محاضرات

تفسير سورة البقرة من الآية 94 إلى 103

الشيخ علي فقيه

تفسير سورة البقرة
من آية 94 إلى الآية 103

(قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
ما زال الخطاب موجهاً لليهود الذين ادعوا بأن لهم خاصية عند الله تعالى وأن الدار الآخرة لهم دون غيرهم فرد عليهم ربهم وفضح أمرهم حيث طلب منهم أن يتمنوا الموت لأن المشتاق إلى الجنة يطلبها وقد قال أمير المؤمنين لولده الحسن: لا يبالي أبوك على الموت سقط أم عليه سقط الموت:
(وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ) وهنا يخبرنا القرآن عما في ضمائرهم وأنهم لا يتمنون الموت بسبب ما قدمته أيديهم من الظلم والكفر والعصيان واتخاذهم عبادة العجل دون عبادة الله الواحد الأحد.
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)
هؤلاء لا يكرهون الموت فقط وإنما يتمنون أن يعيش الواحد منهم ألف سنة بسبب تعلقهم بالحياة وحبهم للشهوات فهم أحرص الناس على الحياة والمنفعة حتى من المشركين فلو عاشوا مئة سنة أو ألف سنة أو أكثر من ذلك فلن يزحزحهم الله عن العذاب ولن يتغيروا في تلك المدة لأنهم عشقوا الكفر وغرقوا في الشهوات.
(قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) تشير هذه الآية إلى أن اليهود كانوا يكرهون جبريل وجبريل هو الذي نزّل القرآن على قلب رسول الله محمد والقرآن مصدّقٌ للتوراة والإنجيل وقد أنزل الهدى والبشرى.
(مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ) وهنا بيان لكون عداوة الملائكة كفراً موجباً للعقاب، وقد اختص ذكر جبريل وميكال لفضلهما على غيرهما من الملائكة.
( وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ) والخطاب هنا للرسول الأكرم الذي أنزل عليه ربه معجزات واضحة لا ينكرها إلا الفاسقون الذين لا يريدون الإيمان رغم معرفتهم له.
(أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) يتساءل القرآن حول نفسية اليهود المنحطة حيث أنهم كلما عاهدوا عهداً نقضه فريق منهم وأكثرهم لا يؤمنون بأن نقض العهد حرام، وقال منهم استثناءاً للذين لم ينقضوا العهد.
(وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) إنتقل الحديث من الحديث عن الماضين إلى الحديث عن الذين عاصروا خاتم الأنبياء الذي عندما أرسله الله إليهم مصدقاً لما بين أيديهم من التوراة أنكره فريق من الذين أوتوا الكتاب أي التوراة ونبذوا كتاب الله أي القرآن وراء ظهورهم وهو كناية عن رفضهم للحق الذي جاء به محمد من عند ربه.
(وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)
لقد اتبع اليهود المشعوذين الذين كانوا ينسبون سحرهم إلى نبي الله سليمان(ع) ولكن سليمان منزَّه عن تلك النسبة التي نُسبت إليه كذباً وافتراءاً، ولكن الشياطين هم الذين كفروا عندما نسبوا ذلك إلى نبي من أنبياء الله فهم يعلّمون الناس السحر ليبعدوهم به عن الحق وقد كان هاروت وماروت يعلمان الناس السحر ويقولان لهم لا تكفروا مع أن نفس تعليمهما للناس هو الكفر بعينه، فتتعلم الناس منهما ما يضرهم، أما الذين اختاروا الشعوذة فليس لهم في الآخرة نصيب، وبئس الذب باعوا به أنفسهم لأنهم باعوها بأبخس الأثمان، وهذه الآية من الآيات المتشابهة التي تحتمل آلاف الوجوه من التفسير.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) فلو أن اليهود آمنوا بمحمد واتقوا وتركوا العناد لكان أنفع لهم عند الله تعالى مما هم عليه من العناد.

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى