أُخْلاقُ المُسْلِم

درجات الجنة

درجات الجنة

 

درجات الجنة

 

تارة يحدثنا القرآن عن الجنة بلفظ المفرد وأخرى يحدثنا عنها بلفظ الجمع، فقد يكون هناك جنات عديدة وقد يكون هناك جنة واحدة فيها درجات كثيرة فيصح إطلاق لفظ الجنة على كل درجة من درجاتها، أما الحديث عن الجنة بلفظ المفرد فقد قال سبحانه(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) وقال(وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ) وقال(تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا) وقال(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ  يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) وأما حديث القرآن عن الجنة بلفظ الجمع فمنه قوله تعالى(كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) وقوله(إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) وهناك العشرات من الآيات الكريمة التي تتحدث عن الجنة بكلتا الطريقتين، وهناك نوع من الآيات تُذكر فيها الدرجات كقوله تعالى(وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى) وقوله(انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) وكل تلك الآيات تشير إلى وجود تمايز بين مؤمن وآخر في درجته يوم القيامة لأن الجنة درجات كثيرة فكلٌّ يتنعّم بالمستوى الذي كان عليه في الدنيا من الإيمان والعمل، ولا بد من أن يكون هناك درجات في الجنة لأن هذا ما يقتضيه العدل الإلهي لأن هناك مؤمنين اكتفوا من العمل بالواجبات بينما نجد مجموعة من المؤمنين أجهدوا نفوسهم بفعل المستحبات التي تزيد في أجرهم وثوابهم، وإلا فلو لم يكن هناك سوى درجة واحدة فلا داعي إلى هذا التعب الذي يشعر به الراجي ثواب ربه ورفيعَ الدرجات عنده، يقول الصادق: لا تقولوا جنةٌ واحدة إن الله عز وجل يقول(درجاتٌ بعضها فوق بعض) وقال(ص) الدرجة في الجنة فوق الدرجة كما بين السماء والأرض وإن العبد لَيرفع بصره فيلمعُ له نور يكاد يخطَف بصرَه فيفرح فيقول: ما هذا؟ فيقال: هذا نور أخيك المؤمن فيقول هذا أخي فلان كنا نعمل جميعاً في الدنيا وقد فُضِّل عليَّ هكذا؟ فيقال إنه كان أفضل منك عملاً، ثم يُجعل في قلبه الرضا حتى يرضى: وقال(ص) إن الله جل ثناؤه لَيُدخِل قوماً الجنة فيعطيهم حتى تنتهي أمانيُّهم، وفوقَهم قوم في الدرجات العلى فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون ربنا إخوانُنا كنا معهم في الدنيا فبمَ فضّلتهم علينا؟ فيقال هيهات إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون ويظمؤون حين تَروَون ويقومون حين تنامون ويَشخَصون حين تَخفَضون:

وفي بيان هذه الحقيقة يقول علي: درجاتٌ متفاضلات ومنازل متفاوتات:

 

الدرجات المميزة في الجنة

 

الناس أنواع شتى في طبائعهم وعقائدهم ونظراتهم إلى الأشياء المحسوسة وغير المحسوسة، فمنهم المؤمن بالله حق الإيمان ومنهم المؤمن المهمل لواجباته ومنهم الملحد الذي لا يعترف بالخالق ومنهم المشرك بربه، ومنهم المؤمن بشيء دون شيء، ولا أريد أن أتناول الحديث عن الجميع لضيق المقام ولكنني سوف أختار من بينهم أهل الإيمان لنرى من منهم صاحب الدرجات الخاصة في جنة الله ومن منهم دون ذلك، فمن المؤمنين أشخاص ذابوا في العمل الصالح فبحثوا عن كل ما يمكن أن يعود عليهم بالأجر والثواب ففعلوه ولم يكتفوا بالواجب فقط، فهؤلاء رجعوا إلى النصوص الواردة عن النبي وآله واستخرجوا منها التعاليم حول الأعمال التي يتقربون بها إلى الله عز وجل تبرعاً منهم لأنفسهم وتعبيراً عن مدى حبهم لله ورجائهم لثوابه وخوفهم من عقابه، فإن المؤمنين بالله أنواع، نوع اكتفوا من العبادة بالواجب فأتوا به لأن الله أمر به، ولكنهم لم يقدّموا لأنفسهم زيادة عليه ولم يرتكبوا من المعاصي ما يلجون به النيران فهؤلاء بحسب ما أخبرنا الله من أهل الجنة ولكنهم أصحاب الدرجات العادية لأنهم لم يرفعوا درجاتهم بالعمل المستحب المشحون بالأجر والثواب، وأنا شخصياً أقبل من الدرجات أدناها لأن المهم لدي هو أن أنجو من عذاب النار، ففي المرحلة الأولى نعمل للنجاة من النار وبعد ذلك نتمنى الدرجات العليا، ولا يستهان بأقل درجة من درجات الجنة لأن أقل درجة منها فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين بمعنى أننا لو لم نتعرف على الدرجات الأعلى منها لما ظننا بأن هناك سعادة مثل التي نحن فيها غير أن كرم الله لا حدود له فإنه عز وجل منّ على الذين اهتموا بالآخرة والتأسيس لها بالجزاء المميز وهم النوع الثاني الذي شغل نفسه بكل ما يُرجى منه الثواب فهؤلاء رابحون على كل حال وهم أهل درجة يغبطهم عليها من هو دونهم في الدرجة، ومنهم من أهمل الواجب والمستحب وهؤلاء أمرهم إلى الله تعالى الذي إن شاء رحم أو شاء عذّب ولكن المعلوم لدينا أن مهمل الواجب سوف يلج النار لا محالة.

ومنهم من اهتم بالقشور وأهمل اللب كمن اهتموا بالأمور المستحبة فتصدّقوا وبنوا المؤسسات ولكنهم قصّروا في حق أنفسهم فلم يفعلوا الواجب وإن الله تعالى غني عن العالمين ليس بحاجة إلى كل ما يقوم به الناس لأن كل ما في الوجود هو بيد الله وهو ملك له، فلو افتدى العاصي بملئ الأرض ذهباً لما تُقُبِّل منه، ومن هنا ورد عن النبي وآله العديد من الأحاديث التي ترشدنا إلى تلك الأعمال التي ننال بها الدرجات الخاصة في الجنة الواسعة، منها قوله(ص) إن في الجنة قصراً لا يدخله إلا صوّام رجب: ومنها قوله(ص) إن في الجنة درجة لا ينالها إلا إمام عادل أو ذو رَحِمٍ وَصول أو ذو عيال صبور: ومنها قول الباقر: إن لله عز وجل جنة لا يدخلها إلا ثلاثة: رجلٌ حكم على نفسه بالحق ورجل زار أخاه المؤمن في الله ورجل آثر أخاه المؤمن في الله: ومنها قوله(ص) إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنُها من ظاهرها يسكنها من أمتي من أطاب الكلام وأطعم الطعام وأفشى السلام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام:

الشيخ علي فقيه

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى