منوعات تاريخية

عودةُ مَوكِب السبايا إلى كربلاء

رحلة سيد الشهداء(ع) من المدينة إلى كربلاء

 

 

عودةُ مَوكِب السبايا إلى كربلاء

 

في طريق العودة من الشام إلى المدينة طلب الإمام زين العابدين(ع) من الأدلاء أن يعرّجوا بهم نحو كربلاء، إذ لا يعقل أن يرجعوا إلى مدينة جدهم من دون أن يزوروا ذلك المكان الذي حدثت فيه الفاجعة الكبرى والمصيبة العظمى.

لقد كان من الضروري أن يزوروا كربلاء ليعبروا عن مشاعرهم الإنسانية بحرية بعد أن منعه جيش يزيد من الإقتراب نحو الجثث الطواهر عصر يوم المجزرة.

فتوجه الموكب نحو هذا المكان الذي اقترن بالدمعة والحزن والأسى منذ اليوم الذي استشهد فيه أبو عبد الله الحسين(ع).

 

الوصول إلى أرض كربلاء

 

قلنا في الجزء السابق إن السبايا وزين العابدين(ع) كانوا كلما ابتعدوا عن كربلاء باتجاه الشام خطوة كلما ازداد حزنهم بسبب بعدهم عن الأجساد الطاهرة، ونفس هذه المعادلة تجري أثناء عودتهم إلى أرض الكرب والمصائب فلقد كانت قلوبهم تقطر حزناً كلما دنوا من ذلك المكان الذي يذكرهم بالأهل والأحبة والحماة الذين قُطّعت أجسادهم فيه.

ولكي نستطيع تقريب المعنى إلى الأذهان فلنتصور بأننا نحن هم، فكيف سيكون شعورنا عند الإقتراب من المكان الذي فقدنا فيه أهلنا وأحبتنا.

إن وصف هذه الحالة لا يمكن أن يتم إلا من خلال التصور لأن كل الأقلام لا تستطيع كتابة تلك المشاعر النابعة من الحزن على أفراد مثلّوا الأمة كلها، ودفعوا أرواحهم ثمناً لبقائها قوية وعزيزة ومستمرة.

لقد كان السير نحو كربلاء سريعاً من أجل لقاء الأحبة وضم الرؤوس المباركة إلى أبدانهم الشريفة.

وبعد مسير طويل قطعوا به الصحاري والأودية والجبال والمدن والبلدان أشرفوا على ذلك الموقع وقد تجدد الحزن وكأنهم فقدوا الأحبة لتوهم.

لقد كان اللقاء مؤثراً حيث تعانقت هناك أرواح الأحياء بأرواح الشهداء إذ يستحيل عليهم أن يعانقوا الجسد الذي غيّبه التراب.

 

جابر بن عبد الله

 

وصل ركب السبايا إلى مدينة كربلاء في أواسط شهر صفر، فوجدوا في مكان المصرع الصحابي الجليل(جابر بن عبد الله الأنصاري) ومعه جماعة من بني هاشم قدموا لزيارة قبر الإمام الحسين(ع) وقبور أهل بيته وأصحابه، وقد كان جابر أول زائر لقبر الحسين بعد استشهاده.

لقد التقى الطرفان وهم يبكون وينتحبون حزناً على أبي عبد الله(ع) وأقاموا المأتم الأول من مآتم كربلاء، وقد اجتمع في ذلك المكان أهل ذلك السواد الذين شاركوا زين العابدين وبنات رسول الله(ص) مصابهم الأليم، وقد بقوا في كربلاء ثلاثة أيام كانت من أكثر الأيام ألماً وحزناً وبكاءاً.

 

من هو جابر الأنصاري

 

هو أحد أكبر الصحابة الذين لازموا رسول الله(ص) وكانوا عوناً له في جميع مراحل حياته الرسالية.

وهو من المملوئين فهماً وعلماً ومخافة من الله تعالى وحباً للرسول وآله الأطهار(ع).

 

ماذا صنع جابر ابن عبد الله الأنصاري في كربلاء

 

عندما وصل جابر إلى كربلاء أتى شاطئ الفرات واغتسل ثم ائتزر بإزار وارتدى بآخر، ثم توجه نحو القبر الشريف وهو يذكر الله تعالى بكل خطوة، وهو يريد بذلك أن يشير إلى عظمة ساكنه حيث كان يسمع رسول الله(ص) مراراً يدعو إلى نصرة الحسين لأنه باب السعادة ومصباح الهدى.

ولمّا وصل إلى القبر الشريف خرّ مغشياً عليه من شدة الحزن على أبي عبد الله الحسين(ع) فقدم إليه أحد الأصحاب ورشّ عليه الماء حتى أفاق من تلك الغيبوبة القصيرة، وعندما رجعت نفسه صاح قائلاً يا حسين، يا حسين، يا حسين، حبيب لا يجيب حبيبه، ثم قال: وأنّى لك بالجواب وقد شُخبت أوداجك على أثباجك، وفُرِّق بين بدنك ورأسك، أشهد أنك ابن خير النبيين، وابن سيد المؤمنين، وابن حليف التقوى وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيد النقباء، وابن فاطمة سيدة النساء، وما لك لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين، ورُبيت في حجر المتقين، ورضعت من ثدي الإيمان، وفطمت في الإسلام، فطبت حياً وطبت ميتاً، غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك، ولا شاكة في حياتك، فعليك سلام الله ورضوانه وتحياته.

ثم أقبل جابر على قبور الأصحاب الكرام وقال: السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين، وأناخت برحله، أشهد أنكم أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم الملحدين، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين.

ثم قال: والذي بعث محمداً بالحق قد شاركناكم فيما دخلتم فيه، فقال له عطية العوفي: فكيف ذلك يا جابر ولم نهبط مع القوم وادياً ولم نعل جبلاً ولم نضرب بسيف ولم نطعن برمح والقوم قد فُرّق بين أبدانهم ورؤوسهم، وأؤتمت الأولاد وأرملت الأزواج؟ فقال جابر: يا عطية.. سمعت حبيبي رسول الله(ص) يقول: من أحب قوماً حشره الله معهم:

وبينما هم كذلك وإذا بسواد قد طلع عليهم من جهة الشام، فقال جابر لعطية: إنطلق إلى هذا السواد وآتنا بخبره، فإن كان ابن سعد وأصحابه فارجع إلينا حتى نتحول عن القبر ونلجأ إلى ملجأ يمنعنا من الأعداء، وإن كان زين العابدين فأنت حر لوجه الله تعالى، فانطلق عطية نحو ذلك السواد ثم رجع بعد قليل وهو يقول: يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله، هذا زين العابدين قد جاء بعماته وأخواته.

ثم انطلق جابر مسرعاً لاستقبال الموكب المبارك، ولما رآه الإمام زين العابدين(ع) قال له: أنت جابر؟ قال نعم يابن رسول الله.

 

كلام يدمي الفؤاد

 

عندما التقى الإمام زين العابدين(ع) بجابر بن عبد الله وجد من يشكو إليه خزنه من الناس، وقد حملت شكواه بياناً لما حدث مع الحسين وأهل بيته وأصحابه في هذا المكان، فقال(ع) هاهنا والله قتلت رجالنا، وذبحت أطفالنا، وسبيت نساؤنا، وحرقت خيامنا.

 

زينب(ع) تنظر إلى القبر الشريف لأول مرة

 

مهما حاول الخطيب أو المحاضر أو الكاتب أن يصوروا الحالة التى اعترت زينب(ع) عندما وقفت أمام قبر أخيها الحسين.

لقد كان حالها حاكياً عن حجم حزنها، وكان الناس يبكون لبكائها ويحزنون لحالها.

وأنا الآن أخاطب كل من فقد حبيباً لأقول له إن شعور زينب تجاه فقيدها الأكبر لم يكن بأقل من حزنك على ولدك أو والدك أو أحد ممن تحب، وإنما كان حزنها أكبر من حزنك لأن الظروف التي فقدت فيها أحبتها زادتها حزناً فوق حزنها.

وإن أعظم ما أصف به حالة زينب(ع) في هذا المقام هو قولي: إنني لا أستطيع بيان حالها وحزنها وألمها عبر الكلمات.

 

الخروج الثاني من كربلاء

 

بعد مكوث في كربلاء استغرق ثلاثة أيام قرر الإمام زين العابدين(ع) الرجوع إلى المدينة المنورة من أجل متابعة المسيرة في الطريق التي خطها الإمام الحسين(ع) بدمه الشريف.

لقد كان خروجهم من كربلاء هذه المرة مشابهاً لخروجهم منها إلى الكوفة، ولكن هناك فارقاً صغيراً بينهما، فلقد خرجوا أول مرة والجثث الطواهر مطروحة على وجه الأرض، أما خروجهم الثاني فقد حصل وتلك الجثث تحت التراب.

لقد خرجت من كربلاء أجسامهم، ولكن قلوبهم ومشاعرهم بقيت مستقرة بجنب القبر الشريف.

الشيخ علي فقيه

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى