
الأمل القبيح
إن الأمل الذي يمنع الإنسان من العمل والإسراع في طلب التوبة والمغفرة هو الأمل المذموم الذي يجب التخلص منه قبل أن يهلكنا لأنه بمقدار ما كان الأمل الحسن حسناً بمقدار ما كان الأمل المذموم سيئاً وقبيحاً لأن مساوءه لا يحصى لها عدد، فإذا دعاك أملك إلى تأجيل العمل وتأخير الطاعة بحجة أن العمر ما زال في أوله فهذا أول الأخطاء حيث لا يدري أحد من المخلوقين ما إذا كان هذا أول العمر أو آخره، لقد هدد الله تعالى أصحاب الأمل الطويل الذي يعود على صاحبه بالمفسدة فقال في محكم كتابه(ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ)
فهناك أشخاص يعملون للدنيا ويؤسسون ويخططون ويظنون بأنهم باقون في الدنيا فلا يفكرون يوماً بالفراق وحلول الأجل الذي لا بد منه فهؤلاء هم الذين ألهتهم آمالهم وخدعتهم حتى أودت بسعادتهم فأخسرتهم الدنيا ولم تُربِحهم الآخرة، فمن المستحسَن للإنسان أن يجلس بينه وبين نفسه ساعة يتفكر بها فيما سوف يأتي فيذكر فيها أجله وموته وما سوف يرد عليه بعد الموت فيدفعه ذلك إلى العمل الذي يخلّصه من أهوال تلك المشاهد العظيمة والمواقف الرهيبة، ولذا ينصحنا إمامنا سيد المتقين(ع) فيقول لنا: إتقوا باطل الأمل فرُبَّ مُستَقبِلِ يومٍ ليس بمستدبره ومغبوطٍ في ليله قامت بواكيه في آخره: ويوضح لنا الإمام هذا الأمر أكثر فيقول: اتقوا خِداع الآمال فكم من مؤمل يومٍ لم يدركه وباني بناء لم يسكنه وجامع مالٍ لم يأكله: ويقول: الأمل خادع غارٌّ ضار، والأمل سلطان الشياطين على قلوب الغافلين، وثمرة الأمل فساد العمل: وكان الصادق يقول في دعائه يوم عرفة: أعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة وحياة تمنع خير الممات ومن أمل يمنع خير العمل: وقال علي: لو رأى العبد أجله وسرعته إليه أبغض الأمل: وقال: ما أنزل الموت حق منزلته من عدّ غداً من أجله: وقال: الأمل يُنسي الأجل: وقال: ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل: وقال: من يأمل أن يعيش غداً فإنه يأمل أن يعيش أبداً ومن يأمل أن يعيش أبداً يقسو قلبه ويرغب في الدنيا: وقال: أكثر الناس أملاً أقلهم للموت ذكراً: وقال: أطول الناس أملاً أسوأهم عملاً: وفي ضرورة قصر الأمل قال(ع) من أيقن أنه يفارق الأحباب ويسكن التراب ويواجه الحساب ويستغني عما خلّف ويفتقر إلى ما قدّم كان حرياً بقصر الأمل وطول العمل:
وقال رسول الله(ص) والذي نفس محمد بيده ما طَرَفَت عيناي إلا ظننتُ أن شَفرَيَّ لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي:
الشيخ علي فقيه



