Site icon الشيخ علي فقيه

الزَوَاجُ والطَلاقُ في الإِسْلام

 

الزواج أبرز سنن الحياة

 

الزواج سنة من سنن الله عز وجل التي شرعها لعباده تنزيهاً لهم عن السفاح وحفاظاً لفروجهم وضبطاً للأنساب، وهو الوسيلة التي تستمر بها الحياة على الأرض بالشكل الذي أراده الله سبحانه، وهو من السنن العامة التي آمن بها جميع الخلق كلٌ على طريقته بحسب الشريعة التي ينتمي إليها، فلقد جعل الله تعالى تلك العلاقة النفسية بين الرجل والمرأة آية من آياته حيث وصفها بقوله الكريم(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

ومن هنا اعتُبر الزواج كمالاً للدين لأنه يجعل من الزوجين إنسانين كاملين إن سلكا نهج الإيمان، ولأن الزواج يُشْبع تلك الغرائز التي تتحرك بين الحين والآخر في داخل الشاب والفتاة مما جعلهم يفرطون بالأمر ويسلكون سبل الإشباع المبغوضة من دون مراقبة الحدود الإلهية، وسبب جعل الزواج إكمالاً للدين لا ينحصر في موضوع الغريزة الجنسية فقط بل إن نفس وجود زوجة للرجل وأولاد أو وجود رجل للمرأة وأولاد ،هذه الظروف من شأنها أن تردعهما عن ارتكاب الأخطاء إن لم يكن خوفاً من المعصية فخوفٌ على السمعة بين أفراد الأسرة….

والزواج عبارة عن عقد يجري بين الذكر والأنثى ضمن الشروط التي وضعها الإسلام فلا يصح العقد بالطرق العشوائية الخارجة عن القوانين الدينية فإن حكم تلك العلاقة كحكم عدم نشوئها فلا بد من اتباع الطريقة التي شرّعها الإسلام لتكون تلك العلاقة صحيحة ومباركة وطاهرة من دنس الفجور وقذارة الفروج، والعقد عبارة عن إيجاب من الأثنى وقبول من الذكر يُذكر فيه المهر والمدة وقد اعتاد الناس على أن تكون المدة دائمة حتى الموت أو الطلاق، وأما المهر فإن الزوجة تستحق تمام المهر حين العقد غير أن التوافق بينهما هو أهم شرط فهما يشترطان في المهر معجلاً ومؤجلاً ولم تمانع الشريعة من هذا الشرط المقبول.

وتُعتبر تلك العلاقة بين الذكر والأنثى من الأنظمة التكوينية في الحياة لأنها ترتبط بالعوامل الكونية الخاصة بالجسد والروح حيث ينتج عن تلك العلاقة ثمار كثيرة وهي الأولاد فإن الزواج سبب في تكوين الأسر والمجتمعات والأمم.

والمرأة من نفس الرجل لأنها خلقت من فاضل طينته التي خُلق منها ولعله السبب في مخاطبة الله لنا بعبارة أنفسكم عندما قال(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) والسُكنى هنا هي سكنى النفس والقلب فضلاً عن السكنى المعلومة.

وعلى الزوجين أن يعيشا مع بعضهما في جو من الإحترام المتبادَل وأن يحافظا على تلك العلاقة المقدسة بينهما لأنها أعمق علاقة في الحياة حيث يتحول الزوجان في الأغلب إلى روح واحدة وتوجه واحد بحيث يصبحان باتحادهما كالشخص الواحد نتيجة للرابطة الإلهية الموجودة بينهما، وما نذكره هنا هو العلاقة التكوينية الناتجة عن العقد بين الطرفين والتي لا تنحصر في فئة دون أخرى فهي علاقة تشمل الجميع من المسلمين وغيرهم، حتى أن الإسلام يحترم هذه العلاقة عند غير المسلمين، ولأجل ذلك قال النبي الأكرم(ص) لكل قوم نكاح: بمعنى أن الزوجين الكافرين إذا أسلما فلا يحتاجان إلى إعادة العقد على الطريقة الإسلامية لأن تلك العلقة التي يقدسها الإسلام كانت موجودة بينهما، وعلى ذكر هذا العقد الجليل ينبغي التعرض إلى مسألة تعدد الزوجات التي ما زالت تواجه التساؤلات من جهات عديدة بهدف الطعن بدين الله فهم يحاربون فكرة تعدد الزوجات التي شرّعها الإسلام بدعوى أنها تسبب المشاكل والكره والبغضاء بين الزوجات، فلقد نظروا إلى الجانب السلبي للأمر وهذا الشيء السلبي ليس موجوداً في أصل تشريع هذا الحكم بل سببه سوء التصرف لدى الزوج أو الزوجات المتعددات وإلا فليس في الأمر أية مشكلة أو أية سلبية، فلقد أباح الإسلام للرجل أن يتزوج من أربعة نساء في وقت واحد ناظراً إلى وجود المصلحة في تشريع هذا الحكم، فالذين يحاربون هذا الحكم ينظرون إلى مشاعر الزوجة الأولى أو الثانية أو الثالثة ولا ينظرون إلى أن الواقع المرير الذي تمر به البشرية يحتم في بعض الأحيان تعدد الزوجات باعتبار أن عدد الإناث في العالم أكثر من عدد الرجال بكثير وذلك نتيجة لكثرة حالات الوفاة التي تصيب الرجال دون النساء، وتلك الحالات هي التي أحدثت هذا التفاوت أو  هذا التكافؤ في النسبة العددية بين النوعين، فإذا عامل الرجل زوجاته بالعدل الذي فرضه عليه دينه فلا أثر سلبي لتعدد الزوجات أما الذي لا يستطيع أن يضبط الوضع والذي لا يستطيع أن يعدل بين النساء فهو الذي يشكّل الجانب السلبي في المسألة، وقبل أن يتهجم البعض على الإسلام الذي أباح تعدد الزوجات عليه أن يدرس متعلقات ومقدمات هذا الحكم بشكل جيد قبل أن يظلم هذا الدين الحنيف وينسب إليه الظلم، فلقد اشترط الإسلام لمن أراد الزواج بأكثر من واحدة العدالة بينهن وإلا ففي الأمر نظر وإشكال، وإلى هذه النقطة التي يجب أن نفهمها جيداً ونتأمل بها ملياً قبل الحكم السلبي عليها قال سبحانه(فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) يعني لكم أن تتزوجوا بواحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع على نحو البدل وليس على نحو الجمع فإن شعرتم بأنكم لن تستطيعوا أن تعدلوا بين الزوجات فلكم أن تتزوجوا بواحدة فقط حذراً من الوقوع في المخالفات الشرعية، فهذا هو الإسلام يفصّل الحكم ويضع الأسس المطلوبة لتعدد الزوجات لأنه لا يبيح الأمور بشكل عشوائي بل بعد دراسة المصلحة وهو لا يحتاج إلى أية دراسة لأن العلم حاضر عنده، وفي نفس الوقت فإن الإسلام أباح تعدد الزوجات ضمن الشروط التي اشترطها وليس بشكل عشوائي كما يحاول البعض أن يلصق هذه التهمة بالدين.

فالذين يرفضون تعدد الزوجات إنما يرفضونه لوجود بديل غير شرعي عندهم فالذين لا يراعون الحرمات ولا يخشون الله تعالى يقولون ما يشاؤون فهم يرفضون فكرة تعدد الزوجات ولا يرفضون فكرة الزنا وغيرها من المحرمات التي يرتكبونها بلا حدود.

ثم إننا نعتبر رفض هذه الفكرة رفضاً لحكم إلهي يجب الإلتزام به ولا يجوز لأي إنسان أن يقف في وجه أحكام الله أو يناقشها بهدف الإنكار، ولا مانع من الإستفسار عن أي شيء فلقد استفسرت الملائكة من قبل عن سبب خلق آدم وهم لا يعصون الله ما أمرهم.

وقد قلنا في بحوث سابقة إن الإسلام لا يخفي عن الناس حكماً من أحكامه لأنه يتمتع بالجرأة القائمة على الحكمة والمنطق السليم الذي يتناسب مع جميع العقلاء فهو لا يخشى من بيان أي أمر من أموره لأنه لا يوجد فيه ما يشينه أو يعيبه أو يذهب بماء وجه فكله حق وعدل ووضوح وشفافية فلقد حرّم الإسلام على المرأة المسلمة أن تتزوج من الكافر وإن حافظت معه على إسلامها لأن الحكم تعبدي له علاقة مباشرة بكرامة هذا الدين الذي يمنع الكافر من مس المسلمة احتراماً لكرامة الدين الذي تحمله هذه المرأة وحفاظاً عليها من سطوة الرجل الذي هو في الغالب أقوى من المرأة فلا يجوز للمسلمة أن تتزوج من الكافر وإن أعطاها الأمان في عدم التعرض لحرية اختيارها الديني أو المذهبي لأن إسلام الزوج شرط في صحة العقد فإذا لم يكن الزوج مسلماً كان العقد باطلاً وهذا ما تعبّدَنا به ربنا سبحانه وتعالى، أما القول بجواز العقد على الكتابية فلأن الإسلام يوجب على أفراده احترام أديان الآخرين، وغاية الأمر أن الإسلام حرّم على المسلمة الزواج من الكافر تنزيهاً لها وللدين الذي تنطوي تحت أحكامه وتعمل بأنظمته.

وقد ورد هذا النهي واضحاً في القرآن الكريم حيث قال سبحانه في سورة البقرة(وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)

والحكمة من الأمر واضحة لا تحتاج إلى المزيد من البيانات والشروحات.

الشيخ علي فقيه

Exit mobile version