
مثَلُ الطريق إلى الله ومثَلُ القرآن
قال سبحانه وتعالى(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) إن اتباع الصراط المستقيم أمر من الله وجّهه إلى جميع خلقه فهو طريق الحق والتوحيد والعمل الصالح، وهو الطريق النيّر والواضح الذي يعرف الجميع أوله وأوسطه وآخره، واتباع هذا الصراط ينشر الوحدة بين الناس وفي صفوفهم لأنه طريق التوحيد والحق والألفة والإجتماع بخلاف اتباع السبل المتعددة فإنه تُبعد الناس عن سبيل الله وصراطه المستقيم، ولقد أوصانا ربنا سبحانه باتباع الصراط القويم ويجب علينا كعبيد له أن نعمل بفحوى هذه الوصية، وقد وصف لنا رسول الله(ص) الصراط المستقيم فقال: إن الله ضرب مثلاً صراطاً مستقيماً على كنفي الصراط داران لهما أبواب مفتحة، على الأبواب سُتورٌ وداع يدعو على رأس الصراط وداع يدعو فوقه، والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، والأبواب التي على كنفي الصراط حدود الله فلا يقع أحد في حدود الله حتى يُكشَف السٍتر، والذي يدعو من فوقه واعظ ربه.
وعلى الإنسان الراغب بما عند الله عز وجل أن يسلك هذا الطريق الأوحد الذي ينتهي بالجنة والرضوان ويجب على المؤمن أن يسأل ربه الهداية إلى هذا الطريق لأن أي انحراف عنه يؤدي إلى خسارة كبيرة وعذاب أليم، ولذا فإنه تعالى ذكر هذا الطلب في فاتحة الكتاب حيث يقول(إهدنا الصراط المستقيم) وهذا ما يقوله المؤمن عشر مرات يومياً على الأقل ولكن ينبغي على المؤمن أن يهيئ لنفسه الأرضية المناسبة للحصول على تلك الهداية لأنه مهما دعا ربه أن يهديه إلى هذا الصراط ولم يقم بالمقدمات المطلوبة فإنه لن يُهتدى إلى شيء من ذلك، فعلى الإنسان أن يعمل ويسعى بجد واجتهاد وإخلاص ليحصل على تلك الرتبة التي لا يمكن الحصول عليها بمجرد التمني بل لا بد من السعي والعمل لأن العمل هو الطريق إلى الصراط المستقيم، وأما مثل القرآن الكريم فهو مثل عظيم لأن القرآن أعظم دستور أنزله الخالق إلى البشر حيث اشتمل على تعاليم الكتب السماوية وزيادة وجعله خاتمة شرائعه وجعله المعجزة الخالدة إلى يوم القيامة، وقد وصف الله كتابه العزيز بأوصاف فيها الحجة البالغة على الجميع، ففي سورة النساء(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) وفي سورة الإسراء(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) وفي سورة الواقعة(فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) وإن لهذا الكتاب العزيز مثلاً رغم كونه ظرفاً للأمثال كلها، فقد قال رسول الله(ص):مثل القرآن ومثل الناس كمثل الأرض والغيث، وبينما الأرض ميّتة هامدة إذ أرسل الله عليها الغيث فاهتزت ثم يرسل الوابل فتهتز وتربو ثم لا يزال يرسل الأودية حتى تَبذُر وتَنبت ويزهوَ نباتها ويُخرجَ الله ما فيها من زينتها ومعايشِ الناس والبهائم وكذلك فِعلُ هذا القرآن بالناس:وقال(ص) مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسَقوا ورعوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قِيعانٌ لا تمسك ماءاً ولا تُنبت كلأً فذلك مَثل من فقِه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ، ومثل من يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به:
الشيخ علي فقيه