
قِصةُ مَعْرَكَةِ بَدْر
قال سبحانه(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
قبل أن يهاجر المسلمون من مكة اتخذت قريش قراراً جائراً في حقهم حيث صادروا أموالهم وممتلكاتهم دون أي وجه حق، ولم ينس المسلمون ذلك، وقد اشتد ساعدهم في المدينة المنورة بعد الكثير من الأحداث التي أظهرت مدى قوة المسلمين الذين أصبحوا ذووي منعة في المدينة.
وفي يوم من الأيام وردت النبي(ص) معلومات حول قافلة كبرى لقريش يحمل بضائعها ألف بعير ويقودها أبو سفيان بنفسه على رأس أربعين رجلاً، حيث وضع سادة قريش جميع أموالهم في تلك القافلة فأدرك النبي(ص) أنه الوقت المناسب لاسترداد حقوق المسلمين لأنه إن تمكّن من الإستيلاء على تلك القافلة فستجري مفاوضات بين الطرفين تقضي بإجبار قريش على ردّ تلك الحقوق.
فخرج النبي على رأس ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً من المهاجرين والأَوس والخَزرَج وكان ذلك في اليوم الثامن من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة.
علِم أبو سفيان بالأمر فشعر بخوف شديد فاستغاث بأهل مكة وغيّر وجهة سيره، ولكنَّ أبا جهلٍ واصل التقدم نحو منطقة بدر.
ولم يكن جيش المسلمين آنذاك متهيئاً للحرب فاستشار النبي أصحابه فأشاروا عليه بالمعركة العسكرية رغم قلة عددهم فتوكلوا على الله الذي سددهم ومدهم بملائكة مسومين وتمركزا في منطقة بدر بعد أن دفنوا الآبار للتضييق على قريش.
وصلت رسالة أبي سفيان إلى مكة، وكانت قريش مستعدة للحرب ومتجهزة له فانطلقوا إلى بدر في السابع عشر من شهر رمضان، وهناك التقى الجمعان.
وقفت كل فئة في ناحية ودعوا إلى إجراء مبارزة، وكان ذلك من العادات السائدة في الحروب، فبرز من المشركين عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، ومن المسلمين عوف ومعاذ وعبد الله بن رواحة، فرفضت قريش مبارزتهم لأنهم كانوا يريدون الأكفاء من المسلمين فخرج إليهم الإمام علي(ع) وعمه الحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة ابن الحارث.
فبارز حمزة شَيبة، وبارز عُبيدة عُتبة، وبارز عليٌ الوليد، وانتهت المبارزة بقتل المشركين الثلاثة، وقد أُلقي الرعب في قلوبهم، وهناك بدأت المعركة الجَماعية بين الطرفين فدارت بينهم حربٌ طاحنة انتهت بقتل سبعين شخصاً من المشركين، وأسرِ سبعين، واستشهاد أربعة عشر رجلاً من المسلمين.
فأمر النبي(ص) بدفن الشهداء في تلك الأرض، وإلقاء جثث المشركين في بئرٍ كانت هناك، ثم وقف النبي على البئر وخاطب القتلى قائلاً: يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس، ثمّ قال: هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّاً، فإنّي قد وجدت ما وعدني ربّي حقّاً: فقال أحدهم للنبي(ص) أتخاطبهم وهم موتى؟ فقال(ص) بل هم أسمع منكم، ثم غادر أرض بدر ورجع منتصراً إلى المدينة التي تزيّنت واحتفلت وفرحت بهذا الإنتصار العظيم.
أما الأسرى فقد طلب النبي من كل واحد منهم أن يعلّم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة مقابل الإفراج عنه، أو يدفع كل واحد منهم أربعة آلاف درهم، وكان(ص) قد دعاهم إلى الإسلام، وفي النهاية أفرج عن الجميع، عن الذين دفعوا الفدية، والفقراء الذين لم يقدروا عليها، وهذه هي أخلاق نبي الإسلام(ص).
وأما أهل مكة فقد تحولت بيوتهم إلى مآتم فمنعهم أبو سفيان من البكاء وشجعهم على الأخذ بالثأر من محمد والمسلمين.
وبعد أن حقق المسلمون هذا الإنتصار العظيم تغيرت الكثير من المعادلات في الجزيرة العربية وصاروا يحسبون للمسلمين ألف حساب بعد أن كانوا مستخفين بهم وبقوتهم.