Site icon الشيخ علي فقيه

عِيْدُ الغَدِيْر

 

 

عِيْدُ الغَدِيْر

 

إنه عيد إكمال الدين وإتمام النعمة، وعيد الولاية والخلافة، وعيد الحق ضد الباطل، والخير في مقابل الشر، بل إنه خير عيد للمسلمين كما ورد عن رسول رب العالمين(ص) حيث عبّر عنه بأنه أفضل أعياد أمتي.

إنه العيد الأكبر، والحدث المميَّز الذي به اكتملت معالم ديننا الحنيف، وتمّت به نعمة ربنا علينا بعدما كنا في حَيرة من أمرنا، ماذا نصنع بعدك يا رسول الله؟ وإلى مَن نرجع بعد رحيلك؟ وقبل أن نطرح هذه الأسئلة علناً أوحى الله تعالى إلى رسوله الخاتم(ص) بأن يكشف تلك الحيرة عن قلوب المسلمين ويضع النقاط على الحروف ويبيّن ما يجب بيانه من دون تردد، وإذا بالوحي الإلهي يهبط على قلب الرسول حاملاً له من المولى عز وجل رسالة تحسم الموقف، وآية تزيح الشبهات، وكلمات أُعجب بها الكثيرون واشمئز منها الأكثرون الذين طمعوا بدنيا الإسلام دون آخرته.

تلك الرسالة الإلهية كانت الآية السابعة والستين من سورة المائدة وهي قوله سبحانه(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)

لقد حسمت هذه الآية أمراً إلهياً، ولكنها لم تحل المشكلة التي اشتعلت نيرانها إثر نزول هذه الآية وإعلان الرسول(ص) عن الإرادة الإلهية القاضية بتنصيب علي(ع) خليفة له، فلقد عملت الأطماع عملها وأحرقت نيران الحسد كل أخضر ويابس، وهناك أُعلنَتْ حرب جديدة على الإسلام غير التي واجهها في السنوات السابقة من بزوخ فجره النيِّر.

عن الإمام الصادق ، عن أبيه ، عن آبائه قال : قال رسول الله (ص) : يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي ، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لأمتي يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم على أمتي فيه النعمة ، ورضي لهم الإسلام دينا .

 

حَقِيْقَةُ هَذِهِ الرسَالَةِ الإِلهِية

 

لقد نزلت الآية المذكورة على قلب رسول الله(ص) في أواخر حياته الرسالية الأخيرة في آخر حجة له إلى بيت الله الحرام سُمّيت(حجة الوداع)

أما هذه الرسالة الإلهية فلا شك بأنها كانت موجودة في قلب الرسول من أول مبعثه الشريف، غير أن الأمر الإلهي بالإفصاح عنها نزل عليه(ص) وهو في منطقة غدير خم، ولقد حاول البعض أن يتلاعبوا في حقيقتها ويوهموا الناس بأن الله تعالى أمر رسوله بأن يبلّغ الناس رسالة السماء، ولكن هذا الكلام مردود على أصحابه من الأساس لأن هذا الأمر الإلهي قد نزل بعد أن اكتمل تبليغ الرسالة تقريباً ولم يبق من الآيات القرآنية عندها سوى القليل حيث عمل الرسول(ص) أكثر من عشرين سنة في التبليغ وغير التبليغ مما عاد نفعه على الإسلام والمسلمين.

وهنا يظهر جلياً أن المراد بالآية غير ما قصده أولئك، إن المراد منها هو تبليغ الناس الأمر الإلهي القاضي بتنصيب علي بن أبي طالب خليفة عليهم، وهذا هو السر في تردد النبي نوعاً ما بعد أن كان لا يتردد في شيء مهما كان القيام به صعباً أو خطيراً.

وبناءاً على ذلك يكون معنى الآية(والله أعلم) بلّغ الأمر الذي نزل عليك الآن من دون تردد أو خوف من أحد، والله يعلم ما في نوايا القوم، ولكن الله سوف يحميك ويخلصك منهم ومن ألسنتهم الحادة.

 

تَوَقفُ قَبُوْلِ أَعْمَالِ الرسُوْلِ(ص) عَلَى تَنْفِيْذِ هَذَا الأَمْر

 

لم يكن لسان الآية المذكورة لسان تهديد ووعيد حيث لم يتعاطى الله تعالى مع رسوله بهذه الطريقة، وإنما كان لسان تأكيد على ضرورة القيام به نظراً لأهميته في عملية تبليغ الرسالة واستمرارها، فلقد بلّغ الرسول رسالة ربه وقام بوظيفته على أحسن وجه وأتم صورة، ولكن يوجد هناك وظيفة أخرى مكمِّلة للوظيفة السابقة، وهي استخلاف من يتابع تلك المهمة التي يقتضي نجاحها الإستمرار والعمل الدؤوب، خصوصاً وأن الله تعالى يعلم ما في ضمائر القوم من نوايا حاقدة وأطماع رذيلة.

إن رسول الله(ص) لا يمتنع عن تنفيذ أمر الله تعالى، ولا يعني أن الله لن يقبل منه أعماله إذا لم يبلّغ الأمر، بل المعنى من ذلك هو أنه إذا لم تبلّغ الناس تلك الرسالة فسوف يذهب كل عملك سدى لأن ما قمت به يحتاج إلى من يحافظ عليه ويتابع نهجه، ولا يوجد أفضل ولا أعظم من علي(ع) لتولي هذه المهمة وحمل هذه المسؤولية التي كانت أعباء حملها كأعباء نشرها عبر أكثر من عقدين.

