منوعات

شرح أدعية ليالي شهر رمضان

دعاء الليلة الثانية

ما أجمل أن يلجأ المؤمن إلى كنف ربه، ويقضي هذا العمر تحت ظله وفي رعايته، إنه أمر لا يعدله شيء في هذا الوجود، ولا يضاهيه عمل من الأعمال.
ويزداد الأمر جمالاً وكمالاً عندما يتحقق من العبد في أشرف الأوقات وأعظم الأزمان وهو الشهر الذي باركه الله تعالى وفضّله على الشهور وخصه بتلك المزايا وجمّله بتلك الخصال ليكون الزمن الأفضل والظرف الأنسب والفسحة التي خلقها الله لعباده والفرصة السنوية لهم ليراجعوا بها حساباتهم ويؤنبوا فيها أنفسهم على ما قدمت من السوء بدل الطاعة ومن الشر بدل الخير ومن الباطل دون الحق.
إن شهر رمضان هو شهر الدعاء وشهر قبول العمل وهو الوقت الذي تفتح فيه أبواب السماء أعني بها أبواب الخير والبركة والرحمة لأن شهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة.
ودعاء هذه الليلة دعاء عظيم ينبغي الوقوف على معانيه والتأمل في أبعاده ليتسنى لنا فهم المراد من تلك الكلمات العظيمات التي تحمل معها الخير للمؤمنين في الدنيا والآخرة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، يا إله الأولين والآخرين، وإله من بقي وإله من مضى، ربَّ السموات السبع ومن فيهن، فالقَ الإصباح وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسبانا لك الحمد ولك الشكر ولك المن ولك الطول وأنت الواحد الأحد الصمد أسألك بجلالك سيدي وجمالك مولاي أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تغفر لي وترحمني وتتجاوز عني إنك أنت الغفور الرحيم.
بدأ هذا الدعاء بذكر خير الورى والصلاة عليهم لأن الصلاة على محمد وآله هي خير ذكر بعد ذكر الله عز وجل، فإذا بدأ الداعي بالصلاة على النبي وآله فلن يرده الله تعالى خائباً بل سوف يستجيب لهذا العبد ببركة محمد وآل محمد.
ومضمون هذا الدعاء إقرار من الداعي بكون الله عز وجل هو رب الأولين والآخرين ورب كل مخلوق في السموات والأرض بل هو رب السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن وما تحتهن وما فوقهن.
لقد سأل الداعي ربه بجلاله وجماله أن يقبل منه التوسل بالنبي وآله وأن يرحمه ويغفر له ويتجاوز عن سيئاته ببركتهم لأنهم الباب الذي منه يؤتى والسبيل المؤدي إلى الرضوان والسعادة فهم الشفعاء لنا في يوم الحساب يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه وفصيلته التي تؤويه.
أللهم ببركة محمد وآله لا تمتنا حتى ترضى عنا إنك سميع مجيب الدعاء.

دعاء الليلة الثالثة

لقد حلّ شهر الله بكل خير لمن كان ينتظره بفارغ الصبر طمعاً باكتساب الثواب ونيل المغفرة.
لقد أتى شهر الله ببركة لا مثيل لها في غيره من الشهور إذ أنه أعظم وقت خلقه الله سبحانه وتعالى ولأجل ذلك قُرن شهر رمضان بإسم الله عز وجل.
لقد أتى هذا الشهر العظيم والناس تجاه حلوله أنواع:
منهم من انتظره لأن تجارته متوقفة على حلوله كمن يتاجر بالبضائع الرمضانية.
ومنهم من استغل عنوان هذا الشهر لعقد الحفلات المحرمة فهو لا يعني له شهر رمضان سوى موسم تجاري وإن كان في عمله إهانة لهذا الشهر العظيم كأصحاب الخيمات الرمضانية التي كان الأجدر أن تسمى بالخيمات الشيطانية لأن ما يجري فيها لا علاقة له بمفهوم شهر رمضان ولا يمت إلى الدين والأخلاق بصلة.
ومنهم من ينتظره بفارغ الصبر ويستقبله بفرحة وسرور لعلمه بما يحمله هذا الشهر الكريم من الأجر والثواب والمنافع المادية والمعنوية والدنيوية والأخروية.
وهذا القسم الثالث هم أهل الدعاء الذين يبحثون عن كل ما يقربهم من الله سبحانه وتعالى ليذخروا أنفسهم ليوم الحساب.
وها نحن الآن أمام دعاء عظيم من أدعية شهر رمضان المبارك وهو دعاء الليلة الثالثة وهو دعاء عظيم رغم قلة كلماته فإننا لا ننظر إلى حجم الدعاء وإنما ننظر إلى المخاطَب به، والمخاطب به هو الله تبارك وتعالى، فلو خوطب رب العالمين بكلمة واحدة لتوسمت تلك الكلمة بالعظمة وتوجت بالرفعة.
يقول الدعاء: يا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب والأسباط ورب الملائكة والروح السميع العليم الحليم الكريم العلي العظيم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وإلى كنفك أويت وإليك أنبت وإليك المصير وأنت الرؤوف الرحيم قوني على الصلاة والصيام ولا تخزني يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد:
والداعي هنا يتوجه إلى ربه الذي هو رب إبراهيم وإسحاق وجميع الخلق ويبين بعض صفات الله التي تقرب العبد من ربه أكثر ويطلب منه التوفيق على أمر عظيم.
فبعد أن ذكر الداعي ربه بصدق وإخلاص واعترف بأنه أناب إلى الله وحده طلب منه أمرين عظيمين:
الأمر الأول: وهو طلب القوة من أجل الصلاة والصوم.
فلو فكر الإنسان بحقيقة الصلاة والصوم لوجد أنهما أمران لا يتمان إلا بتسديد من الله سبحانه وتعالى وتوفيق مباشر منه لأنهما أمران صعبان بل هما في غاية الصعوبة.
إن الصلاة لكي تكون صلاة حقيقية ومقبولة يجب أن تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر فإذا لم ينته المصلي عنهما فلا يكتب عند الله تعالى من المصلين، ومسألة المراقبة والتدقيق في أمور الحلال والحرام ليس أمراً سهلاً وإنما هو من الأمور الصعبة في مرحلة الإختبار.
والأمر الثاني الذي طلبه الداعي من ربه هو عدم الخزي في يوم القيامة لأن الخزي هناك يعني العذاب الأليم في مقابل النعيم الدائم.

دعاء الليلة الرابعة

يشتمل دعاء الليلة الرابعة على مقدمتين وتسعة أنواع من الطلب، وإذا استجاب الله لعبده دعاءه وأعطاه سؤله فقد حاز خير الدنيا ونعيم الآخرة، وهذا هو الهدف الأسمى لدى الإنسان الصالح الذي لا يرغب إلا برحمة ربه جل وعلا.
أما المقدمة الأولى من مقدمات هذا الدعاء: فهي إبراز بعض صفات الله سبحانه وتعالى حيث يخاطب الداعي ربه فيقول: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ويا جبار الدنيا ومالك الملوك، ويا رازق العباد.
وجميل أن يبدأ المرء دعاءه بذكر صفات الله عز وجل ليكون ذلك باباً من أبواب الإجابة.
وأما المقدمة الثانية فهي الإقرار من العبد بكون هذا الشهر الكريم شهر رمضان المبارك هو الوقت المقدس والزمن المبارك الذي آلى الله فيه أن يستجيب للداعي، وقد أدرك الداعي هذه الحقيقة فقال: هذا شهر التوبة وهذا شهر الثواب وشهر الرجاء.
وبما أن هذا الشهر كذلك فقد استغل الداعي هذا الوقت الخاص ليتوجه إلى ربه بالدعاء على أمل الإجابة السريعة.
وأما ما طلبه الداعي بهذا الدعاء فكله أمور عظيمة ومسائل كريمة حبذا لو طلبها الجميع بنية صادقة وقلب طاهر.
الطلب الأول: وهو سؤال العبد ربه بأن يجعله من العباد الصالحين المقربين لدى الله تعالى في جنات النعيم فقال الداعي: أسألك أن تجعلني في عبادك الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
الطلب الثاني: وهو إسدال ثوب الستر الإلهي على العبد وهو ستار لا يمكن أن يهتك ولذلك قال الداعي:وأن تسترني بالستر الذي لا يهتك.
الطلب الثالث: وهو طلب العافية، والعبد الصالح يطلب من ربه عافية الدنيا والآخرة فيقول: وتجللني بعافيتك التي لا ترام.
الطلب الرابع: وهو سؤال العبد لربه أن يستجيب له ويعطيه سؤله لتناله الرحمة الإلهية في دار الدنيا قبل دار الآخرة.
الطلب الخامس: وهو أعظم أمر على الإطلاق بعد رحمة الله تعالى وهو الجنة الواسعة التي أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين.
الطلب السادس: وهو الممهد لدخول الجنة فإن من كان عليه ذنب لن يشم رائحة الجنة إلا إذا غفر الله له ذنوبه، وهذا الداعي يطلب من ربه أن يغفر له ذنوبه.
الطلب السابع: وهو تفريج الهم، والهم من الأمور التي تنغص على الإنسان معيشته، ولا يمكن أن يزل الهم إلا بقدرة الله عز وجل.
الطلب الثامن: وهو كشف الكربات.
الطلب الأخير: وهو قضاء الحاجة.
وقد سأل العبد ربه ذلك بحق النبي وآله(ص) حيث قال:
وأن تسترني بالستر الذي لا يهتك وتجللني بعافيتك التي لا ترام وتعطيني سؤلي وتدخلني الجنة برحمتك وأن لا تدع لي ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كربة إلا كشفتها ولا حاجة إلا قضيتها بحق محمد وآل محمد.

دعاء الليلة الخامسة

الدعاء عملية ارتباط بين العبد وربه فبمقدار ما تكون العلاقة وثيقة بينهما بمقدار ما تكون الإجابة أسرع لأن الإستجابة موقوفة على مدى الإخلاص لله سبحانه وتعالى وإن أفضل أنواع خطاب المرء مع ربه هو الدعاء فقد ورد أنه من أراد أن يكلم ربه فليكلمه بالدعاء.
ولا يقاس الدعاء بروعة ألفاظه وعمق معانيه وكثرة كلماته، وإنما يقاس بمقدار التوجه نحو الله عز وجل.
فمن لم يكن لديه توجه صادق نحو ربه فلا ينبغي عليه أن ينتظر الإجابة لأن عدم صدقه مع الله يحول بينه وبين استجابة دعائه.
وهناك نقطة هامة ينبغي على المؤمن أن يعرفها فهي نقطة تتصل بعمق الدعاء بل هي أساس الدعاء وهي معرفة الله جل وعلا فإذا لم يعرف الداعي ربه فلا يمكن أن يستجيب له لما ورد في الحديث عندما سأل الناس إمامهم عن سبب عدم استجابة الدعاء حيث قالوا له ما لنا ندعوا فلا يستجاب لنا فقال(ع) لأنكم تدعون من لا تعرفون.
وشهر رمضان هو شهر الدعاء وشهر الإجابة وهو فسحة العبد المؤمن الذي يهيئ نفسه لاستقبال هذا الشهر العظيم لعلمه بما يكنه من المنفعة والعظمة.
ودعاء هذه الليلة لا يقل أهمية عن سابقيه من الأدعية المباركة التي يتأكد استحبابها في ليالي شهر رمضان الذي كانت لياليه أفضل الليالي.
يقول الداعي: يا صانع كل مصنوع ويا جابر كل كسير ويا شاهد كل نجوى ويا رباه ويا سيداه أنت النور فوق النور ونور كل نور فيا نور نور أسألك أن تغفر لي ذنوب الليل وذنوب النهار وذنوب السر وذنوب العلانية يا قادر يا قدير يا واحد يا أحد يا صمد يا ودود يا غفور يا رحيم يا غافر الذنب ويا قابل التوب شديد العقاب ذو الطول لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك تحيي وتميت وأنت الواحد القهار صل على محمد وآل محمد واغفر لي وارحمني إنك أنت الرحمن الرحيم.
فبعد أن بيّن الداعي بعض قدرة الله تعالى وصفاته الجلالية والجمالية والكمالية أشار في دعائه إلى نقطتين عقائديتين هامتين من شأنهما أن يقربا العبد من ربه ويرغباه بالتوبة وخصوصاً في شهر التوبة شهر رمضان المبارك.
النقطة الأولى: تتعلق ببيان أنواع الذنوب لأن العبد قد يرتكب الذنوب ليلاً أونهاراً أو سراً أو بالعلن وهذا الداعي يطلب المغفرة على جميع الذنوب التي ارتكبها في مختلف الظروف والمناسبات كيلا ينسى شيئاً لم يستغفر الله منها.
وبمقدار ما يكون الإعتراف صريحاً وصادقاً بمقدار ما تكون نسبة القبول أكبر وآكد.
والنقطة الثانية: وهي لفت النظر إلى كون الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة عن عباده مهما كانت الذنوب كثيرة ومنوعة فلا ينبغي على العبد أن ييأس من رحمة الله عز وجل لأن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير بشرط أن تكون التوبة صادقة ونصوحاً.
وإن أفضل أوقات التوبة في شهر رمضان الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران.
أجارنا الله وإياكم من كل بلاء ووفقنا وإياكم للتوبة الصادقة والعمل الصالح إنه سميع مجيب الدعاء.

دعاء الليلة السادسة

ما أعظم شهر الله وما أجمل أيامه ولياليه، وكيف لا يكون كذلك وقد فضله الله على سائر الشهور وجعل أيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات.
ومهما حاولنا أن نصف فضله وعظمته ومكانته فلن نقدر على ذلك لأنه استمد عظمته من عظمة الله عز وجل وقد جعله الله شهره المفضل وجعل الصوم عبادة خاصة وميزها عن باقي العبادات بأن جعلها لنفسه وأشار إلى هذا المعنى العظيم في الحديث القدسي: كل عمل ابن آدم هو له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به:
فإذا أدرك الإنسان هذا المعنى لم يكن له مناص أو مفر من الإنكباب على العبادة والطاعة ليجمع ما أمكنه من الأجر والثواب ويغرف من معين بركته لتكون ذخراً له في يوم الحساب.
وأمامنا هنا دعاء عظيم يدعى به في الليلة السادسة من هذا الشهر الكريم وهو عبارة عن بضع سطور ولكنها سطور تحمل خلفها معان عميقة ومفاهيم دينية كبرى وهي ذات أبعاد عقائدية معتبرة من شأنها أن توطد العلاقة بين الله وعبيده الذين يخشون عقابه ويرجون ثوابه.
والمؤمن الصادق يسعى دائماً وراء كل عمل يعقبه رضا الله وثوابه وعطاءاته الكبرى.
يقول الداعي: اللهم أنت السميع العليم وأنت الواحد الكريم وأنت الإله الصمد رفعت السموات بقدرتك ودحوت الأرض بعزتك وأنشأت السحاب بوحدانيتك وأجريت البحار بسلطانك يا من سبحت له الحيتان في البحور والسباع في الفلوات يا من لا تخفى عليه خافية في السموات السبع والأرضين السبع يا من تسبح له السموات ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن يا من لا يموت ولا يبقى إلا وجهه الجليل الجبار صل على محمد وآله واغفر لي وارحمني واعف عني إنك الغفور الرحيم:
نلاحظ بأن الجزء الكبير من هذا الدعاء هو بيان لبعض العقائد الإسلامية التي تظهر لنا مدى القدرة الإلهية التي لا تحدها حدود ولا تؤطرها أطر وكأن الداعي قد استغنى عن المسألة بما ذكره من صفات لله عز وجل لأن الله يعلم ما يدور في ضمائر المخلوقين ولعله لم يستطع التعبير عن مطلوبه ولم يذكر مطلوبه لأنه قليل أمام عطاء الله ورحمته.
ولكن هذا الداعي قد اكتفى بالصلاة على محمد وآل محمد لأنها أعظم عبادة يتقرب بها الإنسان من ربه وهي لوحدها تكفي لتحقيق أمنيات العبد، ولكن الداعي قد أبرز مطلوباً يطلبه كل راغب بالله وهو المغفرة والرحمة والعفو في شهر الرحمة والمغفرة والعفو.
رحمنا الله وإياكم وغفر لنا ولكم وعفا عنا وعنكم إنه سميع الدعاء.

