محاضرات

هذا ما حدث لرأس الإمام الحسين(ع)

من يوم قطعه إلى يوم دفنه

 

هذا ما حدث لرأس الإمام الحسين(ع)

 

في يوم عاشوراء وعلى يد اللعين المجرم شمر بن ذي الجوشن قُطع الرأس الشريف باثنتي عشرة ضربة بسيفه الحاد الممزوج بالخبث والإجرام والحقد فقد قطع رأس إمامنا بعد تلك الجراحات الكثيرة وبعد الألم والعطش والحزن والتعب وعلت الأصوات مبتهجةً بقتل الخير والبركة والإنسانية المتمثلة بالإمام أبي عبد الله(ع) فلقد قُطع الرأس الشريف وتكالب الطامعون على أخذه فلم يسمح لهم عمر بن سعد لأن ثمن هذا الرأس عنده رفيع للغاية فثمنه كما ظنَّ ملك الري الذي لم يهنأ به بعد أن نفّذ لأمرائه تلك الجريمة في حق الحسين، وعلى كل حال فقد أمر عمر بن سعد خولى بن يزيد الأصبحي وحُميد بن مسلم الأزدي بأن يأخذا الرأس الشريف ويسلّماه للأمير عبيد الله بن زياد،  فحمل خولى بن يزيد الأصبحي الرأس الشريف على الفور وسار نحو الكوفة ليبشر ابن زياد بمقتل الحسين ويأخذ الجائزة التي وعدهم بها فسار مسرعاً حتى وصل إلى الكوفة ودخل على ابن زياد وهو يقول له: إملأ ركابي فضة وذهباً إني قتلت الملك المحجبا وفي بعض الروايات إني قتلت السيد المحجبا قتلت خير الناس أماً وأبا وخيرَهم إن يُنسبون النسبا، فقال له ابن زياد ويحك، إذا علمتَ أنه خير الناس أماً وأباً فلم قتلتَه إذاً؟ وعندها أمر ابن زياد بقتل خولى فقُتل، وفي بيان هوية الشخص الذي حمل الرأس الشريف إلى ابن زياد اختلاف بين المؤرخين فمنهم من قال بأنه سنان بن أنس الذي قتله المختار عقاباً لمشاركته في هدر الدماء الزكية، ومنهم من قال بأن حامل الرأس كان بشر بن مالك، وأياً تكن هويته فإن الثابت في التاريخ أن هذا الأمر قد حدث وأن ابن زياد لم يعط حامل الرأس الجائزة بل قتله خوفاً منه لأن الذي يتجرأ على قتل الإمام الحسين لا يتورع عن قتل يزيد وابن زياد.

ولكن المشهور هو أن الذي حمله إلى ابن زياد هو خولى بن يزيد الأصبحي وليس سنان بن أنس الذي قُتل على يد المختار، وقيل بأن خولى وصل إلى الكوفة في الليل فلم يُرد أن يزعج الأمير فأخذ الرأس الشريف ووضعه في منزله فعلمت زوجته بذلك فوبخته أشد توبيخ وأقسمت أن لا يجمعها وإياه سقف واحد أو ستر واحد لإقدامه على تلك الجريمة في حق الرسول(ص).

ويحدّث جمع كبير من المؤرخين بأن عمر بن سعد قد أرسل مع رأس الإمام رؤوس أصحابه الذين قضوا نحبهم في تلك المعركة، ويقول صاحب التذكرة: ثم بعث ابن سد إلى ابن زياد برأس الحسين ورؤوس أصحابه وحُمل مع رأس الحسين اثنان وتسعون رأساً.

ويقول إبن كثير لما سرّح عمر برأس الحسين من يومه إلى ابن زياد كان معه رؤوس أصحابه، ولكن الأصح هو أن الرأس الشريف أُرسل إلى ابن زياد قبل رؤوس الأصحاب لأنه الأساس فلو بعثوا إليه جميع الرؤوس من دون رأس الحسين لما أجزأهم ذلك عنده.

ويؤيد ذلك السرعة التي أُرسل فيها رأس الحسين لم تكن لتسمح بانتظار رؤوس الأصحاب، ثم إنه من المستحيل لشخص أو شخصين أن يحملا معهما عشرات الرؤوس.

وعليه تكون الرؤوس الكريمة قد حُملت مع السبايا في الحادي عشر من محرم، وأما كلام صاحب التذكرة الذي ادعى بأنه حُمل مع رأس الحسين إثنان وتسعون رأساً فهو غير دقيق، لأن أصحاب الحسين وأهل بيته الذين استشهدوا معه لم يتجاوز عددهم التسعين، فلقد كان معه من أهل بيته سبعة عشر رجلاً ومن أصحابه اثنان وسبعون، ومجموع الجميع مع الإمام تسعون رجلاً، ثم إن بعض القبائل التي شاركت في تلك المجزرة لم تسمع بإرسال رؤوس من ينتمي إليها إلى ابن زياد وغيره، وهناك أصحاب لم تُقطع رؤوسهم من الأساس كالحر بن يزيد الرياحي الذي استنكرت قبيلته قطع رأسه وهددت ابن سعد إن أقدم على ذلك، وبناءاً على هذا التحقيق البسيط الذي ذكرته لكم يتبين لنا عدم صحة ما قاله صاحب التذكرة وغيره ممن اعتمدوا مضمون كلامه، وفي كتاب الأخبار الطوال أن عمر بن سعد عندما آذن بالرحيل من كربلاء، حُملت الرؤوس على أطراف الرماح وكانت اثنين وسبعين رأساً، جاءت هَوَازِنُ منها باثنين وعشرين رأساً وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً مع الحصين بن نمير، وجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً مع قيس بن الأشعث، وجاءت بنوا أسد بستة رؤوس مع هلال الأعور، وجاءت الأَزد بخمسة رؤوس مع عَيهمة بن زهير، وجاءت ثقيف باثني عشر رأساً مع الوليد بن عمر، ويقول الطبري بأن رؤوس الأصحاب رضوان الله عليهم قد جاء بها إلى ابن زياد شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعزرة بن قيس.

وورد في اللهوف أن القبائل تقاسمت الرؤوس لتتقرب بها إلى يزيد بن معاوية وقد ذكر التفصيل الذي بيناه قبل قليل.

ويذكر بعض المؤرخين بأن رؤوس أولاد الحسين وأخوته وأبناء عمه قد أُتيَ بها إلى الكوفة محمولة على رؤوس الرماح.

وقيل بأن ابن زياد أمر أن تنصب الرؤوس على الرماح ليستقبل بها السبايا، وقيل بأن عمر بن سعد أمر بوضعها على الرماح وأن يسار بها أمام السبايا، وفي كتاب كشف الغمة: أول رأس حُمل على رمح في الإسلام رأس الحسين بن علي(ع) ويقول الراوي فلم أر باكياً أو باكية أكثر من ذلك اليوم.

وعن حميد بن مسلم قال: دعاني عمر بن سعد فسرّحني إلى أهله لأبشرهم بفتح الله عليه وبعافيته، فأقبلت حتى أتيت أهله فأعلمتهم بذلك ثم أقبلت حتى أدخل فأجد بن زياد قد جلس للناس وأجد الوفدَ قد قدموا عليه فأدخلهم وأذن للناس فدخلت فيمن دخل، فإذا رأس الحسين موضوع بين يديه وإذا هو ينكتُ بقضيبٍ بين ثناياه ساعة فلما رآه زيد بن أرقم لا يُنجم عن نكته بالقضيب قال له: أعلُ بهذا القضيب عن هاتين الشفتين فوالذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله(ص) على هاتين الشفتين يقبلهما، ثم انفضح الشيخ يبكي، فقال له ابن زياد أبكى الله عينيك فوالله لولا أنك شيخ قد خرِفتَ وذهب عقلك لضربت عنقك، فخرج زيد وقال الناس والله لقد قال زيد قولاً لو سمعه ابن زياد لقتله، فقال حميد ما قال؟ قالوا مرّ بنا وهو يقول: ملّكَ عبدٌ عبداَ فاتخذهم تُلَداً أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم فرضيتم بالذل فبُعداً لمن رضي بالذل.

وجاء في كتاب مثير الأحزان وكتاب التذكرة أن زيد بن أرقم قال لابن زياد أيضاً يابن زياد لأحدثنك حديثاً هو أغلظ عليك من هذا، رأيت رسول الله(ص) أقعد حسناً على فخذه اليمنى وحسيناً على فخذه اليسرى ثم وضع يده على يافوخَيهما ثم قال:اللهم إني أستودعك إياهما وصالحَ المؤمنين، فكيف كانت وديعة رسول عندك يابن زياد؟

وعن هشام بن محمد قال: لما وُضع الرأس بين يدي بن زياد قال له كاهنه: قم فضع قدمك على فم عدوك، ففعل ذلك ثم قال لزيد بن أرقم كيف ترى؟ فقال زيد والله رأيت رسول الله واضعاً فِيه حيث وضعتَ قدمَك:

ويذكر بعضهم بأنه وضع الرأس الشريف في وعاء وراح بن زياد يضرب ثناياه ويقول: لقد أسرع إليك السيب يا أبا عبد الله، ثم قال يوم بيوم بدر، وكان عنده أنس بن مالك فبكى وقال كان أشبههم برسول الله، وعن سعد بن معاذ وعمر بن سهل أنهما حضرا مجلس عبيد الله فرأياه يضرب بالقضيب الذي كان يحمله أنف الحسين وعينيه ويطعن في فمه:

وفي الإرشاد للشيخ المفيد أن عمر بن سعد أمر بإحضار الرأس فجعل ينظر إليه ويتبسم وبيده قضيب يضرب به ثناياه.

وقد حدثت عدة كرامات للرأس الشريف ولكن بعضهم لم يعبر بها لعناده وحقده على فضل النبي وآله(ص) فلقد جاء في ترجمة تاريخ الأعثم الكوفي أنه قال: لما وُضع رأس الحسين عند ابن زياد أخذه بيده وجعل ينظر إلى وجهه وشعره وإذا باللعين يرتعش ارتعاشاً شديداً فوضع الرأس على فخذه فسال من حلقه قطرة دم على ثيابه فجاوز الدم عن ثيابه وفخذه فصار في موضعه جرحاً متعفناً كلما عالجوه لم ينفع إلى أن قُتل لعنه الله.

وجاء في التذكرة أن ابن زياد نصب الرؤوس كلها بالكوفة على الخشب وكانت زيادة على سبعين رأساً وهي أول رؤوس نصبت في الإسلام بعد رأس مسلم بن عقيل بالكوفة.

ويقول الطبري في تاريخه بأن ابن زياد نصب رأس الحسين بالكوفة فجعل يدار به في الكوفة.

وفي إرشاد المفيد لما أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين(ع) فدِير به في سكك الكوفة كلها وقبائلها، وورد أن الذي دار بالرأس هو عمر بن جابر المخزومي.

لقد بعث ابن زياد برأس الحسين إلى الشام وكان رسله كلما وصلوا إلى منطقة أخرجوا رأس الحسين من صندوق ورفعوه على رأس رمح ليراه الناس وليكون درساً لكل من يجرؤ على الوقوف في وجه الخليفة الطاغي يزيد، والمستفاد من التواريخ أن ابن زياد أرسل الرؤوس إلى يزيد قبل أن يبعث إليه بالأسرى حيث وكّل بهم شمر بن ذي الجوشن، ثم بعد يوم أو يومين أتبع جنوده بجنود آخرين على رأسهم عمر بن سعد أرسلهم سنداً لحاملي الرؤوس والموكلين بالأسرى كيلا تحدث انتفاضة من الناس إذا استطاع الأسرى أن يكشفوا الحقيقة لهم.

وقد حدثت أمور وكرامات للرأس الشريف أثناء نقله من الكوفة إلى الشام فلقد ذكر بن حجر في الصواعق بأن الذين ساروا برأس الحسين أرادوا أن ينتهكوا حرمة الرأس الشريف فراحوا يشربون الخمر به فحدث أمر رهيب أرعبهم فهربوا من مكانهم، وقريب من هذا ما ذكره القاضي حسين بن محمد المالكي في كتابه الخميس في أحوال أنفس النفيس حيث قال: فساروا إلى أن وصلوا إلى دير في الطريق فنزلوا به، فوجدوا مكتوباً على بعض جدرانه: أترجو أمة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم الحسابِ، فسألوا الراهب عن هذا السطر ومن كَتَبه فقال لهم الراهب إنه مكتوب فيها من قبل أن يُبعث نبيكم خمس مئة عام.

وفي كتاب مثير  الأحزان عن سليمان بن مهران الأعمش قال: بينما أنا في الطواف أيام الموسم إذا رجل يقول: اللهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تغفر، فسألته عن السبب فقال كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين إلى يزيد على طريق الشام فنزلنا على دير للنصارى والرأس مركوز على رمح، فوضعنا الطعام ونحن ونأكل فإذا بكف على حائط الدير فكتوب عليها بالدم: أترجو أمة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم الحسابِ، فجزعنا جزعاً شديداً وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت.

وفي كتاب روضة الأحباب لما اقترب القوم من الموصل كتب الشمر إلى عاملها أن يهيأ لهم الزاد والعلف وأن يزين المدينة حيث كتب له: إن معنا رأس الخارجي الحسين بن علي بن أبي طالب فأخبر العامل أهل الموصل بكتاب الشمر فاستنكروا الأمر واجتمع حوالي أربعة آلاف شخص وقد استعدوا لقتال الشمر ومن معه فبعث العامل إلى الشمر بأن لا يأتي وأخبره بأن أكثر أهل الموصل من شيعة الإمام الحسين فخاف الشمر أن يدخلها بل تمركز بعيداً عنها.

وفي ذلك المكان وضعوا الرأس الشريف على صخرة فسالت عليها نقطة دم من الرأس الشريف فأصبحت تلك الصخرة مكاناً للزيارة حيث كان الناس يتهافتون إليها لأنها موضع الرأس الشريف، وبقي هذا الحال قائماً إلى أيام عبد الملك بن مروان الذي أخفى الصخرة ولم يبق لها أثر فبنى الناس في ذلك المكان قبة وأطلقوا عليها إسم مشهد النقطة.

ومن أحداث الرأس الشريف أثناء إرساله إلى الشام قضية الراهب الذي أسلم بعد أن أبدى الحب الكامل للإمام وأبيه وجده، فقد ورد في التذكرة أن حملة الرأس نزلوا في إحدى المنازل وفي ذلك المنزل دير فيه راهب فأخرجوا الرأس الشريف من الصندوق ووضوه على رأس الرمح وأسندوا الرمح إلى الدير وفي منتصف الليل لفت نظرَ الراهب نورٌ يصعد من الخارج أي من المكان الذي فيه الرأس الشريف فجاء إليهم وسألهم وقال لهم من أنتم قالوا نحن أصحاب بن زياد، قال وهذا رأس من؟ قالوا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت محمد، قال نبيكم؟ قالوا نعم قال بئس القوم أنتم لو كان للمسيح ولد لأسكناه أحداقَنا، ثم طلب منهم أن يأخذ الرأس منهم لما تبقّى من الليل فقط على أن يعطيهم في المقابل عشرة آلاف دينار…. فوافق أصحاب بن زياد على عرض الراهب فأعطوه الرأس لليلة وأخذوا منه الدنانير، فأخذ الراهب الرأس المبارك ووضعه في حجره وقعد تلك الليلة يبكي على مظلومية صاحب هذا الرأس وعندما أسفر الصبح قال الراهب يا رأس لا أملك إلا نفسي وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن جدك رسول الله وأُشهِد الله أني مولاك وعبدك، وقد أصبح هذا الراهب من خدمة أهل البيت(ع).

وقد نقل جملة من المؤرخين حديث سهلِ الساعدي الذي نُقل في العديد من الكتب المعتبرة فقال سهل: خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطتُ الشام في يوم ورود الأسارى…إلى قوله قلت ولما ذلك؟ قالوا هذا رأس الحسين عترة محمد يُهدى من أرض العراق قلتُ واعجباً يُهدى رأس الحسين والناس يفرحون.. قلت من أي باب يدخل؟ فأشاروا من باب الساعات قال فبينما أنا كذلك حتى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضاً فإذا نحن بفارس بيده لواء عليه رأس من أشبه الناس برسول الله(ص) ورأيت نسوة على جمال بغير وطاء فدنوت من أولاهن فقلت يا جارية من أنت؟ فقالت أنا سكينة بنت الحسين، فقلت لها ألكِ حاجة إليَّ؟ فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمع حديثه قالت يا سهل قل لصاحب هذا الرأس أن يقدّم الرأس أمامنا حتى يتشغل الناس بالنظر إليه ولا ينظروا إلى حرم رسول الله، فلبى سهل سؤالها وأتى إلى حامل الرأس الشريف وطلب منه أن يتقدم بالرأس مقابل مبلغ من المال ففعل ذلك.

