
وَظَائِفُ الشيْطَانِ الرجِيْم
مهما طال الكلام حول بيان وظائف الشيطان الرجيم وضرورة الحذر منه في كل زمان ومكان تبقى الحاجة إلى مثل هذا الكلام ملحة وضرورية لأن ذكر الشيطان بشكل دائم يجعلنا حذرين منه فهو ينقض علينا عندما ننساه أو نتهاون في أمره وهو يتحيل مثل هذه الفرص لكي يصرعنا ويودي بنا بل ليلقي بنا في حفره العميقة التي يصعب الخروج منها إلا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى، ولأجل ذلك كثر الحديث عن وساوس الشيطان ووظائفه تجاه ابن آدم، قال تعالى(لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا)
لقد أنزل الله تعالى لعنته على الشيطان الذي خالف وعصى وتكبر على خالقه فطرده ربه من الرحمة وأمهله إلى يوم الحساب ليعلم الصادقين من الكاذبين والمؤمنين من الكافرين فلم يخف هذا المخلوق من عذاب ربه وإنما راح يتوعد بأنه سوف يقضي على الإيمان في قلوب المؤمنين وأنه سوف يوسوس لهم ليخرجهم من الهدى إلى الضلال ومن الإستقامة إلى الإنحراف ومن الخير إلى الشر ليخرجوا من هذه الدنيا ووصمات العار ملازمة لهم وعلامات العذاب بادية على صفحات وجوههم.
قال إبليس اللعين متوعداً ومستخفاً بعذاب الله(لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) وهذا لم يكن مجرد تهديد فقط ولم يصدر من الشيطان كتفجير غيظ وفشة خلق، وإنما صدر ذلك منه وهو مصر على تنفيذ هذا التهديد الذي باشر به من عهد آدم(ع) سوف يتخذ الشيطان من عباد الله نصيباً مفروضاً أي أنه سوف يوسوس لهم ويأتيهم من كل مكان بصور عديدة وأساليب كثيرة ليوقع بهم في حفر عميقة وسحيقة يصعب الخروج منها والتخلص من شباكها المعقدة.
ثم يفصح القرآن الكريم عن جوهر هذا التهديد بشكل أوضح فيقول تعالى حاكياً عن إبليس(وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ) أما الإضلال وإلقاء الأماني في صدور الناس فهو أمر معلوم لأن الجميع يدركون يدركون بأن هذه الوسوسات مصدرها الشيطان الرجيم الذي واعد أيضاً بأن يوسوس للناس بتبتيك آذان الأنعام(وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ) فلقد امتثل الناس في الجاهلية لهذا الأمر الشيطاني فراحوا يشقون آذان الأنعام كالبقر والإبل والغنم ويقدمونها قرابين للآلهة ولعل المعنى أن الحيوان الذي تقطع أذنه أو تشق يصبح ملكاً للأصنام فلا يستطيع أحد أم يتصرف بها سوى القيمين على تلك المعتقدات الفاسدة وقد كان ذلك مصدر رزق وافر لهم فهم يضحكون على الناس ويحثونهم على التزام الأصنام لتستمر ثرواتهم بالزيادة.
ثم واعد الشيطان بأنه سوف يأمر (بمعنى يوسوس) للناس بأن يغيروا خلق الله، وهذا التغيير موضع كلام بين المفسرين لأن آفاق التغيير واسعة ومصاديقه كثيرة ومختلفة في أنواعها وأهدافها فهناك تغيير مباح وتغيير محرم، وهذا التغيير أو ذلك لا بد له من أهل خبرة يحددونه، فمنهم مثلاً من قال بأن التغيير المقصود هو حلق اللحية، ونحن هنا لسنا بصدد النفي أو الإثبات ولكننا نوافق على كون ما ذكر مصداقاً واحداً من مصاديق التغيير، هذا مع اعتقادنا بأن هناك موارد للتغيير أخطر من موضوع حلق اللحية كتحويل الذكر إلى أنثى والأنثى إلى ذكر، وتغيير النبات والماء والأشجار والهواء بسبب تلك الصناعات المدمرة التي كان الهدف منها حب السيطرة على الأرض التي يعملون على تدميرها وهم لا يشعرون.
ولذلك فإن تغيير خلق الله لا ينحصر في أمر أو جهة وإنما هو ينطبق على كل تغيير فيه مضرة للإنسان صغيرة كانت أم كبيرة.
والآن نرى بأن كل ما على الأرض قد تغير بدءاً من الأرض مروراً بالماء والهواء فلم يعد شيء على حاله بل عودوا الطبيعة على الهرمونات والكيميائيات وأفسدوا كل شيء وهذا من عمل الشيطان الذي كان هدفه أن يدمر كل مادي ومعنوي يتعلق بابن آدم.
ثم يحذرنا القرآن من مخاطر الشيطان ومكايده فيقول(يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا)
الشيخ علي فقيه