
جزاء المحسنين في الدنيا والآخرة
كثير من الأمور تخفى على البشر، ولا يعني خفاؤها أنها معدومة، فربما كانت مخفية بحكمة إلهية ليس من الضروري أن يعرفها الإنسان إذ لعل وراءها منفعة له هو لا يعرفها بل الله يعرفها، وقد تكون ظواهر بعض الأمور سيئة في نظر الناس ولكنها في نظر الخالق حسنة ومفيدة لهم، فقد يعمل الإنسان عملاً صالحاً يستحق عليه الجزاء الحسن على قاعدة(وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان) فتراه بعد هذا العمل يزداد وضعه الجسدي أو المعيشي سوءاً فيظن بربه السوء أو يظن غيره بهذا الظن السيء لأنهم يرونه صالحاً ومع ذلك فهو يُضرب من جهات عديدة وطرق كثيرة، ففي مثل هذه الظروف يجب أن نؤمن بوجود حكمة من الله تعالى وراء هذا البطء في الإحسان للإنسان على قاعدة لعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور، وفي مثل هذا الظرف لا ينفع الإنسان سوى التوكل على الله وتفويض الأمر إليه حتى تكون النتيجة مرضية والنهاية حسنة، فلربما كانت الحكمة الإلهية تقتضي أن يؤجَّل الإحسان للمحسن إلى يوم القيامة لأن الإحسان هناك أعظم وأدوم، وقد ينال المحسن الإحسان في الدنيا كما ناله الأنبياء والأولياء في دنياهم قبل آخرتهم، وفي ذلك يقول سبحانه(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ويقول(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ويقول(سلام على إل ياسين إنا كذلك نجزي المحسنين) هذا على مستوى الجزاء الحسن في الدنيا أما الجزاء في الآخرة فهو أعظم وأكبر قال تعالى(فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) وقال(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ) وقال(وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وقال(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ) وقال علي: من أيقن بالمُجازاة لم يؤثِر غير الحسنى: وقال: على قدر البلاء يكون الجزاء: وأما جزاء الظالمين في الدنيا والآخرة فقد قال سبحانه(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) وقال(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)
الشيخ علي فقيه