وهذا مما يبين لنا مأساة أهل البيت وبالخصوص النساء والأطفال الذين أحيطوا برؤوس الآباء والأخوة والأحباب فيا لها من مصيبة ما أعظمها وما أشدها على الرسول وآله.

وقد ذُكر في بعض المقاتل أنه بينما هم يطوفون بالرأس الشريف في بعض شوارع الشام فإذا بغرفة وروشن فيها خمس نسوة وبينهن عجوز محدودبة الظهر فلما حاذى الرأس الروشن أخذت العجوز حجراً رضربت به الرأس الشريف فأصابته ولكن مشيئة الله تعالى تدخلت فأحدثت كرامة لهذا الرأس المبارك حيث وقع الروشن من الأعلى فماتت النسوة اللواتي كن فيه على الفور، وأنا هنا أتساءل عن مدى الحقد الذي كان مركوزاً في قلوب بعض الناس، والذي يظهر من خلال هذه الكرامة أن هذه العجوز كانت تعرف صاحب الرأس ولحقدها على أبيه فعلت ما فعلت إذ لو كانت جاهلة بالأمر لما عاقبها الله تعالى، وليس ببعيد أن يكون هناك حقد بهذا الحجم لأن كثيراً من الناس لم يكونوا راضين عن آل الرسول بسبب الأحقاد التي زرعها الأمويون في قلوبهم والضغائن التي زرعوعا في نفوسهم، وعلى فرض أن هذه العجوز كانت جاهلة بهوية صاحب الرأس فلقد كان الأجدر بها أن تسأل عن صاحبه قبل أن ترميه بحجر ولكنها أحبت أن تتقرب من أمراء الجور وتشارك بالإحتفال الملعون مهما كان الأمر.

وفي بعض الروايات أن الإمام السجاد(ع) رأى تلك العجوز تضرب رأس أبيه بالحجر فدعا عليها فسقط الروشن على الفور وماتت هي ومن كان معها.

هذا الحقد لم ينته بعد بل هو آخذٌ بالزيادة في تلك المناطق التي كانت مركزاً للحكم الأموي، وما زال أولاد قتلة الإمام الحسين موجودين في الشام وهم يتباهون بهذا الذي يظنونه شرفاً لهم بل هو خزي لهم في الدنيا وفي الآخرة.

فبنو السراويل: وهم الذين سلب جدهم سراويل الإمام الحسين، وبنو السراج: وهم أحفاد الذين أسرجوا خيولهم وداسوا صدر الإمام الحسين، وبنو السنان: وهم أحفاد الذين نصبوا الرأس الشريف على السنان، وبنو الملح: وهم الذين ألقوا الملح على الرأس المبارك، وبنو الطست: وهم أولاد من وضع رأس الحسين على الطست وأتى به إلى يزيد، وبنو القضيب: وهم أولاد من أعطى يزيد بن معاوية القضيب الذي ضرب به رأس الحسين، وبنو الفروجي وهم أولاد من داروا برأس الحسين في فروج جيرون الشام، وهكذا ما زال بعضهم يتباهى بما فعله أجداده بآل رسول الله(ص).

ووصل الموكب إلى باب قصر يزيد وانتظر حملة الرأس ساعة أمام باب داره، فأذن لهم بالدخول فوضعوا الرأس على طست من ذهب ووضعوا الطست بين يدي يزيد، ثم جاء المعرّف وعرّف عن أصحاب الرؤوس واحداً واحداً، وكان رأس الإمام مغطىً بمنديل فرفع يزيد المنديل بالقضيب الذي كان يحمله فجعل ينكث ثنايا الرأس الشريف ويقول:

ليت أشياخي ببدر شهدوا       جزع الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القَرمَ من ساداتهم       وعدلناه ببدر فاعتدل

….لعبت هاشم بالملك    فلا خبر جاء ولا وحي نزل

ويذكر المسعودي أنه جعل ينكث ثنايا الحسين ويقول: نُفَلَِق هاماً من رجال أعزة    علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما، وقد كان أبو برزة الأسلمي حينها موجوداً عند يزيد فقال له إرفع قضيبك فطال والله ما رأيت رسول الله يضع فمه على فمه يلثمه.