وقد لا يكون الرسول(ص) متردداً فهو صاحب الجرأة التي لا مثيل لها، وهو الذي واجه عتاة الأرض وجبابرة الوجود، وبناءاً عليه ربما يكون قوله تعالى(وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ورد من أجل تطمين الرسول الذي كان عازماً على تبليغ الرسالة مهما كان الثمن غالياً حيث تعوَّد هذا النبي العظيم على دفع الأثمان الباهظة في سبيل نشر الخير بين الناس وإفشاء السلام فيهم.

وقوله تعالى(وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) يكشف عن خطورة الموقف وحجم تلك المسؤولية الحرجة لأنه تعالى يعلم ما يدور في ضمائر الكثيرين الذين أعطوا رسولهم من طرف اللسان حلاوة ثم دسوا السموم فيها بعد التحاقه بالرفيق الأعلى.

 

العِيْدُ فِيْ المَفْهُوْمِ العَقَائِدِي العَام

 

لكل أمة معتقداتها الخاصة، فقد تكون معتقداتها موافقة لمعتقدات الأمم الأخرى كلياً أو جزئياً، وربما تكون مباينة لها تبايناً كلياً أو جزئياً.

وقد اكتُسبت العقائد بطرق مختلفة كان بعضها سليماً والبعض الآخر فاسداً.

ويمكن القول بأن فساد معتقداتهم قد نشأ عن طريق القصور ثم أصبح بعد ذلك تقصيراً أو عن طريق التقصير من الأساس.

وقد وُضع لصحة المعتقد أسس وموازين يجب أن يخضع لها قبل الحكم عليه بالصحة أو الفساد، ونعني بتلك الأسس الكتب السماوية كالقرآن الكريم الذي قال الله تعالى فيه(إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون)

ومن جملة تلك المعتقدات التي خضع الناس لها والتزموا بمبادئها(الأعياد) تلك التي حمل بعضها معان عميقة وأهدافاً سامية وحمل بعضها الآخر معان سطحية لا قيمة لها في أعراف العقلاء وموازين الأديان السماوية الصحيحة.

فقد يتصالح الناس فيما بينهم على يوم معين يجعلون منه عيداً لهم نتيجة لحدوث أمر عظيم فيه أو كان خالياً من الحدث العظيم، فإذا لم ينشأ العيد عن سبب وجيه فلا ينبغي الإعتقاد به، ولا يليق الإحتفال بحلوله، لأنه حينئذ يكون فاقداً للجوهر وخالياً من المعنى.

 

الأَعْيَادُ المَفْرُوْضَةُ مِنْ قِبَلِ الحُكام

 

هناك أعياد نشأت بقرارات من الحكام والملوك والرؤساء وإن لم تعن للناس شيئاً على الإطلاق غير أنّ هذا الحاكم أو ذاك يرى غير ما يرون فيجعل من هذا اليوم عيداً رسمياً لأن الأمور بيده فهو يفعل ما يحلو له كما حصل في بعض الدول العربية التي كان شعبها مستضعفاً حيث جعل رئيس بلدهم عيد ميلاده عيداً رسمياً في البلاد.

إن مثل هذه الأعياد التي لا تعني سوى شخص أو مجموعة قليلة من الناس لا قيمة لها في الموازين العقائدية والإنسانية.

 

الأَعْيَادُ الناشِئَةُ مِنَ الوَهْم

 

وهناك أعياد نشأت من خلال تصالح الناس على يوم معيّن لظنهم بأنه يوم عظيم وهو في الواقع غير ذلك، ولكن الجهل سيطر عليهم فأراهم الوهم حقيقة فجعلوا من هذا اليوم زمناً ذا قيمة وأوهموا العالم كله بأنه يوم عظيم فجرفوا في تيارهم العديد من الأمم والشعوب والمجتمعات الموصوفة بالتمدن والتحضر وبالأخص تلك المجتمعات الغربية التي لم تعر اهتمامها للأديان والمبادئ.

وأعني بما ذكرت عيد رأس السنة الميلادية الذي خلا من كل المعاني سوى أنه فترة زمنية تنتهي بها سنة وتبدأ بها سنة جديدة فهي محطة زمنية كغيرها من المحطات الزمنية الأخرى كنهاية اليوم والأسبوع والشهر.

لا يوجد وراء هذا العيد حدث مميز لدى الأديان السماوية حتى يعترف به من قبل الأديان.

ونلاحظ بأن كل ما يحدث في هذا العيد الموهوم لا يقره دين من الأديان بدءاً من إطلاق الرصاص في الهواء وصولاً إلى تلك السهرات الشيطانية التي تعقد باسم هذا اليوم الذي صبغته أيدي العاصين بصبغة شيطانية.

إننا كمسلمين لا نعني بعيد رأس السنة الميلادية مولد روح الله وكلمته عيسى بن مريم(ع) فإن مولده حدث كبير وعيد عظيم ينبغي على المسلمين أن يحتفلوا به قبل غيرهم لأن صاحبه نبي من أنبياء العزم فهو يعني المسلمين أكثر مما يعني غيرهم.

ولم يسلم هذا العيد المبارك من أيدي أهل العصيان حيث راحوا يحتفلون به بطرق غير مشروعة كتلك التي يحتفلون بها في عيد رأس السنة.

هناك فارق واضح وكبير بين عيد رأس السنة الميلادية وعيد مولد السيد المسيح عليه السلام.

 

عِيْدُ الفِطْر

 

وهو اليوم الأول من كل شوّال، وهو يوم فرحة وسرور للمسلمين الذين اجتازوا شهر الله بالصوم والصلاة وتلاوة القرآن وغيرهم من أنواع العبادات.

