
الأمل الحسن
مرة يكون الأمل رحمة للإنسان ومرة أخرى يكون نقمة عليه، وقد ذُكر الأمل بكلا نوعيه في كلام الرسول وآله حيث فرّقوا لنا بين الأمل المطلوب والأمل المذموم المرفوض في المنطق الديني، وهناك ميزان وضعه النبي للأمل حتى لا نخلط هذا بذاك فنقع في حيرة من أمرنا، وقد جُعل هذا الميزان على لسان النبي ووصيه علي صلوات الله عليهما بقولهما: إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً: فمرة يجب أن يكون الأمل طويلاً ومرة يجب أن يكون قصيراً للغاية، أما في الأمور المتعلقة بالحياة فيجب أن يكون فيها الأمل طويلاً كيلا يحصل اليأس لدى الإنسان فيتوقف عن العمل والبناء والتأسيس وبذلك يتخلخل نظام العيش في الأرض، وأما في الأمور المتعلقة بالآخرة فيجب أن يكون الأمل قصيراً لأن الموت يطلبنا دائماً فلا ندري متى يدركنا وفي أي مكان يقع حكمه علينا، فعليك أيها الإنسان أن تعمل للدنيا وكأنك سوف تخلد فيها، وعليك أن تعمل للآخرة وكأنك مفارقٌ هذه اللحظة، وبهذا الميزان يتخلص الإنسان من طول الأمل المذموم الذي يُبعد المرء عن ربه ويُنسيه آخرته، فلو وضع الإنسان موضوع الرحيل نصب عينيه بمعنى أن اليأس قد سيطر عليه فإنه لن يسعى بعد ذلك لكسب لقمة العيش، فعليك أن تؤسس للمستقبل ولا بأس أن تقول إنه بعد عشر سنوات أو أكثر سوف أقوم بكذا وكذا بشرط أن تكون موكلاً أمرك إلى الله عز وجل فتقول ذلك بضميمة قولك إن شاء الله أو إذا أراد الله، فنفس هذا القول دليل على قِصر أملك تجاه الآخرة واستقامة أملك تجاه الدنيا، وأما بالنسبة للأمل المطلوب فقد ورد عن رسول الله أنه قال: الأمل رحمة لأمتي ولولا الأمل ما أرضعت والدة ولدها ولا غرس غارسٌ شجراً: ويقول علي: الأمل رفيقٌ مؤنس: وفي دعاءٍ للإمام السجاد جاء فيه: اللهم رب العالمين أسألك من الآمال أوفقها: ويروى أن عيسى بن مريم رأى شيخاً كبيراً يعمل بمِسحاة ويثير به الأرض فقال عيسى اللهم انزع عنه الأمل فوضع الشيخ المسحاة واضطجع وبعد ساعة قال عيسى اللهم اردد إليه الأمل فقام فجعل يعمل.
والأمل لدى الإنسان لا حدود له ولا نهاية فقد قال علي: الأمل لا غاية له: وقال: الآمال لا تنتهي: وقال: إعلم يقيناً أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك:
الشيخ علي فقيه



