أهداف الثورة الحسينية
الهدف الأول: إصلاح ما فسد من أمور الدين
ينبغي على كل باحث في أهداف الثورة الكربلائية أن يقدم هذا الهدف على غيره من أهدافها لأنه يشكِّل المحور الأساسي لجميع تلك الأهداف، وهو أول هدف تعرَّف عليه الناس في حياة الإمام الحسين(ع).
إن تحقيق هذا الهدف لم يكن واجباً على الحسين فقط، وإنما هو واجب على كل مسلم ومسلمة في هذا الوجود، لأن حفظ الدين من التحريف والمداخيل الشريرة هو من أولى واجبات المسلم الذي إذا أهمل إسلامه فقد أهمل وجوده المستمد من وجود الإسلام.
ويتحتم هذا الأمر على المعصوم لأنه المسؤول الأول باعتباره الخليفة الحق، ومن خلال هذا الواجب تحرك الإمام الحسين(ع) حتى أصلح ما فسد من أمر الدين بطريقته الخاصة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ كثيراً من المسلمين قد أشادوا بأصحاب الحركات الإصلاحية وهي نتاج صغير من نتائج الثورة الكربلائية مهملين بذلك المصدر الأول للإصلاح بداعي العصبية المذهبية.
فكما اعتنيتم برجالات الإصلاح من المسلمين وغيرهم كان من الواجب عليكم كمسلمين أن تشربوا من المصدر الذي تفجرت منه عيون الإصلاح، وهو الإمام الحسين بن علي(ع).
وإننا لم ندرك هذا الهدف العظيم من أهداف ثورة الحسين عن طريق الإيحاء والإستنتاج، وإنما أدركناه عن طريق التصريح الواضح الذي صرح به الإمام الحسين(ع) عندما كان يُسأل عن سبب خروجه فكان جوابه ذا ناحيتين:
الناحية الأولى: وهي بيان الهدف الذي دفعه للخروج.
الناحية الثانية: وهي الرد على من افترى عليه عندما اتهموه بأنه يطلب الزعامة.
لقد أطلق الإمام(ع) كلمته المشهورة التي بين من خلالها هدفه من الثورة حيث قال”إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(ص)”
وقد دل الشطر الأول من كلامه على الناحية الثانية، وهي رد التهم التي وجّهت إليه، ودلّ الشطر الثاني على الهدف الأساسي من خروجه للمواجهة، وهو طلب الإصلاح.
وقد كانت هذه الكلمات هي الرد المناسب على كل ضال ومضل، وقد كان(ع) مدركاً لما سوف يقال فيه، فأراد أن يختصر المسافات ويوفر علينا مشقات الإثبات فوضع هذه القاعدة لنضعها نصب أعين الظالمين والمستفسرين عن الحق، ولا يوجد أوضح من هذا الدليل الصادر من صاحب الثورة.
وإننا مهما اجتهدنا في البيان فلن يكون كلامناً حاسماً ككلام صاحب العلاقة.
الدين أمانة في أعناق الجميع
لقد أودع الله نفوسنا أمانة عظيمة وأمرنا بالحفاظ عليها بكل وسيلة ممكنة، تلك الأمانة أغلى من أرواحنا لأنها سبب وجودنا ومصدر كل نعمة فينا فهي النعمة الكبرى التي سوف يسألنا الله عنها قبل أي شيء آخر وهي الدين.
فيجب على مسلم في هذا الوجود أن يحفظ الإسلام من كل خطر وضرر لأنه الصلة القوية بيننا وبين الله سبحانه وتعالى.
وقد حافظ الإمام الحسين(ع) على تلك الأمانة الثقيلة التي لا يجوز لأي مسلم أن يفرط بأثر واحد من آثارها.
لقد فهم الحسين دين الله أكثر من غيره، ولأجل ذلك تميزت تضحياته في سبيله.
وما قام به الإمام الحسين تجاه تلك الأمانة كان من الواجب على كل المسلمين أن يفعلوا مثله، لا أن يكونوا يداً على الإسلام كما كان حال الأمة في ذلك العهد.
فلو كان رسول الله(ص) موجوداً في زمن الحسين لقام بنفس الدور الذي لعبه الحسين(ع)، وما قام به هذا الإمام المعظم كان من واجب الأمة أن تنهض به لأنه من أجلها.
الهدف الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لم يكن هذا الهدف بأقل شأناً من سابقه، فهو من الواجبات التي فرضها الله عز وجل على عباده، وذلك لتوقف كثير من مصالح الأمة عليه.
والثورة الكربلائية أبرز عنوان من عناوين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن المصلحة من هذا الواجب قد تحققت مئة بالمئة من خلالها.
وقد ترجم الإمام الحسين(ع) بثورته أرقى مراتب الأمر بالمعروف، وهو الأمر عن طريق اليد والفعل.
ويشتمل هذا الواجب على معانٍ سامية تنبئ عن مدى الغيرة في قلب المؤمن على هذا الدين، كما وتنبئ عن حرصه عليه، لأن كثيراً من مفاهيم الدين ومبادئه وأركانه يتوقف استمرارها على مسألة الأمر والنهي.
وقد نجد كثيراً من المسلمين يتهاونون بهذا الواجب لظنهم بأن الإنسان حر في تصرفاته فلا داعي من ردعه عن المنكر لأنه مخير في هذه الحياة، وهذا مفهوم خاطئ قد زرعه بعض الجهلة في نفوس الناس، فلو كان مفهوم المر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يتوهمون لما كان هناك من داعٍ للأنبياء من التبليغ والدعوة وتوجيه الناس إلى الصلاح.
الهدف الثالث: الكشف عن هوية الحاكم الجائر
لقد كان يزيد بن معاوية ضالاً ومضلاً وقد ورث المكر والخداع عن أسلافه فأوهم البسطاء من المسلمين بأنه الخليفة المنصوب حقاً، وأنه هو الإمام الذي تجب طاعته.
وبعد أن سيطر على أوهام الناس راح يتدخل في الشؤون الإسلامية العقائدية منها والعبادية فأحل من الأفعال ما يحلو له وحرّم من الأمور ما لا نفع له فيه فجيّر كل المفاهيم الإسلامية إلى مصالحه الخاصة فراح يرتكب الظلم والجور والعصيان باسم هذا الدين الحنيف والبريء من ممارساته الشنيعة.
لقد أخذ الناس ينظرون إلى الإسلام من خلال هذا الرجل الفاسد الذي لا يمثل سوى نفسه الأمارة بالسوء والخاضعة لوساوس الشيطان الرجيم، فلعب في النظام الإسلامي وخربه وحرّفه وأحدث فيه من الخلل ما يصعب إصلاحه لأن خطته العدائية للإسلام وأهله كانت محكة ومدروسة من قبله هو ومن يعاونه من الأشرار الذين قامت معيشتهم على نفس الأركان التي قامت عليها معيشة يزيد.
ما هو السبيل للخلاص؟ وما هي الطريقة الفعالة للقضاء على الجور؟ ومن هو الحكيم الذي يستطيع أن يكشف جور الحاكم؟ ومن هو صاحب الجرأة والإرادة الذي يستطيع أن يقف في وجه هذا التيار الجارف؟
إنه بن بنت رسول الله الحسين بن علي(ع) فهو الأمل للأمة بإنقاذها من جور السلاطين وحفظ الدين من الشوائب التي أدخلوها فيه.
وما هي الطريقة لذلك؟ إنها الثورة، ولأجل ذلك ثار الحسين ضد يزيد وأعوانه واستطاع أن يحقق من خلالها هذا الهدف الراقي الذي عاد بالمنفعة على الأمة بأكملها في الماضي والحاضر، والذي سوف يبقى نفعه مستمراً إلى يوم القيامة.
لقد استطاع الإمام الحسين(ع) أن يكشف نوايا يزيد تجاه الدين والأمة، وذلك من خلال الجرائم البشعة التي ارتكبها في حق الإسلام وكان من أبرزها تلك الجريمة في كربلاء والتي أحدثت صحوة في قلوب الجميع وكانت مفتاح السعادة لهم في الدنيا والآخرة.
الهدف الرابع: زرع الجرأة في نفوس المسلمين
لم يكن أحد من رؤساء القبائل والعشائر وأصحاب النفوذ ورؤوس الأموال يفكر في مواجهة الوضع الحرج الذي كانت تشهده الأمة الإسلامية في عهد يزيد بن معاوية.
لقد كان الخوف مسيطراً عليهم، وحب الدنيا معشعش في قلوبهم، فلم يكن أحدهم يفكر بالبذل في سبيل الأمة وإن كان البذل قليلاً لأنهم كان يخافون سوء العاقبة من قبل يزيد وأعوانه.
لم يكن للجرأة مكان في قلوبهم رغم اشتهار العرب بالشهامة وحب النضال، ولكنهم في تلك الظروف أمات الخوف مشاعرهم واستفحل الشيطان في إغوائهم لأنهم ابتعدوا عن الدين واتبعوا الضالين المضلين بهدف الحفاظ على حياتهم، مع أن هذا الإتباع كان الموت بعينه حيث أمات فيهم النفوس الأبية وحطّم مشاعرهم الإنسانية، وسلب منهم العادات الكريمة التي ورثوها عن الأجداد.
لقد كانوا بحاجة إلى رجل صاحب قلب شجاع يزرع فيهم الجرأة من جديد ويشجعهم على مواجهة الحكام الفاسدين، وهذا ما حدث بالفعل حيث تحلى المسلمون عقب استشهاد الإمام الحسين(ع) بالجرأة فوقفوا في وجه يزيد وابن زياد وحاربوهما بكل جرأة وبسالة.
وقد كان هذا من الأهداف المهمة التي كان الناس بأمس الحاجة إليها في ذلك الزمان على وجه الخصوص، ولم تزل الحاجة إليه قائمة حتى يومنا هذا، وذلك بفضل الثورة الحسينية العظيمة.
الهدف الخامس: ضرورة العمل الكاشف عن الإيمان
لا يكتمل الإيمان إلا بالتطبيق العملي له، فإذا ادعى الرجل بأنه مؤمن ولم يلتزم بما يفرضه عليه إيمانه فلا يكون إنساناً مؤمناً، وإنما صاحب ادعاء فارغ.
وقد أمرنا الله عز وجل مراراً بالعمل الصالح الذي ينبئ عن الإيمان الصحيح حيث يقول(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)
وقد حرك الإمام الحسين بثورته جميع المسلمين إلى الإلتزام بالعمل الذي به يحفظ الدين حيث كان أكثر المسلمين بعيدين كل البعد عن المنطق العملي تجاه الإيمان فاكتفوا ببعض الأعمال التي لا تقبل إلا بباقي الواجبات الكبرى.
إن الإيمان المجرد عن العمل لا يخيف أهل الضلال لأن الذي يرعبهم هو الترجمة العملية، وهم يعرفون أثر تلك الترجمة حيث بها تهتز عروشهم وتتزلزل أركانهم.
أنظروا إلى الإمام الحسين(ع) كيف زعزع كيان الظالمين من خلال الإلتزام بالعمل الذي فرضه الله تعالى على كل مسلم في هذا الوجود.
وقد أرشدهم بثورته إلى كون الإيمان في كثير من الموارد يستلزم منا العمل الجدي.
الهدف السادس: الكشف عن عظمة الإسلام من خلال حجم التضحية في سبيله.
لقد لفت الإمام الحسين(ع) أنظار العالم إلى عظمة هذا الدين الحنيف من خلال حجم التضحية التي قدمها في سبيله ليقول للجميع: إن هذا الدين هو أغلى أمر في هذا الوجود، فهو أغلى من المال والولد والنفس وجميع زخارف الحياة.
ولو لم يكن الدين كذلك لما قدّم روحه وأرواح أولاده وأخوته وأصحابه في سبيل المحافظة عليه.
ولم يكن الأمر مجرد بيان عظمته، وإنما كان ذلك متضمناً لدعوة كبرى، وهي الحث على التضحية في سبيله مهما كانت كبيرة لأن الدين أكبر منها بمراتب.
الهدف السابع: تأسيس مدرسة للأجيال.
ولا يشك عاقل بوجود مثل هذا الهدف ضمن أهداف الثورة الحسينية التي كانت بالدرجة الأولى مدرسة عظيمة لكل زمن وجيل، وقد تخرج من تلك المدرسة ملايين الملايين من المؤمنين الأبطال عبر القرون الماضية.
لقد كانت مدرسة للحياة، أي أنها وضعت أسس الحياة العزيزة والعيش الكريم، كما كانت مدرسة تعلم الناس أساليب النجاة في يوم الحساب، فهي مدرسة للدنيا والآخرة في آن واحد، وما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا.
الهدف الثامن: إحداث صحوة إجتماعية.
وقد حققت الثورة هذا الهدف لأنها كانت أكبر عامل من عوامل الصحوة، صحوة العقل والنفس والروح والضمير.
أهداف يزيد بن معاوية من معركة كربلاء
كما كان لطرف الحق في تلك المعركة أهداف سامية فكذلك كان لطرف الباطل أهداف في مقابلها.
وكما عجزنا عن حصر أهداف الإمام(ع) فكذلك وقعنا في العجز حول حصر أهداف يزيد لأنه مما لا شك فيه هو أنه أخفى بعض الأهداف التي من شأنها أن تؤلب الوضع العام عليه، ولكننا نذكر أهم تلك الأهداف لندرك حجم البغاء الذي كان يتعامل به مع أفراد رعيته.
الهدف الأول: التشفي والإنتقام.
لقد ظهر هذا الهدف جلياً أثناء المعركة وبعدها، ففي المعركة ظهر على ألسنة أعوان يزيد، وبعدها ظهر عند وصول ركب السبايا إلى قصره.
ففي أثناء المعركة صاح كثير من أفراد جيش يزيد:إنما نقتلك بغضاً منا لأبيك وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين.
وفي القصر الملعون أصحابه قال يزيد عند وصول السبايا: لقد قضيت من النبي ديوني:
وقد حاول بعض الناس أن يحصر أهداف يزيد في هذا الأمر، ولكننا إذا دققنا قليلاً نجد بأن هذا الأمر مجرد تمويه للأهداف الأخرى من وراء ارتكاب تلك الجريمة.
ومن شيم يزيد وأخلاقه أن ينتقم من أهل الحق بسبب أو بغير سبب لأنه سفاح وسفاك للماء البريئة.
الهدف الثاني:السيطرة على الوضع.
لقد رأى يزيد بأن الإمام الحسين يشكل خطراً كبيراً على حكومته الظالمة لأنه البقية لرسول الله الذي يذكر المسلمين بأصالتهم.
فلم يقبل بأن يكون في الوجود زعيم إسلامي يمتلك قلوب الناس ويسيطر على نفوسهم ويحركهم نحو الخير بجميع أشكاله، فرأى يزيد بأن الطريقة الوحيدة للسيطرة على الوضع هو قتل الإمام الحسين الذي ظن يزيد بأن قتله سوف ينهي المشكلة، مع أن قتله للحسين كان بداية المشكلة التي انتهت بهزيمته وقتله شر قتلة.
الهدف الثالث:زرع الخوف في نفوس الأحرار.
أراد يزيد أن يلقن الجميع درساً من خلال قتل القائد العظيم فقتله ليزرع الخوف في نفوس الجميع فلا يفكر أحدهم بعد ذلك بالمواجهة لأن الثمن سوف يكون غالياً.
فأراد يزيد كيداً فجعله الله من الخاسرين ولم يحقق له تلك الأمنية، لأنه بدل أن يزرع الخوف في الناس بتلك الجريمة إنعكست المعادلات وزرع في نفوسهم جرأة كانت السبب في قتله.
وقد كان يهدف إلى أمور كثيرة فدفن الله ذكره وأهدافه حيث دُفنت في مزبلة التاريخ.
أما الإمام الحسين(ع) فقد أحيا الله ذكره ونهجه وأنار به الوجود والتاريخ وجعله رمزاً للتضحية ومثلاً أعلى للوفاء.
الشيخ علي فقيه