أحكامٌ للرجال والنساء بعد الطلاق
قال سبحانه في سورة البقرة(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى والكتاب المنير الذي يهدي للتي هي أقوم ويرسم طريق السعادة للبشر إذا استناروا بأنواره وسلكوا طريقته من دون أي انحراف عن جادته المستقيمة.
لقد أنزل الله في القرآن كل ما يحتاج إليه الناس من أمور دينهم ودنياهم كيلا يكون لهم على الله حجة فلقد أكمل عليهم النعمة وأتم لهم الدين بعد أن اصطفاه لهم، وإذا كان هناك خلل فهو في بسبب الخلق وليس بسبب الخالق المنزه عن كل نقص وعيب وخلل.
وقد اعتنى القرآن بالأمور الإجتماعية وبالأحوال الشخصية فوضع القوانين اللازمة وسنّ الأنظمة المطلوبة كيلا يحدث أي خلل في الحياة التي جعلها الله كاملة من جميع النواحي، ومن جملة تلك القوانين الزواج والطلاق فإن لكل واحد منهما أحكامه الخاصة التي أوجب الخالق العمل بها والسير على نهجها متشدداً في الأمر كيلا يحصل التهاون المسبب لحدوث الخلل.
وأما الآية المذكورة ففيها نصيحة للرجال الذين طلقوا نساءهم أن يُرجعوا النساء ويستعيدوا الحياة الطبيعة بينهم وهذا هو المعروف الذي ينبغي أن يتعاطى به الجميع فلا ينبغي للعاقل المؤمن على وجه الخصوص أن ينسلخ من زوجته بهذه السهولة بعد العِشرة بينهما وبالخصوص إذا كانت مدتها طويلة فإما أن ترجعوهن وإما أن تتركوهن وشأنهن ولا ترجعوهن من أجل إحداث الضرر بهن فلا يجوز ذلك بوجه من الوجوه، وقد عبّر القرآن عن هذا السلوك بظلم النفس لأنه في الواقع كذلك حيث يجلب الإنسان لنفسه العذاب عبر ارتكابه لتلك المحرمات في حق الزوجة، ثم ينهاهم الله تعالى عن أن يستهزؤوا بأحكام ربهم بل ينبغي عليهم أن يشكروا ربهم على نعمة الزواج حيث أحله لهم كما ويجب أن يشكروا ربهم على كل نعمة أنزلها عليهم سواء كانت من النعم المادية أو النعم المعنوية، واشكروا الله على ما وعظكم به من خلال ما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة لأنكم لولا ذلك لوقعتم في الحيرة ونزلتم في ساحة التَيه، وبعد ذلك ليس عليكم سوى أن تتقوا الله عز وجل لأن التقوى هي وسيلة النجاح وسبب الفلاح.
ويتابع الكتاب الكريم حديثه عن تلك الأحكام والآداب الخاصة بما بعد الطلاق أو عنده فيقول تعالى(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)
فيا أيها الرجال ويا أيها المؤمنون بالله واليوم والآخر إذا كنتم مؤمنين بربكم حقاً إذا طلقتم النساء وانتهت عدة الطلاق فلا تقفوا بينهم وبين الزواج من غيركم حجر عثرة إذ لا يحق لهم منعهن من ممارسة حقهن بعد بلوغ أجل العدة إذ لا حق لكم عندهن بعد ذلك ولا سلطة لكم عليهن، واعلموا بأن هذا السلوك موعظة لكم لأنه أزكى لكم وأطهر وأنفع إذا كنتم ترجون ما عند الله من الثواب وتخشون ما عنده من العقاب.
ونحن ننصح الجميع بأن يسمعوا هذا الخطاب القرآني ويعملوا به لأنه يدلهم على الخير ويخط لهم طريق السعادة وينيرها أمامهم بأنوار الله عز وجل، ولكننا في أيامنا هذه نعيش حالة من الفوضى والإستهتار بأوامر الله ونواهيه فلم يعد أحد يفكر إلا بمصلحته الشخصية وإن قامت على المخالفات الشرعية المستوجبة للعقاب وكأنه لا يوجد رقيب ولا حسيب، نحن نركز على هذا الزمان الذي يتغنى به العالم بالمساواة بين الذكور والإناث ولا يوجد مساواة حقيقية إلا ما سنه الله عز وجل لأن المساواة التي يطلبها البشر تخالف أحكام الله عز وجل، الله تعالى تعامل بلطفه وعدله عندما وضع لكلٍ من الزوجين حقوقه على الآخر أما البشر فإنهم يحاولون تخريب الكون عبر إعطاء الواحد منهما غير حقه المحدد له، فهم يحاولون ن يُحدوا الشرخ والخلل في العلقة الزوجية التي جعلها الله عز وجل آية من آياته ويحاولون الطعن بدين الإسلام من خلال طروحاتهم التي رفضها أكثر الناس في هذا العالم حيث زادت بها مشاكلهم وفشلوا في وضع خطة تحل تلك المشاكل اليومية لأنها تصطدم مع حكم الله فلم يجدوا مناصاً من الرجوع إلى دين الإسلام الذي اعتُبرت حلوله لتلك المشاكل من أجود أنواع الحلول، فلقد رجعوا إلى حكم الله وهم يدّعون عدم الإيمان بها ولكنهم رأوا بأنهم مجبورون على الإلتزام بتلك القوانين لأنها تمثّل الحل الأنسب والخلاص النهائي لمعضلات الحياة الزوجية والأسرية.
ولقد وقع كثير من المسلمين في هذا الخطأ عندما نظروا إلى تلك الإدعاءات على أنها الحل الأنسب وعلى أنها أجود من الحلول الإسلامية فأعانوا أعداء الأديان على الأديان والمتدينين لأنهم رأوا المصلحة الخاصة في مخالفة حكم الله، وهؤلاء الذين اختاروا تلك المناهج فإنهم لم يختاروها لأنها الأفضل بل اختاروها لأنها تنسجم مع مصالحهم، ومن هنا فإن كل من يأتي حكم الإسلام على خلاف مزاجه ومصلحته يتهجم على هذا الدين فلماذا لا يتهجم عليه عندما يكون الحكم لمصلحته، ومن هنا نقول كما قال الحسين(ع) الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم، يعني يأخذون بالدين عندما يجدونه متفقاً معهم أما عندما يخالفهم فيصبحون يداً عليه وأي يدٍ إنهم يصبحون يداً شريرة مخربة فتاكة ضد هذا الدين الذي بسببه عرفوا الخير والشر والحق والباطل وميزوا بين المقبول والمرفوض، والذي به جلبوا الرحمة والسعادة لأنفسهم.
فعلى كل رجل في العالم أن يتخلى عن ظلم زوجته لأنها وإن كانت ضعيفة فإن الله تعالى يدافع عنها إن كان لها حق على الرجل.
ثم يتابع القرآن حديثه قائلاً(لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)
من عقد على امرأة من دون أن يسمي لها المهر ثم طلقها قبل أن يدخل بها فا شيء عليه ولكن الله تعالى يؤدبنا بآدابه ويرشدنا إلى ما نربح به دنيانا وآخرتنا فهو يحثنا على إعطائهن شيئاً من المال حتى يدبّرن به أمورهن ولم يفرض على الرجال حقاً معيناً في مثل هذا العقد وإنما أرجع الأمر إلى الرجال فالغني يعطيها بحسب استطاعته والفقير يعطيها بحسب ما تسمح به إمكانياته المادية وهذا المال الذي يدفع لهذه المطلقة هو حق على أهل الإحسان الذين لا يقبلون بتركهن من دون شيء فهو إحسان لهم عند الله ورصيد كبير ليوم فقرهم.
(وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
إذا طلق الرجل زوجته قبل أن يدخل بها وكان قد حدد لها مهراً فعليه أن يدفع لها نصف المهر إلا إذا أعفته المطلقة أو وليها من ذلك فلا بأس بعدم الدفع لها حينئذٍ ولكن العفو والتسامح من الطرفين أفضل فهي تسامحه وهو يتساهل معها إذ لا ينبغي أن ننسى الفضل بيننا أي يجب أن نتخلى عن البغضاء والكره والعداء وأن لا ننزل على حكم الشيطان الرجيم.
الشيخ علي فقيه