Site icon الشيخ علي فقيه

الزَوَاجُ والطَلاقُ في الإِسْلام

 

 

تساؤلات حول الطلاق

 

هناك أسئلة كثيرة تراود أذهان الناس، منها ما يُطرح ومنها ما يبقى في الصدور حذراً من الوقوع فيما لا تُحمد عقباه، ولكن دين الإسلام لا يمنع من طرح الأسئلة مهما كان مضمونها بشرط أن يقتنع السائل بالجواب المسدد بالأدلة والبراهين، فالذي يحذّر منه الإسلام هو الإصرار على الخطأ بعدما بيان العلم وظهور الحقيقة، ولا يوجد في الإسلام وهم أو غموض أو تلاعبٌ على الألفاظ لأنه يتمتع بغايةٍ من الجلاء والوضوح حيث يُشين الإسلام كل جهة تتعامل مع رعيتها بالمُبهَمات والمتَشابَهات لأن الذي يتعامل بالوهم هو الوهم بعينه إذ لو كان حقيقياً لما أخفى الحقائق عن الناس، كما وأن دين الإسلام يتمتع بالجرأة المتناهية في البيان فهو الوحيد الذي يُبرز للعالَم كل ما عنده من دون أي تردد إذ ليس فيه ما يستحي من بيان والكشف عن هويته ولإظهار حقيقته فما في الإسلام كله حق وعدل وعلم ورحمة، والدليل على ما نقول هو أن الإسلام فرض على معتنقيه الهجرة من بلد إلى بلد من أجل التبليغ فلو كان فيه شائبة لتهيّب من البيان وخاف من ظهور الواقع، وقد حرّم الإسلام على المسلمين أن يكتموا ما أنزل الله من الحق مهما كان السبب إلا في الموارد التي يدفع بها الضرر على الإنسان وأما مع عدم وجود الضرر فإنه يوصل التعاليم للبشر على بساط من ذهب بكل جرأة واعتزاز.

وفي موضوع الطلاق ومشروعيته وما يترتب على الطرفين بعده طُرحت جملة من الأسئلة لا يسعنا سوى الإجابة عليها لأننا نعتبر ذلك واجباً شرعياً يُشغِل ذمتنا.

فمن جملة تلك الأسئلة: لماذا أحل الله الطلاق مع أنه قد يترتب عليه بعض المفاسد؟

نحن نقول إن الإجابة على هذا السؤال تتم عند بيان بعض المقدمات فتارة يكون المراد بالسؤال أصل الحلية بمعنى أن فيه اعتراضاً على الخالق وتارة يُطرح لمجرد المعرفة والإطمئنان، أما إذا كان الهدف منه الطعن فنقول لهم لا أحد من الخلق يحق له أن يرد على الخالق وإن كان الحكم على خلاف مصلحته الخاصة، فإنه قبل أن يعترض، عليه أن ينظر إلى المصلحة العامة ويرى هل في هذا الحكم مصلحة للعامة أو فيه مفسدة لها لأن المصلحة العامة مقدَّمة على المصالح الخاصة، ونلاحظ بأن أغلبية الأحكام وردت وهي ناظرة للعموم وليس للأفراد لأنها تعتبر أن الأفراد حالات خاصة لها علاجها الخاص ولها استثناءات قد يُعمل بها.

فمسألة حلية الطلاق قد تضر بالبعض غير أن هذا الضرر الخاص لا يغيّر من واقع الحكم شيئاً فيبقى الحكم قائماً ويُنظَر إلى تلك الحالة الخاصة وتعالَج بالطريقة التي تتناسب معها، وربما لا يكون فيها ضرر ولكن صاحبها هو الذي اعتبرها ضرراً، ففي مثل هذه الحالة لا يُعبأ بتلك الحالة لأن الخلل حينئذ لا يكون بالحكم بل بالإنسان الذي انحرف عن الجادة.

وعندما جعل الله الطلاق أبغض الحلال لم يقصد به سوى كرهه للفُرقة وحبه للبقاء والثبات واستقامة الحياة بالشكل الطبيعي الذي يعمر معه الكون وتنعم معه الحياة.

وكما يعترضون على مشروعية الطلاق بدعوى أنه يترتب عليه بعض المفاسد فعليهم أن يعترضوا على عدم مشروعية الطلاق لأن منعه يترتب عليه مفاسد أكثر لأنه سوف يتسبب بالهجر وأكل الحقوق والنفور وربما إلى القتل كما يحصل في المجتمعات التي تمنع من الطلاق لأن الرجل الممنوع من الطلاق يرى بأن قتل الزوجة هو الخلاص له من ورطته ومشكلته، أو أنه يهجرها ويذرها كالمعلقة لأنه هو الحل الأنسب له، فجاء الإسلام وسن الطلاق من أجل أن لا يُظلم كثير من الناس، فلو تأملنا قليلاً ونظرنا بعين البصيرة فيما إذا لم يكن هناك طلاق فماذا سوف يحدث بسبب هذا المنع، وأنا هنا أترك الجواب للسائل فليتأمل وهو سوف يصل إلى النتيجة المطلوبة، فكم من شخص تخلى عن دينه بسبب عدم وجوده فيه الحل لمشكلته، وهذا ليس وهماً بل هو حقيقة نعيشها يومياً، فقبل أن نعترض على مشروعية الطلاق علينا أن نعترض على منعه لأن في منعه المفسدة التي لا شك فيها.

ومن الأسئلة المطروحة في المقام: هو أنه لماذا كان الطلاق بيد الرجل دون المرأة؟

وهذا من جملة الأسئلة الإستنكارية التي تُطرح على ألسنة النساء خاصة ويراد به الإعتراض على هذه الخصوصية التي اختُص بها الرجال دون النساء، والجواب على هذا السؤال سهل وواضح وهو أن الرجل هو الذي يبذل للمرأة وينفق عليها ويداري شؤونها، وإذا كان هناك ثمة حالات خاصة ونادرة كأن تكون المرأة هي المعنية بتلك الأمور فهذا لا يلغي الحكم العام.

وهذا الموضوع بالذات يحكم به العقلاء حيث لا يمكن أن يكون أمر الزوجين بيديهما فإن ذلك يزيد من أسباب الخلاف بينهما لأن الشراكة في الغالب تضر ولا تنفع، ومن الطبيعي أن يكون الأمر بيد الرجل لأنه الأقوى فهو الذي يحمي المرأة ويدبر أمورها ويعطيها إسمه، وهذا معنى قوله تعالى أو هذا جزء من المعنى المراد بقوله تعالى(وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)

وقد يُطرح سؤال مشابه للسابق فيقال: إذا كان الرجل ظالماً للمرأة ورفض أن يمتنع عن ظلمها وطلاقها فما هو الحل:

أشرنا في بحوث سابقة إلى كون الشريعة وضعت حلولاً لكل المشاكل مهما كانت معقدة، وأما المشاكل التي يطول حلها أو يزداد تعقيدها فإن سبب ذلك هو عناد الطرفين المتنازعين وليس سببه الحل الشرعي الذي يرضي الجميع فالشريعة تعاقب الرجل الظالم لزوجته وهذا ما يحصل في الدول الخاضعة للنظام الإسلامي العادل وإذا أصر الزوج على ظلم زوجته وامتنع عن تطليقها فإن الحاكم الشرعي له صلاحية تطليقها منه إذ لا يقبل الإسلام بمثل هذا الظلم لأن الرجل بالتالي ليس إلهاً ولا هو مسلط على المرأة التي ليست جارية عنده، وإذا كان الغرب يتغنى بالمرأة وحقوقها فإن الإسلام منذ ظهوره تغنى بذلك مع حفاظه على كرامة المرأة ومشاعرها وليس كما يصنع الغرب فإنه يحترم المرأة من جهة ويهينها من جهات لأنه حوّلها إلى سلعة تباع وتشترى بينما نجد الإسلام الحنيف قد حرّم ذلك بشدة.

وكما أن هناك نساءاً مظلومات من قبل الرجال فإن هناك رجالاً مظلومون من قبل النساء، فالإسلام يقف إلى جانب المرأة إذا كانت صاحبة حق أما إذا كانت ظالمة فإن الإسلام أعطى السلطة للرجل أن يرد ظلمها عنه بالتي هي أحسن وإلا فإن هناك أساليب أخرى تفهمها بعض الزوجات، فقد تطلب المرأة الطلاق من زوجها بلا سبب وجيه كما لو أعجبها غير زوجها لسبب من الأسباب المقبولة أو المرفوضة ففي مثل هذه الحالة ليس الرجل مجبوراً على طلاقها لأن القرار الذي اتخذته لم يكن حكيماً وعادلاً وإنما كان قراراً جائراً لا يقبل به الشرع ولا يقر به العقل، ولكنني شخصياً أنصح الرجال في مثل هذه الحالة أن يطلقوا النساء لأن الحياة مع المرأة الجسد أو الصورة حياة قاسية وخصوصاً إذا كان جسدها لك وقلبها لغيرك.

وأما المرأة إذا لم تجد حلاً عادلاً لمشكلتها فليس لها سوى التوجه إلى الله عز وجل فلتتوجه إليه ولتسأله الفرج وإنه سميع مجيب.

الشيخ علي فقيه

Exit mobile version