
الجَزَع
هناك بعض المشاعر التكوينية داخل الإنسان لها دور بارز في هلاكه فلا يجدر الإستسلام لها بحجة أنها من الطبع والتكوين لأن تلك المشاعر قد تكون خُلقت من أجل الإختبار من أجل أن يختبر الله بها صاحبها كركونه إلى الملذات المحرمة فإن الطبع يطلبها، وهنا ينبغي أن تلغي دور هذا الطبع عن طريق الإكراه حتى لا تقع في المخالفة، ومن تلك المشاعر التي ترجع بالخسارة والندم على الإنسان الجزع من المصيبة وهو عدم الصبر على البلاء وهو سلوك سلبي لا يتفق مع الإيمان لأن المؤمن صبور مهما كانت المصيبة كبيرة، وقد ذم القرآن الذين يواجهون المصائب بالجزع وفقدان الصبر حيث يقول سبحانه(إن الإنسان خُلق هَلوعا إذا مسّه الشر جَزوعا) فلو علم الإنسان ما في الجزع من الخسارة عليه لما جزع من شيء فلقد عبّر علي عن الجزع بالهلاك لأنه في حقيقة الأمر يؤدي بصاحبه إلى الهلاك في الدنيا قبل الآخرة، والجزع في أكثر الأحيان هو عدم ثقة بالله تعالى لأن الذي يعلم بأن الله معه فلا يبالي بأية مصيبة مهما كان حجمها عظيماً، وهناك العديد من الآثار السيئة للجزع منها ما ذكره علي بقوله: إياك والجزع فإنه يقطع الأمل ويُضعف العمل ويُورِثُ الهم واعلم أن المخرج في أمرين: ما كانت فيه حِيلة فالإحتيال وما لم تكن فيه حيلة فالإصطبار: ولو تأمل المرء قليلاً لوجد بأن الجزع يزيد في الطين بلة فهو يرفع مستوى المصيبة إلى حجم لا يطاق وقد كثرت الأحاديث التي تكشف لنا عن هذه المسألة من باب توعية الإنسان الذي لو عقِل قليلاً وخُيّر بين الجزع والصبر لاختار الصبر وإن كان متعباً لأن الجزع أتعب من الصبر لقول علي: الجزع أتعب من الصبر: وقوله: الجزع عند المصيبة أشد من المصيبة: فالجزع يوصل البلاء إلى أعلى درجاته وأرفع مستوياته بحيث لم يعد بإمكان المرء أن يصبر ويتحمل، ولهذا كان الأجدر به بل كان الأفضل له أن يواجه البلاء بالصبر، لأنه إذا كانت المصيبة سبعين بالمئة أو أكثر أو أقل فإن الجزع يوصلها إلى مئة بالمئة لقول علي: الجزع عند البلاء تمام المحنة:
وفي موضع آخر قال: لا تجزعوا من قليلِ ما أَكْرَهَكم فيوقعَكم ذلك في كثير مما تكرهون: ومثل ذلك ما ورد عن الكاظم فقال: المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان: وفوق كون الجزع يزيد في ألم المصيبة فإنه يذهب بالأجر الذي كان مكتوباً في الصبر عليها لقول علي: الجزع لا يدفع القَدَر ولكنْ يُحبطُ الأجر: وقوله: إغلبوا الجزع بالصبر فإن الجزع يحبط الأجر ويُعظّم الفجيعة:
الشيخ علي فقيه



