الهَدَفُ مِنْ إِيجَادِ البَشَرِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا
الهَدَفُ مِنْ إِيجَادِ البَشَرِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا

الهَدَفُ مِنْ إِيجَادِ البَشَرِ فِي الحَيَاةِ الدنْيَا
قبل العمل على بيان أي مفهوم أو حُكْمٍ من أحكام الدين الإسلامي الحنيف يدفع بنا الشعور بالمسؤولية إلى بيان الهدف من وجودنا على الأرض، حيث لا نفع من كل أمر نعرفه عن الدين وغيره ما لم نعرف الحكمة من إيجادنا في هذه الحياة، لأن التعرف على الهدف من وجودنا فيها يسهّل علينا الكثير من الأعباء البيانية أثناء البحث في أي موضوع يتعلق بديننا العظيم.
فما النفع من بيان الحلال والحرام إذا لم يكن الإنسان مؤمناً بربه، وما النفع من بيان أي أمر من أمور الدين ما لم يعرف الإنسان الهدف من إخراجه إلى هذا الوجود، في حين أن الجميع يدركون عدم اللغو في هذا الإيجاد، ولكنهم لم يضعوا الإصبع على الجُرح، فإذا أدرك الإنسان معنى وجوده في الدنيا أمكن لنا حينئذٍ بيان كل ما يُصلح له حاله على مستوى الدنيا والآخرة.
قال سبحانه (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
فعند إلقاء نظرة أولية على هذه الآيات الكريمة يتبادر إلى الأذهان معنى قد يكون أجنبياً عن المراد وذلك بسبب استعمال لفظ مكان لفظ لحكمة من الله تعالى، فلقد عبّر الله عز وجل عن المعرفة بلفظ العبادة، فبدل أن يقول(ليعرفون) فقد قال(ليعبدون)، وبهذا التعبير ضرب الله تعالى عصفورين بحجر واحد، فبدل أن يستعمل في المقام لفظين متعاقبين، أحدهما المعرفة، والآخر العبادة الناجمة عن المعرفة، فقد استعمل لفظاً واحداً يدل على المَعْنَيَيْن، وبمعنى آخر، فقد عبّر الله تعالى بالنتيجة لأن نتيجة المعرفة هي العبادة، فما من إنسان عرف ربه حق المعرفة إلا انكبَّ على عبادته حق العبادة.
إذاً.. نحن أمام معنيين في قوله(ليعبدون) فإما أن نؤمن بكون المراد الأساسي من هذا اللفظ هو العبادة، وإما أن نؤمن بكونه المعرفة الدافعة نحو العبادة، والعبادة من دون معرفة لا قيمة لها لأنها حينئذ تكون فاقدة للمعنى وللثمرة، أما العبادة القائمة على المعرفة فهي التي تستتبع معها الأجر والثواب والجزاء الحسن لصاحبها.
ولكي نفهم المراد أكثر يجب التوقف عند معنى العبادة، فهل هي القيام والركوع والسجود المستمر؟ أم أن لها معنى آخر؟ ونحن هنا لا ننكر بأن الصلاة والصوم والحج كلها عبادة لله تعالى، ولكن الإنسان لم يوجد في هذه الدنيا من أجل أن يبقى قائماً وراكعاً وساجداً ومُحرماً وطائفاً حول البيت الحرام، فإن فَهْمَنا للعبادة من هذه الزاوية الضيقة يفتح المجال أمام المغرضين للطعن في هيكل هذا الدين العظيم الذي نعتبره من أكمل الأديان، فإذا عرفنا معنى العبادة الحقيقية استطعنا حينئذ أن نفهم معنى الآية بوجهيها لأن كلا الوجهين صحيح إذا عرفنا المعنى المراد، فتفسير العبادة بالمعرفة صحيح لأن العبادة من لوازم المعرفة فيكون ذلك تفسيراً بالنتيجة، وهذا من الأساليب المتبعة عندنا، وتفسير العبادة بالمعنى المعلوم تفسير صحيح لأن العبادة الحقيقية هي أن يكون الإنسان فاعلاً للواجب وتاركاً للحرام منذ يوم تكليفه وإلى آخر لحظة من عمره.
فتارة نفسّر العبادة بالصلاة المستمرة والصوم الدائم، وتارة أخرى نفسرها بفعل الواجب وترك المحرَّم، ولا شك بأن الثاني هو المعنى المراد لأن الإنسان طالما أنه بعيد عن الحرام فهو في حالة عبادةٍ مستمرة، وبهذا الفهم لا يبقى الإشكال قائماً حول معنى قوله(ليعبدون)
أما اعتماد الرأي الأول فهو مخالف للعقل والشرع والطبيعة البشرية لأن الإنشغال بالعبادة المستمرة ينتج عنه التوقف عن السعي والعمل والبناء، ولا شك بأنه مخالِف لقوله تعالى(وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)
الشيخ علي فقيه