كبائر الذنوب

سِلْسِلَةُ كَبَائِرِ الذنُوْب

القَضَاءُ الإِلَهيُّ فِي بِر الوَالِدَيْن

 

 

 القَضَاءُ الإِلَهيُّ فِي بِر الوَالِدَيْن

 

إن الحكم الإلهي القاضي بالإحسان للوالدين هو حكمٌ مبرَمٌ عند الله عز وجل، لا يتبدل ولا يتغيّر وليس فيه استثناء لأحد حتى ولو لم يكن الأبوان مسلمَيْن.

فكما قضى الله تعالى على عباده أن يعبدوه وحده، فكذلك قضى أن نُحسن للوالدين، فإذا كان هناك ثمّةُ إذنٍ في الشرك فيكون هناك ثمّة إذن في العقوق، وليس هناك إذن بالشرك لأحد لأن القضاء في التوحيد نافذ، وكذا حكم الإحسان للأب والأم، وهذه كرامة لشأن الأبوة والأمومة، وهي موضع احترام عند الله تعالى، ويجب أن تكون كذلك عند جميع الأبناء.

والإحسان لهما مطلوب في جميع المراحل والظروف، سواء كانا شابين أو هرمين أو مجنونين، ومهما حاول الإنسان بإحسانه أن يفيهما حقهما فإنه لن يبلغ هذا الهدف لأن هذا التمايز تكويني لا يمكن اجتيازه بأي عمل من قِبل الولد، بمعنى أنك لو عاملت والديك أحسن معاملة ولم ترتكب معهما أدنى خطأ، ولم تكلّفهما أن يسألاك شيئاً مدى الحياة فإنك لم تفيهما بذلك جزءاً من حقوقهما عليك، والسبب في ذلك أنهما عندما ربياك صغيراً كانت نيتهما تجاهك حب الحياة لك وإن كان ذلك على حساب حياتهما، أما نيتك معهما فلا شك بأنها تختلف عن نيتهما.

 

بُلوغُ كِلَيْهِما أَوْ أَحَدِهمَا الكِبَر

 

قال تعالى(إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)

إن ما نفهمه من هذه الآية الكريمة هو أن الإمتحان الحقيقي للولد تجاه والديه يبدأ عندما يتقدم الوالدان في السن فيصبح سلوكهما ثقيلاً نوعاً ما ومخالفاً لأهواء الولد وتصرفاته.

وفي هذه المرحلة ينبغي أن يكون الولد حذراً من وسوسة الشيطان الرجيم الذي يحبب له الإساءة لهما فيجعله أسيراً للغضب أمامهما من أجل أن يهلك في يوم الحساب، فعند بلوغ الوالدين سناً متقدمة في العمر تكثر طلباتهما واعتراضهما على أكثر الأمور، ويزيد تدخّلهما في شؤون الولد الذي يرى عكس ما يراه الوالدان، إذ قد يدفعهما خوفهما عليه من اتخاذ قرارات لغير صالحه وهذا ما يزيد الأمور تعقيداً بين الطرفين.

إنه امتحان كبير يحتاج إلى صبر جميل ورحابة صدر لأن أية محاولة من الولد لدفع والديه قد يوقعه في العقوق المحرّم، ولأجل ذلك ركّز القرآن على مسألة بلوغهما الكبر لأنهما عند بلوغ هذه السن تصبح طلباتهما كثيرة وربما صعبة، أما في سن الشباب فلا توجد هذه الدقة في الإمتحان وإن كان الحكم في كلا المرحلتين واحداً.

فمهما عملا لك، ومهما شغلا بالك، ومهما كثرت طلباتهما عليك، فطالما أنه طلبات لا توقعك في الحرام فيجب عليك أن تنفّذ من دون اعتراض أو تردد، فإذا كنت تخشى ربك وترجو ثوابه فما عليك سوى الإحسان لهما من دون أن تفعل شيئاً يُذهب لك أجر كل الأعمال الحسنة لهما.

لقد حكى لي بعض المؤمنين أن أحد الأشخاص كان يؤسس لنفسه مستقبَلاً جيداً ويعاشر الطبقة الرفيعة من رجال الأعمال والشهرة، وكان أبواه قرويَّيْن، فزاراه مرة للإطمئنان عليه وذلك بسبب انشغاله في كسب الشأن بين الناس، وأثناء وجودهما في منزله زاره بعض رجال الأعمال فاستحى من أن يرى هؤلاء أبويه فحبسهما في الحمّام كيلا يراهما الزوّار فيقل شأنه في نظرهم، فما هي إلا أشهر معدودة حتى أصيب هذا الشخص بمصيبة تلو المصيبة بحيث لم يعد معه قوت يوم فراح يعمل خادماً في بعض المؤسسات، وليس ذلك سوى جزء صغير من العقاب الدنيوي الخاص بعقوق الوالدين.

وقد حكى بعضهم أن شخصاً كان له أم كفيفة ليس لها غيره، فذهبت لتعيش معه في منزله الواسع، فرفضت زوجته هذه الفكرة وهددته بترك المنزل إن بقيت أمه في البيت، فأخذ أمه الطاعنة في السن والكفيفة ووضعها في بستان ليس فيه أحد، فما هي إلا أسابيع حتى أصيب هذا الشخص بمرض في عينيه أفقده بصره.

وقد كان هذا الشخص عبرة لغيره، وليس ما نزل به سوى ذرة من العذاب الذي سيلقاه في يوم الحساب على تلك الجريمة التي ارتكبها في حق أمه.

الشيخ علي فقيه

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى