منوعات

تَفْسيرُ آيَة(الحلقة الحادية عشرة)

(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ)
لقد ضرب القرآن أمثلة كثيرة من أجل أن نكسب بها العبرة لأن التشبيه في الغالب يوصل الفكرة واضحة إلى الأذهان، والإيضاح يجعل الحجة بالغة وثابتة، فبعد أن بيّن الله واقع المنافقين وأنهم هم الخاسرون لأنهم أطاعوا الشيطان وعصوا الرحمن ضرب فيهم مثلاً قبّحهم به ووصف به حالتهم السيئة فمثل المنافقين في هذه الدنيا كمثل شخص أشعل ناراً في الليل المظلم ليرى الأشياء حوله فعندما اشتعلت النار وأضاءت المكان أذهب الله تلك النار وأخمدها وبقي المنافقون جالسين في ظلمات لا يبصرون الأشياء ولا يعرفون الحقائق فعاشوا في ظلام عقلي وروحي دامس متحيرين متحسرين حتى قُضيَ عليهم، ويوجد في هذه الآية سر أنا لا أعرفه وهو أنه تعالى انتقل مباشرة من الحديث عن الممثَّل به إلى الممثَّل لهم فقال(فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ) نلاحظ بأن الكلام انتقل مباشرة من المثل إلى الواقع ولعله للتأكيد على كونهم كذلك بالفعل.
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) هذه هي الحالة التي كان عليها المنافقون وهي تنطبق على كل المنافقين في عصرنا وفيما بعد هذا العصر إلى يوم القيامة فهم صمٌ لا يسمعون الحق وبكم لا يتكلمون بالحق وعمي لا يرون الحق وإن كانوا تكويناً يبصرون ويسمعون وينطقون.
ولم يقف القرآن الكريم في وصفهم عند هذا الحد وإنما مثّل لهم بمثل آخر لتصبح الفكرة أوضح والحجة أبلغ فقال عز وجل(أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) الصيّب مطر ينزل من السماء فيه ظلمات دامسة وفيه رعد قاصف وبرق خاطف فهم يخافون من الصواعق فيضعون أصابعهم في آذانهم خوفاً من الموت والرعب، وحال المنافقين كحال هؤلاء فهم يعيشون في قلق وخوف دائمين حذراً من أن ينكشف أمرهم لدى الناس، ومهما فعلوا ما يحتاطون به ومهما حصّنوا أنفسهم من الهلاك في الدنيا قبل الآخرة فلن يستطيعوا أن يردّوا عذاب الله حيث أنه عز وجل محيط بالكافرين والظالمين والمنافقين.
ثم يتابع القرآن كلامه عن أهل النفاق فيقول(يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فسير المنافقين متقطع وحياتهم كلها خوف وقلق، وهذا الخوف لا يساوي شيئاً أمام الخوف الذي سيرونه في الآخرة.

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى