
الألفة بين الناس
لا خير في العيش من دون ألفة وتودد وتواصل ورحمة فإذا انتفت الألفة من بيننا تحوّل مجتمعنا البشري إلى غابة تسيطر عليها الوحوش وتتبختر فيها الحيوانات المفترسة، وهذا المجتمع الذي رفضه الإسلام منذ البداية وعمل على إخراجه من تلك الدائرة الضيقة إلى هذا العالَم الواسع، وجعل الإنسان أخاً للإنسان بعد أن كان يأكله ويظلمه ويفترسه فأحلّنا ربنا من تلك القيود والأغلال التي فرضها علينا الجهلة من السابقين الذين عبدوا عاداتهم وركنوا إلى تقاليدهم البعيدة عن المنطق السليم وعما نشأت عليه البشرية، وأكبر نعمة على المجتمع أو الأمة هي نعمة الألفة بين أفرادهما حيث ينتج عنها التماسك والقوة والإعمار بسبب التعاون فيما بينهم وتفكير الواحد منهم بالآخر، فلقد منّ الله علينا عندما ألّف بين قلوبنا من قبل حيث يقول(فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ويقول سبحانه مبيناً لنا هذه النعمة التي لا يقدر عليها سواه(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ولأجل ذلك وجب على جميع المؤمنين أن يحافظوا على هذه النعمة التي لا تقدّر بثمن لأنها إذا زالت فقد زال الخير من الوجود، ولا يمكن أن نحصل عليها إلا بتوفيق من الله تعالى، قال علي: إزالة الرواسي أسهل من تأليف القلوب المتنافرة: ويصف لنا الإمام الصادق سرعة التآلف بين المؤمنين وبُعدَ الإختلاط بين غيرهم فيقول: إن سرعة ائتلاف قلوب الأبرار إذا التقوا وإن لم يُظهروا التودد بألسنتهم كسرعة اختلاط ماء السماء بماء الأنهار وإن بُعد ائتلاف قلوب الفجار إذا التقوا وإن أظهروا التودد بألسنتهم كبُعد البهائم من التعاطف وإن طال اعتلافها على مِذودٍ واحد: قال رسول الله: خِيارُكم أحاسنكم أخلاقاً الذين يألفون ويؤلَفون: وقال: خير المؤمنين من كان مَألَفةً للمؤمنين ولا خير فيمن لا يؤلَف ولا يألف:
الشيخ علي فقيه



