كبائر الذنوب

سِلْسِلَةُ كَبَائِرِ الذنُوْب

الكِبرُ

 

 

الكِبرُ

 

إن الكبر صفة ذميمة في الإنسان، وهي من الذنوب الكبيرة المستوجبة للعذاب، وهي السلوك الذي تعامل به إبليس عندما امتنع من السجود لآدم، فأخرجه كبره إلى الكفر، قال تعالى(فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ  إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ)

فلو تفكر المتكبر في حقيقة نفسه لنبذ الكبر من قلبه لأن أوله نطفة وآخره جيفة، ولأنه لن يخلد في الأرض مهما كثر ماله وجنوده، ولقد أرانا رب العالمين تعالى عاقبة المتكبرين عندما أهلك فرعون وجنوده، وقارون وكنوزه، وكان ذلك عبرة للمعتبرين ومعرفةً لحقيقة التكبر ونهايته الوخيمة على صاحبها، والآيات التي حدثتنا عن التكبر في القرآن الكريم كثيرة جداً.

منها: قوله تعالى(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ)

ومنها: قوله سبحانه(قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)

ومنها: قوله عز مِن قائل(الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)

وهذا أمير المؤمنين علي(ع) يعقد في نهج البلاغة خطبة كاملة حول آثار التكبر على صاحبه في يوم القيامة، وهذه مقتطفات من تلك الخطبة العظيمة المسماة بالخطبة القاصعة.

الْحَمْدُ لله الَّذِي لَبِسَ الْعِزَّ وَالْكِبْرِيَاءَ، وَاخْتَارَهُمَا لنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمَا حِمىً  وَحَرَماً عَلَى غَيْرِهِ، وَاصْطَفَاهُمَا  لِجَلاَلِهِ. وَجَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ، ثُمَّ اخْتَبَرَ بِذلِكَ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ، لِيمِيزَ المُتَوَاضِعيِنَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ القُلُوبِ، وَمَحْجُوبَاتِ الْغُيُوبِ: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِين * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ) اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بَخَلْقِهِ، وَتَعَصَّبَ عَلَيْهِ لاِصْلِهِ.

فَعَدُوُّ اللهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ، وَسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ، وَنازَعَ اللهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ، وَادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وَخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ.

أَلاَ تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اللهُ بِتَكَبُّرِهِ، وَوَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ، فَجَعَلَهُ فِي الدُّنْيَا مَدْحُوراً، وَأَعَدَّ لَهُ فِي الاْخِرَةِ سَعِيراً؟

أَلاَ وَقدْ أَمْعَنْتُمْ  فِي الْبَغْيِ، وَأَفْسَدْتُمْ فِي الاْرْضِ، مُصَارَحَةً  لله بِالمُنَاصَبَةِ، وَمُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِالُمحَارَبَةِ.

فَاللهَ اللهَ في كِبْرِ الْحَمِيَّةِ، وَفَخْرِ الْجَاهلِيَّةِ! فَإِنَّهُ مَلاَقِحُ  الشَّنَآنِ، وَمَنَافِخُ الشَّيْطانِ، اللاِتي خَدَعَ بِهَا الاْمَمَ الْمَاضِيَةَ، والْقُرُونَ الْخَالِيَةَ، حَتّى أَعْنَقُوا  فِي حَنَادِسِ  جَهَالَتِهِ، وَمهَاوِي  ضَلاَلَتِهِ، ذُلُلاً عَنْ سِيَاقِهِ، سُلُساً  فِي قِيَادِهِ، أَمْراً تَشَابَهَتِ الْقُلُوبُ فِيهِ، وَتَتَابَعَتِ الْقُرونُ عَلَيْهِ، وَكِبْراً تَضَايَقَتِ الصُّدُورُ بِهِ.

فَاعْتَبِرُوا بَمَا أَصَابَ الاْمَمَ المُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَصَوْلاَتِهِ، وَوَقَائِعِهِ وَمَثُلاَتِهِ ،

وَاتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ ، وَمَصَارعِ جُنُوبِهِمْ ، وَاسْتَعِيذوا بِاللهِ مِنْ لَوَاقِحِ الْكبْرِ، كَمَا تَسْتَعِيذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ، فَلَوْ رَخَّصَ اللهُ فِي الْكِبْرِ لاِحَد مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنبِيَائِهِ [وَأَولِيائِهِ]، وَلكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ التَّكَابُرَ، وَرَضِيَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ، فَأَلْصَقُوا بِالاَْرْضِ خُدُودَهُمْ، وَعَفَّرُوا فِي التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ، وَخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤمِنِينَ، وَكَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِينَ.

ويحذرنا الرسول الأكرم(ص) من الوقوع في الكبر فيقول: إياكم والكبر فإن إبليس حملَه على أن لا يسجد لآدم:

وعنه(ص) : إجتنبوا الكبر فإن العبد لا يزال يتكبر حتى يقول الله عز وجل: أكتبوا عبدي هذا في الجبارين:

وعنه(ص) : لا يزال الرجل يتكبر ويذهب بنفسه حتى يُكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم:

وعنه(ص) : يا أبا ذر، من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك

وعن علي(ع) : إحذر الكبر فإنه رأس الطغيان ومعصية الرحمان:

وعنه(ع) : أقبح الخلُق التكبر:

وعن الباقر(ع) : ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك، قلَّ ذلك أو كثُر:

وعن الصادق(ع): الكبر رداء الله، فمن نازع الله شيئاً من ذلك أكبَّه الله في النار:

وعنه(ع) : من ذهب يرى أن له على الآخر فضلاً فهو من المستكبرين:

الشيخ علي فقيه

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى