خَلْقُ السّموات والأرض(البحث السادس عشر)

خَلْقُ الإِنْسَانِ
يُعتبَر الإنسان محور هذا الوجود لأنه المخلوق الممتحَن من قِبَل الخالق سبحانه وتعالى، وما خلق الله هذا الوجود إلا من أجل الإنسان(بغض النظر عن الذين سكنوا الأرض قبله) ليميّز الخبيث من الطيب والمؤمن من الكافر، فلقد خلقنا الله تعالى ورزقنا من الطيبات وسخّر لنا ما في الكون لنكون من الشاكرين.
ولكن مع الأسف فقد جرفتنا تيارات الأهواء فنسينا خالقنا وأنفسنا وغضّينا الطرف عن العاقبة التي سوف تكون أشد مما نتصور.
وإلى هذا السلوك الإنساني الشيطاني أشار الإمام علي(ع) بقوله”أَمْ هذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْْأَرْحَامِ، وَشُغُفِ الْْأَسْتَارِ، نُطْفَةً دِهَاقاً، وَعَلَقَةً مِحَاقاً، وَجَنِيناً وَرَاضِعاً، وَوَلِيداً وَيَافِعاً، ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً، وَلِساناً لْافِظاً، وَبَصَراً لْاحِظاً، لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً، وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً; حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ، وَاسْتَوَى مِثالُهُ، نَفَرَ مُسْتَكْبِراً، وَخَبَطَ سَادِراً، مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ، كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ، فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ، وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ; لْايَحْتَسِبُ رَزِيَّةً، وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً”
ومرةً نتحدث عن الإنسان الجسد، وأخرى عن الإنسان الروح، وثالثة عن كليهما لأنهما يصوّران واقع الإنسان في الوجود، وهذا ما ينبغي الحديث عنه بالتفصيل حيث أن الفكرة لا يمكن أن تصل إلى الأذهان واضحة إلا عن طريق التوضيح وإن أخذ منا بعض الوقت.
ولكن قبل أن أتحدث عن تلك العناوين أبدأ ببعض الآيات القرآنية وأختم أول بحث هنا بما قاله أمير المؤمنين(ع) في نهج البلاغة حول خلقة الإنسان.
قال تعالى(أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا){مريم/67}
وقال سبحانه(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ){المؤمنون12/14}
وقال(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ){غافر/67}
وقال(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ){الحج/5}
وفي بيان أصل خلقة الإنسان قال الإمام علي(ع) في نهج البلاغة:
“ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ وَسَهْلِهَا، وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا، تُرْبَةً سَنَّهَا بالمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ، وَلاَطَهَا بِالبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ،فَجَبَلَ مِنْها صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَ وُصُولٍ، وَ أَعْضَاءٍ وَ فُصُولٍ : أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ، لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ، وَأجَلٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ نَفَخَ فِيها مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إِنْساناً ذَا أَذْهَانٍ يُجيلُهَا، وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا، وَ جَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا، وَ أَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا، وَ مَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، والأَذْوَاقِ والْمَشَامِّ، وَالْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ، مَعْجُوناً بطِينَةِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ، وَالْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ ،والْأَخْلاطِ المُتَبَايِنَةِ، مِنَ الْحَرِّ والْبَرْدِ، وَالْبَلَّةِ وَالْجُمُودِ، وَاسْتَأْدَى اللهُ سُبْحَانَهُ الْمَلائِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ، وَعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهمْ، في الْإِِذْعَانِ بالسُّجُودِ لَهُ، وَالخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (اسْجُدُوا للآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ ) اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمُ الشِّقْوَةُ، وَتَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ النَّارِ، وَاسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ”
الإِنْسَانُ
يتكون الإنسان من جسد وروح، ومن الروح النفس والقلب والعقل وجميع المشاعر والقوى المختلفة في وظائفها وفي ائتلافها مع غيرها وتنافرها معه، وكل من أراد أن ينظر إلى الإنسان فعليه أن ينظر إليه بمجموعه وليس إلى الجسد الذي هو مجرد أداة تستخدمها الروح في هذه المرحلة المسماة بالحياة الدنيا التي تُعتبر من أشبه المراحل لمرحلة القيام من حيث التكوين أي من حيث ائتلاف الأرواح مع الأجساد لأن هناك مراحل يمر بها الإنسان لا علاقة للجسد فيها كمرحلة الذر ومرحلة البرزخ.
فمرة ننظر إلى الإنسان ولا تتعدى نظرتنا له الشكل الخارجي المادي فقط، ومرة ننظر إليه على أنه المخلوق الذي سما عن غيره بروحه وعقله ونفسه وبعض الخصائص التي اختصه ربه بها عمن سواه من المخلوقات، ولكن الأكثرين من الناس ينظرون إلى الإنسان الجسد بحيث إذا رأوه أو ذُكر إسمه أمامهم تبادر إلى أذهانهم صورته الخارجية من دون أن ينظروا إلى شيء مما هو مرتكز بداخله.
وفهم حقيقة الإنسان أمر مقدور عليه، وهو رغم كونه كذلك إلا أنه من الأمور المعقدة والبحوث التي يصعب فهمها إلا بالبحث الدقيق والتأمل الواسع لأن الإنسان يشتمل على قوى، كل قوة منها يحتاج فهمها إلى دراسات واسعة وبحوث مطولة حتى يمكن إدراكها أو إدراك بعض الوظائف التي تقوم بها في حياة صاحبها، نحن عندما نتحدث عن إدراك القوى وقدرة الإنسان على ذلك فإننا نتحدث ضمن الإطار المقدور عليه أي الذي يستطيع العقل إدراكه لأننا نؤمن بأن هناك كثيراً من المسائل لا يمكن للعقل رغم عظمته أن يطالها ولو بشكل سطحي لأن الخالق سبحانه لم يؤتنا من العلم سوى الشيء القليل(وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) فمهما أعملنا النظر والفكر في أي أمر من الأمور الخفية فإننا نبقى قاصرين عن إدراك حقائقها الأولى وجواهرها العميقة، أو بمعنى آخر نحن لا ندرك سوى ما أُذن بمعرفته وما أمكن للعقل أن يدركه لأن هناك حجباً بيننا وبين كثير من الأمور التي هي حولنا أو التي هي موجودة فينا كحواسنا ومشاعرنا التي نستعملها ونشعر بها ولكننا لم ندرك حتى الآن حقائقها الأولى، ونحن نقر بأن الإنسان حتى الآن لم يدرك وظائف جميع المحسوسات فكيف يمكن له أن يدرك حقائق الماورائيات كحقيقة العقل والروح والنفس، فلقد أدركنا قوة العقل بعقولنا وتعرفنا على أكثر وظائفها، وما يحصل عندنا من تطور فكري وصناعي وفني إنما هو من بركات القوة العاقلة التي متّع الله بها الإنسان، أما حقيقة العقل فنحن ننصح الجميع بعدم البحث عنها لأنها من المسائل المحجوب عنا معرفتها.
فوجود الروح فينا والعقل والقلب والنفس كل ذلك من الحقيقة، أما ادعاء معرفة كنه هذه المخلوقات العجيبة فإنه وهم واضح.
والإنسان هو ذلك المخلوق الذي انطوى فيه العالَم الأكبر، وهو أعمق سر من أسرار هذا الوجود الذي خلقه الله من أجل الإنسان، وهذه من جملة الحقائق التي يجهلها أكثر الناس الذين يجب عليهم أن يعلموا بأن كل ما تضمّنه هذا الكون من مخلوقات حية وجامدة قريبة وبعيدة معلومة ومجهولة إنما وُجدت من أجل هذا الإنسان الذي يهمل نفسه ولا يعبأ بها ولا يهتم بشؤونها الحالية والمستقبلية على مستوى الدنيا والآخرة.
والإنسان هو قطب رحى الحياة التي وجدت من أجل البشر، إذ لولا وجود البشر فيها لانتفت أكثر المفاهيم والمعاني والمبادئ الخاصة بالحياة الشاملة لبني البشر.
والإنسان هو المخلوق المميز بمظهره وجوهره عن باقي الموجودات، وهو الموجود المكرَّم والمفضّل على كثير من المخلوقين، وهذا ما أشير إليه بصريح القول في سورة الإسراء(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)
وهو المخلوق الذي كان وما زال محور الخطابات الإلهية، وهو شرف كبير للعبد الذي يوجّه إليه ربه تلك التكاليف حيث جعله موضعاً للإختبار في هذه الحياة.
وهو المخلوق الذي يذكّره ربه بأصل وجوده وتكوينه حتى لا يتجبر ولا يتكبر ولا يخرج عن الخطوط المرسومة له فيرتكب الأخطاء ويقع في الحرام، وليعلم بأنه المخلوق الضعيف الفقير إلى الله والمحتاج إليه وأنه خلق من ماء مهين فقال تعالى(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)
والإنسان هو صاحب تلك الروح التي قال الله فيها(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)
وهو صاحب النفس التي جعلها الله تعالى مورداً للقسم في كتابه العزيز حيث يقول(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)
وهو صاحب العقل الذي قال الله في شأنه، كما ورد في الحديث القدسي :وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أعظم منك فبك أُعرف وبك أُعبد وبك الثواب وبك العقاب.
وهو صاحب تلك المشاعر الخاصة والأحاسيس المميزة كالحب والبغض والفرح والحزن، وهو صاحب القوى الخفية كالفطرة التي تشد الإنسان نحو خالقه وترشده إليه وتدله عليه.
وهو مجمع القوى المتناحرة فيما بينها، وصاحب القوى الرحمانية والشيطانية في آن واحد، فهو القادر على أن يستعمل أية قوة شاء في أي وقت من الأوقات.
وهو المخلوق القادر على أن يرتقي ويصل إلى أعلى مراتب الكمال البشري وإلى قمم الفضائل ومكارم الأخلاق من خلال سلوكه الحسن، وهو القادر على أن يبلغ درجة تغبطه عليها الملائكة، وهو المخلوق الذي يستطيع أن ينزل إلى أوضع المراتب وأحط المستويات بحيث يغبط الحيوانات على مستواها التي هي عليه.
لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وأعطاه صورته الرائعة وشكله التام وظاهره الجميل، وفيه قال تعالى(يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ) وفيه قال أيضاً(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) وقال علي(ع) في صفة خلق الإنسان: ثم جمع سبحانه من حَزنِ الأرض وسهلها وعذبها وسَبَخِها تربة سنّها بالماء حتى خَلَصَت ولاطها بالبلة حتى لَزَبت فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفصول أجمدها حتى استمسكت وأصلدها حتى صلصلت لوقت معدود وأمد معلوم ثم نفخ فيها من روحه فَمَثُلَت إنساناً ذا أذهان يجيلها وفِكَر يتصرف بها وجوارح يختدمها وأدوات يُقلّبها ومعرفة يَفرق بها بين الحق والباطل والأذواق والمشام والألوان والأجناس:
وهو المخلوق الذي وجّه إليه ربه أوامره ونواهيه ليجزيه بالخير خيراً وبالشر شراً.
الإِنْسَانُ الرُّوْحُ
قال سبحانه(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)
مهما حاول صاحب العقل أن يدرك بعض الأسرار الممنوعة عنه فإنه لن يصل إلى هدفه ولن يحقق مراده لأن هناك أموراً خارجة عن حدود العقل والتصور والإدراك حيث جعلها رب العالمين سراً من أسراره فلم يرغب بأن يطلع عليها الخلق لأنها شأن من شؤونه الخاصة، ولا شك بأن وراء إخفاء تلك الأسرار مصلحة للإنسان الذي يخضع بتكوينه لبعض الحدود المرسومة له من قبل الخالق سبحانه والذي لا يستطيع أن يعرف كل شيء حيث لا طاقة للقوة العقلية الموهوبة له أن تستوعب جميع الأمور، فلقد حاول الناس عبر مرور الزمن أن يصلوا إلى حقيقة الروح أو يتمسكوا بطرف الحبل الموصل لها فعجزوا عن ذلك لأن الحياة والموت بيد الخالق وحده ولا يُسمح للإنسان بأن يتصرف بتلك الخصوصيات، ما تجب معرفته هو أن الروح سر عميق من أسرار الخالق وأنها المصدر للحياة وأنها تستخدم البدن من حاجاتها وأنها هي المسؤولة والمعنية وليس الجسد الذي هو آلة تستخدمها الروح، هذه الروح التي عرّفها بعض علماء النفس بأنها جوهر ملكوتي يستخدم البدن في حاجاته.
وكل الخطابات والتكاليف الموجهة للإنسان إنما هي موجهة إلى روحه المشتملة على القلب والعقل والحواس وإن كان يعتبر بعض علماء النفس بأن العقل والقلب والروح شيء واحد، ونحن بدورنا لا نوافقهم على هذا الرأي القابل للنقد لأنه لو كانت هذه القوى الثلاث واحدة لصح استعمال أحدها للتعبير عن الآخر، وهذا غير وارد إذ لا يصح أن تنسب التفكير إلى الروح ولا يصح أن تنسب الحب والكره وغيرهما من المشاعر إلى العقل وإن كان له دور فيها في بعض الأحيان، والصحيح هو أن الروح شيء والعقل شيء والقلب شيء والنفس شيء وإن كان هناك بعض القواسم المشتركة بين الجميع.
فقد يكون هناك اشتراك بين العقل والقلب في بعض الموارد التي تتطلب إشغالهما معاً كموضوع الحب القائم على شيء من قوى القلب وشيء من قوى العقل، بينما نجد بعضهم يستسلم لأهوائه القلبية تجاه بعض المشاعر فلا يسمح للعقل بأن يتدخل في الحكم أو التدبير في هذه القضية أو تلك.
وقد يكون هناك اشتراك بين القلب والحواس كمن يشعر بالحب عن طريق استعمال بعض الحواس الخاصة بالنفس.
وقد يكون هناك اشتراك بين الحواس والعقل وذلك إذا أُعمِل العقل في بعض المحسوسات.
وجميع هذه القوى تتعلق بالروح لأنها المحرك الأول لجميع الأعضاء والقوى إذ لولا وجود الروح لما كان هناك عقل ولا حواس ولا شعور.
ويصعب على أي عالم أو باحث أو محقق أو مدقق أن يبيّن وظيفة كل قوة من هذه القوى وذلك لوجود ترابط بينها في كثير من الموارد، هذا كله بالإضافة إلى وجود السر الإلهي في جميعها، فنحن ابتدأنا الكلام بكون الروح سر من أسرار الله تعالى وكذلك الكلام نفسه يجري على العقل والقلب والحواس.
والروح لفظ ينطبق على أكثر من معنى، ولكنه كثر استعماله في الدلالة على الروح التي هي مصدر الحياة الموجودة في الإنسان والحيوان المتحرك بالإرادة، وأقيد الحيوان هنا بهذا القيد لأنه يوجد مخلوقات حية ولكنها ليست حساسة ولا متحركة بالإرادة كالنباتات، وهذا ما يدفع بنا إلى الإعتقاد بأن الروح ليست واحدة، فهناك روح من دون إحساس في صاحبها كالنباتات، وهناك روح مع إحساس وإرادة وهي الموجودة في الإنسان والحيوانات الحساسة المتحركة بالإرادة كالأنعام والطيور والأسماك.
وقد قلنا إن الروح سر من أسرار الله تعالى فهي مصدر الحياة وهي روح من روحه عز وجل وهنا يكمن السر الذي لم يطلع الله عليه أحداً من خلقه.
وقد استعمل القرآن الكريم لفظ الروح وأراد به أكثر من معنى، وقد ظهر لنا هذا التنوع في الإستعمالات القرآنية من خلال القرائن والعلامات التي صرفت الذهن عن المعنى الأولي للروح وهي الروح الموجودة في الإنسان.
ففي سورة البقرة استعمل القرآن لفظ الروح وأراد بها الروح القدس فقال تعالى( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) وفي سورة النحل أيضاً(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) وفي سورة الحجر نسب تعالى الروح إلى نفسه فقال(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) وفي سورة النحل( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) ولعل المراد بالروح هنا هو الأمر الإلهي.
وفي سورة مريم يعبّر عن جبرائيل بالروح فيقول(فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) وفي سورة الشعراء(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) وفي سورة الشورى يطلق الله تعالى لفظ الروح على القرآن أو الوحي بشكل عام فيقول(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) وهناك استعمالات للفظ الروح في معان مختلف فيها، حيث ورد أن الروح ملك من أعظم ملائكة الله على الإطلاق ولا مانع من ذلك كما لا مانع من أن يكون المقصود بالروح الذي ينزل ويصعد مع الملائكة هو الأمر الإلهي، وفي هذا المعنى قال تعالى في سورة المعارج(تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) وفي سورة النبأ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) وفي سورة القدر(تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) وهذا يعني أن لفظ الروح له أكثر من معنى مستَعمَل فيه.
الإِنْسَانُ النَّفْسُ
قبل الشروع بالكلام عن النفس البشرية وقواها ووظائفها أود أن أشير إلى أن هذه النفس قد يُقصد بها الروح في بعض الأحيان أو ما هو مشتَرَكٌ بينها وبين الروح كالحديث عن النفس الزكية أو الأمارة بالسوء حيث يصح نسب الطاعة إلى الروح دون النفس وكذا نسب المعصية لها فيقال روح طيبة وزكية أو روح شريرة.
والحديث عن النفس ينفصل إلى اثنين: فمرة نتحدث عن النفس المشتملة على الحواس الخمس أو المتقومة بهذه الحواس الموجودة في الإنسان وفي كثير من المخلوقات التي تشارك الإنسان في الروح، ولم أقل هنا المخلوقات الحية لأنها تشمل الحي المتحرك بالإرادة والحي المتحرك من دون إرادة كالنبات، ومرة نقصد بها النفس التي تشارك الروح والقلب والعقل، وأكثر النصوص الذاكرة للنفس تقصد الثانية أي النفس المسؤولة عن حركاتها وسكناتها وأفعالها وتروكها ونواياها، فلا شغل لنا في النفس المشتملة على الشم والذوق والنظر والسمع واللمس.
والنفس مخلوق عظيم يوحي بتجليات سامية في مداليلها وعلى رأس تلك المداليل بيان القدرة الإلهية اللامحدودة التي صنعت هذه المخلوقات المعقدة وأخرجتها من مرحلة العدم إلى مرحلة الوجود، ولهذا فقد نشأ من خلال حديثهم عن حقيقة النفس وقواها ووظائفها العديد من الأوهام التي عمل الإسلام بجِدٍ على إزالتها عبر التعاليم التي وردت في القرآن المجيد وفي كلام النبي وآله(ص) وهما أصح وأصدق مرجع لمعرفة الحقائق وكسب التعاليم الصحيحة النافعة للبشرية كلها على مستوى الدنيا والآخرة.
وقد عبّر أمير المؤمنين عن النفس بتعبير عظيم يصف لنا مكانتها حيث قال: إن النفس لجوهرة ثمينة من صانها رفعها ومن ابتذلها وضعها:
وقد قُسّمت هذه النفس بحسب وظائفها وقواها إلى عدة أقسام:
القسم الأول: وهو ما سُمّيَ بالنفس الزكية: وهي النفس التي أجبرها صاحبها على الخضوع لأوامر الله تعالى ونواهيه وجعل العقلَ حاكماً عليها فلم يسمح لها بأن تقوم بأي فعل أو تترك أي أمر إلا بعد أن تمر في الموازين العقلية التي لم تُصَبْ بأي خلل أي العقل السليم.
فالله تعالى خلق نفساً قابلة لأن تكون زكية أو عاصية، وقد أمر الإنسان بأن يجعلها زكية لينجو من العقاب الشديد، وقد أقسم الله تعالى بالنفس لكونها من المخلوقات العظيمة مبيناً نتيجة تزكيتها أو إطلاق العنان لها فقال(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) وفي بيان المراد من هذه الآيات قال الصادق(ع) في قوله تعالى(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) خلقها وصوّرها، وفي قوله (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) أي عرّفها وألهمها ثم خيّرها فاختارت: وفي حديث آخر: بيّن لها ما تأتي وما تترك:
فالنفس عندما ينقلها صاحبها إلى مستوى التزكية فإنه يرفعها إلى أعلى المستويات التي يرضاها رب العالمين سبحانه فإذا عمل على تزكيتها فقد جعلها أعظم وأفضل مخلوق في هذه الدنيا لقوله(ص) ليس على وجه الأرض أكرم على الله سبحانه من النفس المطيعة لأمره:
وفي كلام لأمير المؤمنين(ع) يذكر لنا فيه حاكمية العقل على النفس وهذا بيان للعدالة الإلهية أو للرحمة الإلهية حيث لم يجعل قوى الشر في الإنسان أقوى من قوى الخير بل على العكس فإن قوة واحدة من قوى الخير قادرة على أن تتغلب على جميع قوى الشر مهما كانت قوية.
ولذا قال(ع) النفوس طَلِقة لكنّ أيدي العقول تُمسك أَعِنّتها عن النُّحوس:
القسم الثاني: وهو النفس الأمارة بالسوء: فهي تدعو بصاحبها إلى إشباع الشهوات واتباع الهوى من دون أن تنظر إلى الحدود الإلهية، وإطاعة هذه القوة نهايته الهلاك في جهنم، فلقد قال سبحانه(وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) فالنفس تأمر بالسوء إلا إذا لجمها صاحبها ونهاها عن الوقوع في الخطأ، وإلى هذا المعنى يشير تعالى بقوله(إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ) يعني أن الإنسان بصبره على الطاعة وعن المعصية يستجلب لنفسه رحمة الله عز وجل، وقد استفاضت النصوص الحاكية عن هذه النفس والكاشفة عن نتائج إطاعتها وعواقبها المشؤومة فقد قال علي: النفس الأمارة المسوِّلة تتملق تملق المنافق وتتصنّع بشيمة الصديق الموافق حتى إذا خَدَعت وتمكنت تسلطت تسلط العدو وتحكمت تحكم العُتُو فأوردت موارد السوء: وقال: إن النفس لأمارة بالسوء والفحشاء فمن ائتمنها خانته ومن استنام إليها أهلكته ومن رضي عنها أوردته شر الموارد: وفي دعاء الإمام السجاد: إلهي إليك أشكو نفساً بالسوء أمارة وإلى الخطيئة مبادرة وبمعاصيك مولَعة كثيرةَ العلل طويلة الأمل:
القسم الثالث: النفس اللوامة: وهي النفس التي تلوم صاحبها على الإقلال من الخير وعلى فعل الشر وإن كان قليلاً فهي تريد أن تكون الطاعة مستمرة والمعصية منقطعة، وهي نفس عظيمة جعلها الله تعالى مورداً للقسم في محكم كتابه حيث يقول(وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) وفي وصية الرسول لابن مسعود: أكثِر من الصالحات والبر فإن المحسن والمسيء يندمان يقول المحسن يا ليتني ازددت من الحسنات ويقول المسيء: قصّرتُ:
وقد قسّم علماء النفس قوى النفس إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: القوة العقلية الملكية:
وهي التي نعبّر عنها بالنفس الزكية والمطمئنة التي خضعت لقوى الرحمانية في الحياة الدنيا فانقادت لقوة العقل التي جعلها الله تعالى رحمة للإنسان، وفي نفس الوقت جعلها أقوى قوة من قوى النفس البشرية، وهي النفس التي تستلهم الأشياء من العقل الرحماني الذي يمثّل جهة الخير في الإنسان، وهي النفس التي تمتع بها المؤمنون عبر الزمن، وهي النفس التي لازمت الأنبياء والأوصياء والصلحاء، وهي التي أعيت الشيطان الرجيم لأنها كانت وما تزال أقوى منه بمراتب عديدة.
القسم الثاني: القوة الوهمية الشيطانية:
وتندرج هذه القوة تحت عنوان النفس الأمارة بالسوء، وهي النفس التي تدعو صاحبها إلى التمرد والعصيان وإشباع الشهوات بطرق غير مشروعة، وقيل إن صاحب هذه القوة يتسلل إلى عقول الناس وقلوبهم بأساليب شيطانية -أي عن طريق الوهم والضلال- لينال منهم غاياته الخاصة وأطماعه الذاتية.
وهي من القوى المنتشرة في كل مجتمع من شرق الأرض وغربها لأن أكثر الناس يعيشون على حساب الآخرين بطرق غير مشروعة، منها باسم الدين، ومنها باسم الوطنية، ومنها بأسماء وعناوين لا يحصى لها عدد.
القسم الثالث: القوة الغضبية السبعية:
وهي شبيهة بنفوس السباع فإن صاحب هذه النفس يعمل على إخافة الناس من أجل أن يصنع لنفسه مكانة في وسطهم فهو لا يحسن النطق الحسن ولا التصرف السليم وإنما يفرض وجوده عن طريق سرعة الغضب والتصرف البعيد عن منطق الإنسانية.
القسم الرابع: القوة الشهوية البهيمية:
وهي النفس التي تطلب الإشباع عن طريق الشهوة المطلقة التي لا تنقاد إلى أية ضوابط ولا تخضع للقوانين فإن تصرف صاحب هذه القوة يتشبه بالحيوانات التي تسعى إلى إشباع الشهوات من دون أن تراقب مسؤولية في ذلك، ولا عتب على الحيوان في هذا التصرف البهيمي لأنه غير عاقل، أما المسؤولية فإنها تقع على عاتق العاقل الذي أهمل القوة العقلية وتوجه نحو شهواته وسعى إلى إشباعها وإن كان ذلك على حساب الأديان والأخلاق والحقوق العامة والخاصة.
ويمكن للمرء أن تجتمع فيه ثلاث قوى من قوى النفس دفعة واحدة، ولكن لا يستطيع أن يجمع الأربع لأن القوة العقلية لا تتلاءم مع باقي القوى التي تستلهم أحكامها من الأهواء والنزوات.
الإِنْسَانُ الجَسَدُ
لو نظر الإنسان إلى تركيبة جسده المعقدة لأدرك عظمة الصانع سبحانه، فجسد الإنسان آية من آيات الله الكبرى، وما زال العلماء حتى اليوم يبحثون عن أسرار هذه التركيبة التي لم يعرفوا سوى القليل عن حقيقتها، فآيات الله تعالى موجودة فينا، وقد أرانا آياته في الآفاق وفي أنفسنا ليُظهر لنا الحق وأن ما جاء به الرسل لا يمكن أن ينكره إلا المعاند، قال تعالى(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ){فصلت/53}
والآيات التي مرّ ذكرها في البحث الماضي تبيّن أصل خلقة الإنسان الذي مرّ بعدة مراحل قبل أن يخرج إلى هذه الحياة، وهذا ما سوف نشير إليه لاحقاً.
فموضوع الإنسان الجسد يتناوله علم التشريح من دون أن يشيروا إلى آياته، أما نحن فنستعمل كل مخلوق كعلامة على قدرة الصانع سبحانه، والجدير بالذكر أن هؤلاء أعرف منّا بكثير حول جسد الإنسان، ولكن الشيطان أعمى بصائرهم عن الخالق وجعلهم ينظرون فقط إلى المادة التي يدرسونها فقط، وأنا أريد هنا أن أذكر بعض الأمور العلمية حول تركيبة هذا الجسد لأبيّن من خلال ذلك حقيقة الإنسان الجسد وقدرة الصانع له.
يتألف جسد الإنسان من عظام ولحم ودم وماء وغير ذلك مما سوف نذكره ضمن البحث، وكل قطعة فيه تتألف من خلاياها الخاصة، والخلية تتركب من أجزاء صغيرة جداً لا تمكن رؤيتها، وقد وضع الله تعالى في هذا الجسد كل ما تحتاج إليه الروح.
ويتركب الجسد من أربعة أجزاء رئيسية هي: الرأس والرقبة والجذع والأطراف، وتتركب هذه الأجزاء حول محور عظمي، ويغطى هذا الجسم بطبقات من العضلات والجلد، ويحتوي كل جزء على أنسجة عديدة مختلفة في أشكالها وأحجامها ووظائفها، ويتكون كل نسيج من وحدات صغيرة تسمى الخلايا، والخلية تتركب من أجسام صغيرة، وهذه الأجسام الصغيرة تتركب تتركب من جزئيات لمواد عضوية، وتتركب هذه الجزئيات من ذرات لعناصر مختلفة، وهو يحتوي على عشرة تريليون خلية، والتريليون يعادل مليون مليون خلية، أي أن جسم الإنسان يتركب من آلاف المليارات من الخلايا.
ويوجد في جسم الإنسان ستة عناصر رئيسية، هي: الأوكسيجين والكربون والهيدروجين والنيتروجين والكالسيوم والفوسفور.
ويوجد في جسمه مئات الأعضاء، ولكل عضو وظيفة خاصة، فسبحان الخالق والمنظّم والمدبّر الذي خلق الإنسان في أحسن صورة وأحسن تقويم.
والجدير بالذكر هنا هو أن تركيبة الإنسان هي ذاتها تركيبة الأرض والحيوان والنبات، وهذا يعني أن الله تعالى خلقنا في الأرض وجعلنا منسجمين مع كل ما فيها بهدف إصلاح الحياة.



