
الوصايا الثلاث للسلطان المحتضَر
السلطان: أيها الوزير.
الوزير: أنا بخدمة السلطان العظيم، مرني يا مولاي فإنني رهن إشارتك.
السلطان: ألم آمرك بالأمس أن تجمع الضرائب لهذا العام؟
الوزير: نفذت أمرك يا مولاي ونشرت الجباة في كل البلاد ولكن الناس تمردوا.
السلطان: ماذا؟ ولماذا يتمردون؟
الوزير: لم يتمردوا اعتراضاً على أمر مولاي السلطان.
السلطان: وماذا تسمي ذلك إذاً؟
الوزير: يعلم مولاي السلطان أن قحطاً شديداً أصاب البلاد هذا العام مما جعل المجاعة تدخل كل بيت من بيوت الناس، إن الناس في بلادك لا يملكون رغيفاً من الخبز، ومع ذلك نحن نفرض عليهم الكثير مما لا طاقة لهم به.
السلطان: أنت معهم إذاً؟
الوزير: لا لا يا مولاي أنا معكم حتى النهاية ولكنني أنقل لكم الواقع كما هو.
السلطان: لا يهمني قولك، ولا أكترث لجوع الناس، إجمعوا الضرائب في الغد، فمن امتنع عن دفع الضريبة فاضربوا عنقك.
الوزير: حسناً يا مولاي سوف أفعل ما أمرتني به، ولكن أين نضع الذهب هذه المرة، إن خزينة الدولة لم تعد تتسع لدينار واحد.
السلطان: إبنوا خزينة أكبر واجعلوها تمتلئ بالذهب، إن أجمل ما في حياتي هو النظر إلى الذهب الكثير، هيا اخرج ونفذ ما أمرتك به.
الجندي: سيدي الوزير سيدي الوزير، أرجوك توقف عن مداهمة البيوت واذهب إلى القصر في الحال.
الوزير: ما الأمر أيها الجندي، ألا ترى أنني أنفذ أوامر السلطان؟
الجندي: يظهر أنك لم تعرف الخبر.
الوزير: أي خبر يا هذا، هيا تكلم.
الجندي: في اليلة الماضية أصيب السلطان بوعكة صحية، وقد استدعينا أمهر الأطباء فلم يعرفوا سبب علته، إنه يا سيدي يُحتضَر، أجل إنه على فراش الموت.
الوزير: ماذا تقول؟ هل حقٌ ما أسمع.
الجندي: أجل يا سيدي أقسم إنها الحقيقة.
الوزير:توقفوا أيها الجنود، وانتظروا أوامري الجديدة.. ما الأمر يا سيدي؟ ما الذي ألم بكم؟ تركتك بالأمس وأنت في كامل صحتك؟
السلطان: الأمر كما ترى أيها الوزير، استيقظت في الصباح ولم أعرف ما أصابني.
الوزير: أين الأطباء؟
السلطان: إنهم في باحة القصر لا يدرون ما الأمر، لقد عجزوا عن تشخيص حالتي.
الوزير: أظنه سحراً يا مولاي.
السلطان: دعك من هذا الكلام واسمعني جيداً، أرسل في طلب جميع الوزراء وقادة الجيوش، أريد أن أوصيهم بشيء قلب موتي.
الوزير: أطال الله بقاءكم يا مولاي.
السلطان: دعك من هذا الآن ونفذ ما أمرتك به.
الوزير: من فضلكم يا سادة، أدخلوا إلى غرفة السلطان بكل هدوء، إنه يريد التحدث إليكم، تفضلوا بالدخول.
السلطان: إسمعوني جيداً، أريد أن أوصيكم بوصايا ثلاث، وإياكم أن تخالفوها.
الوزير: سمعاً وطاعة يا مولاي.
السلطان: إن أنا فارقت هذه الحياة فلا أريد أن يحمل نعشي إلا أطبائي، وأما الوصية الثانية فهي أن تنثروا الذهب من باب قصري إلى مكان قبري، وأما الثالثة فإذا رفع الأطباء نعشي فأخرجوا يديّ وأبسطوهما حتى يراهما الناس.
الوزير: سوف ننفذ وصاياك بالحرف الواحد، ولكن يا مولاي ما هو هدفكم من هذه الوصايا؟
السلطان: أريد أن أعطي العالَم درساً لم أفهمه طيلة حياتي، ولكنني فهمته عند فوات الأوان، لقد أردت أن يعرف الناس أن الموت إذا حضر فلا يدفعه الأطباء ولا غيرهم مهما فعلوا، لأن الحياة والموت بيد الله وحده، وأما بالنسبة للوصية الثانية فأردت أن أقول للناس مهما قضينا الوقت في جمع المال فسوف يذهب ذلك هباءاً فلا يرفع المال مرضاً ولا يرد موتاً، وأما بالنسبة للوصية الثالثة فأرد أن أقول للجميع لقد أتينا إلى الدنيا فارغي الأيدي وسوف نخرج منها كما قدمنا إليها.