أهم ركائز الحياة الزوجية
من صفات الكمال التي اتصف بها الإسلام الحنيف هو إتمامه للمعروف فلا يقف عند حدود بيان المشروعية وعدمها وإنما يحاول أن يتمم الأمر لتنغمر هذه الحياة بالسعادة تلك السعادة التي يسعى الجميع للحصول عليها والوصول إليها، فلقد شرّع لهم الزواج مبيناً لهم طريقة العقد الشرعي وشروطه ولم يقف عند تلك الحدود فحسب وإنما بالإضافة إلى ذلك كله وضع لهم منهجية خاصة ترشدهم إلى كيفية التعاطي مع بعضهم البعض في جميع الشؤون العائلية والأسرية والزوجية بشكل خاص كيلا يقوم فرد بما يفسد تلك العلاقة الطيبة التي قامت على الحب والرضا وحرية الإختيار.
ولو أننا ألقينا نظرة سريعة على الآداب التي سنها الإسلام في الحياة الزوجية لأدركنا مدى شموليته لوضع الأسس المطلوبة ومدى اهتمامه بشؤون البشر، فكيف لا يكون كذلك وهو الدين الذي نزل من أجل تنظيم حياة البشر وحمايتهم مما يجلب لهم الأخطار على صعيد الدنيا والآخرة، فكل واجب أو محرم أو مكروه أو مستحب أو مباح ورد في شأن الزواج وما يتعلق به وما يترتب عليه لأكبر دليل على كونه الدين الأوحد الذي يُعنى بالشؤون العامة والخاصة لبني البشر، وقبل الخوض في صلب الموضوع أشير إلى أن هناك أخطاءاً وتجاوزات فردية تصدر من بعض المسلمين المسؤولين وغير المسؤولين لا علاقة للإسلام بها فلا يجوز أن ننسب أخطاء الأفراد إلى هذا الدين المحكم والمتقَن من قبل الخالق عز وجل، وأقول ذلك لأن هناك تصرفات تصدر من بعض المسلمين على خلاف الموازين الشرعية المجعولة لهذا الغرض، وأعداء الإسلام ينتظرون خطئاً واحداً يصدر من هنا وهناك حتى يضيفوه إلى سجلاتهم الخبيثة التي تهدف إلى تدمير الإسلام عالمياً ومحلياً عن طريق الأخطاء التي تصدر من الأفراد، فهم يخفون الحقائق التي أثبتها الإسلام كيلا تتضح للناس نزاهته وعظمته ويعلنون تلك الأخطاء ويروجونها بهدف الإنتقاص والتشفي.
فالإسلام الحنيف أعطى للرجل والمرأة حرية اختيار الشريك محرّماً على الأولياء وغيرهم إجبارهما على الزواج من شخص معيّن حاكماً ببطلان هذا العقد الذي يشترط في صحته رضا الطرفين، وإن دل هذا الحكم على شيء فإنما يدل على عظمة الإسلام ومدى انفتاحه على الأفراد والأمم فهو لا يُجبر أحداً على فعل شيء ولا يمنع أحداً من فعل شيء عن طريق الإكراه باستثناء مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا بحث آخر، ولكنني أثير هذه النقطة من أجل أن أوضّح أمراً قد زَرع في نفوس الناس شيئاً عن الإسلام لا علاقة له به، فنلاحظ وتلاحظون بأن بعض المجتمعات المحسوبة على الإسلام يمارسون العنف مع فتياتهم فيكرهوهن على الزواج من فلان أو فلان بحجة أن مصلحة الفتاة تكمن خلف الزواج من هذا الشخص، فأنت كما تلاحظ المصلحة في زواجها من فلان وعدم ارتباطها بالشخص الذي تريده فعليك أن تلاحظ أيضاً الحكم الشرعي الذي يحرم عليك إجبار ابنتك على الزواج ممن لا ترغب به، ولكن العادات السيئة التي سيطرت عليهم جعلتهم يبتعدون عن حكم الله عز وجل وهي عادات تخالف أحكام الله عز وجل، والإنسان هنا مخير بين أمرين إما أن يتخلى عن تلك العادات فيحفظ بذلك آخرته وإما أن يخضع لعادات الآباء والأجداد والعائلة والقبيلة ويخسر بذلك آخرته وعليه أن يحدد مصيره بيده ويختار الطريق التي يريدها.
وأعداء الدين لا ينظرون إلى كون الإسلام يحرم مثل هذا العقد وإنما ينظرون إلى سلوك الأفراد ويوجهون الإتهامات بل يحكمون على الإسلام من خلال تلك التصرفات التي يرفضها الإسلام قبل ن يرفضها البشر.
وأهم الأسس التي تقوم عليها الحياة الزوجية هي الإلتزام بالواجبات التي فرضها الإسلام على كلا الطرفين حيث أوجب عليهما أموراً تجاه بعضهما البعض وحرم عليهما أموراً أخرى، فجعل لكل واحد منهما حقوقاً خاصة، فجعل حق الرجل على زوجته أن تطيعه وأن لا تخرج من بيته إلا بإذنه وأن تحفظه إن غاب عنها بماله وبنفسها بأن لا تخونه حتى بكلمة أو نظرة، وجعل حق المرأة أن ينفق عليها الزوج ويحفظها ويرعاها وأن لا يخدش مشاعرها ولا يجرح أحاسيسها وأن يطعمها ويُكسيها ويلبي جميع حاجياتها المقبولة عند العقلاء.
ينبغي أن يتعامل الزوجان فيما بينهما بالرحمة والشفقة والعطف والإحترام المتبادل ليكوّنا بذلك أسرة صالحة يستنير بها المجتمع في المستقبل، فلو أن كل بيت اهتم بأسرته وتربيتها لقلّص ذلك كثيراً من المشاكل الإجتماعية التي اقتحمت البلاد والمدن والقرى والأحياء والبيوت بشكل عشوائي عنيف لا ترحم تلك الموجة أحداً ممن تصل إليه.
فالركائز التي تقوم عليها الحياة الزوجية كثيرة وأهمها تلك التي سنها الإسلام وعلى رأسها الحقوق التي أوجبها للطرفين فهي تمثّل أهم الركائز فيما إذا راعاها الرجل والمرأة، ومن هنا نجد أن الذين يستنيرون بما سنه الإسلام مشاكلُهم قليلة جداً لأن النظام الإسلامي الحكيم يحد كثيراً من الخلافات والتجاوزات التي تُحدث العنف والحقد بين الطرفين فإذا عرف كل واحد منهما حقوقه وأدرك حدوده فقد جلب الراحة لنفسه.
وإن أهم الركائز المتينة والثابتة التي تقوم عليها الحياة الزوجية المتكاملة هي أن يتمتع الطرفان بإيمان صحيح ينطلقان من خلاله في تعاطيهما مع بعضهما البعض لأن الإلتزام بأوامر الله تعالى ونواهيه يحصّنهما من الجور على بعضهما البعض حتى بالكلمة أو بالإشارة وذلك أن الخوف من الله يمنع الإنسان من ارتكاب الخطأ على أخص الناس لديه فضلاً عن الغير، ولكننا نجد كثيراً من الأزواج يظلمان بعضهما بشكل عشوائي وعنيف من دون أن يراقبوا الله تعالى في هذا السلوك الذي يعود عليهم بالشقاء، وكثير من الأزواج يراقبون الله تعالى في كل شيء لا يتعلق بعلاقتهما الزوجية ولا يراقبونه في حياتهما الخاصة وكأنه لا علاقة للأمر بهما.
ومن تلك الركائز القوية للحياة الزوجية مراعاة حقوق الزوج لزوجته والزوجة لزوجها فإذا أعطى كل واحد منهما حقوق الآخر فقد استقامت حياتهما من جميع النواحي، أما التفريط من قبلهما بتلك الحقوق فإنه يعكّر عليهما صفو العيش الكريم ويحوّل السعادة التي يُفرَض أن تكون موجودة بينهما إلى جحيم مظلم وظلام دامس يصعب الخروج منه وتجاوز محنته وأهواله.
فلقد وضع الإمام السجاد(ع) منهجية واضحة لتلك الحقوق مبيناً للجميع حق كلٍ من الزوجين على الآخر، ففي بيان حق الزوجة على زوجها قال(ع) وأما حق الزوجة فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكناً وأُنساً فتعلَمَ أن ذلك نعمةٌ من الله عليك فتُكْرِمَها وتَرْفُقَ بها وإن كان حقك عليها أوجب فإن لها عليك أن ترحمها:
وإذا راقبنا مضمون هذا النص الكريم وجدناه واضحاً لا غموض فيه مهما حاول الناس أن يغيروا واقعه ويؤوّلوا فحواه ويجيّروا معانيه إلى مصالحهم الخاصة، فالمرأة أمانة في عنق الرجل يجب أن يحافظ عليها كما أمره الإسلام فهي سكنٌ له وأنس وراحة إذا كانت مؤمنة بالله ومراعية لجميع الأحكام فيجب على الرجل أن يعاملها بالرفق لأنها أضعف منه وتحت رحمته، وينبغي أن يتعامل معها بالتجاوز والصفح وأن لا يحبسها ويظلمها ويَعُدَّ عليها حركاتها وكلماتها مما يجعلها تكره العيش في بيته.
وحق الزوج على زوجته أن تطيعه وأن تحفظه فيما يختص به من الحقوق المادية والمعنوية، ومن جملة الركائز التي تقوم عليها الحياة الزوجية الصدق والصراحة المتناهية وأن يسمعا من بعضهما البعض قبل أن يديرا مسامعهما للناس الذين كان كثير منهم شياطين بصورة بشر.
الشيخ علي فقيه