقيقة إن هذه الكلمات هي عصارة تلك الحقيقة التي ما زال الناس منذ قرون يبحثون عنها وقد أخبرهم الإمام عنها منذ ذلك الحين، ولا شك بأن كل كلمة من تلك الكلمات العلوية تحتاج إلى تفاسير كثيرة، ولسنا هنا بصدد التفسير أو التوسع في البحث وإنما ذكرنا هذا الكلام المبارك من أجل افتتاح البحث وإضفاء البركة عليه ليس أكثر.

أَصْلُ الكَوْنِ

قال سبحانه وتعالى في الآية السابعة من سورة هود(وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء)
إن للفظ العرش أكثر من معنى:
المعنى الأول: (السقف أو ما يكون له سقف)
وهو الكرسي أو الأسرة التي كان يجلس عليها الملوك، وهذا ما أشير إليه في سورة النمل حيث قال تعالى في حديثه عن ملكة سبأ ونبيّه سليمان(ع) :(قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) وفي نفس السورة قال تعالى(قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا) أي: الكرسي الذي كانت تجلس عليه تلك الملكة والذي استطاع نبي الله سليمان(ع) بما سخّر له ربه من القدرات أن يأتي بعرشها بلحظة ويضعه في قصره.
المعنى الثاني: (خشب بعض الأشجار)
المعنى الثالث: (القدرة) كما يقال:ثلّ عرش فلان: وهو كناية عن ذهاب قدرته.
المعنى الرابع: (عالَم الوجود)
وبناءاً على ذلك يمكن أن يكون المراد من عرش الله تعالى هو عرش قدرته التي تستوعب جميع هذا العالَم.
ولكن لا يمكن الجزم بهذا الرأي وإن كان صحيحاً ومتفقاً مع معتقداتنا لأن هناك آية في القرآن الكريم اختلف المفسرون في معناها، فهي توحي بأن العرش شيء مادي يُجعل في يوم القيامة أو يُنصب فوق الخلائق للدلالة على عظيم قدرة الله، وهنا لا إشكال في الأمر لأن حكم العرش المادي لا يختلف عن حكم الكون وما فيه في الدلالة على القدرة، فكما جعل الله تعالى هذا الوجود آية على وجوده وقدرته فكذلك سوف يجعل العرش آية على قدرته أيضاً في يوم القيامة، ولا مانع من أن يكون العرش في يوم القيامة هو عالَم الوجود أيضاً ليكون وجوده هناك حجة على المعاندين والكافرين الذي أنكروا وجود الموج لهذا الوجود، ولعل المعنى يكون حينئذ: إن هذا العرش(عالم الوجود) الذي أنكرتم خالقه في الدنيا فها هو الخالق نصبه أمامكم كيلا تنكروا ما أنكرتموه في الدنيا، وهناك لا معنى للإنكار أو عدمه لأن الحكم قد صدر عليهم يوم مماتهم وانقطع عنهم الإمتحان، وهذا مجرد احتمال لا أجزم به وإن كان لا يتعارض مع موازين العقل إلا أنه قد يتعارض مع العقيدة في بعض الجوانب، ولذا كان لا بد من توسيع الشرح كيلا نقع في المحظور.
فلنذكر الآية التي تشير إلى هذا الموضوع بالذات ثم نتابع التوضيح.
قال تعالى في سورة الحاقة الآية 17 (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)
فعندما يقرأ القارئ هذه الآية يتبادر إلى ذهنه للوهلة الأولى أن ثمانية من الخلوقين يحملون كرسياً كبيراً ويطوفون به فوق البشر عندما يُنفخ في الصور ويقومون للحساب، ولا شك بأن كثيراً من الناس يتخيلون هذا الأمر، ولكن عندما يرجعون إلى التفاسير يجدون بأن ما تبادر إلى أذهانهم للوهلة الأولى ليس هو المعنى الصحيح لأن الأمر هناك لا يتعلق بالمادة، فقد يكون كل ذلك كناية عن الملك والقدرة، وفي نفس الوقت قد يكون هناك مادة كما ذكرت لكم قبل قليل إذ لا مانع عقلي من الأمر، ولكننا أمام كلام الله تعالى لا يجوز لنا أن نأخذ بالذوق الخاص أو الإستحسان، إذ لا بد من الرجوع إلى أهل الذكر في هذا الشأن فمن فسّر القرآن برأيه هلك.
وقد لا حظت من خلال مراجعة بعض التفاسير الهامة سكوتهم عن حقيقة العرش، وذلك لسكوت الله تعالى عن الأمر، ولكن بعضهم أشار إلى أن العرش كناية عن عرش حكومة الله الذي يحمله في الدنيا أربعة من الملائكة، وفي الآخرة ثمانية، وبعضهم ذهب إلى أن الثمانية في يوم القيامة ليس كلهم من الملائكة وسوف نأتي على ذكر هذا الأمر بعد قليل.
وأنا شخصياً لا أريد أن أدخل في تفاصيل قد لا تنفعنا كثيراً ولكنني سوف أكتفي بما ذكره صاحب الميزان حرفياً حول هذه الآية الكريمة.
قال العلامة الطباطبائي رحمه الله: قوله تعالى: «و الملك على أرجائها و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية» قال الراغب: رجا البئر و السماء و غيرهما جانبها و الجمع أرجاء قال تعالى: «و الملك على أرجائها» انتهى، و الملك – كما قيل – يطلق على الواحد و الجمع و المراد به في الآية الجمع.
وقوله: «و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية» ضمير «فوقهم» على ظاهر ما يقتضيه السياق للملائكة، و قيل: الضمير للخلائق.
وظاهر كلامه أن للعرش اليوم حملة من الملائكة قال تعالى: «الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم و يؤمنون به و يستغفرون للذين آمنوا»: المؤمن: 7 وقد وردت الروايات أنهم أربعة، و ظاهر الآية أعني قوله: «و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية» أن الحملة يوم القيامة ثمانية و هل هم من الملائكة أو من غيرهم؟ الآية ساكتة عن ذلك و إن كان لا يخلو السياق من إشعار ما بأنهم من الملائكة.
ومن الممكن – كما تقدمت الإشارة إليه – أن يكون الغرض من ذكر انشقاق السماء و كون الملائكة على أرجائها وكون حملة العرش يومئذ ثمانية بيان ظهور الملائكة و السماء و العرش للإنسان يومئذ، قال تعالى: «و ترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم»: الزمر: 75.
جاء في الدر المنثور، في قوله تعالى: “و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية” أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يحمله اليوم أربعة و يوم القيامة ثمانية.
وفي تفسير القمي، و في حديث آخر قال: حمله ثمانية أربعة من الأولين و أربعة من الآخرين فأما الأربعة من الأولين فنوح و إبراهيم و موسى و عيسى، و أما الأربعة من الآخرين فمحمد و علي و الحسن و الحسين (ع).
ونعود هنا إلى ما بدأنا به، وهو أن عرش الله تعالى على الماء، وقد قال بعضهم بأن هذا الكون كان ماءاً فحوّله الله تعالى إلى ما هو عليه الآن.
وقد يكون المراد من الماء ليس الماء الذي نشربه أو ماء البحر، فقد يكون المعنى مواداً ذائبة عبّر عنها القرآن الكريم بالماء.
ولعل هذا ما أشار إليه أمير المؤمنين علي(ع) في نهج البلاغة حيث قال” ثُمَّ أَنْشَأَ ـ سُبْحَانَهُ ـ فَتْقَ الْأََجْوَاءِ، وَشَقَّ الْأََرْجَاءِ، وَسَكَائِكَ الَهوَاءِ، فأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ، مُتَراكِماً زَخَّارُهُ، حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ، وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ، فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ، وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ، وَقَرنَهَا إِلَى حَدِّهِ، الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيقٌ، وَالمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ”
وفي كنز العمال قال رسول الله(ص)”خلق الله السماء الدنيا من الموج المكفوف”
وفي بحار الأنوار: سئل الإمام علي(ع) مما خَلق السموات؟ فقال(ع)”من بخار الماء”

 

خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
في بيان هذا الموضوع الكبير الذي يُعتبَر من أعظم آيات الله تعالى حيث يقول(لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ){غافر/57}
لن أقف على كلامي أو أي كلام آخر غير كتاب الله تعالى وكلام النبي وآله(ص) لأنه أصح وأبلغ الكلام، فمن أخذ بالقرآن والسنّة فاز، ومن أعرض عنهما فقد خسر الكثير في الدنيا والآخرة.
فإليكم مجموعة من الآيات التي تتحدث عن خلق السموات والأرض وبعض أنظمة هذا الكون.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ){البقرة/29}
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ){البقرة/164}
(وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ){المائدة/17}
(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ){الأنعام/1}
هذا وقد امتلأت سور القرآن الكريم بالآيات الحاكية عن خلق السموات والأرض لكونها أعظم دليل على القدرة اللامتناهية.
وفي موضوع خلق السموات والأرض وردت مجموعة كبيرة من الأحاديث عن النبي وآله(ص) تكشف لنا حقائق هامة في أصل التكوين.
فقد ورد عن رسول الله محمد(ص) قوله”كل شيء خُلق من ماء”(كنز العمال)
وعنه(ص) “خلق الله السماء الدنيا من الموج المكفوف”(كنز العمال)
وعن الإمام الباقر(ع)”كان كل شيء ماءاً، وكان عرشه على الماء، فأمر الله عز ذكره الماء فاضطرم ناراً، ثم أمر النار فخمدت، فارتفع من خمودها دخان، فخلق الله عز وجل السماوات من ذلك الدخان، وخلق الله عز وجل الأرض من الرماد”(الكافي)
وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين علي(ع)”وَنَظَمَ بِلاَ تَعْلِيقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا، وَلاَحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا، وَوَشَّجَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَزْوَاجِهَا، وَذَلَّلَ لِلْهَابِطِينَ بِأَمْرِهِ، وَالْصَّاعِدِينَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ، حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا، وَنَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخَانٌ مُبِينٌ، فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا، وَفَتَقَ بَعْدَ الْإِرْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا، وَأَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ عَلَى نِقَابِهَا، وَأَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تَمُورَ فِي خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَيْدِهِ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لاَِمْرِهِ، وَجَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا، وَقَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَيْلِهَا، وَأَجْرَاهُمَا فِي مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا، وَقَدَّرَ مَسِيَرهُما فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا، لُِيمَيِّزَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِهِمَا، وَلِيُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِينَ والْحِسَابُ بِمَقَادِيرِهِمَا، ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّهَا فَلَكَهَا، وَنَاطَ بِهَا زِينَتَهَا، مِنْ خَفِيَّاتِ دَرَارِيِّهَا، وَمَصَابِيحِ كَوَاكِبِهَا، وَرَمَى مُسْتَرِقِي السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا، وَأَجْرَاها عَلَى أَذْلاَلِ تَسْخِيرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا، وَمَسِيرِ سَائِرِهَا، وهُبُوطِهَا وَصُعُودِهَا، وَنُحُوسِهَا وَسُعُودِهَا”

أَصْلُ السَّمَاءِ

قال تبارك وتعالى(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ){فصلت/11}
في هذه الآية الكريمة يحدثنا الله عز وجل عن أمره للسماء عندما كانت بحسب تعبيره تعالى دخاناً ثم حوّلها إلى مادة أخرى بقدرته الباهرة، ولعل المراد بالدخان(والله أعلم) هو المعلوم لدينا، وقد مرّت معنا رواية تنص على أنها كُونت من بخار الماء، ويمكن إطلاق لفظ الدخان على البخار، حيث ورد في نهج البلاغة وغيره أن السماء كانت ماءاً، ولكل تعبير تفسيره الخاص في محله، وسوف أذكر لكم هنا كلام صاحب الميزان حول هذه الآية الكريمة حيث قال في تفسيره: قوله تعالى: «ثم استوى إلى السماء و هي دخان فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين» الاستواء – على ما ذكره الراغب – إذا عدي بعلى أفاد معنى الاستيلاء نحو الرحمن على العرش استوى، و إذا عدي بإلى أفاد معنى الانتهاء إليه.
وأيضا في المفردات، أن الكره بفتح الكاف المشتقة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه، و الكره بضم الكاف ما تناله من ذاته و هو يعافه.
فقوله: «ثم استوى إلى السماء» أي توجه إليها و قصدها بالخلق دون القصد المكاني الذي لا يتم إلا بانتقال القاصد من مكان إلى مكان و من جهة إلى جهة لتنزهه تعالى على ذلك.
و قوله: «و هي دخان» حال من السماء أي استوى إلى السماء بالخلق حال كونها شيئا سماه الله دخانا و هو مادتها التي ألبسها الصورة و قضاها سبع سماوات بعد ما لم تكن معدودة متميزا بعضها من بعض، و لذا أفرد السماء فقال: «استوى إلى السماء».

السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُوْنَ السَّبْعُ
في كتاب الله العزيز ورد لفظ (السماء) بصيغة المفرد وصيغة الجمع، فمرة يقول(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) ومرة أخرى يقول(قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ)
أما لفظ الأرض فلم يرد في القرآن الكريم إلا بصيغة المفرد، أما في بعض الأدعية فقد ورد لفظ الأرض بصيغة الجمع كما في كلمات الفرج: سبحان الله رب السموات السبع ورب الأرضين السبع وما بينهن وما فيهن: فما هو الدليل على وجود أكثر من أكثر من أرض؟ وإذا كان هناك أكثر من واحدة فأين هنَّ وكيف ومتى ولماذا وما شاكله من تعابير.
لقد أشار القرآن الكريم إلى أن عدد الأراضي كعدد السموات السبع ولكنه لم يبيّن لنا مراده من ذلك كما ورد في سورة الطلاق الآية 12(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) وهذه هي الآية الوحيدة التي تشير إلى أن عدد الأراضي كعدد السموات، ولكن هنا اختلف المفسرون في المعنى:
منهم من قال بأن هناك سبع كرات أرضية وأن أرضنا واحدة منها، وأن عقول البشر لا تحتمل معرفة ذلك، ولذا فإن الله تعالى لم يطلعنا على تفاصيل تلك الكرات.
ومنهم من ذهب إلى أن المراد بالأرضين السبع هو الطبقات السبع التي تتركب منها الأرض كما اكتشف ذلك العلم الحديث.
ومنهم من قال بأن المراد بذلك هو الأقاليم السبع كما قُسّم سطح الأرض، وقد أشار إمامنا علي بن أبي طالب(ع) إلى مسألة الأقاليم السبعة بقوله في نهج البلاغة”وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ”
في البحث السابق اعتمدنا على كلام المفسرين وكلام أهل العلم حيث طبقوا هذه النظرية القرآنية على اكتشافاتهم وبيّنوا ما أمكنهم بيانه حول هذا الموضوع، أما هنا فسوف يكون البحث مختلفاً.
ففي القرآن المجيد لا يوجد غير آية واحدة تشير إلى مسألة تعداد الأرض، أما غيرها الآيات فلم تذكر الأرض إلا بصيغة المفرد، وكذلك في هذه الآية أيضاً ذُكرت الأرض بصيغة المفرد ولكنها أُتبِعَتْ بكلام صرف الذهن إلى وجود أكثر من أرض، وهي قوله تعالى(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا){الطلاق/12}
وأمام دقة الأمر أكتفي بذكر الإحتمالات حولها من دون ترجيح أمرٍ على آخر.
الإحتمال الأول: هل أن المراد بقوله تعالى(مِثْلَهُنَّ) هو العدد أم الشكل؟ فإذا كان هو العدد فمعنى ذلك أنه يوجد أكثر من أرض بغض النظر عن كونها طبقات الأرض أو أقاليمها أو أن هناك سبع كرات أرضية مثل أرضنا التي نحن عليها، وأما إذا كان االمراد هو الشكل فمعناه أن تركيبة الأرض من طبقاتها السبع تشبه تركيبة السموات بنحو من الأنحاء.
الإحتمال الثاني: هل يوجد بين كل سماء وسماء فضاء فيه ما في فضائنا من مجرات وكواكب وشموس وأقمار؟ ولكننا نلاحظ بأن الآيات التي تحدثت عن الشمس والقمر لم تستعمل في الحديث عنهما سوى لفظ المفرد، وإذا كان بين كل سماء وسماء أرض فينبغي أن يشبه نظامها أنظمة أرضنا وما حولها، أس ينبغي أن يكون لهن شموس وأقمار قال تعالى(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا){الشمس1/2} وقال سبحانه(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا){الفرقان/61} وقد خصَّ الله تعالى سماءنا بموضوع تزيينها مما يوحي بعدم وجود شمس أو قمر في لغيرها حيث قال تعالى(إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ){الصافات/6} وقال سبحانه(وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ){فصلت/12} وقال عز وجل(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ){الملك/5}

خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فِيْ سِتَّةِ أَيَّام

فيما سبق تحدثنا عن خلق السموات والأرض بشكل عام، أي من دون أن نشير إلى المدة الزمنية التي تمّ خلقهما فيها، وفي هذا البحث سوف نشير إلى ما ذكره القرآن الكريم من الزمن في خلقهما لنبيّن الحكمة من وراء ذلك.
وقبل البحث في هذا الموضوع المتعلق بأصل التكوين لا بدّ من الإشارة إلى معتقَدٍ ثابت عندنا لا يتغيّر ولا يتبدل ولا يخرج من قلوبنا ولا ينقشع عن عقولنا ولا ينفصل من بصائرنا، وهو أن الله جلّ ذكره وعزّ اسمه قادر على أن يخلق مثل ما خلق وأكثر بأضعاف لا تقاس في لحظة واحدة، وقد أكّد لنا القرآن الكريم هذا المعتقدَ حيث أشار إلى هذه الحقيقة بقوله سبحانه(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ){يس/81}
وهذا مبدأ قرآني واضح لا يحتاج إلى أي إيضاح أو أي دليل، فعندما يخبرنا الله تعالى بأنه قادر على كل شيء كما في العديد من آيات القرآن فمعنى ذلك أنك مهما ذهبت بعيداً في مخيلتك فلا يكون ذلك صعباً على الخالق تعالى.
وبما أن القدرة مطلقة فلماذا استغرق الخلق ستة أيام؟ وهل الأيام التي ذكرها القرآن الكريم مطابقة لأيام الدنيا، فهل يعني أن خلق السموات والأرض تم في غضون مئة وأربعة واربعين ساعة؟ هذا ما سوف نجيب عليه بعد ذكر الآيات الكريمة التي أشارت إلى هذه الحقيقة.
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ){الأعراف/54}
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ){يونس/3}
لا ينبغي للعاقل أن يكون متسرعاً في إصدار الحكم على أي شيء، ولا ينبغي له أن يستسلم لما يتبادر إلى ذهنه من دون العودة إلى أهل العلم والإختصاص في مختلف المجالات، فإذا حصل ذلك فلا يكون العقل فيه سليماً، وإذا كان طبعه يفرض عليه ذلك فيجب عليه أن يغيّر طبعه بالتطبع ليعتاد على طرق جديدة في فهم المعاني وإدراك الأمور بعد دراسة كل ما يتعلق بها لأن الحقيقة في الأغلب تختفي وراء كلمة أو حرف أو حركة إعرابية، وخصوصاً في كتاب الله العزيز المليء بالأسرار اللغوية والمعنوية والإعجازية والعلمية.
نحن نقرأ في القرآن الكريم لفظة(يوم) بالصيغ الثلاث(مفرد مثنى جمع) ويتبادر إلى أذهاننا معنى الدورة اليومية للأرض حول نفسها والتي تستغرق أربعة وعشرين ساعة، فقد يكون هذا التبادر صحيحاً فيما إذا كان المعنى القرآني قاصداً ذلك كما في قوله تعالى في سورة البقرة(فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) وقوله سبحانه(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) وقد يكون هذا التبادر خاطئاً فيما إذا لم يقصد القرآن ما قصده في الآيتين المذكورتين كحديثه عن يوم القيامة أو يوم تقوم الساعة أو يوم لا ينفع مال ولا بنون أو خلق الأرض في يومين وتقدير أقواتها في أربعة أيام.
فقبل أن نتابع هذا البحث ينبغي أن ننفي من أذهاننا فكرة اليوم العادي كأيامنا في هذه الدنيا التي تقاس بدورة الأرض، فهناك أيام حدثنا القرآن عنها ليس فيها شمس ولا قمر ولا دوران كواكب حول بعضها البعض ولا غير ذلك.
فهل برأيكم أن حساب آلاف المليارات من البشر ونصب الميزان والجنة والنار والمحاسبة على كل كلمة وعلى كل فعل لكل واحد على حده يتم ذلك بيوم من أيام الدنيا؟ إن الله تعالى قادر على أن يجري ذلك كله بلحظة واحدة، ولكنه عز وجل يجري الأمور بأسبابها الطبيعية، وبناءاً عليه قد يكون يوم القيامة كألف سنة أو أكثر من ذلك بكثير من سني هذه الحياة، وقد صرّح الكتاب الكريم بهذه الحقيقة في أكثر من موضع وبأكثر من لفظ ليلفت الأنظار إلى أن يوم القيامة ليس يوماً من أيام الدنيا فقال سبحانه في سورة الحج(وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) ولا أريد أن أقف على معنى الآية كيلا أخرج عن صلب الموضوع، وفي موضع آخر رفع الله تعالى سقف المعادلة لتصل إلى خمسين ألف سنة من سنين دنيانا تعبيراً منه عن عظمة ذلك اليوم جراء أحداثه والرهبة فيه وعظم الموقف وليس من جهة الزمن الحقيقي لأنه في يوم القيامة لا يوجد ليل أو نهار أو ساعات أو دقائق أو ثوان كما هو عليه حالنا اليوم فقال تعالى في سورة المعارج(تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)
والنتيجة هي أن الله تعالى أوجد هذا الخلق ونظّمه في ستة أيام من تلك التي لا نعرف مدتها، وأجمل ما يمكن أن يقال في المقام هو أن لا نتكهّن ولا نتوهم ولا نبدي أراءاً قد تكون مخالفة للمراد القرآني لأنه مهما بحثنا لمعرفة مدة اليوم الإلهي فلن ندرك ذلك لأن الله تعالى استعمل لفظ اليوم عنده للدلالة على كونه عظيماً.

خَلْقُ الأَرْضِ فِيْ يَوْمَيْن

قال سبحانه وتعالى(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ){فصلت/9}
لكي نفهم معاني الآيات القرآنية ينبغي أن يكون عندنا عهد سابق بطرق القرآن في التعبير عن الأمور، فهو معجزة بكل عمومياته وخصوصياته وطريقة سرده وسبك عباراته وربط الأمور ببعضها في نفس السورة أو في سور متعددة.
فمن خلى ذهنه من معرفة ذلك فلا يؤمَن عليه من الوقوع في الخطأ وإن لم يعبّر عنه بلسانه، فقد يأخذه الشك للوهلة الأولى ويظن بأن هناك تناقضات في الكتاب العظيم نظراً لورود الآيات بصيغ عديدة.
والآية الآنفة الذكر تصرّح بأن الله تعالى خلق الأرض في يومين من أيامه المجهولة لدينا، وهل يصح التعبير عن عظم الأمر باليوم أو اليومين أو الأربعة أو الستة ويكون المعنى واحداً في الجميع؟
لقد طرحت هذا السؤال لأن القرآن الكريم مرة يصرح بأن الله تعالى خلق السموات السبع في ستة أيام، ومرة أخرى يصرح بأنه خلقهن في يومين كما في قوله المبارك(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ)
وهنا أيها الأعزاء لكي يهون البحث علينا لا بد من طرح مجموعة من الأسئلة أو الإحتمالات.
أولاً: هل خلق السموات في ستة أيام والأرض في ستة أيام أخرى فأصبح عدد الأيام اثني عشر؟
ثانياً: هل خلقهن في ستة أيام والأرض في يومين فأصبح العدد ثمانية؟
ثالثاً: هل يمكن التعبير عن خلق السماء بخلق الأرض أو العكس؟
رابعاً: هل أن الأمر هنا لا يتعلق بالعدد فللقرآن أن يذكر من أعداد الأيام للتعبير عن العظمة بقدر ما يشاء؟
وهنا أجيب على تلك الأسئلة بجواب واحد لعله ينسجم مع طريقة القرآن الكريم في التعبير فأقول: إن الأمر لا يتعلق بالعدد، فلا اثنا عشر يوماً ولا ثمانية ولا ستة ولا أربعة ولا يومان إذ لعلّ المراد باليوم هو المرحلة فيكون خلق السموات والأرض قد تم على مراحل، وهذا ما صرّحت به بعض الأخبار من أن إيجاد شيء وتنظيم شيء قد تمّ قبل الآخر، أي على دفعات، ولا مانع من التعبير عن خلق السموات بخلق الأرض نظراً لارتباطهما الوثيق، فيكون خلقهما تمّ في مرحلتين: المرحلة الأولى: هي مرحلة ما قبل الإنفجار العظيم، والمرحلة الثانية: هي مرحلة ما بعده.

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى