
مَثَلُ المنافق في القرآن
ما يدفعنا إلى إكثار الكلام حول أهل النفاق وصفاتهم وبيان الأمثلة المضروربة فيهم هو الأمر الإلهي بضرورة الحذر منهم لأن ضرباتهم مؤلمة وصفعاتهم موجعة بسبب ازدواجية المظهر ووحدة الجوهر، فجوهر أهل النفاق كفر وضلال، أما مظهرهم فهو جميل عند أهل الإيمان وقبيح عند أهل الكفر، ويحاول القرآن الكريم من خلال كثرة بياناته حولهم أن يحصننا منهم وينقذنا من شرهم الذي لم يكن هناك شر مثله، ويضرب لنا الأمثال عنهم لأن المثل يعلق في الأذهان بشكل متين، ففي سورة البقرة ذكر الله تعالى مثالين متتاليين حول أهل النفاق وحقيقتهم البشعة من باب إلفات النظر إلى خطورة الموقف وعدم التساهل معهم وإن بكوا وتذللوا لأن بكاءهم تباكٍ وتذللهم تزلف للوصول إلى أهدافهم الوضيعة فقال تعالى(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
إن مثل المنافق كمثل رجل جالس في الظلمة فأوقد ناراً لتضيئ ما حوله فانطفأت تلك النار وبقي هذا الرجل جالساً وسط العتمة متحيراً لا يستطيع أن يسير من مكانه لأنه لم يعد يرى شيئاً حوله، فهو أصم مع سلامة أذنيه وأبكم رغم قدرته على النطق وأعمى وعيناه سليمتان ولكنه لم يعد يرى بسبب تلك العتمة التي أحاطت به، وهذه هي حالة المنافقين الذين يريدون السير في طريق مظلم فأناروا طريقهم بنار النفاق التي أطفأها الله فجلسوا والحيرة مسيطرة عليهم فلا يستطيعون التقدم أو التأخر فلم يرجعوا عن غيهم ولم يستفيقوا من نومتهم فهم صم وبكم وعمي رغم وجود تلك الحواس فيهم لأنهم نظروا إلى الحق وكأنهم لم يروه، وسمعوا كلام الله وكأنهم لم يسمعوا شيئاً لأنهم أرادوا لأنفسهم الوقوع في تلك الظلمات العميقة التي لا تضاء إلا بالتوبة والإنابة إلى الله عز وجل فهم الذين استحبوا العمى على البصر وآثروا الباطل على الحق والكفر على الإيمان، وهم أصحاب ذنب بذنبين ذنب الضلال والكفر وذنب التستر بصور أهل الإيمان.
ثم زادنا القرآن بياناً وتحذيراً عبر ضربه لمثال آخر يوضح لنا فيه حقيقة المنافقين فمثّل لهم بمطر ينزل من السماء ولكنه ليس مطر الخير بل هو مطر السوء فيه ظلمات دامسة ورعد قاصف ومرعب وبرق يخطف الأبصار، فهم يمشون تحت هذا المطر خائفين يضعون أصابعهم في آذانهم خوفاً من الموت المجازي قبل الموت الحقيقي، والموت المجازي عند المنافقين هو انكشاف حقيقتهم للآخرين فهم يمشون خائفين من افتضاح أمرهم، ولكنهم مهما استَخفَوا من الناس فلن يستخفون من الله تعالى العالم بهم وبحقيقتهم وشخصياتهم المزيفة وسلوكياتهم المنحرفة فهم يخافون من الناس ولا يخافون من رب الناس، قال سبحانه(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)
لذلك يجب العمل على طبق هذه التحذيرات القرآنية حتى نسلم من سهام النفاق وأهله كيلا نصبح منهم نتيجة مخادعة يستعملونها معنا، فهم يخادعون الله ويخادعون المؤمنين ولكنهم لو بحثوا عن الأمر قليلاً لوجدوا أنهم يخدعون أنفسهم، قال تعالى(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) وقال(يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ)
الشيخ علي فقيه