دعاء الليلة السابعة

من صميم الفؤاد الذي لا يكذب ولا يخدع، ومن أعماق النفس الزكية المنقادة لأوامر الله عز وجل يوجه الداعي صرخة عبد مؤمن يئنّ من الحسرة واللوعة على ما فرّط في هذه الحياة، ويتوجه إلى ربه الغفور الذي سبقت رحمته غضبه بكل ما أوتي من مشاعر دينية وأحاسيس عقائدية مناشداً ربه بكلمات يقر عبرها بعظمة هذا الخالق العظيم الذي لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه .. ويخاطب ربه قائلاً: يا صريخ المستصرخين ويا مفرج كرب المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين ويا كاشف الكرب العظيم ويا أرحم الراحمين صل على محمد وآل محمد.
يوجد في هذه الكلمات المباركة نوع من أنواع الإستشفاع والإستنجاد بأطهر عصبة وأعظم أسرة في هذا الوجود أعني بهم محمداً وآله(ص) لأنه لن يشفّع الله يوم القيامة سواهم فهم الملجأ لنا من العقاب وهم الصدر الرحب الذي يتسع لكل مؤمن ومؤمنة من الأولين والآخرين.
كيف لا يتوسل العبد المؤمن بهم وقد توسل بهم أنبياء من أنبياء العزم وأولهم نوح الذي وضع أسماءهم في مقدمة السفينة ليحفظها الله من الغرق وإن الله تعالى هو الذي أرشد نبيه نوحاً إلى هذه الطريقة من طرق النجاة.
إن المؤمن المدرك يعي هذه الحقيقة تماماً ولكن الذين استسلموا للأهواء وانقادوا خلف التعصبات العمياء هم أيضاً يدركون هذه الحقيقة ولكنهم ينكرونها من أجل إرضاء الجهات التي ينتمون إليها مخلفين وراءهم ثواب الدنيا والآخرة لأن قادتهم سوف يلقونهم معهم في الدرك الأسفل من النار.
ولأجل ذلك فقد توسل الداعي بآل محمد لأنهم المشفعون في يوم الحساب وقادة المؤمنين إلى الجنان.
فبعد أن توسل الداعي بمحمد وآله(ص) راع يدعو ربه بأشياء لو تحققت لنال خير الدنيا وثواب الآخرة حيث قال: واكشف كربي وهمي وغمي فإنه لا يكشف ذلك غيرك وتقبل صومي واقض لي حوائجي وابعثني إلى الإيمان بك والتصديق بكتابك ورسولك وحب الأئمة المهديين أولي الأمر الذين أمرت بطاعتهم فإني قد رضيت بهم أئمة اللهم صل على محمد وآل محمد وأدخلني في كل خير أدخلت فيه محمداً وآل محمد وتقبل صومي وصلاتي ونسكي في هذا الشهر شهر رمضان المفترض علينا صيامه وارزقني به رحمتك يا أرحم الراحمين:
إنها أمور كبيرة ومطالب عظيمة تنبئ عن مدى قوة الإعتقاد في قلب الداعي الذي لا يرى أمامه سوى طريق السعادة المتمثلة بالنبي محمد وآله الأطهار.
وليس بعزيز على الله سبحانه أن يحقق مثل هذه المطالب أو أكثر منها ببركة النبي وآله لأنهم أكرم على الله مما نتصور.

دعاء الليلة الثامنة

يدور دعاء الليلة الثامنة حول قوله تعالى(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان)
وقد خاطب الداعي ربه بفضل شهر رمضان ومنزلته عنده من باب أن الله تعالى هو الذي جعل شهر رمضان شهر الدعاء والإستجابة فهو يحتج بما وعد الله به عباده من الإجابة في هذا الشهر الكريم.
قال الداعي: اللهم هذا شهرك الذي أمرت فيه عبادك بالدعاء وضمنت لهم الإجابة والرحمة وقلت وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فأدعوك يا مجيب دعوة المضطرين ويا كاشف السوء عن المكروبين إغفر لمن يموت قدّرت وخلقت وسويت فلك الحمد أطعمت وسقيت وآويت ورزقت فلك الحمد أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد في الليل إذا يغشى وفي النهار إذا تجلى وفي الآخرة والأولى وأن تكفيني ما أهمني وتغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم.
لقد أمرنا الله بالدعاء من أجلنا من أجل أن نصون به أنفسنا ونحصن به أوضاعنا فهو السلاح الأقوى في وجه الوسوسات والإغراءات وهو مخ العبادة والصلة فيما بين العبد وربه.
لقد أمرنا الله بالدعاء من أجل أن نعيش في ظله دائماً فهو يحب عباده المؤمنين ويحب أن يسمع أصواتهم وتضرعهم ومناجاتهم له بالليل والنهار وإن للمؤمن الصادق ثواباً بكل كلمة تخرج من قلبه يدعو بها ربه تبارك وتعالى.
وهذا الداعي يرجو ربه ويتضرع إليه وذلك عن طريق بيان فضائل الله تعالى والتوسل بالنبي وآله(ص) فإن هذا هو الأسلوب الأنفع في استجابة الدعاء.
يدعو الداعي ربه أن يكشف السوء عنه وعن جميع المكروبين من المؤمنين الذين لا ملجأ لهم سوى الله عز وجل، ويسأله قبول الصلاة على النبي وآله وأن يكفيه ما أهمه في هذه الحياة ويكفيه شر يوم الحساب وهذا السؤال أهم من سؤاله الأول الخاص بكشف الهم الدنيوي الذي لا يساوي شيئاً في مقابل الهم الأخروي.

دعاء الليلة التاسعة

إن شهر رمضان المبارك واحة بهية من واحات رب العالمين تبارك وتعالى وجوهرة ثمينة لا يدرك قيمتها إلا العالمون بها الذين خالطت أرواحهم هذا المعنى الرباني السامي الذي تألق ببركة الله ورحمته وجعله زمناً خاصاً من الأزمان التي اختصها الله لنفسه.
إن شهر رمضان شهر تغمره الرحمة وتتوجه البركة بجميع معانيها وأبعادها فهو شهر البركة في هذه الحياة كما هو شهر البركة في الموازين الأخروية.
وهو شهر الخيرات وشهر الصدقات وشهر العبادة وشهر العطف والحنان والرأفة والرحمة.
إن كثيراً من المؤمنين لا يظهرون كرمهم وعطاءهم إلا في هذا الشهر الكريم، فكما يظهرون عطاءاتهم في هذا الشهر ويتحننون على فقراء الناس ومحتاجيهم وأيتامهم فكذلك ينبغي عليهم أن يتحننوا على أنفسهم بالطاعة والعمل الصالح والتفرغ لعبادة الله سبحانه وتعالى، ولا نعني بالتفرغ أن ينقطع المرء عن الناس والعمل وإنما نعني به التفكر والإبتعاد عن الحرام وعن كل ما تسوء به حياتهم وما يجلب لهم العقاب في يوم الحساب.
وفي هذا الشهر تبرز عبادة كبرى حاملة معها الأجر الكبير والثواب العظيم وهي الدعاء الذي هو من العبادات الهينة التي لا تحتاج إلى عناء ومشقة.
وفي هذه الليلة ورد دعاء عظيم ينبغي أن نضيفه إلى سجل العمل الرمضاني فهو أمر رابح بل هو تجارة نعقدها مع ربنا تبارك وتعالى في هذه الليالي المباركة التي جعلها الله أفضل الليالي على الإطلاق.
يقول الداعي في خصوص هذه الليلة التاسعة: يا سيداه يا رباه ياذا الجلال والإكرام يا ذا العرش الذي لا ينام ويا ذا العز الذي لا يرام يا قاضي الأمور يا شافي الصدور إجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً واقذف رجاءك في قلبي حتى لا أرجو أحداً سواك عليك سيدي توكلت وإليك مولاي أنبت وإليك المصير أسألك يا إله الآلهة ويا جبار الجبابرة ويا كبير الأكابر الذي من توكل عليه كفاه وكان حسبه وبالغ أمره عليك توكلت فاكفني وإليك أنبت فارحمني وإليك المصير فاغفر لي ولا تسود وجهي يوم تسود وجوه وتبيض فيه وجوه إنك العزيز الحكيم أللهم وصل على محمد وآل محمد وارحمني وتجاوز عني إنك أنت الغفور الرحيم.
وليس لنا أن نزيد على ما ورد في هذا الدعاء شيئاً سوى أن نطلب من الله الرحمة والمغفرة.

دعاء الليلة العاشرة

لقد تصرم من ليالي شهر الله ثلثها وبقي ثلثان لا يستهان بعظمتهما وأهميتهما عند الله سبحانه وتعالى، ولا تزال الفرصة موجودة والباب مفتوحاً للراغبين بالتوبة والإلتزام بأحكام الله جل وعلا، ولا ينبغي على المقصر أن يزيد في تقصيره بحجة أن رمضان أشرف على النصف فيؤجل التوبة للسنة القادمة وما يدرينا لعل السنة القادمة أتت وهو من أهل القبور وسكانها.
ولنعتبر انقضاء الثلث الأول بمثابة تحذير لنا وتنبيه من غفلتنا التي طال أمدها ولنعتبره بمثابة دنو الأجل وحلول الخطر بل حلول أعظم خطر في الوجود وهو غضب الله على العبد.
فكلما انقضى من شهر رمضان يوم أو ليلة ولم نستغل هذا الوقت في العمل الصالح كلما نقصت مدة تلك الفرصة التي فتحها الله للراغبين بالعودة إلى الفطرة والأصالة.
إنني أحاول بهذا الكلام أن أنبه المقصرين الذين لا يعني لهم شهر رمضان شيئاً لجهلهم بحقيقته وتقصير أهلهم في تربيتهم على الأسس الدينية فإذا قصر أهلهم بواجباتهم تجاه أولادهم فلا ينبغي علينا كمسؤلين أمام الله أن نتبع خطى الأهل في ذلك ونلقي المسؤولية عليهم فإن إرشاد الضال وتعليم الجاهل وتوجيه الحائر مسؤولية كل مسلم ومسلمة حيث لم نعهد في الإسلام ما هو لا دخل لي أو لا شأن لي أو لا علاقة لي، كلنا مؤمنون وكلنا مسؤولون عن أي تقصير في واجباتنا تجاه الله والأمة.
وفي هذه الليلة المباركة الليلة العاشرة من ليالي شهر الخير والبركة والرحمة والمغفرة يتوجه الداعي إلى ربه بقلب خاشع وروح مفعمة بالإيمان وشاعرة بالمسؤولية والتأنيب والتقصير والخوف من سوء العاقبة وهو يقول:
أللهم يا سلام يا مؤمن يا مهيمن يا جبار يا متكبر يا أحد يا فرد يا غفور يا رحيم يا ودود يا حليم مضى من الشهر المبارك الثلث ولست أدري سيدي ما صنعتَ في حاجتي هل غفرت لي؟ إن أنت غفرت لي فطوبى لي وإن لم تكن غفرت لي فواسوءتاه فمن الآن سيدي فاغفر لي وارحمني وتب عليّ ولا تخذلني وأقلني عثرتي واسترني بسترك واعف عني بعفوك وتجاوز عني بقدرتك إنك تقضي ولا يقضى عليك وأنت على كل شيء قدير.
هذا هو اللسان الذي يجب أن نتكلم به مع ربنا في هذا الشهر وفي كل شهور السنة ولحظات العمر وهذه المطالب هي مطالب المؤمن الذي يرجو ثواب الله ويخشى عقابه فهو يخشى أن يكون مقصراً في الأيام التي مضت من شهر رمضان ولا يدري أقبل الله منه العمل أم لم يقبل منه شيئاً ولأجل ذلك تدارك الداعي أمره قبل أن يفوت الأوان وتوجه إلى الله بنية صادقة أن يقبل منه العمل ويلهمه الخير الذي ينجو به من عذاب الآخرة.

دعاء الليلة الحادية عشرة

ما زلنا نعيش أيام الخير والبركة في شهر الخير والبركة الذي رفع الله مستواه وفضّله على ما سواه من الأيام والشهور فهو شهر العلم والعمل وشهر التقوى والروحانية وشهر الفلاح والصلاح وشهر الكتاب العظيم إنه تاج الشهور ورمز الدهور إنه شهر العبادة والإنقطاع إلى الله عز وجل.
وهذه الليلة هي الليلة الأولى من الثلث الثاني من شهر رمضان المبارك وهي من المنعطفات الأساسية والمحطات الملحوظة في هذا الشهر العظيم لأنها تعني بداية مرحلة جديدة من مراحل العمل صياماً وقياماً وخشوعاً وخضوعاً لله تبارك وتعالى.
وما نعنيه بهذه المقدمة هو أن يشعر المؤمن بأن شهر رمضان قد بدأ من جديد وأن تلك الفرصة التي فتحها الله لعباده ما زالت قائمة فلا ينبغي إهمالها أو التقصير تجاهها وإنما يجب استغلالها بالطاعة وكسب المزيد من الأجر والثواب والغرف من بركات هذا الشهر المميز.
في هذه الليلة المباركة يتوجه الداعي إلى ربه بكلمات عظيمات قليلة من ناحية اللفظ كبيرة من ناحية المعنى والمراد فيقول: أللهم إني أستأنف العمل وأرجو العفو وهذه أول ليلة من ليالي الثلثين.
تشعرنا هذه الكلمات بأن الداعي يعي حقيقة الأمر ويشعر بخطورة الموقف ويعلم بأن زمناً عظيماً قد فاته من هذا الشهر فهو يراقب عمله في الثلث الأول فإن كان عملاً صالحاً تابع العمل وإن كان قد قصر في تلك الليالي والأيام فإنه سوف يعيد النظر فيما بقي من الوقت ويجدد نشاطه كيلا يخسر لحظة واحدة من الشهر في غير ذكر الله والعمل الصالح فإنه إن قصر في هذا الشهر فما يدريك لعل الشهر الآخر من السنة الثانية يأتي وهذا الإنسان قرين الحجر والتراب.
ثم يتابع دعاءه قائلاً: أدعوك بأسمائك الحسنى وأستجير بك من نارك التي لا تطفأ:
لقد توسل الداعي بالأسماء الحسنى التي أمرنا الله سبحانه أن ندعوه بها كما في قوله(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) وقد سأل الداعي ربه أن يجيره من النار في هذا الشهر الذي تفته فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران.
ثم يتابع الداعي دعاءه فيقول: وأسألك أن تقويني على قيامه وصيامه وأن تغفر لي وترحمني إنك لا تخلف الميعاد.

دعاء الليلة الثانية عشرة

جاء في دعاء هذه الليلة (أللهم أنت العزيز الحكيم، وأنت الغفور الرحيم، وأنت العلي العظيم، لك الحمد حمداً يبقى ولا يفنى، وأنت الحي الحليم، أسألك بنور وجهك الكريم، وبجلال وجهك الذي لا يرام وبعزتك التي لا تقهر أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تغفر لي وترحمني إنك أنت أرحم الراحمين)
قد تتشابه ألفاظ الأدعية وتتقارب معانيها ويحصل لها تكرار ملحوظ، فلا يعني ذلك عجز الداعي عن الإتيان بألفاظ متغايرة ومعان مختلفة فإن هذا الإختلاف مرتبط بمطالب الداعي الذي كان بإمكانه أن يدعو الله بما يشاء، ولكن هذا الداعي في شهر الله يركز على مواضيع متشابهة لأنها تعنيه أكثر من غيرها فهو يركز على طلب الرحمة والمغفرة لأن ذلك من أعظم ما يحصل عليه العبد فمن حاز رحمة الله تعالى فقد حاز الخير كله.
وقد يكون هذا التكرار من باب الإلحاح لأن الله تعالى يحب من عبده المؤمن أن يلح عليه بالمسألة لأنه يحب أن يسمع صوت عبده المؤمن ويرى تضرعه وخشوعه .
لقد حمد الداعي ربه بالشكل الذي يحبه الله تعالى ويحث عليه عباده فقد حمده حمداً صادقاً وباقياً لا فناء له وقد سجل الداعي بذلك شهادة منه لن تزول إلى يوم القيامة وكأنه ما زال يحمد ربه وهو تحت التراب.
لقد حمد ربه بعد الإقرار بقدرة الله التي لا تحدها حدود وسأله بنور وجهه الكريم وبجلاله العظيم أن يتقبل منه العمل ويستجيب له الدعاء بحق النبي وآله(ص) لأنه مفتاح الرحمة للعباد وبهم يقبل الله العمل ويستجيب الدعاء ويغفر الذنب.
لقد سأل الداعي ربه بمحمد وآل محمد أن يغفر له ذنوبه ويرحمه في يوم القيامة هذا اليوم الذي لا ينفع فيه سوى العمل الصالح بضميمة الرحمة الإلهية لأن الله تعالى لا يعطينا الجزاء بحسب أعمالنا وأحجامها وأنواعها وإنما يعطينا ذلك برحمته التي وسعت كل شيء.

دعاء الليلة الثالثة عشرة

من خلال قراءة أدعية ليالي شهر رمضان لاحظنا أنها تشير إلى جميع أسماء الله تعالى وصفاته الكريمة حيث كان الداعي يبدأ أدعيته بذكر تلك الأسماء الحسنى متوسلاً بها وبالنبي وآله طالباً بها استجابة الدعاء.
ودعاء هذه الليلة مبدوء بثلاثة عشر إسماً من أسماء الله عز وجل وهي:
الجبار والمالك والغفار والسميع والعليم والغفور والحليم والرحيم والصمد والفرد والعلي والقدير والتواب.
وإليكم نَصَّ الدعاء الوارد استحباب قراءته في هذه الليلة المباركة:
يا جبار السموات وجبار الأرضين ويا من له ملكوت السموات وملكوت الأرضين وغفار الذنوب والسميعَ العليم الغفور الحليم الرحيم الصمد الفرد الذي لا شبيه لك ولا ولي لك أنت العلي الأعلى والقدير القادر وأنت التواب الرحيم أسألك أن تصلي على محمد وآله وأن تغفر لي وترحمني إنك أنت أرحم الراحمين”
لقد نبعت هذه الكلمات من القلب السليم الذي لم يحو بداخله سوى حب الله ورسوله وأهل البيت وكل مؤمن ومؤمنة في هذا الوجود وقد أراد الداعي بكلماته مع ربه طلباً عزيزاً وكريماً لو تحقق له لنال شرف الدنيا وكرامة الآخرة وهو طلب الرحمة والمغفرة في شهر الرحمة والمغفرة.
إن هذا الداعي يناشد رب العالمين بصفاته وأسمائه ويتوسل إليه بها وبالنبي وآله أن يغفر له الذنوب التي اقترفتها يداه في دار الدنيا أو أنه يتهم النفس بالعصيان تذللاً منه لله الذي يحب عبده المتهم لنفسه لأن ذلك دليل على مدى خوف العبد من الله ورجائه للعفو والمغفرة والثواب.
وأدعية ليالي شهر الله هي بالنسبة لنا كمؤمنين بالله وراجين عفوه هي عبارة عن دروس لنا ينبغي أن نستفيد منها لتكون نوراً لنا في يوم الحساب وثقل خير في الكتاب ذلك الكتاب الذي وصفه الله تعالى في أشرف كتاب بكونه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها فينبغي علينا أن ننظف هذا السجل الرباني الأخروي من كل شائبة وتبعة كيلا نُسأل عن شيء في ذلك اليوم الرهيب.

دعاء الليلة الرابعة عشرة

لقد أشرف الشهر العظيم على الإنتصاف مما يعني بداية العد العكسي لتلك الأيام المباركة والليالي الكريمة وهو يعني الإسراع بالعمل وعدم إضاعة الوقت واستغلال تلك اللحظات في الطاعة لأنها لحظات قطف الثمار اليانعة وتحصيل الكسب الوافر برأس مال قليل لأن التجارة مع الله تعالى مضمونة الربح رغم قلة رأس المال.
وإن أعظم نواع التجارات التي نعقدها في حياتنا هي التجارة مع خالقنا ومولانا ورازقنا وحافظنا وراحمنا في الحياة وما بعد الممات فهي تجارة لا يخشى العابد كسادها لأنه يتعامل مع أكرم الأكرمين وخير المعطين وأعظم الرازقين.
إن جميع تجاراتنا في هذه الحياة قابلة للربح والخسارة باستثناء نوع واحد وهو التعاطي مع الله تبارك وتعالى.
إن رأس مال هذه التجارة هو الصدق والإخلاص والتوجه الكامل نحو الله وعدم الإنشغال بغيره.
لقد انقضى من هذا الشهر فرص كثيرة لو استغلها المؤمن لكانت خيراً له وذخراً ليوم ميعاده وسؤاله وحسابه، وقد بقي من الشهر نصفه ويمكن للمؤمن أن يستدرك الأمر ويستعيد الفرص الفائتة باستغلال ما بقي من هذا الشهر فلو صدق المؤمن مع ربه فيما تبقى من الأيام لأعطاه الله تعالى أجر عمل الشهر كله.
فلا تفوتنكم الفرصة ولا يبعدنكم عن الله شيء فإن أشقى الأشقياء من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.
فكما نقضي ليالي شهر الله بالولائم والسهرات والترويح عن النفس فكذلك ينبغي أن نحسب لأنفسنا حساباً بأن نخصص وقتاً للتواصل مع الله والعيش في ظل رحمته الواسعة.
إن أقل ما يمكن فعله في هذه الليالي المباركة هو التفكر بالله والتضرع إليه وتلاوة أجزاء أو آيات من كتابه العزيز أو قراءة بعض الأدعية الواردة ومنها دعاء هذه الليلة، يقول الداعي: يا ولي الأولياء وجبار الجبابرة ويا إله الأولين أنت خلقتني ولم أك شيئاً وأنت أمرتني بالطاعة وأطعت سيدي بقدر جهدي فإن كنت توانيت أو أخطأت أو نسيت فتفضل عليّ سيدي ولا تقطع رجائي فامنن عليّ بالرحمة واجمع بيني وبين نبي الرحمة محمد بن عبد الله(ص) واغفر لي إنك أنت التواب الرحيم:

دعاء الليلة الخامسة عشرة

عند انتهاء اليوم الرابع عشر ينتصف شهر رمضان بحلول ليلة النصف منه وهي تعتبر من المحطات الأساسية والمراحل المهمة في خصوص شهر الله.
فعند حلول هذه الليلة ينتصف الشهر المبارك وعند انتهائها يبدأ العد العكسي لأيام شهر رمضان مما يعني أن الفرصة بدأت بالتقلص فتجب المبادرة إلى استغلال ما تبقى من الأيام والليالي للإستفادة من بركتها وقداستها واستغلال كون شهر رمضان شهراً تغفر فيه الذنوب وتفته فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران.
وفي ليلة النصف من شعبان يوجد آداب كثيرة ومستحبات عديدة منها ما هو مشترك بينها وبين باقي الليالي ومنها ما هو خاص بها كدعاء ليلة النصف من شهر الله وهو دعاء عظيم ينبغي على المؤمن أن يتقرب بقراءته إلى الله سبحانه وتعالى.
في هذه الليلة المباركة يتوجه الداعي إلى ربه بقلب سليم مفهم بالخشوع والإيمان سائلاً ربه بمسألات كريمات فيخاطبه قائلاً: الحنان أنت سيدي المنان أنت مولاي الكريم أنت سيدي الغفور أنت مولاي الحليم أنت سيدي الوهاب أنت مولاي العزيز أنت سيدي القاهر أنت مولاي الصمد أنت سيدي العزيز أنت مولاي صل على محمد وآله واغفر لي وارحمني وتجاوز عني إنك أنت الأجل الأعظم:
إن ما صدر عن هذا الداعي هو إقرار عظيم منه لله عز وجل بأن الله صاحب تلك الصفات التي لا يدرك محتواها إلا من عرف الله حق المعرفة وأدرك كون ربه الحنان والمنان والغفور والرحيم.
لقد منّ الله على عباده وأعطاهم ما سألوه ووعدهم المغفرة والرحمة إذا سلكوا طرق المغفرة التي أنارها لنا ووضح مقدماتها وعلّمنا كيف نحصل على كل خير في الدنيا والآخرة.
ولأجل ذلك عرف الداعي أهم الطرق التي تنال بها الرحمة الإلهية وهي النبي وآله لأنهم الطريق الأوحد الذي يوصل بالعباد إلى الرضوان.
ولكونهم سلام الله عليهم بهذا المستوى عند ربهم فقد سأل الداعي ربه بهم أن يصلي ويسلم عليهم لأن الصلاة عليهم تعني الصلاة علينا والرحمة بنا.
وعلى كل إنسان في هذا الوجود أن يعلم بأن النجاة من النار موقوفة على موالاة النبي وآله حيث أمرنا الله بذلك وجعل موالاتهم وعدمها موضوعاً للإمتحان في هذه الدنيا فمن أطاعهم فقد أطاع الله ومن عصاهم فقد أغضب الله ومن أغضب الله استحق الخلد في العذاب.

دعاء الليلة السادسة عشرة

هذه هي الليلة الأولى من ليالي النصف الثاني من هذا الشهر العظيم الذي يضاعف الله فيه الأجر والثواب على العمل الصالح مضاعفة قد لا يطيق حجمها واستيعابها كثير من الناس نتيجة للإستغراب تجاه هذا الكرم المميز والعطاء الباهر.
ولا ينبغي للمؤمن أن يستهجن هذا المقدار من العطاء إذا كان مؤمناً بكون الله عز وجل أعظم المعطين وأكرم الأكرمين حتى وإن كان مقدار العطاء أمراً يكبر في صدورنا فإن العطاء لنا من قبل الله تعالى لا ينقص من ملكه شيئاً هما بلغ حجمه.
فقد ينشأ هذا الإستغراب من عطاءالله نتيجة لقياسه بعطاء الناس بعضهم لبعض وهذا قياس باطل حيث لا يمكن أن نقيس عمل الخالق بعمل المخلوق فإن الخالق غني وقدير أما المخلوق فإنه المحتاج والفقير مهما كان غنياً وإن عطاء الإنسان للإنسان ينقص من ملك المعطي فقد يتصور البعض أن عطاء الله لنا ينقص من خزائنه شيئاً مع أن خزائن الله لا تنقص ولا تنفد بالعطاء.
ودعاء هذه الليلة مميز بتوجه الداعي واستعماله للعبارات العظيمة التي كرر بها ذكر أسماء الله عز وجل من باب التأكيد والإلحاح حيث قال: يا ألله 7 يا رحمن 7 يا رحيم.. يا غفور..يا رؤوف.. يا حنان.. يا علي.. صل على محمد وآل محمد واغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم:
قد يستهجن بعض الناس من طلب الداعي المستمر والذي يسأل الله به أن يصلي على محمد وآل محمد فيقول إن محمداً وآله ليسوا بحاجة إلى دعائنا لهم وصلاتنا عليهم لأنهم الشفاء في يوم الحساب….
نحن في الواقع عندما نصلي على النبي وآله لا نقصد به ما نقصده بالدعاء لأنفسنا ولبعض المؤمنين وإنما نقصد بالصلاة عليهم ذكر الله تعالى لأن ذكرهم هو ذكر الله ولكننا نقصد بالصلاة عليهم بعد قصد التقرب إلى الله بذكرهم التوسل بهم ليستجيب الله لنا ببركة محمد وآله لأننا نؤمن بأن الله لا يرد سائلاً توسل إليه بالنبي وآله.

دعاء الليلة السابعة عشرة

من معين البركة يغرف المؤمن رضا ربه ومن ثمار شهر الله يقطف الرحمة لنفسه وشهر رمضان بحر زخار ونبع متفجر بدفق وقوة فمهما غرفت من معينه ومهما رويت نفسك من مائه فلن ينقص من خيراته شيء بل إنه قابل للزيادة ولمدنا بالخير المتواصل.
ومن شهر الله تستمد القوة في اليقين والقدرة على المثابرة في طريق الخير ومنه نستلهم الهمم العالية والدروس المفيدة والعبرة والموعظة والنصيحة فإذا كان شهر رمضان منطلقاً لنا في هذه الدنيا فلا شك بأن الخير سوف يتدفق علينا والبركة تعمنا والرحمة تشملنا.
وها نحن نشرف على ليال عظيمة هي لب شهر رمضان وأعظم ما فيه وهي ليالي القدر التي جعلها الله عز وجل أشرف ليالي الشهر المبارك حيث قدّر فيها الأعمار والأرزاق وأنزل فيها القرآن ليكون نوراً للعالمين عبر الزمن.
وها نحن أيضاً نشرف على انتهاء الثلث الثاني من شهر رمضان ولا ندري ما إذا كنا صنعنا خيراً أم كنا مقصرين تجاه ربنا وتجاه أنفسنا وتجاه الآخرين وبالأخص من لهم حق علينا كالوالد والولد والزوجة والمجتمع.
فإذا شعرنا بالتقصير وجب علينا استدراك الأمر والسعي للخير وإحياء الليالي المتبقية فيما يعوض علينا ما ذهب من دون أن نستغله بالعمل والطاعة.
وفي شهر رمضان نركز على الدعاء لأنه شهر الدعاء والإجابة وقد ورد في مستحبات هذه الليلة الليلة السابعة عشر دعاء خاص وهو:
أللهم هذا شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن وأمرت بعمارة المساجد فيه والدعاء والصيام والقيام وضمنت لنا فيه الإجابة فقد اجتهدنا وأنت أعنتنا فاغفر لنا فيه ولا تجعله آخر العهد منا واعف عنا فإنك ربنا وارحمنا فإنك سيدنا واجعلنا ممن ينقلب إلى مغفرتك ورضوانك فإنك أنت الأجل الأعظم:
لقد تحدث الداعي في البداية عن صفة من صفات شهر رمضان الذي توسم ببركة نزول القرآن فيه وهذا هو المنطق القرآني حيث يقول تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)
ثم أشار الداعي إلى نقطة يجب على المؤمنين أنيهتموا بها مدى الحياة وخصوصاً في شهر رمضان وهي عمارة المساجد بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن فإن الدخول إلى المسجد والمكوث فيه عبادة وإن العمل الذي يقوم به المؤمن في المسجد يتضاعف فيه الأجر لما ورد من أن الركعتين يصليهما المؤمن في بيت الله أفضل من سبعين ركعة في غير بيت الله.
ثم بيّن الداعي بعض نعم الله على البشر ثم طلب منه ما طلبه في غيره من الأدعية وهي الرحمة والمغفرة.

دعاء الليلة الثامنة عشرة

كلما دنونا من الثلث الأخير كلما ازددنا تعلقاً بالشهر المبارك الذي تزدهر فيه حياة المؤمنين الذين لا يفكرون بالطعام الرمضاني والولائم والسهرات الجميلة بل يفكرون بالسهرات الروحية التي تغمرها القدرة الأفهية فهم يسهرون مع ربهم من خلال ذكره وتلاوة كتابه والإبتعاد عن المحرمات.
وكلما دنونا من الثلث الأخير كلما ازددنا استعداداً لمواجهة مناسبتين عظيمتين لا ندري أيهما أحب إلى الله وأنفع لنا هل هي ليالي القدر أم هي العيش مع أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب(ع) الذي كان من رواد هذا الشهر المبارك وممن يتفرغون فيه لعبادة الله عز وجل.
ففي الثلث الأخير تجتمع مناسبتان هما خير لنا وذخر ليوم فاقتنا الأولى ذكرى استشهاد أمير الكون وقسيم الجنة والنار والثانية ذكرى ليلة القدر، وهناك ارتباط وثيق بين المناسبتين بحيث لا تقبل إحداهما من دون الأخرى فمن أحيا ليلة القدر من الغروب وحتى الفجر ولم يحي ذكرى هذا الإمام العظيم ولم يعلن الولاء له فكأنه لم يحي ليلة القدر ولم يؤمن بالله ورسوله من الأساس لأن الله ورسوله هما اللذان أمرا بموالاة علي بن أبي طالب حيث قال تعالى(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وقال تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه) وقد قال لنا الرسول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه أللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله:

وفي هذه الليلة المباركة نتقرب إلى الله عز وجل بهذا الدعاء الكريم: الحمد لله الذي أكرمنا بشهرنا هذا وأنزل علينا فيه القرآن وعرّفنا حقه والحمد لله على البصيرة فبنور وجهك يا إلهنا وإله آبائنا الأولين ارزقنا فيه التوبة ولا تخذلنا ولا تخلف ظننا بك إنك أنت الجليل الجبار:
يصرح الداعي بأمر عظيم ينبغي على كل مؤمن أن يعرفه وهو كون الله تعالى قد أكرمنا بشهر رمضان وفضلنا به على غيرنا من الأمم لأن كل لحظة عمل فيه تساوي أجر شهور في غيره ويكفي أن فيه ليلة القدر التي جعلها الله تعالى خيراً من ألف شهر.
كما ويشكر الداعي ربه على نعمة معرفة شهر الله لأن تلك المعرفة يستلزم منها العمل الصادق والتوبة النصوح والإخلاص لله تبارك وتعالى.
وكما أكرمنا الله بمعرفة هذا الشهر العظيم فنحن نسأله أن يلهمنا التوبة فيه لأنه شهر تقبل فيه توبة العبد المنيب.
إن ظننا بالله عظيم ونسأله أن لا يخلف ظننا إنا نظن من الله الرحمة والمغفرة والثواب وندعوه أن لا يردنا خائبين.

دعاء الليلة التاسعة عشرة

قال تعالى(إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم)
من بداية شهر الله والمؤمنون ينتظرون هذخ الليلة المباركة التي جعلها الله تعالى خيراً من ألف شهر وهي ليلة القدر الأولى على اعتبار أننا نحيي ثلاث ليال بنية القدر لترددها بين هذه الليالي الثلاث وقد أخفاها الله عنا رحمة بنا وذلك من أجل أن ننال أجر ثلاث ليال دون أجر ليلة واحدة.
وهذا هو التفسير الأنسب للحكمة من إخفائها.
وليلة القدر هي الليلة التي يرجى فيها ما يرجى وتقسم فيها الأرزاق وتقدر فيها الأعمار وهي أعظم وقت في الزمن ومن هنا كان من الضروري أن نشغل أنفسنا بالعبادة في جميع لحظات هذه الليلة كيلا يفوتنا من النفع شيء.
بإمكاننا أن نستغل هذه الليلة بالصلاة والدعاء والإكثار من قراءة القرآن والتفكر في الله وثوابه وعقابه وجنته وناره وقدرته الباهرة وأن نعيش تلك اللحظات مع الله بصدق نية وصفاء قلب لأن الأجر على قدر الإخلاص والصدق ولا يهمنا الكثرة من العمل بقدر ما يهمنا الكثرة من التوجه الخالص لله عز وجل.
فهناك أعمال كثيرة يستحب القيام بها في هذه الليلة مثل الغسل عند الغروب وقراءة دعاء الإفتتاح والجوشن الكبير وصلاة ركعتي أعمال ليلة القدر وصلاة مئة ركعة ركعتين ركعتين بنية صلاة ليلة القدر ودعاء رفع المصاحف والإستغفار سبعين مرة وزيارة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام ولعن قتلة أمير المؤمنين باعتبار أن ليلة تسع عشر هي ليلة جرح الإمام (ع) حيث طعنه عبد الرحمن بن ملجم وهو ساجد في المسجد لصلاة الصبح.
وهناك أعمال كثيرة ورد استحبابها في هذه الليلة المباركة، ومنها دعاء خاص وهو: يا ذا الذي كان قبل كل شيء ثم خلق كل شيء ثم يبقى ويفنى كل شيء يا ذا الذي ليس في السموات العلى ولا في الأرضين السفلى ولا فوقهن ولا بينهن ولا تحتهن إله يعبد غيره لك الحمد حمداً لا يقدر على إحصائه إلا أنت:

دعاء الليلة العشرين

في هذه الليالي ينبغي أن نكون على أتم الإستعداد للعمل الصالح لأننا قادمون على وقت هو أشرف الأوقات ولا يأتي سوى مرة في السنة ولأجل ذلك يجب أن نستغل الفرصة ونسرع بالعمل لأن الأمر يحتاج إلى إسراع منا نحو الخير عملاً بقوله تعالى(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة وعرضها السموات والأرض أعدت للمتقين)
إننا نقترب شيئاً فشيئاً من الثلث الأخير من هذا الشهر المبارك وهو يشمل أهم ما في الشهر من مناسبات لأنه يحوي ليالي القدر وذكرى استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) الذي يشدنا ذكره إلى الخير المطلق والطاعة الصادقة والأخلاق الفاضلة حيث اقترنت تلك الصفات الكبرى بروحه وعقله ونفسه المرتقية إلى عالم لم نصل إليه نحن ولا غيرنا من جميع طبقات الناس، وتلاحمت مع إسمه المبارك الذي أسماه به رب العالمين.
وهذه الليلة هي الليلة العشرون من شهر رمضان المبارك وهذا يعني أن نجلس مع أنفسنا ونختلي بها قليلاً لنراقب أمرنا ونراجع حساباتنا لنرى هل كانت أعمالنا بحجم المستوى المطلوب أم كنا مقصرين ومتهاونين أمام واجباتنا العامة والخاصة، وهل أعطينا أيام الشهر ولياليه حقها أم تعاملنا معها كما نتعامل مع غيرها من الليالي والأيام؟ فإذا كان العمل في الأيام الماضية غير مرضي عنه فإن بإمكاننا أن نصحح الوضع عن طريق التفرغ للعمل الصالح في هذا الثلث الأخير الذي نشعر معه بالخطر خطر الحرمان من الثواب والغفران حيث أخبرنا النبي الأعظم(ص) بأن أشقى الناس من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.
ينبغي علينا في هذا الوقت الحرج أن نفرض على أنفسنا العمل ونجبرها على الطاعة لنرغم بطاعتنا أنف الشيطان الغوي الذي يعمل جاهداً وباستمرار على إغواء المؤمنين والإيقاع بهم في هاوية المعاصي المتصلة بالدرك الأسفل من النار، وقد حذرنا الله تبارك وتعالى من هذا المخلوق الشرير الذي لا يريد لنا سوى الشر والهلاك وأمرنا تعالى أن نتعاطى مع الشيطان كأخطر عدو لنا في هذا الوجود حيث يقول(إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا)
تعالوا في هذه الليلة نرغم أنف الشيطان ونطرده من نفوسنا بل من حياتنا لأننا إذا سكتنا عنه فلن يدعنا وشأننا بل سوف يكذب ويخدع ويوسوس حتى نطيعه ونعصي الله عز وجل ولا يعني ذلك سوى الخسارة الكبرى وهي خسارة الدنيا والآخرة.
تعالوا نتقرب إلى الله العظيم بقراءة هذا الدعاء الوارد استحباب قراءته في هذه الليلة الكريمة، وهو: أستغفر الله مما مضى من ذنوبي فنسيتها وهي مثبتة عليّ يحصيها الكرام الكاتبون ما أفعل وأستغفر الله من موبقات الذنوب وأستغفره مما فرض علي فتوانيت وأستغفره من نسيان الشيء الذي باعدني من ربي وأستغفره من الزلات والضلالات ومما كسبت يدي وأؤمن به وأتوكل عليه كثيراً وأستغفره وأستغفره وأستغفره:
من هذه الأمور وغيرها يجب على المؤمن أن يستغفر ربه حتى يلقاه وليس عليه تبعة يعذب بها.

دعاء ليلة إحدى وعشرين

إنا أنزلناه في ليلة القدر….. الخ : في هذه الليلة المباركة ينبغي على المؤمنين أن يلتمسوا الخير والرضوان ويسألوا ربهم العفو والعافية في الدارين لأنها الليلة التي يرجى فيها ما يرجى في علم الله وهي ليلة القدر الوسطى التي ورد فيها شأن كبير لا يقل عن شأن الليلة الكبرى لاحتمال أن تكون هي الليلة المرجوة.
وليس لنا في هذه الليلة سوى الإنقطاع للعبادة والتفرغ للطاعة لأن اللحظة الواحدة فيها تساوي الكثير وتعد بالأشهر والسنوات إنها ليلة بارك الله فيها العمل والثواب وأكد فيها الإجابة بشرط أن يكون المؤمن مخلصاً لربه.
هناك آداب ومستحبات خاصة في هذه الليلة ولكن يمكن للأنسان أن يدعو فيها بما يشاء وكيف يشاء ولكن الوارد المخصوص أفضل والأفضل أن يشارك المؤمنين في إحيائها كي يستجيب الله للبعض بسبب البعض الآخر، وفي مشاركة المؤمنين منافع عديدة:
منها : أن الله إذا لم يستجب لفلان بسبب نفسه فإنه سوف يستجيب له بسبب فلان المؤمن لأن للمؤمن كرامة عالية وشأناً رفيعاً عند الله سبحانه وتعالى.
ومنها: أنه لو اقتضت الرحمة لشخص واحد من الجالسين لشملت كل الحاضرين ببركة المؤمن المستحق للرحمة.
ومنها: أن الله تعالى يحب الجماعة على الكلمة بمعنى أنه يحب من عباده أن يجتمعوا على الطاعة ويوحدوا صفوفهم وكلمتهم وقلوبهم ليتحلوا بالقوة.
والأفضل أن تحيى هذه الليالي الكريمة في بيوت الله لأن الأجر فيها أعظم والثواب أكبر.
ويستحب في هذه الليلة ما يستحب في ليلة تسع عشر وليلة ثلاث وعشرين من الأعمال المشتركة بين الليالي الثلاث وهي: الغسل عند الغروب وصلاة ركعتي أعمال ليلة القدر وصلاة مئة ركعة وقراءة دعاء الجوشن الكبير والسحر والإفتتاح وزيارة الإمام الحسين(ع) والإستغفار ولعن قتلة أمير المؤمنين وقراءة الأدعية الليلة الخاصة بشهر رمضان المبارك.
ومن جملة المستحبات الخاصة بهذه الليلة ليلة إحدى وعشرين دعاء عظيم الشأن ورفيع المستوى رغم قلة كلماته وصغر حجمه، وهو: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له….إلى قوله : الهادي المهدي.

دعاء ليلة اثنتين وعشرين

إن أول يوم من شهر رمضان عند الله عز وجل يشبه آخر يوم منه من حيث البركة والأجر والثواب لأن جميع أيامه ولياليه تحمل نفس العناوين المشتركة بينها وأهم تلك العناوين أن أيامه كلها هي من ضمن شهر الله.
وقد نرى بعض المؤمنين تقل همتهم في الثلث الأخير من شهر رمضان مع العلم بأن الثلث الأخير متميز عن سابقَيه من حيث المناسبات وعلى رأسها ليلة القدر الكبرى.
ينبغي على المؤمن أن يجدد نشاطه في كل يوم وليلة من هذا الشهر المبارك حتى يحظى ببركته تامة وكاملة.
وهنا نجدد التأكيد على مسألة الإهتمام بما تبقى من أيام وليالي واستغلالها فيما يرضي الله وينفعنا في الدنيا والآخرة.
ولا يجدر بنا أن نكون كالذي يقصر تجاه نفسه في شهر رمضان ثم يندم على هذا التقصر بعد انقضائه حيث لا تنفع الندامة ولا يثمر التحسر.
ومن باب استغلال هذا الوقت نقرأ هذا الدعاء الذي تستحب قراءته في هذه الليلة الكريمة وهو: يا ظهر اللاجئين صل على محمد وآل محمد وكن لي حصناً وحرزاً يا كهف المستجيرين صل على محمد وآل محمد وكن لي كهفاً وعضدا وناصرا، ويا غياث المستغيثين صل على محمد وآل محمد وكن لي غياثاً ومجيرا ، يا ولي المؤمنين صل على محمد وآل محمد وكن لي ولياً يا مجير غصص المؤمنين صل على محمد وآل محمد وأجر غصتي ونفّس همي وأسعدني في هذا الشهر المبارك العظيم سعادة لا أشقى بعدها يا أرحم الراحمين:
نحن نؤمن يقيناً بأن الله سبحانه وتعالى هو الملجأ الآمن وهو ظهر اللاجئين إليه وهو الكهف الحافظ لكل من دخله مستعيذاً بالله رب العالمين، ومن استنصر الله وجده خير ناصر له وخير غياث وخير مجير من المهالك والموبقات.
ثم يشير الداعي بشكل غير مباشر إلى كون الناس في شهر رمضان صنفين، صنف تكتب لهم السعادة من خلال ما قدموه لأنفسهم في شهر الله، وصنف كتبوا لأنفسهم الشقاء بسبب بعدهم عن الله ومواطن رضوانه.
ولكي يكون المرء من أهل السعادة فهو بحاجة إلى توفيق الله له ومده بالقوة اللازمة للعمل الصالح.

دعاء ليلة ثلاث وعشرين

في هذه الليلة العظيمة ليلة القدر الكبرى يتهيأ كثير من المؤمنين للتوجه نحو المساجد والقاعات بهدف إحيائها بالذكر والدعاء والصلاة وغير ذلك من أنواع الخير، وهي لا شك ليلة تستحق الإهتماء والإعتناء لكونها الليلة التي يرجى فيها ما يرجى، وفي هذه الحالة ينبغي أن نسدد الخطى ونحكم النية ونصحح التوجه حتى يكون خالصاً لله تبارك وتعالى لا يقصد به سوى وجهه الكريم ورضوانه العظيم ورحمته الواسعة.
ولا شك بأنها من أعظم ليالي السنة على الإطلاق لأنها المحور الأساسي في تقدير الحوادث والدهور فمن أراد أن تقدر له الرحمة والسعادة ويستجلب الخير لنفسه فليحسن النية فيها لأن الدعاء فيها مسموع ومجاب والعمل فيها مقبول، والصالحات مرفوعة خارقة كل الحجب.
ولا ينلغي علينا كمؤمنين أن ننسى بعضنا بالدعاء فلربما غفر الله لنا بسبب دعائنا لشخص يقبل الله الدعء فيه، ولا ينبغي أن نغفل عن أمر في غاية الأهمية وهو التواصل مع صاحب العصر والزمان الإمام المهدي(ع) الذي يعرض الله عليه أعمال البشر في هذه الليلة ونحن كمؤمنين ينبغي علينا أن ندخل السرور إلى قلب إمامنا ومولانا الذي تسعده طاعتنا لله وحبنا لبعضنا البعض، ولأجل ذلك نجد هذا الداعي قد خصّ الإمام صاحب العصر بدعائه لهذه الليلة حيث قال: أللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.
ونحن ننصح جميع المؤمنين بالمثابرة على هذا الدعاء العظيم يومياً في شهر رمضان وفي جميع أشهر السنة لأنه عبارة عن صلة وصل بيننا وبينه، ثم إنه إذا استجاب الله لنا ذلك فقد رحمنا لأن ظهور الإمام(ع) من مصلحة كل مؤمن ومؤمنة.
ثم يتابع الداعي قوله: يا مدبر الأمور يا باعث من في القبور يا مجري البحور يا ملين الحديد لداود صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا، وهنا تسأل الله حاجتك فتقضى.
وبما أن هذه الليلة مميزة في عالم الطاعة فقد أكثر الداعي من السؤال حيث تابع خطابه مع ربه قائلاً: أللهم اجعلني من أوفر عبادك نصيباً من كل خير أنزلته في هذه الليلة وأنت منزله من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تقسمه أو بلاء تدفعه أو ضر تكشفه واكتب لي ما كتبت لأوليائك الصالحين الذين استوجبوا منك الثواب وأمنزا برضاك عنهم منك العقاب يا كريم يا كريم صل على محمد وآل محمد وافعل بي ذلك برحمتك يا أرحم الراحمين:

دعاء ليلة أربع وعشرين

في الليلة الماضية شهدت بيوت الله إقبالاً واسعاً من قبل المؤمنين الذين شدوا الرحال نحو الله ووطنوا أنفسهم على الطاعة وعاشوا ساعات مغمورة بالرحمة والرضوان ولمسوا الراحة وهم في كنف ربهم وجواره وضيافته، ولم يبق من هذا الشهر العظيم سوى أيام قليلة ولا ندري ما إذا كنا من أهل الشهر القادم أم كنا في العالم الآخر، ولأجل ذلك علينا أن نتعامل مع هذه الأيام المتبقية معاملة المفارق والمودع فنكثر التأمل بها والعمل فيها وجمع الخير المتدفق منها لأننا كلما جمعنا من خيرها كلما كان ذخراً لنا ليوم فاقتنا.
ولنجعل هذه الليالي المتبقية سياجاً لليلة القدر نحفظ بها ما صنعناه في الليالي الماضية من خير لأنفسنا لأن كل ما صنعناه قابل للإحتراق إذا لم نتمتع بشيء من التأمل والحذر من خطوات الشيطان الغوي ووسوساته المستمرة لأنه يعمل جاهداً على حرمنا من ثواب العمل ليضيع بإغوائه أجرنا وثمار عملنا ونتائج صيامنا وقيامنا، ولا ينلغي للمؤمن أن يفرط بهذه الذخيرة الرائعة التي تتضمن مفتاح الجنة والرحمة.
لا تدعوا العزيمة تضعف خصوصاً في هذه الليالي الأخيرة ولا تسمحوا للأهواء بأن تستدرجكم إلى الخسران المبين لتجعل مثالكم كمثال السراب الذي يحسبه الظمئان ماءاً وهو في الواقع وهم وظلمة.
لقد ورد في خصوص هذه الليلة دعاء عظيم يشدنا نحو الله ويبقينا مجبولين في أجواء هذا الشهر المبارك فيقول: أللهم أنت أمرت بالدعاء وضمنت الإجابة فدعوناك ونحن عبادك وبنوا إمائك نواصينا بيدك وأنت ربنا ونحن عبادك ولم يسأل العباد مثلك ونرغب إليك ولم يرغب الخلائق إلى مثلك يا موضع شكوى السائلين، ومنتهى حاجة الراغبين ويا ذا الجبروت والملكوت ويا ذا السلطان والعز يا حي يا قيوم يا بار يا رحيم يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا ذا النعم والطول الذي لا يرام صل على محمد وآله واغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم:
ففي هذا الدعاء يعترف العبد مقراً بعظمة مولاه وأنه لا معبود ولا قدير ولا رحيم سواه فهو الذي يسمع الدعاء والنداء إذا دعوناه وناديناه وهو بفضله ضمن لنا الإجابة إن نحن دعوناه بصدق نية.

دعاء ليلة خمس وعشرين

وتستمر الرحلة في أعماق هذا الشهر العظيم الذي شابه آخره أوله من حيث الفضل والمكانة والمنزلة، وما زلنا نتابع الغوص نحو القاع علنا بجهدنا وصدقنا واتكالنا على الله تعالى ندرك المبتغى ونصل إلى المنتهى ونطال المراد من وراء عملنا.
وما زال كرم الله عز وجل يتوالى علينا وخيره يتدفق نحونا ونحن ما زلنا قليلي الشكر والثناء وبعيدين عن الواجب بعد الأرض عن السماء مع أنه سهل المنال وليّن الجانب فلا حوائل ولا موانع ولا حجب تحجبنا عن العمل الصالح والطاعة الصادقة.
لقد شارف الشهر الكريم على النهاية ذهبت أكثر أيامه وتصرمت جلّ لياليه ولم يبق سوى أيام معدودة خمسة أيام كحد أدنى وستة أيام كحد أقصى ونخرج من شهر رمضان، ولكن السؤال لا يتعلق بوقت الخروج وإنما بكيفيته، لا ينبغي أن نسأل متى نخرج من الشهر بل علينا أن نسأل كيف خرجنا منه؟ هل خرجنا برضا الله عنا أم خرج والسخط حليفنا والخسارة مكتوبة علينا، وهل كانت فرحتنا باستقباله كفرحتنا بانتهائه؟ المؤمن يفرح بانتهاء شهر رمضان لأنه كان يمثل له مصدراً لجمع الحسنات وليس غير ذلك، فلو فكّر المؤمن بحقيقة هذا الأمر لاجتهد بالعمل في الأيام الأخيرة أكثر من انشغاله في البداية وذلك من باب انتهاز الفرصة واستغلال الوقت المتبقي في طاعة الله عز وجل.
ودعاء هذه الليلة متميز من حيث كونه مجموعة آيات قرآنية يتقرب الداعي بتلاوتها إلى الله عز وجل، وهو: فتبارك الله أحسن الخالقين، خالق الخلق ومنشئ السحاب وآمر الرعد أن يسبح له تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعلُ لك قصورا، فتبارك الله أحسن الخالقين.

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى