الإمام زين العابدين(ع) يدفن الجثامين المباركة
رحلة سيد الشهداء(ع) من المدينة إلى كربلاء

الإمام زين العابدين(ع) يدفن الجثامين المباركة
لقد واكبت المشيئة الإلهية موكب الحق لحظة بلحظة وخطوة بخطوة كيلا تسير الأمور بشكل غير صحيح.
فليس من الحكمة أن تضيع آثار تلك الجثث التي أصبحت قبورها مقصداً للمؤمنين من كل بقاع الأرض.
لقد نزل الإمام السجاد(ع) من على فرسه وأمر بني أسد بحفر قبور كثيرة لدفن تلك الجثث كلها فأعانوه على ذلك وترك جثة الإمام الحسين(ع) إلى الأخير.
وكان بنوا أسد قبل مجيء الإمام السجاد قد عجزوا عن تحريك جسد الإمام الحسين(ع) فأيقنوا أن في الأمر سراً وحكمة، وقد عرفوا هذا السر بعد قدوم الإمام(ع) الذي أخبرهم عن تلك المجزرة ودلهم على أصحاب تلك الأجساد حيث لم يكن لبني أسد ولا لغيرهم أن يميزوا بين جثة وأخرى لأنها كانت أجساداً بلا رؤوس.
جثامين تفوح منها روائح المسك
ماذا نقول في أجساد مقطعة بقيت مطروحة على وجه الثرى ثلاثة أيام تحت أشعة الشمس المحرقة، كيف يمكن أن تكون رائحة تلك الجثث التي لو كانت لغير الحسين وأصحابه لأصبحت جيفة يحظر الإقتراب منها.
إن بني أسد قد جالوا على جميع تلك الجثث ولم يشموا منها سوى الروائح الطيبة وكأن أحداً قد عطّرها بالمسك والعنبر، وتلك كرامة من الله سبحانه وتعالى.
دفن جسد الإمام الحسين(ع)
بعد أن أنهى الإمام زين العابدين(ع) دفن أجساد الشهداء من أهل البيت والأصحاب أتى إلى جسد أبيه الحسين(ع) فجاء إليه بنوا أسد ليساعدوه في دفنه فمنعهم من ذلك وقال لهم: إن معي من يعينني: أي معي الله ورسوله، فوضع(ع) يده تحت ظهره الشريف وقال: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، هذا ما وعد الله ورسوله، وصدق الله ورسوله: ثم قال: طوبى لأرض فيها دفنت يا أبا عبد الله،أودعتك الله من شهيد قتيل محتسب، أما الدنيا بعدك فمظلمة، وأما الآخرة بنورك مشرقة، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، حتى يختار الله لي دارك التي أنت فيها، ثم ألحد الجسد الشريف وأهال عليه التراب، ثم كتب على القبر: هذا قبر الحسين المظلوم.
التمييز بين أصحاب الجثامين
لم يكن لأحد من الناس القدرة على التمييز بين جسد وآخر حيث كانت عبارة عن أشلاء متناثرة فاقدة للرؤوس.
ولكن العلم الذي أودعه الله تعالى في صدور أهل البيت كانوا يقدرون به على معرفة ما لا يعرفه الناس.
فلو دفنت الجثث على يد غير زين العابدين(ع) لضاعت آثارها وأخبارها، ولكنه(ع) كتب اسم كل شهيد على قبره كما هو عليه الحال في هذا اليوم.
ولعله(ع) دفن كل جثة في مكان استشهاد صاحبها.
وهذا هو سبب التباعد بين قبر وقبر.
كرامة من كرامات أهل البيت(ع)
لقد استغرق مسير موكب الإمام السجاد والسبايا إلى الشام من اثنين وعشرين يوماً، ولقد كان الإمام زين العابدين من جملة ركاب هذا الموكب، وقد دفن الجثث بعد يومين من مغادرته لكربلاء، فكيف حدث ذلك وما هو السر في هذا الأمر؟
فلو كان ذهابه وإيابه بالطائرة لما استطاع العودة إل كربلاء في أقل من يومين.
لا يوجد لهذا الأمر تفسير سوى الكرامة التي أجراها الله تعالى على يد الإمام زين العابدين من أجل أن يتم أمره في شأن الإمام الحسين(ع).
ولا يمكن لأحد أن ينكر كون الإمام السجاد هو الذي دفن الجثث في كربلاء.
ولا نستغرب حدوث كرامة لأشخاص أودع الله فيهم أسراره وعله وحكمته.
أما سؤالنا، كيف حصل ذلك وما هي الطرق التي استعملها الإمام في تركه للموكب دون أن يشعر به أحد، وفي وصوله إلى كربلاء في ذلك الوقت القصير، مع أنه كان مريضاً ومقعداً من شدة المرض.
ولكي تستريح نفوسنا وتطمئن قلوبنا تجاه هذا الحدث لزمنا العمل بمقتضى القاعدة القائلة: أسكتوا عمّا سكت الله عنه:
جراحات الإمام الحسين(ع)
إنّ جسد الإمام الحسين يحكي لنا مدى الظلم إذ لم يسلم من جسده الشريف أي موضع بل كانت الضربة تقع على الضربة والطعنة تنزل على الطعنة ..هذا أثناء المعركة وقبل الإستشهاد أما ما حصل بعد استشهاده فلم يكن أقل ظلماً وفتكاً من فتكهم به قبل ذبحه وقطعِ رأسه الشريف، فالذي يواجه آلافاً مؤلَّفة من الفرسان لا شك بأن الجراحات التي سوف تصيبه سوف تُعدُّ بالمئات، وهذا ما كان من شأن إمامنا المظلوم(ع) الذي عدت جراحاته بالمئات، ولذا ينقل صاحب كتاب المناقب حديثاً عن الإمام الباقر(ع) يقول فيه:أصيب الحسين ووُجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنةً برمح أو ضربة بسيف أو رميةً بسهم: وفي رواية أخرى عن الصادق(ع) وُجد بالحسين(ع) ثلاث وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة: طبعاً لم يُذكَر في هذا الحديث عدد الرميات والرشقات بالنبال والحجارة وغير ذلك لأن الثابت هو أن عدد الجراحات التي تحمّلها جسد الحسين كانت أكثر من ذلك، ولذا يقول المسعودي في مروج الذهب وابن الأثير في الكامل: إن في جسده أثر ثلاث وثلاثين طعنة وأربع وثلاثين ضربة غير أثر السهام، وهذا الكلام يوافق ما ورد في الحديث عن الصادق(ع) وقد ورد في كتاب روضة الواعظين أن جميع تلك الضربات والطعنات كانت موجودة في مقدمة جسد الحسين الذي لم يعط ظهره للأعداء قط.
هذا كله غير أثر حوافر الخيول التي وطئت جسده الشريف وطحنت عظامه، حيث أمر بن سعد عشرة من جنوده بأن يدوسوا جسد الحسين بخيولهم ففعلوا ذلك.
الذين داسوا عظام صدر الإمام بحوافر خيولهم
لقد أحصى المؤرخون أسماء الذين داسوا جسد الحسين وقد حُقِّق في تواريخهم فتبيّن بأن الجميع أبناء عاهرات فاجرات زانيات، وهؤلاء العشرة الذين داسوا جسد الحسين بحوافر الخيول هم: إسحاق بن حَيوَة الحضرمي الذي سلب قميص الحسين، وأحبش بن مُرثِد الذي سلب عمامة الحسين، والحكيم بن الطفيل الذي قتل أبا الفضل العباس، وعمرو بن صبيح الصيداوي، ورجاء بن المنقذ العبدي، وسالم بن خيثمة، وصالح بن وهب، وواخط بن ناعم، هانئ بن شبيب، وأُسيد بن مالك.
وبعد أن نفّذ هؤلاء المجرمون جريمتهم النكراء ذهبوا إلى ابن زياد فقال أسيد بن مالك: نحن رضضنا الصدر بعد الظهرِ بكل يَعبوبٍ شديد الأسر، فقال ابن زياد من أنتم؟ فقالوا نحن الذين وطأنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا جناجر صدره وجناجن ظهره فأمر لهم بجائزة صغيرة، ويظهر من كلامهم أنهم لم يعبروا بخيولهم على جسد الحسين مرة واحدة بل أكثر من مرة لأنهم وطأوه مرة وهو على ظهره ومرة وهو على صدره، وهؤلاء العشرة الذين حصلوا على جائزة الأمير كان لهم جائزة أخرى يستحقونها وهي أن المختار أحضرهم جميعاً فقيّد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد وأوطأ الخيل على ظهورهم حتى هلكوا، ويظهر لنا من بعض الروايات أن معاقبتهم لم تتم مرة واحدة بل كان يعاقب واحداً تلو الآخر.
ويذكر التاريخ بأن بعض الأغنياء اشتروا بعض نعال الخيول بأثمان غالية وعلّقوها على أبواب دورهم افتخاراً منهم بقتل الحسين وتقرباً منهم إلى يزيد، وربما علّق بعضهم حوافر الخيول وهو لا يعرف السبب كما في مصر والعراق، وبعضهم حتى الآن يعلق نعالاً على باب داره شماتة منه بالحسين وحباً ليزيد الحاقد، وأنا أقول إن الذين يصنعون ذلك هم ألعن من يزيد لأن يزيد فعل بالحسين ما فعل من أجل أن يحافظ على مركزه، أما هؤلاء الذين يعلقون النعال على أبواب دورهم شماتة هم أخبث من يزيد.
الشيخ علي فقيه