وفي رواية أنه لما ضرب يزيد بقضيبه على ثنايا الحسين(ع) قال سَمُرة بن جُندَب وكان حاضراً عند يزيد قطع الله يديك يا يزيد أتنكث موضعاً رأيتُ رسولَ الله يقبله، قال له يزيد لولا صحبتك لرسول الله لقتلتك، قال سمرة أتراعي فيَّ صحبة رسول الله ولم تراع فيهم قرابته وهم أولاده وأهل بيته، فعند ذلك بكى الناس وخاف يزيد من وقوع الفتنة.

لقد دُفنت الأجساد الطاهرة التي سقطت في سبيل الحق على أرض الطف في الثالث عشر من شهر محرم سنة إحدى وستين للهجرة على يد الإمام الرابع من أئمة الهدى علي بن الحسين زين العابدين(ع) وقد أعانه على دفن الجثث مجموعة من بني أسد الذين صادف مرورهم في ذلك اليوم بأرض كربلاء، فلقد أجرى الله تعالى كرامة للإمام السجاد حيث منّ عليه بالشفاء السريع وأوصله إلى أرض كربلاء بشكل سريع خارج عن حدود الطبيعة، فلقد دفن الإمام السجاد جسد أبيه وأجساد الأهل والأحباب والأصحاب، وقد اقتضت حكمة الله أن يتحير بنوا أسد في دفن الجثث حتى يأتي الإمام لأنه الوحيد الذي يعرف أصحاب الأجساد والأشلاء لأنها كان جثثاً من دون رؤوس، فهو(ع) الذي كتب على كل قبر إسم صاحبه، ولولا ذلك لما عرفنا شيئاً حول تلك المقامات الشريفة.

لقد دُفن جسد الإمام الحسين في تلك الفترة وبقي رأسه الشريف مرفوعاً على رؤوس الأسنة والرماح يدار به من بلد إلى بلد ومن مدينة إلى مدينة بهدف الشماتة وتخويف كل من يفكر بالخروج على أمر الأمير وأعوانه الظلمة، لقد حُمل هذا الرأس المبارك من كربلاء إلى الكوفة، وهناك حدث ما حدث ثم نُقل إلى الشام وقد أشرنا إلى أحداث الرأس الشريف في الشام وفي قصر يزيد، ثم انتقل الرأس من الشام إلى كربلاء، ولا شك بأن هناك اختلافاً بين المؤرخين في تحديد الموضع الذي دُفن فيه رأس الإمام، ولكن المشهور والأصح والمتفق عليه بين الفريقين من الخاصة والعامة هو أن الرأس دفن مع الجسد في العشرين من صفر بعد أن بقي فوق الأرض أربعين يوماً.

قال صاحب اللهوف: فأما رأس الحسين فروي أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف.

وجاء في كتاب مثير الأحزان: والذي عليه المُعوّل من الأقوال أنه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه.

ويقول صاحب روضة الواعظين: وخرج علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة من الشام ورُد رأس الحسين إلى كربلاء.

ويقول صاحب البحار: المشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده رده علي بن الحسين(ع).

ويقول صاحب التذكرة: ثم رُد إلى الجسد بكربلاء فدفن معه.

ويقول المرتضى: بأن الرأس رد إلى البدن من الشام إلى كربلاء، ويقول الطوسي: ومنه زيارة الأربعين، وفي ترجمة تاريخ الأعثم: ثم جهز يزيدُ عليَ بن الحسين ومن معه إلى المدينة وسلّم إليهم رؤوس الشهداء فتوجهوا إلى المدينة ووصلوا إلى كربلاء في يوم العشرين من صفر فدُفن الرأس مع الجسد الشريف ودفنوا رؤوس سائر الشهداء هناك.

 

 

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى