أصحاب الإمام الحسين

أصحاب الإمام الحسين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على رسول الله محمد بن عبد الله وآله الطاهرين وصحبه الكرام المنتجبين.
إن الهدف الأساسي من هذا البحث هو التعريف بأصحاب الإمام(ع) وبيان حجم الأدوار التي لعبوها في نشر الدعوة والحفاظ على الرسالة بطريقة تختلف عن الطريقة المعهودة في التبليغ حيث لم يبلغوا بالقول فحسب وإنما ببذل الدماء وتقديم الأرواح.
ومن حقهم علينا أن نذكر شيئاً عنهم ونبين البعض من فضائلهم ونحكي للأجيال عن مواقفهم الجريئة وبطولاتهم المميزة التي بفضلها انتشر الإسلام ودخل إلى كل بقعة من بقاع الأرض وثبت في النفوس وارتكز في القلوب.
والحديث عن الأصحاب منه ما هو عام ومنه ما هو خاص، أما العام فهو الحديث عن مفهوم الصحبة وبيان خصائص أصحاب المعصومين جميعاً الذين كان هدفهم واحداً رغم تبدل الأحوال وتغير الظروف والتواريخ والأشخاص لأن الصحبة رسالة يحملها الإنسان في حياته في أي وقت من الأوقات.
وأما الخاص فهو تعيين الأصحاب لنعرف أصحاب مَن من المعصومين هم ثم إن هناك تفاوتاً بين صحابي وآخر كما هو حال التفاوت الموجود بين جميع الناس.
فهناك تفاوت بين أصحاب الرسول وأصحاب علي واصحاب الحسن وأصحاب الحسين، وهناك تفوت بين صحاب وآخر من أصحاب الرسول وبين صحاب وآخر من أصحاب الإمام.
فلقد كان الأصحاب رضوان الله عليهم فريق عمل النبي وأهل بيته ويدهم اليمنى والدرع الواقي والحصن الحصين والصوت الذي دوى عالياً هاتفاً باتباع الحق وإيثار الإيمان على ما سواه صارخاً في وجوه العتاة الظلمة الذين خافوا من إخلاص الصحابة الكرام واستماتتهم في سبيل حفظ الرسالة والرسول والأئمة وإعلاء كلمة الله تعالى وإزهاق كلمة الشيطان مهما كانت التبعات قاسية والأثمان باهضة حيث استصغروا ما عدا الله فعظُم الخالق في أعينهم وصغر ما دونه في نفوسهم فكان ذلك سبب قوتهم ومصدر شجاعتهم ومنبع عزتهم لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
لقد كان تاريخ الأصحاب وما يزال حافلاً بالمواقف العزيزة والأحداث الكبرى التي أصبحت مدارس للأجيال عبر الزمن حيث كانوا المثل الأعلى في الصدق والإخلاص والإيثار.
ولذا يجب علينا كمؤمنين بالله ورسوله ومبلغين لتعاليم أهل العصمة أن نسلط الضوء على تواريخ أصحابهم لنستفيد منها الكثير من الدروس الكبرى للدنيا وللآخرة ونتعلم منهم كيف نترجم إيماننا على أرض الواقع وكيف نكون أقوياء وأوفياء وأتقياء وكيف نؤثر رضا الله تعالى على كل شيء.
نبينا وأئمتنا سلام الله عليهم أجمعين هم الذين حثوا المؤمنين على قراءة تواريخ الأصحاب الكرام لعلمهم بأن في تواريخ هؤلاء الكرام فوائدَ جمة للبشرية جمعاء، ولطالما حدثنا النبي وآله عن عظمة أصحابهم وعن الدور الكبير الذي قاموا به تجاه هذا الدين فجعلوا من أصحابهم مضرِباً للمثل بل جعلوهم مثلاً أعلى للمؤمنين عبر الزمن فكانوا يذكرون فضائلهم دائماً ويستشهدون بمواقفهم وثباتهم على الحق رغم الأخطار التي أحاطت بهم ورغم التعذيب الذي وقع على كثير منهم ورغم الإعدامات الجماعية والفردية التي حصلت لبعضهم لا لذنب ارتكبوه إلا لأنهم آمنوا بالله ورسوله ووقفوا موقفاً مشرفاً تجاه هذا الدين الحنيف الذي أدركوا حقيقته فعلموا بأنه باب الخلاص للبشرية من كل فساد خُلقي وانحراف عقائدي.
لولا أصحاب النبي وآله رضوان الله تعالى عليهم أجمعين لشُلّت حركة الإسلام واندثرت معالم الدين ودُفن قبل ولادته ولكن بفضل هؤلاء الذين أهدر الناس حقوقهم وأهملوا ذكرهم انتشر هذا الدين ودخل إلى كل المجتمعات الشرقية والغربية، وبمعنى أوضح كان الأصحاب رضوان الله عليهم الأداة المنفذة للرسالة وبمعنى آخر كانوا نواباً للمعصومين وسفراء لهم إلى جميع أنحاء العالَم، ولأجل ذلك استُهدف الأصحاب كما استُهدف النبي وآله حيث لمس الناس بأن وضع الأصحاب القلبي والنفسي مشابه تماماً لأوضاع المعصومين(ع) وخصوصاً بعد أن رأوا فعل بعضهم وسمعوا عن أفعال آخرين كيف أنهم جعلوا من أجسامهم دروعاً بشرية تقي النبي وآله من سهام الغدر وسيوف الشر فأحدث ذلك خوفاً كبيراً في نفوس البعض فراحوا يستهدفون الأصحاب المخلصين لإيمانهم وقناعتهم بأن الأصحاب يشكلون جناحي الرسالة فإذا قطعوا الجناحين فقد أسقطوا هذا الدين الجديد إلا أن إرادة الله تعالى كانت تُنبت بدل الجناح عشرة إذ يزيد الله في خلقه ما يشاء.
كان إذا استُشهد واحد ظهر آخر أو نُفي واحد قام مقامه صحابي مثله حتى أصبحوا كالنبع الذي لا ينفد ماؤه ولا يغور معينه.
ونفس الأساليب التي اتبعها المشركون مع النبي ومع الأئمة استعملوها مع أصحابهم عندما فشلوا في إغراء أهل البيت علهم ينجحون في إغراء الأصحاب الذين كانوا يشكّلون بيضة القبان في ذلك الزمان فكان الرد من الأصحاب ذات رد النبي وآله(ع) وعندما فشل القوم في جميع المحاولات عمدوا إلى استعمال طريقة شنيعة فعذبوا الكثيرين منهم حتى الموت كما حصل مع ياسر وسمية والدي الصحابي الجليل عمار بن ياسر، وسجنوا الكثيرين دون طعام وشراب، ونفوا عدداً منهم كما صنعوا مع الصحابي الكبير أبي ذر الغفاري رضوان الله عليه الذي حكم عليه معاوية بالنفي إلى مكان قفر حتى يموت هناك جوعاً وقد حصل ذلك فعلاً، وقد حاولوا أن يُرعبوا البعض ويهددوهم بالقتل كما صنع معاوية مع الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي رضوان الله عليه الذي أجبر على البراءة من أمير المؤمنين فلم يفعل فقتلوا ولده أمام عينيه كعملية ضغط عليه فلم يؤثر ذلك على موقفه شيئاً ثم ذبحوه عقاباً له، وكذا ما فعلوه في ميثم التمار الذي صُلب على جذع نخلة وقطعت يداه ورجلاه وسُحب لسانه من القفا وكان أمير المؤمنين(ع) قد أخبر التمار بهذا المصير فلم يكن من ميثم سوى أن قال الحمد لله لقد صدق مولاي.
وكذا أصحاب الإمام الحسين(ع) الذين أبدوا من البسالة والشجاعة ما لم يُبدها غيرهم فلم يرضوا بأن يُقتل الحسين قبلهم فبذلوا مُهجهم في سبيل قضيته ولم يرجع منهم أحد، وقد شهد لهم الحسين والتاريخ بالفضل وقد وصفهم الإمام الحسين بقوله: لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي:
والحديث عن أصحاب الإمام الحسين رضوان الله عليهم يشبه الحديث عن أصحاب النبي وباقي المعصومين، ومن حق هؤلاء الكرام علينا أن نذكر شيئاً عنهم حتى تكتمل الفائدة ويتم البحث.
اختلف المؤرخون في عدد أصحاب الحسين فمنهم من ذهب إلى أنهم نيف وسبعون، ومنهم من قال بأن عددهم ناهز المئة، وهذا التفاوت في أعدادهم ليس كبيراً لأنهم بالنسبة إلى جيش يزيد الذي تجاوز عدده الثلاثين ألفاً هم قلة قليلة، ثم إن العدد لا يقدم ولا يؤخر في الكشف عن هوية أصحاب الحسين إلا من ناحية أن قلة عددهم لم تزرع الخوف في نفوسهم وإنما كانوا مصداقاً لقوله سبحانه(كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) وفي كربلاء كانت الغلبة للحسين وأصحابه رغم أنهم استشهدوا جميعاً لأن النصر آنذاك لم يكن العودة إلى الوطن بسلام وإنما كان تحقيق الأهداف وثورة كربلاء قد حققت أهدافها رغم استشهاد الجميع في الطرف الحسيني.
فلو كان هدف الحسين وأصحابه هو الرجوع إلى الوطن بسلام ثم استشهدوا لقلنا حينئذ بأنهم لم ينتصروا، ولكن بما أن الهدف كان تحقيق هدف وقد تحقق ذلك الهدف بغض النظر عن الخسائر العسكرية فقد قلنا بأن النصر كان حليف الحسين وأصحابه.
فالهدف من بحثنا ليس إثبات كونهم مئة أو اثنين وسبعين أو خمسة وثمانين بل هو بيان النصر الذي تحقق على أيديهم، طبعاً إن قلة عددهم أعطت رونقاً خاصاً لهذا الإنتصار بل أعطت درساً لكل حر في العالم وهو أه لا أهمية للعدد أو التكافئ العسكري ما دام هناك هدف تسعى إلى تحقيقه.
ربما لو كان عدد جيش الحسين يوازي عدد جيش يزيد لما حقق هذا الإنتصار بهذا الشكل المميز، وهذا يعني أن قلة عددهم لفتت أنظار الناس إلى صدق الحسين وأصحابه وإلى مدى إراداتهم الصلبة وإلى مدى تمسكهم بنهج الحق فلو لم يكن أصحاب الحسين مميزين لما تحقق على أيديهم هذا النصر المميز.
ورغم قلة عدد الأصحاب لم يكونوا يملكون من الأسلحة سوى القليل الذي لم يُعد سلاحاً متطوراً في تلك الحقبة الزمنية فلقد كان معهم القليل من الخيول وبعض السيوف والرماح والنبال وأعمدة الخيام التي استعملتها بعض النسوة للدفاع عن أنفسهن.
وكان في جيش الحسين الذي كان في مقتبل العمر والذي لم يبلغ الحلم كالقاسم بن الحسن، وكان فيهم الشيخ الطاعن في السن كحبيب بن مظاهر الأسدي وأنس بن كاهل الأسدي الذي كان من أصحاب رسول الله(ص).
لقد امتاز أصحاب الإمام الحسين بشجاعة لا توصف وإيثار غير اعتيادي حيث واجهوا تلك الكثرة دون خوف من سيوفهم ورماحهم وأعدادهم الهائلة ولقد كان جهادهم بين يدي الإمام الحسين تبرعاً بعد أن أسقط عنهم الحسين وجوب الجهاد عندما قال لهم: أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر وأوصل من أهل بيتي، وقد أخبرني جدي رسول الله(ص) بأني سأساق إلى أرض كربلاء، وفيها أستشهد…أنتم في حلٍّ مني، وهذا الليل قد غشيكم، وإن القوم ليطلبونني، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري.
لقد خيّر الإمام الحسين(ع) أصحابه مرات عديدة بين البقاء معه أو الرحيل عنه، وقد قال لهم إن هذا الليل، أو الظلام، قد حلّ فاتخذوه جملاً، ولكنهم أصروا على البقاء معه، وكان كلما طلب منهم الرجوع إلى الوطن أجهشوا بالبكاء.
وعندما سمع الأصحاب كلام إمامهم سيطر عليهم السكوت والحيرة، ولكنهم سرعان ما أجابوا الإمام الحسين(ع).
فقام العباس(ع) وقال: لم نفعل ذلك لنبقى بعدك، لا أرانا الله ذلك أبداً، وقد ردد كل الهاشمين هذا الكلام فالتفت الحسين(ع) إلى بني عقيل وقال: حسبكم من القتل بمسلم، إذهبوا قد أذنت لكم، فقال بنوا عقيل: لا والله لا نفعل ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، نقاتل معك حتى نرد موردك.
ثم قام مسلم ابن عوسجة وقال: أنحن نخلّي عنك؟ وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك، فوالله لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضرب بسيفي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك.
ثم قام سعيد ابن عبد الله وقال: والله لا نخليك حتى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسوله فيك.
ثم وقف زهير ابن القين وقال: والله وددت أني قُتلت ثم نُشرتُ ثم قُتلت حتى أُقتل كذا ألف مرة وأن الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.
ثم قام القاسم ابن الحسن وقال: أفسأكون أنا من القتلى يا عم؟ فقال له الإمام(ع): كيف ترى الموت يا قاسم؟ فأجابه القاسم: أحلى من العسل، فقال(ع):فاعلم بأنك ستقتل غداً.
نرجع قليلاً إلى عدد أصحاب الإمام الحسين فلقد ذُكر في زيارة الناحية أسماء بعضهم ولم يُذكر فيها الجميع ونحن لا نعرف سبب ذلك، وإن عدم ذكر الآخرين في الزيارة لا يعني عدم وجودهم في معركة كربلاء، لعل هناك خصوصية لمن ذُكر فيها نحن لا نعرفها فإن الأمر يحتاج إلى تحقيق واسع لكل واحد ممن ذُكر فيها وأيضاً لمن لم يُذكروا فيها.
وكنت في بعض المحاضرات قد قسمت أصحاب الإمام الحسين إلى أقسام:
قسم خرجوا معه وقسم التحقوا به وقسم لحقوا به إلى كربلاء فمنهم من أدركه على قيد الحياة واستشهد بين يديه ومنهم من وصل متأخراً، والحديث عن هذا الأمر يحتاج إلى بحث مستقل.
يُعتبر الحديث عن ثورة كربلاء غير تام إذا لم نذكر جميع أبطال الثورة، وأصحاب الإمام الحسين هم من أبطالها البارزين الذين حققوا بعزيمتهم وإراداتهم أروع وأكبر نصر في تاريخ الأمة فتهميشهم أو استثناؤهم من الحديث عن الثورة هو خيانة للثورة وقائدها الذي لا شك يرفض استثناء بطل من أبطال ثورته المجيدة لأن استثناء واحد منهم يعني إبطال جزء من أجزائها وهو يريدها أن تكون تامة الأجزاء، ناهيك عن أن قائد ثورة كربلاء اجتهد في بيان فضل أصحابه وخصوصاً في ليلة عاشوراء ويومها ليلفت انتباه الأمة إلى الدور الذي قام به الأصحاب والذي كان دوراً مميزاً في عالَم البطولات والتضحية والإيثار.
فلو لم يكن إلا قوله: لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي: لكفى ذلك في أن يكون فخراً لهم عبر التاريخ، ولم يكن إطلاق هذه الكلمة من باب تطييب خواطرهم ولا من باب تشجيعهم على القتال حيث كانوا مصرين عليه كالإمام لا يمنعهم عن القتال شيء بعد أن أدركوا الحقيقة ولمسوا حجم الخطر الذي بات يتهدد الإسلام وفهموا أن يزيد ابن معاوية يعمل على تدمير الأمة فتخلوا عن الدنيا وما فيها وأقبلوا إلى إمامهم يرجونه السماح لهم بالقتال بعد أن أسقط عنهم وجوبه، فلو لم يكونوا مصرين على القتال موطنين أنفسهم على مواجهة السيوف والرماح لاتخذوا من كلامه لهم ليلة العاشر ذريعة يحتجون بها بعد أن طلب منهم الإنصراف وأحلهم من وجوب القتال مبيناً لهم أن القوم يطلبونه دون سواه فأصروا على البقاء معه وكانوا يتسابقون للنزول إلى المبارزة لينالوا شرف السبق في نيل الشهادة بين يدي الإمام الحسين فكانوا أبرز مثال لقوله سبحانه(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)
ولكي يكون الحديث عن أصحاب الحسين شبه تام فهناك عدة محاور ينبغي البحث فيها.
المحور الأول: تقسيمهم إلى أربعة أقسام:
نحن نعرف أن أصحاب الحسين الذين ناهز عددهم المئة لم يخرجوا جميعهم من المدينة ولم يخرجوا جميعهم من مكة ولم يلحقوا به جميعهم ولكن التحاقهم به تم على مراحل.
منهم من خرج معه من المدينة في أواخر شهر رجب سنة ستين للهجرة ولازمه حتى استشهد معه في كربلاء.
يوجد بين مكة والمدينة مسافات طويلة وقرى كثيرة وقد توقف الإمام الحسين(ع) في بعض تلك القرى التي بات في بعضها ولم يبت في البعض الآخر ولا ندري ما إذا كان أحد من الأصحاب قد التحقوا بركبه ما بين المدينة ومكة.
مكث الإمام أربعة أشهر في مكة المكرمة وقد التف الناس حوله فحدثهم بخطته فلم يستجب له سوى قلة منهم خرجوا معه من مكة إلى كربلاء وقد كان عددهم كبيراً ولكنه عندما أُبلغ باستشهاد أخيه من الرضاعة الذي سرحه إلى مسلم بن عقيل خاف الناس وتفرقوا عنه في منطقة زبالة ولم يبق معه سوى الخلص الذين تابعوا معه الرحلة إلى كربلاء.
وهناك أصحاب التحقوا بالإمام بين مكة وكربلاء وأصحاب لحقوا به إلى كربلاء فمنهم من أدركه على قيد الحياة فاستشهد بين يديه ومنهم من جاء متأخراً.
المحور الثاني: يدور حول أصحاب رسول الله(ص) الذين عاصروا الإمام الحسين واستشهدوا معه تلبية لأمر رسول الله وهم خمسة وقيل سبعة وهم: أنس بن حرث الكاهلي، حبيب بن مظاهر، مسلم بن عوسجة، هانئ بن عروة، وعبد الله العميري:
أما أنس الكاهلي فهو من وجوه الكوفيين ومن الموالين والمحبين لأهل البيت عليهم السلام فهو شيخ كبير وصحابي جليل رأى النبي صلى الله عليه وآله وسمع حديثه وشهد معه بدراً وحنيناً وترجم ولاءه ومحبته لآل البيت النبوي صلى الله عليه وآله بنصرته والتضحية بنفسه بين يدي الإمام الحسين عليه السلام، فقد قال البخاري: ومن جملة ما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: سمعت رسول الله يقول: والحسين في حجره: إنَّ إبني هذا يقتل بأرض من أرض العراق ألا فمن شهده فلينصره.
وفي كربلاء استأذن الإمام الحسين عليه السلام لمبارزة الأعداء فأذن له وبرز الى القتال وقد شد وسطه بعمامته، رافعاً حاجبيه بالعصابة ولما نظر اليه الإمام الحسين عليه السلام بهذه الحالة أرخى عينيه بالبكاء وقال: شكر الله لك يا شيخ، فقاتل قتال الأبطال حتى قتل على كبر سنه ثمانية عشر رجلاً ثم فاضت روحه الطاهرة الى بارئها.
وأما حبيب بن مظاهر فقد خدم رسول الله وصاحب علياً في السلم والحرب وكان حافظاً للقرآن وهو من سادات الكوفة، وكان عمره يوم شهادته خمسة وسبعين عاماً وقد روي ان حبيب بن مظاهر كان ذات يوم واقفا في سوق الكوفة عند عطار يشتري صبغا لكريمته فمر عليه مسلم بن عوسجه فالتفت إليه حبيب وقال: يا أخي يا مسلم اني أرى أهل الكوفة صمموا على قتال ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فبكى حبيب ورمى الصبغ من يده وقال: والله لا تصبغ هذه إلا من دم منحري دون الحسين عليه السلام.
وقد ذكر الطبري وغيره انه لما صرع مسلم بن عوسجة مشى إليه الحسين عليه السلام ومعه حبيب فقال حبيب عز علي مصرعك يامسلم ابشر بالجنة! فقال له مسلم بشّرك الله بالجنة فقال حبيب: لولا انني اعلم اني في أثرك لا حق بك من ساعتي هذه لأحببت ان توصي الي فقال له: أوصيك بهذا رحمك الله ـ واومأ بيديه إلى الحسين عليه السلام ـ ان تموت دونه! فقال حبيب: افعل ورب الكعبة، وقد ذكر الطبري أيضاً أنه عندما طلب الإمام الحسين عليه السلام من أصحابه ان يسألوا جيش الحزب الاموي أن يكفوا عنهم لأداء الصلاة فقال الحصين بن تميم: إنها لا تقبل فقال له حبيب بن مظاهر: لا تقبل الصلاة من آل رسول الله وتقبل منك ياحمار قال: فحمل عليهم حصين بن تميم وخرج إليه حبيب بن مظاهر فضرب وجه فرسه بالسيف فشب ووقع عنه وحمله أصحابه فاستنقذوه .
ثم قاتل قتالا شديدا فحمل عليه رجل من بني تميم فضربه بالسيف على رأسه فقتله وحمل عليه آخر من بني تميم فطعنه فوقع فأراد أن يقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع ونزل إليه التميمي فاحتز رأسه
وأما مسلم بن عوسجة الأسدي فقد كان من أصحاب رسول الله(ص) وممن سمعوا حديثه، وكان له موقف بارز ليلة العاشر من شهر محرم عندما طلب منهم الإمام الحسين أن يتركوه وحده وأن يرجعوا إلى عيالهم فقام مسلم بن عوسجة وقال: أنحن نخلّي عنك؟ وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك، فوالله لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضرب بسيفي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك.
المحور الثالث: التفاوت بين أعمار أصحاب الإمام الحسين: فإنهم لم يكونوا من جيل واحد بل كان فيهم الشاب الذي لم يبلغ الحلم كالقاسم بن الحسن، وفيهم الطاعن في السن كحبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة.
المحور الرابع: ثباتهم على الحق:
امتاز أصحاب الإمام الحسين بثباتهم على الحق رغم الظروف المريرة التي أحاطت بهم ورغم أنهم علموا بمصيرهم.
لقد أعفاهم سيدهم من القتال فأصروا على الدفاع عنه وعن دين جده مهما كانت النتائج ولازموا الحسين وسارعوا إلى نيل الشهادة وهم فرحون مستبشرون لأنهم بعد ساعة سوف ينتقلون إلى جنان الله ورضوانه.
لقد حاول أمراء الجيش اليزيدي أن يرعبوهم فلم يروا منهم سوى الثبات على الحق والشجاعة المميزة، فحاولوا أن يغروهم بالمال والسلطة فكانوا بهما زاهدين لأنهم عرفوا أن ما عند الله خير وأبقى.
المحور الخامس: شخصيات أصحاب الإمام الحسين:
نلاحظ بأن أصحاب الإمام الحسين لم يكونوا أشخاصاً عاديين بل كانوا من سادات القوم وأشراف العرب ومن حفظة القرآن ورواة الحدث ومن الثقاة لدى أهل الأمة، فالحر الرياحي كان سيد قومه وحبيب بن مظاهر كان شيخ قبيلته وكذا غيرهم من المحترمين المبجلين المخضرمين.
وإن تتبع هذه الأحول يفيدنا كثيراً في فهم حقيقة ما جرى في كربلاء.
المحور السادس: شجاعة أصحاب الحسين:
لقد كانت شجاعة أصحاب الحسين مميزة حيث لم يشعر واحد منهم بالخوف رغم كثرة العدو، ويا تُرى كيف استطاع حبيب بن مظاهر البالغ من العمر ما يقرب من تسعين سنة أن يقتل ما قرب من عشرين فارساً، من أين حصل على تلك القوة؟ وكيف استطاع القاسم بن الحسن الذي لم يبلغ الحلم أن يقتل أكثر من رجل في ساحة المعركة.
إنه الإيمان الذي ثبت في قلوبهم والنور الذي تحركوا به في تلك المرحلة.
المحور السابع: تقسيمهم إلى حملات:



