أبو مسعود يصفع القاضي
أبو مسعود: كيف حالك يا حماد.
حماد: بخير وعافية كما ترى.. وأنت ما بالك تمشي في السوق متحيراً وكأن حيواناً مفترساً يلحق بك.
أبو مسعود: لا أدري يا حماد، منذ الصباح وأنا أشعر بأن أمراً خطيراً سوف يحدث لي، لذا فإنني أمشي حذراً أترقب ما قد يحدث.
حماد: عدتَ إلى وسوستك المعتادة يا أبا مسعود؟
أبو مسعود: لا يا حماد ليست وسوسة، إنها غير كل مرة، هكذا يحدثني قلبي.
حماد: لا عليك، تفضل بالجلوس، لن تغادر حتى تشاركني طعامي، أعرف أنك تحب الحمام المشوي، ولكن قل لي يا أبا مسعود لماذا كان شعورك هذه المرة مختلفاً؟ هل قمتَ بما يجلب عليك الويلات؟
أبو مسعود: لا لا يا حماد، ولكنني رأيت اليوم مناماً جعلني أشعر بالخطر.
حماد: كل الآن وبعدها تحكي لي ما رأيته في منامك.
أبو مسعود: آه يا حماد، كلما ذُكر الحمام المشوي على مسمعي أشعر بجوع قاتل ولو كانت معدتي ممتلئة.
حماد: هيا يا أبا مسعود، كل بالهناء والشفاء.. ها قد انتهيت من الطعام وأصبحت الأواني فارغة، حدثني الآن عما رأيته في منامك.
أبو مسعود: رأيتُ فيما يرى النائم أنني كنت أتجول في هذه السوق، وفجأة يأتي شخص من خلفي ويصفعني على رقبتي بيد قاسية، آآآآخ ماذا فعلتَ أيها الأحمق؟ كيف تجرؤ على صفعي، والله سوف أشكوك إلى القاضي.
الصافع: عذراً يا سيدي أنا لم أقصد الإهانة.
أبو مسعود: لم تقصد الإهانة وطحنتَ عظام رقبتي؟
الصافع: أقسم لك يا سيدي بأنني ظننتك أحد أصدقائي.
أبو مسعود: أفٍ لك ولتلك الصداقات اللعينة، صديق يكسر عنق صديقه لأنه يريد أن يمازحه، الويل لك، لا بد أن نذهب إلى القاضي، هيا سر أمامي وإلا قتلتك.
حماد: إهدأ يا أبا مسعود، إن ما حصل هو تأويلٌ لمنامك، ها قد تحقق ما رأيته بسرعة.
أبو مسعود: أصمت يا حماد، إنك تشمت بي.
حماد: معاذ الله يا رجل، أنا فقط أريدك أن تأكل حمامة أخرى.
أبو مسعود:حمام، طعام، وأي طعام أستثيغه بعد هذا الألم؟ لقد سد شهيتي عن الحمام المشوي، إنني أرى سواداً،آآآآخ ما عدت أميز بين الحمام والحمير، هيا يا لعين، سر أمامي إلى دار القاضي، آآآآخ يا ويلي، انكسر عنقي.
رجل: ما الذي حصل لأبي مسعود يا حماد، لماذا يصرخ هكذا؟
حماد: كان يحكي لي مناماً رآه الليلة فتحقق حلمه أمام دكاني، هذا كل ما في الأمر.
رجل: منامه تحقق أمام دكانك؟
حماد: أجل.
رجل: يا ويلي لن أدخل دكانك مرة أخرى.
حماد: ولماذا يا رجل، ما الأمر؟
رجل: رأيت الليلة في منامي أن شخصاً غرز خنجره في صدري، لااااا، لااااا، لن آتي إلا هنا مرة أخرى، لا أريد أن أموت بسبب حلم لا ذنب لي به.
حماد: ههههههه، ما أتعس حظي، ماذا فعلت يا ربي حتى تجعلني واحداً من أهل هذه السوق.
الحارس: توقفا مكانكما، لماذا تمسك يعنق الرجل؟
أبو مسعود: أريد رؤية القاضي، هذا الرجل صفعني في السوق، وأريد أن أشكوه إلى حضرة القاضي.
القاضي: ما هذا الصياح، كف عن الصراخ يا رجل، ما الأمر، هيا ادخلا.
أبو مسعود: سيدي القاضي، كنت جالساً في دكان حماد أتناول الحمام المشوي، وفجأة جاء هذا اللعين من خلفي وصفعني على رقبتي صفعة تهتز لها الجبال.
القاضي: لماذا صفعته يا هذا؟ هل تعرفه؟
الصافع: لا يا سيدي، ولكنني ظننته صديقي وأردت أن أمازحه.
أبو مسعود: أفٍ لك ولهذا المزاح.
القاضي: أصمتا ولا تتكلما في حضرة القاضي، قلي يا رجل، ما اسمك؟
أبو مسعود: أنا أبو مسعود البغدادي.
القاضي: وأنت؟
الصافع: أنا ابن خالك يا حضرة القاضي، هل نسيتني.
القاضي: هيييي، ابن خالي رجب، الآن عرفتك، حسناً، أقبل إليّ قليلاً.
الصافع: أمرك سيدي.
القاضي: إسمعني جيداً، سوف أخلصك من هذه المشكلة، نفذ ما أقوله لك بالحرف الواحد.
الصافع: أفعل ما تشير به عليّ.
القاضي: إسمع.. حكمت عليك بأن تدفع عشرين ديناراً لأبي مسعود البغدادي عقوبة على صفعه أمام الناس، هيا اذهب ولا ترجع إلا بالمال، وسوف ينتظرك أبو مسعود في دار القضاء حتى تعود.
الصافع: كما ترى يا سيدي سوف أدفع له المال فور عودتي.
أبو مسعود: سيدي القاضي، كان من المفروض أن يعود قريبك منذ ساعتين، وأنا أنتظره عندك منذ الصباح، أشعر بأنه قد هرب.
القاضي: لا أظنه يهرب، فهو قريبي وأنا أعرفه، إنتظر واصبر فلا بد أن يعود ليعطيك المال.
أبو مسعود: أصبر وأمري لله.. سيدي القاضي، ها قد غربت الشمس وحل الظلام وقريبك لم يأت ولا أظنه سوف يأتي، أنت الذي تواطأت معه على الهرب.
القاضي: أنت تتهمني أيها الوضيع، أنسيت أني قاضي القضاة؟
أبو مسعود: لا لم أنس ذلك ولكنني أريد أن أحمّلك أمانة.
القاضي: أمانة؟ وما هي هذه الأمانة.
أبو مسعود: خذ.
القاضي: آآآخ الويل لك يا حقير كيف تجرؤ على صفعي وأنا في دار القضاء؟ سوف أحكم عليك بالسجن مدى الحياة.
أبو مسعود: ولما كل ذلك يا سيدي، أنا فقط وضعت عندك أمانة.
القاضي: تباً لك ولأمانتك اللعينة، آآآخ يا ويلي، عمري ما صُفعت على وجهي، لقد طارت عمامتي إلى السقف.
أبو مسعود: إسمع أيها القاضي، إن عاد غريمي بالمال فهو لك.
الصافع: صباح الخير سيدي القاضي.
القاضي: خير؟ ومن أين يأتي الخير، يا ويلي ما زلت أتألم من ليلة أمس، كل ذلك بسببك يا خبيث، أحببت أن أخلصك من أبي مسعود فأخذت نصيبي منه.
الصافع: ما الذي حصل سيدي؟
القاضي: ما حصل هو أن أبا مسعود الذي ظننته غبياً كان نبيهاً للغاية اقترب مني وصفعني على وجهي صفعة اهتزت لها الجبال، أين المال أيها الشقي، لقد أصبح ملكاً لي مقابل ألمي الشديد.