
مثَلُ النبي(ص) والذين معه
قال عز من قائل في سورة الفتح(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)
قبل أن يذكر الله سبحانه مثل رسول الله والذين آمنوا معه ذكر لنا جملة من صفاتهم، وهذه الصفات يجب أن تتوفر في كل حتى يكون من أهل الإيمان لأن الإيمان ليس أمراً مخفياً فهو عبارة عن قوة في داخل القلب لها ترجمة عملية واضحة لا تخفى على أحد فلا بد من أن تظهر ملامح الإيمان على صفحات وجه المؤمن وفي سلوكه، ويستفاد من هذه الآية الكريمة خمس صفات:
الصفة الأولى: وهي الشدة على الكفار، ولا يُقصد بها ظلمهم فإن المؤمن لا يظلم أحداً بل هو قوي وعزيز أمام أهل الكفر الذين أذلهم الله تعالى على أيدي رسول الله والمؤمنين عندما فتح الله مكة على أيديهم وقد كان لا بد من استعمال الشدة معهم لأنهم كانوا يحفرون الحفر العميقة ليوقعوا بها المؤمنين متى سمحت لهم الفرصة وكان لا بد أن يلقي الله عز وجل الرعب في قلوب الذين كفروا حتى يضيق عليهم ويشعروا بالخوف تجاه المؤمنين الذين أصبحوا يشكلون القوة الكبرى في تلك الأيام.
الصفة الثانية: وهي الرحمة، فإن المؤمن يمتاز برحمته وتسامحه رغم قوته وبسالته إذ لا تنافي بين القوة والتسامح، فهم أشداء على الكفار ولكنهم في نفس الوقت رحماء بينهم لا يظلمونهم ولا يعتدون على أحد منهم لأن الإيمان يمنعهم من ذلك.
الصفة الثالثة: الركوع والسجود تعبداً لله تعالى وقد ظهرت على وجوههم سيماء السجود والخشية من الله عز وجل، والمؤمن يمتاز عن غيره بسكونه ووقاره وسلوكه الجميل وجميع حركاته وسكناته بحيث إذا نظرت إلى وجهه لعرفت أنه من أهل الإيمان بسبب ظهور سيماء الإيمان فيه.
الصفة الرابعة: أنهم يبتغون فيما يقومون به من الصالحات فضل ربهم ورضوانه ورحمته الواسعة وثوابه الكبير وعطاءه الواسع ولا يريدون شيئاً من حطام الدنيا لأنهم مؤمنون بأن ما عند الله تعالى خير وأبقى.
الصفة الخامسة: أن أثر العبادة باد على وجوههم من أثر السجود وقيام الليل بالذكر والتعبد والتقرب إلى الله تبارك وتعالى.
وهؤلاء لهم مثل كبير في التوراة والإنجيل فضلاً عن القرآن وقد أشارت هذه الآية إلى مثل هؤلاء الكبار حيث قال سبحانه(ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) الشطأ هو ما يتفرع عن الزرع من أغصان وورق وثمر فأصبح غليظاً وشديداً وهذا مدح للذين استقاموا وأخلصوا.
وقد ورد عن رسول الله(ص) أكثر من مثل لأمته فقال(ص): مثل أمتي كالمطر يجعل الله تعالى في أوله خيراً وفي آخره خيراً: وقال: مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أولُه خير أم آخره: وقال: مثلكم أيتها الأمة كمثل عسكر قد سار أولهم ونودي بالرحيل فما أسرع ما يَلحق آخرهم بأولهم:
الشيخ علي فقيه