وقد ورد في الحديث:للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه:

وقد امتاز بعض المسلمين عن البعض الآخر منهم بفهم حقيقة تلك الفرحة في يوم العيد، فمنهم من كانت فرحته قائمة على حلوله من تلك القيود التي كانت مفروضة عليه في شهر رمضان فأصبح بإمكانه أن يأكل ويشرب متى شاء، ومنهم من فهم الفرحة من زاوية أخرى وهي الفرحة التي نشأت من خلال اكتساب الأجر والثواب في أيام شهر رمضان ولياليه، وكلا المفهومين يقومان على مبدأ واحد وهو الفرحة بغض النظر عن الفهم المختلف لها.

 

عِيْدُ الأَضْحَى

 

كما كان لعيد الفطر حدث جعل منه عيداً فكذلك يوم الأضحى الذي لا تقل الفرحة فيه عن الفرحة في الفطر، غير أنّ الأضحى اتصل بفريضة الحج، واتصل الفطر بعبادة الصيام، وكلاهما عند الله تعالى عظيم.

وكما أشار القرآن إلى عظمة الفطر وجعله النبي عيداً للمسلمين بأمر من الله تعالى فكذلك الحال في يوم الأضحى الذي جعله الرسول(ص) يوماً عظيماً وعيداً للمؤمنين بالله عز وجل.

وكلاهما من الأزمان المباركة التي اختصها الله لنفسه وأضفى عليها بركة وتوجها بالقداسة.

وقد أجمع المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم على كون الفطر والأضحى عيدين للمسلمين، ولكنهم اختلفوا في يوم الغدير رغم أنّ أهميته ومعانيه لا تقل أهمية عن معاني الفطر والأضحى إن لم نقل بأن المعاني الكامنة خلف الغدير أكبر وأكثر من المعاني والأبعاد الكامنة خلفهما.

 

أَعْيَادٌ إِسْلامِيةٌ أُخْرَى

 

يوجد لدى المسلمين أعياد كثيرة ناتجة عن أحداث مميزة كان له صلة مباشرة بهذا الدين الحنيف من جهة تأسيسه أو من جهة الحفاظ عليه.

ولكن الناس أهملوا الكثير منها وأولوا الإهتمام لبعضها مما جعل هناك فاصلاً كبيراً بين المسلمين وتلك الأعياد التي ينبغي إحياؤها ولو من باب الإشارة إليها وتذكير الناس بها أو من باب معرفة بعض الأحداث الإسلامية الكبرى التي كانت السبب في بقاء الإسلام وانتشاره وازدهاره.

ومن أهم تلك الأعياد:

الأول: وهو هجرة النبي(ص) من مكة إلى المدينة المنورة.

الثاني: مبيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على فراش النبي ليلة الهجرة حتى يتمكن النبي من الخروج دون أن يشعر به أحد من الذين كانوا مرابطين حول بيته.

وهناك مناسبات كثيرة تستحق أن تكون أعياداً للمسلمين لا مجال لذكرها في هذا المختصر.

 

عِيْدُ الغَدِيْر

 

ما أكثر الألسن التي ترنمت بلفظ الغدير، وما أكثر المعايدين به والمحتفلين بحلوله في مشارق الأرض ومغاربها.

وكم تغنى الناس بالغدير وصاحبه وأضاؤوا الشموع في الطرقات وعلى شرفات المنازل، ووزعوا الحلوى وتبادلوا التهاني والتبريكات، وذلك ضرْبٌ من ضروب الإيمان بهذا العيد وصاحبه العظيم علي بن أبي طالب(ع).

ولكننا ومن خلال ما نلحظه ونلتمسه من هؤلاء الكرام نشعر بالخطر الذي يتهدد هذه المناسبة التي يجب أن ترسخ في النفوس وتستقر في القلوب والعقول، فإنه من دون ذلك لن يُكتب الإستمرار لهذه الناسبة ولا لغيرها مما نجهل حقيقة أمره وفحوى أبعاده.

كثير من المؤمنين يحتفلون بهذه المناسبة الكريمة، ولكن كثيراً منهم يحتفلون بالإسم دون المعنى وبالمظهر دون الجوهر، ولا قيمة لإحياء الظاهر مع إهمال الباطن.

إنّ مثل الإحتفال بالعيد المجهول كمثل العبادة للمعبود المجهول فإن عبادة المجهول لا تسمن ولا تغني من جوع، وكذلك الإحتفال بالعيد الذي لا ندرك أبعاده ولا نغوص في أعماقه.

إن فهْمنا للغدير-في الأغلب- فهم سطحي لا يكاد يتعدى المعنى الظاهري، مع أن باطن الغدير عميق لا يدرك إلا بطلب المعرفة من طرقها الصحيحة بجد واجتهاد وصبر طويل.

لقد أشرنا في بحث سابق إلى كون عيد الأضحى متصلاً بفريضة الحج، وعيد الفطر متصلاً بالصوم، ولكن عيد الغدير متصل بجميع المبادئ والمفاهيم الإسلامية من معتقدات وأفعال رغم تعددها وكثرتها، والسبب في ذلك هو أنّ ما نتج عن حادثة الغدير كان هو السبب في استمرار الصوم والحج والصلاة وكل تفاصيل الإسلام.

والغدير عيد، ولكنه عيد بالغ الأهمية، فهو عيد الحق والولاية والخلافة الشرعية وإكمال الدين وإتمام النعمة وعيد انتصار العدل على الجور والحق على الباطل والصلاح على الفساد وعيد انتصار المسؤولية العامة على المطامع الخاصة.

ومن هنا اكتسب الغدير تلك الأهمية، ومن هنا عُدّ من أعظم الأعياد الإسلامية على الإطلاق وإن لم يجمع المسلمون على ذلك لأن الحق بيّن كوضوح الشمس في وسط النهار ولا بأس على الشمس إذا لم ترها العيون الرمداء ولا بأس على حادثة الغدير إذا لم ترها النفوس السقيمة والقلوب العمياء.

وما ذكرناه هنا بنحو الإجمال حول الغدير يحتم علينا بذل الجهد في سبيل معرفة أبعاد هذه الحادثة التي غيّرت مجرى تاريخ الإسلام ورسمت الطرق الصحيحة لكل راغب بالسير في طريق الحق الموصلة إلى رضوان الله ورسوله.

ومن هنا لزم علينا أن نحتفل بمعنى الغدير قبل الإحتفال بعيده، وأن نميز بين العيد والحدث لأن العبرة في الحدث الذي نشأ عنه العيد وليست العيرة بالعيد المجرد عن الحدث الذي يستحق أن يطلق عليه إسم العيد.

 

حَادِثَةُ الغَدِيْر

 

لقد امتلأ تاريخ البشرية منذ ظهورها بالكثير من الأحداث والمواقف التي لم يستطع مؤرخوا العالَم على تدوينها كلها، وما دُوِّن منها لم يكن كاملاً في الغالب، فمنها ما كان يحمل المنفعة، ومنها ما حمل معه المضرة، ومنا ما اشتمل على الأمرين بالتساوي أو الإختلاف في النسبة، ومنها ما كانت الفائدة منه أعظم منها في غيره، والإنسان العاقل هو الذي يهتم بالأهم ويقدمه على المهم رغم أهمية المهم فإذا خُيِّر العاقل بينهما اختار الأهم لاشتماله على المصلحة الكبرى والفائدة التامة.

وتلك الأحداث منها ما جرى مع وجود الأنبياء(ع) ومنها ما جرى في عهد خالٍ منهم، ولا شك بأن الأحداث التي تجري مع وجود المعصوم(نبي أو إمام) لها قيمة أكبر في موازين العلم والمعرفة والعقيدة، وبعد هذه المقدمة يمكن لنا القول بوجه من الوجوه أن مسؤولية الخلافة لا تقل أهمية عن مسؤولية النبوة لأن كلتيهما واحدة، فلولا النبوة لما كان هناك من داع للخلافة، ولولا الخلافة لما حُفِظت النبوة، وقد أشار النبي الأعظم(ص) في بعض كلامه إلى شيء يُفهم منه هذا المعنى، وهو كلامه لعلي(ع): أنا قاتلت على التنزيل وأنت تقاتل على التأويل.

فالحادثة عندما تجري مع وجود نبي ويكون له مدخلية مباشرة فيها فلا شك بأنها من القضايا الهامة التي يجب التعاطي معها بكل جدية وانتباه ودقة لأن الخطأ فيما يختص بالمعصوم مشكلة شرعية لن تمر بسلام.

وحادثة الغدير حصلت مع وجود نبي وإمام ومؤمنين من أهل الوعي والحكمة، ولعلها من أعظم الأحداث التي جرت بعد حدث النبوة لارتباطهما ارتباطاً وثيقاً وتوقُّف نجاح أحدهما على نجاح الآخر.

فالذين أنكروا حدث الغدير هم في الواقع أنكروا جزءاً هاماً من رسالة الرسول(ص) وجحدوا بنص قرآني واضح الدلالة، فعمدوا إلى وسائل التعتيم والتضليل وزرع الشكوك في قلوب الناس تجاه النص النبوي الواضح فاتهموه بأنه نصب علياً لكونه ابن عمه وتعاموا عن الأقارب الذين عاداهم الرسول بسبب عصيانهم وكفرهم، تلك حجة واهية مردودة على أهلها لأن الرسول(ص) أجل من أن يُتهم.

هؤلاء درسوا مصالحهم بشكل جيد، وغصبوا الحق من أهله، ووجّهوا اتهامات باطلة لرسول رب العالمين، وزوروا الحقائق، وخرّبوا الدين من أجل الوصول إلى غاية دنيئة، وهم يعرفون تماماً بأن الرسول(ص) هو كما وصفه ربه تعالى في سورة النجم(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى  مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى  وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى  إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) وهؤلاء الذين وقفوا في وجه الرسول والرسالة هم أول من قدّموا التهاني لأمير المؤمنين(ع) في منطقة غدير خم يوم تنصيبه خليفة.

 

أَيْنَ وَمَتَى وَقَعَتْ حَادِثَةُ الغَدِيْر

 

وقعت هذه الحادثة بعد عودة رسول الله(ص) من آخر حجة له إلى بيت الله الحرام في الثامن من شهر ذي الحجة في السنة العاشرة للهجرة في مكان يُعرف بغدير خم بين مكة والمدينة.

 

مَاذَا حَصَلَ فِيْ غَدِيْرِ خُمْ

 

لم يكن ما جرى وما قيل في ذلك المكان والزمان بالأمر العابر، فلم يكن موقفاً عادياً أو حدثاً عابراً نمر عليه مرور الكرام بل إن ما حصل كان أكبر من ذلك بكثير، ففي تلك المنطقة المسماة(غديرخم) أُمر رسول الله محمد(ص) ببيان أمر عظيم على مستوى الأمة والتاريخ، وهو تسمية الخليفة الذي اختاره الله تعالى لهذا المنصب الرفيع، والذي هو تكليف إلهي شاق لا يحتمله إنسان عادي، وحتى لو وطّن أي إنسان عادي نفسه على تحمّل أعباء هذا الحمل فإنه لا شك سوف يأتي عليه يوم يهوي فيه أرضاً أو ينزل به إلى أسفل السافلين، وهذا ما حصل لهم بالفعل عندما ادعوا القدرة على القيام بتلك المهمة التي علِم الله تعالى بأنه لا يصلح لها سوى ابن أبي طالب(ع).

ففي الثامن من شهر ذي الحجة في السنة العاشرة للهجرة وقف(ص) في غدير خم وخطب بالمسلمين خطبة مهّد فيها لزف النبأ العظيم الذي يحفظ به وجودهم ويشد به عضدهم، وكان عددهم يقرب أو يزيد على مئة ألف شخص، وجاء في تلك الخطبة العظيمة:

” الحمد لله نستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن أضل ولا مُضل لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد:

أيها الناس إني أوشك أن أُدعى فأجيب ،وإني مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت ، وجهدت فجزاك الله خيراً .
قال (ص):ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن جنته حق وناره حق ، وأن الموت حق ،وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ؟ قالوا :بلى ، قال : اللهم اشهد ثم أيها الناس ألا تسمعون ؟ قالوا : نعم
قال : إني فَرَطٌ – متقدم – على الحوض فانظروني كيف تخلفوني في الثقلين .
فنادى وما الثقلان يا رسول الله ؟
قال (ص) : الثقل الأكبر ، كتاب الله ، والآخر الأصغر عترتي وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون ، فقال أيها الناس ، من أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم : قال : إن الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ،وأنا أولى بهم من أنفسهم .
فمن كنتُ مولاه فعليٌ مولاه – يقولها ثلاث مرات – ثم قال : اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب .
ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله :
{ اليوم اكملتُ لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي } فقال رسول الله : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي .
ثم أخذ الناس يهنئون علياً ، وممن هنّأه في مقدم الصحابة  أبو بكر وعمر كلٌ يقول :بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

مَاذَا بَعْدَ حَادِثَةِ الغَدِيْر

 

للوهلة الأولى ظن الجميع بأن تلك الحادثة مرّت على خير، ولكن سكوتهم حينها أشبه النار تحت الرماد، فلقد كان أصحاب النوايا السيئة يضمرون كل الشر لرسول الله وابن عمه الذي اختاره ربه لهذا المنصب، راحوا يتهمون رسولهم بما هو بريء منه وما هو منزه عنه فوصفوه بأوصاف وصفوا بها الملوك، واتهموا بالهجران أي أنه أثّر عليه كبر السن فراح يقول بغير وعي، إلى ما هنالك من كلمات نحن في الواقع نستحي من ذكرها لما فيه من شوائب أخلاقية وانحرافات إنسانية.

لقد أدرك هؤلاء بأن أجل الرسول قد دنا، وذلك من خلال العبارات التي سمعوها منه عند تلك الخطبة فصبروا قليلاً ريثما يموت لينفسوا أحقادهم كلها ضد أهل بيته ولينتقموا منهم أشد انتقام لأنهم كانوا يرون أهليتهم للحكم دون علي نظراً لسنهم المتقدمة، وتناسوا سيق علي للإسلام ووقوفه الدائم إلى جنب الرسول وتضحيته بنفسه ليلة الهجرة ومشاركته بالمعارك الرهيبة وبالخصوص معركة الخندق التي لولا علي لما بقي إسلام ولا مسلمون، وتناسوا كلام الرسول فيه وأنه(ع) كان مسلماً لأنه أراد أن يكون كذلك فضحى بالغالي والنفيس من أجلهم، أما هم فأرادوا من الإسلام الوجاهة والزعامة فلم يشاركوا في الحروب بشكل مباشر ولم يعرّضوا أنفسهم للخطر لأن نواياهم من الأساس كانت نفعية مادية دون أن يحسبوا للآخرة أدنى حساب على خلاف علي(ع) الذي كان ينظر إلى الدنيا وما فيها نظرة احتقار وأنها لا تساوي في نظره ورقة في فم جراد يمضغها.

لقد تحولوا بعد تلك الحادثة من مسالمين إلى ذئاب كاسرة ووحوش ضارية افترست كل ما اعترض طريقها، وأعلنوا رفضهم لمنطق الوحي في السر أولاً ثم في العلن ثانياً، بل منعوا التحدث يكلام النبي(ص) بدعوى أنه يلهيهم عن كتاب الله، وهم يعرفون تماماً بأن كلام الرسول(ص) إنما هو كلام الله سبحانه، وقد شهدوا بذلك مراراً.

لقد عمل هؤلاء جاهدين على أن يغيّر الناس شهاداتهم حول حادثة الغدير وصرفوا من الوقت الكثير ومن الأموال ما هو أكثر في سبيل تزوير الحقائق، هذا والرسول ما زال موجوداً بينهم، وتسللوا إلى منصب الخلافة بأبشع الطرق الوحشية والأساليب الإنتقامية والتي كان أبرزها تركهم للرسول وهو يحتضر وظلمهم للزهراء وبعلها بعد وفاة الرسول(ص).

 

يَوْمَ وَفَاةِ الرسُوْلِ(ص) وَإِنْكَارُ حَادِثَةِ الغَدِيْر

 

دنا أجل الرسول الكريم، وأصبحت ساعاته معدودة في دار الدنيا، وفي تلك اللحظات الحرجة والدقائق القاسية تخلى الناس عن رسولهم فتركوه مسجى بين ذراعي أمير المؤمنين علي(ع) وراحوا يتقاسمون الإرث ويوزعون الأدوار وينتخبون خليفة مضاداً لمن نصبه الله تعالى على لسان رسوله(ص) فاجتمعوا تحت سقيفة بني ساعدة وخططوا للقضاء على ما بناه الرسول في سنوات عُدَّت السنة منها بسنوات لكثرة أحداثها وقساوة ظروفها فنحّوا علياً جانباً وأنكروا نص الرسول الذي لا ينطق إلا بوحي من الله تعالى، ولم يتأثروا برحيله(ص) وكأن الأمر لا يعنيهم على الإطلاق، غير أن الذي كان معه أولاً بقي معه إلى آخر رمق له في هذه الدنيا، وهو أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب سلام الله عليه.

 

مَقَاطِع مِنْ خُطْبَةُ الغَدِيْر كَمَا فِيْ كِتَابِ الإِحْتِجَاج

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ. الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي عَلاَ في تَوَحُّدِهِ وَدَنَا في تَفَرُّدِهِ وَجَلَّ في سُلْطانِهِ وَعَظُمَ في أَرْكانِهِ، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً وَهُوَ في مَكَانِهِ، وَقَهَرَ جَميعَ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ وَبُرْهانِهِ، مَجيداً لَمْ يَزَلْ، مَحْمُوداً لاَ يَزَالُ.
بَارِئُ الْمَسْمُوكَاتِ وَدَاحِي الْمَدْحُوَّاتِ وَجَبَّارُ الأَرَضينَ وَالسَّمَاوَاتِ، قُدُّوسٌ سُبُّوحٌ، رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ، مُتَفَضِّلٌ عَلَى جَميعِ مَنْ بَرَأَهُ، مُتَطَوِّلٌ عَلَى جَميعِ مَنْ أَنْشَأَهُ. يَلْحَظُ كُلَّ عَيْنٍ وَالْعُيونُ لاَ تَراهُ. كَريمٌ حَليمٌ ذُو أَنَاة، قَدْ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَتُهُ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَتِهِ. لاَ يَعْجَلُ بِانْتِقَامِهِ، وَلاَ يُبَادِرُ إلَيهِمْ بِمَا اسْتَحَقُّوا مِنْ عَذَابِهِ.
قَدْ فَهِمَ السَّرَائِرَ وَعَلِمَ الضَّمَائِرَ، وَلَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ الْمَكْنونَاتُ وَلاَ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْخَفِيَّاتُ. لَهُ الإحَاطَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْغَلَبَةُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْقُوَّةُ في كُلِّ شَيْءٍ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ. وَهُوَ مُنْشِئُ الشَيْءِ حينَ لاَ شَيْءَ. دَائِمٌ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ، لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ. جَلَّ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطيفُ الْخَبيرُ. لاَ يَلْحَقُ أَحَدٌ وَصْفَهُ مِنْ مُعَايَنَةٍ، وَلاَ يَجِدُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ مِنْ سِرٍّ وَعَلاَنِيَةٍ إلاَّ بِمَا دَلَّ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَفْسِهِ….

أَحْمَدُهُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَأُومِنُ بِهِ وَبِمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. أَسْمَعُ لأَمْرِهِ وَأُطيعُ وَأُبَادِرُ إلى كُلِّ مَا يَرْضَاهُ، وَأَسْتَسْلِمُ لِقَضَائهِ، رَغْبَةً في طَاعَتِهِ وَخَوْفاً مِنْ عُقُوبَتِهِ، لأِنَّهُ اللّهُ الَّذي لاَ يُؤْمَنُ مَكْرُهُ وَلاَ يُخَافُ جَوْرُهُ.
وأُقِرُّ لَهُ عَلَى نَفْسي بِالْعُبُودِيَّةِ وَأَشْهَدُ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَأُؤَدّي مَا أَوْحَى إليَّ حَذَراً مِنْ أَنْ لاَ أَفْعَلَ فَتَحِلَّ بي مِنْهُ قَارِعَةٌ لاَ يَدْفَعُهَا عَنّي أَحَدٌ وَإنْ عَظُمَتْ حيلَتُهُ; لاَ إلَهَ إلاّ هُوَ.
لأَنّهُ قَدْ أَعْلَمَنِي أَنّي إنْ لَمْ أُبَلِّغْ مَا أَنْزَلَ إلَيَّ فَمَا بَلَّغْتُ رِسَالَتَهُ، وَقَدْ ضَمِنَ لي تَبَارَكَ وَتَعَالَى العِصْمَةَ وَهُوَ اللّهُ الكَافِي الكَريمُ.
فَأَوْحَى إلَيَّ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ، يَا أَيُّهَا الرَّسولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ـ في عَلِيٍّ يَعْنِي فِي الْخِلافَةِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ ـ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾….

مَعَاشِرَ النَّاسِ، مَا قَصَّرْتُ في تَبْليغ مَا أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى إلَيَّ وَأَنَا مُبَيِّنٌ لَكُمْ سَبَبَ نُزولِ هَذِهِ الآيَةِ: إنَّ جَبْرَئيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هَبَطَ إليَّ مِرَاراً ثَلاَثاً يَأْمُرُني عَنِ السَّلاَمِ رَبّي ـ وَهُوَ السَّلاَمُ ـ أَنْ أَقُومَ في هَذَا الْمَشْهَدِ فَأُعْلِمَ كُلَّ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ أَخي وَوَصِيّي وَخَليفَتِي وَالإمَامُ مِنْ بَعْدي، الَّذي مَحَلُّهُ مِنّي مَحَلُّ هَارونَ مِنْ مُوسى إلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدي وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدَ اللهِ وَرَسولِهِ.
وَقَدْ أَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيَّ بِذَلِكَ آيَةً مِنْ كِتَابِهِ: ﴿إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾، وَعَليُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ أَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَهُوَ رَاكِعٌ يُريدُ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ في كُلِّ حَال.
وَسَأَلْتُ جَبْرَئيلَ أَنْ يَسْتَعْفِيَ لِيَ عَنْ تَبْليغِ ذلِكَ إلَيْكُمْ ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ لِعِلْمي بِقِلَّةِ الْمُتَّقينَ وَكَثْرَةِ الْمُنَافِقينَ وَإدْغَالِ الآثِمينَ وَحِيَلِ الْمُسْتَهزِئينَ بِالإسْلاَمِ، الَّذينَ وَصَفَهُمُ اللهُ في كِتَابِهِ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ، وَيَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظيمٌ، وَكَثْرَةِ أَذَاهُمْ لي غَيْرَ مَرَّةٍ، حَتَّى سَمُّوني أُذُناً وَزَعَمُوا أَنّي كَذَلِكَ لِكَثْرَةِ مُلاَزَمَتِهِ إيَّايَ وَإقْبَالي عَلِيْهِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ في ذَلِكَ قُرْآناً: ﴿ومِنْهُمُ الَّذينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ، قُلْ أُذُنُ ـ عَلَى الَّذينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ أُذُنٌ ـ خَيْرٍ لَكُمْ، يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ﴾.
وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَ بِأَسْمَائِهِمْ لَسَمَّيْتُ، وَأَنْ أُومِيَ إلَيْهِمْ بِأَعْيَانِهِمْ لأَوْمَأْتُ، وَأَنْ أَدُلَّ عَلَيْهِمْ لَدَلَلْتُ، وَلَكِنّي وَاللّهِ في أُمُورِهِمْ قَدْ تَكَرَّمْتُ.
وَكُلُّ ذلِكَ لاَ يَرْضَى اللّهُ مِنّي إلاَّ أَنْ أُبَلِّغَ مَا أَنْزَلَ إلَيَّ. ثُمَّ تَلاَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ـ في عَلِيٍّ ـ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.
فَاعْلَمُوا مَعَاشِرَ النّاسِ أَنَّ اللّهَ قَدْ نَصَبَهُ لَكُمْ وَلِيّاً وَإمَاماً مُفتَرَضاً طَاعَتُهُ عَلَى الْمُهاجِرينَ وَالأَنْصَارِ وَعَلَى التَّابِعينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ، وَعَلَى الْبَادي َالْحَاضِرِ، وَعَلَى الأَعْجَميِّ وَالْعَرَبِيِّ، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلوكِ، وَالصَّغيرِ وَالْكَبيرِ، وَعَلَى الأَبْيَضِ وَالأَسْوَدِ، وَعَلَى كُلِّ مُوَحِّدٍ. مَاضٍ حُكْمُهُ، جَازٍ قَوْلُهُ، نَافِذٌ أَمْرُهُ، مَلْعُونٌ مَنْ خَالَفَهُ، مَرْحُومٌ مَنْ تَبِعَهُ، مُؤْمِنٌ مَنْ صَدَّقَهُ، فَقَدْ غَفَرَ اللّهُ لَهُ وَلِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَأَطَاعَ لَهُ.
مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّهُ آخِرُ مَقَامٍ أَقومُهُ في هَذَا الْمَشْهَدِ، فَاسْمَعوا وَأَطيعوا وَانْقَادُوا لأَمْرِ رَبِّكُمْ، فَإنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ مَوْلاَكُمْ وَإلَهُكُمْ، ثُمَّ مِنْ دُونِهِ مُحُمَّدٌ1 وَليُّكُمْ الْقَائِمُ المْـُخَاطِبُ لَكُمْ، ثُمَّ مِنْ بَعْدي عَلِيٌّ وَلِيُّكُمْ وَإمَامُكُمْ بِأَمْرِ رَبِّكُمْ، ثُمَّ الإمَامَةُ في ذُرِّيَّتِي مِنْ وُلْدِهِ إلَى يَوْم تَلْقَوْنَ اللّهَ وَرَسُولَهُ.
لاَ حَلاَلَ إلاَّ مَا أَحَلَّهُ اللّهُ، وَلاَ حَرَامَ إلاَّ مَا حَرَّمَهُ اللهُ، عَرَّفَنِي الْحَلاَلَ وَالْحَرَامَ وَأَنَا أَفْضَيْتُ بِمَا عَلَّمَنِي رَبّي مِنْ كِتَابِهِ وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ إلَيْهِ…
مَعَاشِرَ النَّاسِ، فَضِّلُوهُ فَقَدْ فَضَّلَهُ اللّهُ، وَاقْبَلُوهُ فَقَدْ نَصَبَهُ اللّهُ.
مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّهُ إمَامٌ مِنَ اللهِ، وَلَنْ يَتُوبَ اللّهُ عَلَى أَحَدٍ أَنْكَرَ وِلاَيَتَهُ وَلَنْ يِغْفِرَ لَهُ، حَتْماً عَلَى اللّهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ فيه وَأَنْ يُعَذِّبَهُ عَذَاباً شديداً نُكْراً أَبَدَ الآبَادِ وَدَهْرَ الدُّهُورِ. فَاحْذَرُوا أَنْ تُخَالِفُوهُ، فَتَصْلُوا نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرينَ…

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّ عَلِيّاً وَالطَّيِّبينَ مِنْ وُلْدي هُمُ الثِّقْلُ الأَصْغَرُ، وَالْقُرْآنُ الثِّقْلُ الأَكْبَرُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مُنْبِئٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَمُوَافِقٌ لَهُ، لَنْ يَفْتَرِقَا حَتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ. هُمْ أُمَنَاءُ اللّهِ في خَلْقِهِ وَحُكَّامُهُ في أَرْضِهِ.
أَلاَ وَقَدْ أَدَّيْتُ، أَلاَ وَقَدْ بَلَّغْتُ، أَلاَ وَقَدْ أَسْمَعْتُ، أَلاَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ. أَلاَ وَإنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَأَنَا قُلْتُ عَنِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَلاَ إنَّهُ لَيْسَ «أَميرَ الْمُؤْمِنينَ» غَيْرُ أَخي هَذَا. وَلاَ تَحِلُّ إمْرَةُ الْمُؤْمِنينَ بَعْدي لأَحَدٍ غَيْرِهِ.
ثُمَّ ضَرَبَ بيََِدِهِ إلَى عَضُدِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَرَفَعَهُ، وَكَانَ أَميرُ المؤمنينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُنْذُ أَوَّل مَا صَعَدَ رَسُولُ اللّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَشَالَ عَليّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى صَارَت رِجْلُهُ مَعَ رُكْبَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. ثُمَّ قَالَ:
مَعَاشِرَ النَّاسِ، هَذَا عَلِيٌّ أَخي وَوَصِيّي وَوَاعي عِلْمي، وَخَليفَتِي في أُمَّتِي وَعَلَى تَفْسيرِ كِتَابِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدَّاعي إلَيْهِ وَالْعَامِلُ بِمَا يَرْضَاهُ وَالْمُحَارِبُ لأَعْدَائِهِ وَالْمُوَالي عَلَى طَاعَتِهِ وَالنَّاهي عَنْ مَعْصِيَتِهِ. خَليفَةُ رَسُولِ اللّهِ وَأَميرُ الْمُؤْمِنينَ وَالإمَامُُ الْهَادي وَقَاتِلُ النَّاكِثينَ وَالْقَاسِطينَ وَالْمَارِقينَ بِأَمْرِ اللّهِ.
أَقُولُ وَمَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ بِأَمْرِ رَبّي، أَقُولُ: اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَالْعَنْ مَنْ أَنْكَرَهُ وَاغْضَبْ عَلَى مَنْ جَحَدَ حَقَّهُ.
اللّهُمَّ إنَّكَ أَنْزَلْتَ عَلَيَّ أَنَّ الإمَامَةَ بَعدي لِعَليٍّ وَلِيِّكَ عِنْدَ تِبيَاني ذَلِكَ وَنَصْبِي إيَّاهُ بِمَا أَكْمَلتَ لِعِبَادِكَ مِنْ دينِهِم وَأَتْمَمْتَ عَلَيْهِم بِنِعمَتِك وَرَضيتَ لَهُمْ الإسلاَمَ ديناً فَقُلْتَ: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاِسْلاَمِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرينَ﴾.
اللّهُمَّ إنّي أُشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهيداً أَنّي قَدْ بَلَّغْتُ…

 

بَعْضٌ مِمنْ رَوَوْا حَدِيْثَ الغَدِيْر وَتَهْنِئَةَ الشيْخَيْن

1 – الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، المتوفى 235.

2 – إمام الحنابلة أحمد بن حنبل ، المتوفى 241

3 – الحافظ أبو العباس الشيباني النسوي ، المتوفى 303

4 – الحافظ أبو يعلى الموصلي ، المتوفى 307

5 – الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، المتوفى 310

6 – الحافظ أحمد بن عقدة الكوفي ، المتوفى 333

7 – الحافظ أبو عبد الله المرزباني البغدادي ، المتوفى 384
8 – الحافظ علي بن عمر الدار قطني البغدادي ، المتوفى 385

9 – الحافظ أبو عبد الله ابن بطة الحنبلي ، المتوفى 387

10 – القاضي أبو بكر الباقلاني البغدادي ، المتوفى 403
11 – الحافظ أبو سعيد الخركوشي النيسابوري ، المتوفى 407
12 – الحافظ أحمد بن مردويه الأصبهاني ، المتوفى 416
13 – أبو إسحاق الثعلبي، المتوفى 427
14 – الحافظ ابن السمان الرازي ، المتوفى 445
15 – الحافظ أبو بكر البيهقي ، المتوفى 458
16 – الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي ، المتوفى 463

17 – الفقيه أبو الحسن ابن المغازلي، المتوفى 483

18 – أبو محمد أحمد العاصمي

19 – الحافظ أبو سعد السمعاني ، المتوفى 562

20 – حجة الإسلام أبو حامد الغزالي ، المتوفى 505
21 – أبو الفتح الأشعري الشهرستاني ، المتوفى 548

22 – أخطب الخطباء الخوارزمي الحنفي ، المتوفى 568

23 – أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي ، المتوفى 597
24 – فخر الدين الرازي الشافعي ، المتوفى 606

– أبو السعادات مجد الدين بن الأثير الشيباني ، المتوفى 606
26 – أبو الفتح محمد بن علي النطنزي :
27 – عز الدين أبو الحسن بن الأثير الشيباني ، المتوفى 630

28 – الحافظ أبو عبد الله الكنجي الشافعي ، المتوفى 658

29 – شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي ، المتوفى 654

30 – عمر بن محمد الملا :
31 – الحافظ أبو جعفر محب الدين الطبري الشافعي ، المتوفى 694

32 – شيخ الإسلام الحمويني ( 4 ) ، المتوفى 722

33 – نظام الدين القمي النيسابوري :
34 – ولي الدين الخطيب :
35 – جمال الدين الزرندي المدني ، المتوفى سنة بضع وخمسين وسبعمائة

36 – أبو الفدا بن كثير الشامي الشافعي ، المتوفى 774

37 – تقي الدين المقريزي المصري ، المتوفى 845
38 – نور الدين ابن الصباغ المالكي المكي ، المتوفى 855

39 – القاضي نجم الدين الأذرعي الشافعي ، المتوفى 876

40 – كمال الدين الميبذي :
41 – جلال الدين السيوطي ، المتوفى 911
42 – نور الدين السمهودي المدني الشافعي ، المتوفى 911
43 – أبو العباس شهاب الدين القسطلاني ، المتوفى 923

44 – السيد عبد الوهاب الحسيني البخاري ، المتوفى 932
45 – ابن حجر العسقلاني الهيتمي ، المتوفى 973

46 – السيد علي بن شهاب الدين الهمداني :

47 – السيد محمود الشيخاني القادري المدني.
48 – شمس الدين المناوي الشافعي ، المتوفى 1031
49 – الشيخ أحمد باكثير المكي الشافعي ، المتوفى 1047
50 – أبو عبد الله الزرقاني المالكي ، المتوفى 1122

 

الشيخ علي فقيه

Exit mobile version