
قِصَّةُ هَاشِم وَأُمَيَّة
أدرجتُ هذه القصة ضمن قصص أهل البيت(ع) لاتصالهم المباشر بجدهم هاشم، ولا بدّ من الإشارة إليها حيث وُجّهت أيدي الشر على تحريف بعض الوقائع فيها وذلك من باب الإنتقاص بشأن الهاشميين والحسد لهم، ومن شأن هذه القصة أن تُظهر لنا شيئاً عن حقيقة الشجرة المباركة والشجرة الملعونة.
وقد شابَهت قصة هاشم وأمية قصةَ قابيل وهابيل التي انتهت بقتل شخص واحد، أما هذه القصة فلم تنتهي إلا بقتل أمة بكاملها، وما زالت تلك الآثار الخبيثة التي زرعها أمية في نفوس أبنائه موجودة حتى يومنا الحاضر.
فهاشم العظيم ليس توأم أمية كما أشيع في الإسرائيليات، بل هو قريبُه، فكيف يكون أخاه وهاشم بن عبد مناف، وأمية بن عبد شمس.
لقد كان هاشم رجلاً عظيماً في قلبه وفعله وحبّه لفعل الخير، وكان المسؤول عن الكعبة وخادم الحجيج وسيد قريش، وله الرفادة والسقاية، وكانت الناس تلجأ إليه عند الشدة، وكان أمره مطاعاً فيهم، ولم يجُع حاجٌّ في عهده، وكان يقدّم لهم الثريد، وهو من أفخر الأطعمة آنذاك، وكان أميّة يحسده على حب الناس له، وكان يعمل دائماً على تشويه صورته وسحْب البساط من تحت قدميه حتى يستولي على منصبه.
ولم يكن هاشم طالب سلطة، بل كان همّه الحفاظ على مكانة وسمعة البيت الحرام، وكان على دين جده إبراهيم(ع)، وكان يتخلّق بأخلاقه، وكان ذا مالٍ وفير، وقد أنفق كل ما يملك في خدمة البيت الحرام لعلمه بقدسيته.
أما أمية فقد كان وثنياً ورجلاً حاقداً وبخيلاً وطامعاً في السلطة، وقد حاول مراراً أن يفرض نفسه على المكيين فلم ينجح في ذلك حيث لم تتوفر فيه صفات القائد الحكيم.
ولطالما راح يُشوّه بسمعة هاشم فلم يصدّقه أحد لأن الأمر بيّن، والفرق بين الخير والشر واضح.
وفي بعض مواسم الحج تعرّضت مكة لقحط شديد وقد جاع أهلها، وقد اقترب موسم الحج، وكان الحجاج الوافدون إلى مكة لا يصطحبون معهم طعاماً ولا شراباً حيث تعوّدوا أن يجدوا ذلك وفيراً في بيت هاشم الذي شعر بحرج شديد في تلك السنة وخاف أن تنقطع الناس عن زيارة البيت، ولم يكن الطعام متوفراً في محيط مكة فحمل كل ماله وسافر إلى الشام.
وقد علم أمية بخروج هاشم من مكة فاستغل فرصة غيابه وراح هو وحاشيته يبثون بين الناس دعايات كاذبة حول هاشم من أنه هرب من مكة لعجزه عن إطعام الحجيج هذا العام، فقليلٌ من ضعاف العقول مشوا تلك الدعاية، وكثيرٌ منهم كذّبوها لعلمهم بنفسية هاشم الذي لا يهرب من المسؤولية مهما كانت ظروفه حرجة.
وفي تلك الأثناء فرض أمية نفسه زعيماً لقريش عن طريق القوة والأذية والخداع، ولكن فرحته لم تدُم طويلاً فما هي إلا أيام وأطلت قافلة كبيرة على مشارف مكة تحمل الأطعمة والمؤمن وجميع لوازم الحجاج، فأمعنوا النظر فيها فإذا هي قافلة هاشم الذي سافر إلى الشام ليُحضر منها الطعام للحجاج كيلا يتعطّل الحج، وهناك كانت الصدمة الكبيرة لأمية الذي ظنّ بأنه وصل إلى مراده وحقّق أهدافه، وهناك بدأ الحقد على هاشم يزداد، وبدأ أمية في التخطيط لتوجيه ضربة تقضي على هاشم وتُبعده عن ساحة مكة فراح يوجّه الإتهامات الكاذبة حتى جرت بينهما محاكمة اقتضت بخروج أمية من مكة صاغراً بعد منافرة بينهما فوجب على أمية أن يعطي هاشماً خمسين ناقة وأن يخرج من مكة لعشر سنوات، وهذا ما أجّج نار الحقد في قلبه تجاه هاشم، وهذا ما ورّثه أمية لأولاده(الحقد والكراهية) وقيل بأنه أسمى ولده حرباً كيلا ينسوا الحقد بينهما.
وقد ذبح هاشم تلك النياق ووزع لحمها على أهل مكة، ولم يكن هاشم يريد تلك المنافرة من الأساس نظراً لسنّه وقدره، ولكن أهل مكة فرضوا عليهم ذلك حسب ما تقتضي العادات والتقاليد.
أما أصل الخلاف بين بني هاشم وبني أمية فلم يكن عائلياً كما يتوهم البعض، فالصورة الخارجية كانت توحي بذلك، وإنما كان خلافاً بين الحق المتمثل بهاشم وبنيه، والباطل المتمثل بأمة وأولاده.



