قصص وحكايات

ذو القرنين(مسلسل حواري) الحلقة الثانية

 

مسلسل ذو القرنين

الحلقة(2)

 

الراوي: أمر القائد ذو القرنين جنوده بالسفر إلى البلاد المجاورة لإحضار مادة فولاذية صلبة حتى يصنعوا منها رماحاً قوية ففعلوا ذلك وصنعوا من الأسلحة ما يكفي كل الجيش الذي بلغ عدده حداً يصعُب إحصاؤه، وكان عازماً على المضي قدماً في جهاده، وكان يسعى دائماً لتحسين حالة جيشه وتهيئتهم لمواجهة الأعداء مهما بلغت قوتهم، فكان يهتم بتدريبهم ويُشرف عليهم بنفسه كيلا يقصّر في واجباته تجاه الله والناس، وكان كثير من الناس يتوافدون إلى مدينة ذي القرنين يلتمسون منه العون، وكان يُصغي للجميع ولا يتهاون بأمرٍ من الأمور مهما كان صغيراً.

الشيخ: توقف قليلاً أيها الشاب، هل لي بسؤال من بعد إذنك.

الشاب: أنا بخدمتك أيها الشيخ، تفضل، سلني بما تشاء.

الشيخ: هل أنت من هذه الديار أم أنك غريبٌ مثلي.

الشاب: بل من أهل هذه الديار، هل من خدمة أُسديها لك؟

الشيخ: نعم يا بني، وصلت إلى هذه المدينة منذ ساعات، وهي مدينة واسعة، وقد خشيت الضياع وأنا رجل غريب كما أخبرتك، لقد جدت الناس مشغولين بالتجارة، والسوق عامرة ومكتظة فلم تسنح لي الفرصة بمسائلة أحدهم، فخشيتُ أن أُثقِلَ عليهم، فهل لي أن أسألك شيئاً؟ إذا كان وقتك يسمح.

الشاب: على الرحب والسعة أيها الشيخ، ولكن قبل أن تسألني شيئاً أريد أنا أن أطرح عليك سؤالاً إذا لم يزعجك الأمر.

الشيخ: تفضل يا بني سل ما تشاء.

الشاب: يبدو أنك تزور مدينتنا للمرة الأولى؟

الشيخ: نعم يا بني، ولكن ما الذي أدراك؟

الشاب: حالك التي أنت عليها، وملامح وجهك تُنبئ عن كونك مستهجناً ومرتبكاً، ثم إني أرى التعب واضحاً على وجهك، هذه هي حالة كل الوافدين إلى هذه البلاد للمرة الأولى، وأكثرهم مثلك، فإن أقرب مدينة تبعد عنا مسيرة أيام طويلة، وهذا ما يمنعهم من الوفود إلينا إلا نادراً، فلا يأتي إلى هذه الديار البعيدة إلا صاحب الحاجة الملحة أو الهارب من ظلم الحكام.

الشيخ: صدقتَ يا بني، لقد أجدتَ وأصبتَ، ما قلتَه هو الواقع، فلو لم تكن حاجتي ملحة لما تكبدتُ عناء السفر إليكم، وصلت للتو إلى دياركم، ولم أصادف أحداً في الطريق منذ أيام، إنني من بلاد تبعد عنكم مسيرة أشهر.

الشاب: لن أزعجك بأي سؤال آخر، أطلب مني ما تشاء وحاجتك مقضية.

الشيخ: هذا لطفٌ منك يا ولدي، ما جاء بي إلى دياركم إلا السؤال عن القائد العادل ذي القرنين، وأظنك الشخصَ الذي سوف أهتدي به، لقد سمعتُ الكثير عن مزاياه وبطولاته وأخلاقه الكريمة وأنه يحب العدل ويكره الجَور وينصر المظلوم ولو سكن أقاصي الأرض، فهل صحيحٌ ما سمعتُه؟

الشاب: نعم أيها الشيخ، ما قلتَ إلا الحقيقة،  وهذا غيضٌ من فيض ما كان عليه القائد ذو القرنين، ولكن والله لن أسمع منك شيئاً حتى تتفضل معي إلى داري لأقوم بواجب الضيافة ثم بعد ذلك تسألني وأجيبك إن كنتُ أعلم.

الشيخ: ولكنني يا بني لا أريد أن أُثقل عليك، إنني على عجلة من أمري.

الشاب: ولما العجلة وأنت في مدينة القائد العادل ذي القرنين، إنها مدينة آمنة يعيش أهلها في ظل هذا الحاكم المؤمن، وأهلها كرماء يكرمون الضيف ويخدمون كل وافدٍ إليهم مهما كانت حاجته، والله لن أقبل منك أي عذر، ولن أجيبك على أي سؤال قبل أن تشرفني في داري.

الشيخ: أشكرك يا بني، إنه لطفٌ منك أن تصنع معي هذا المعروف.

الشاب: لا شكر على واجب يا عم، إننا نعيش في بلاد يحكمها قائد عادل يأمرنا بإكرام الضيف وإغاثة الملهوف، أهلاً بك في ديارك، أتمنى أن تتصرف وكأنك في بيتك.

الشيخ: أهلاً بجنابك أيها الشاب الطيب.

الشاب: تفضل أيها الشيخ، هذه ديارك الثانية، ساعةٌ ويكونُ الطعام جاهزاً، إسترح من فضلك.

الشيخ: بالله عليك لا تُتعب نفسك يا ولدي، إنني لا أشعر بالجوع.

الشاب: والله لن أسمع منك كلمة حتى تأكل وتشرب وترتاح.

الشيخ: ماذا أقول لك؟ لقد غلبتني بحسن ضيافتك وعذوبة كلامك.

الشاب: ما رأيك بطعامنا أيها الشيخ؟

الشيخ: في البداية لم أكن أشعر بالجوع، ولكنني عندما شممت رائحة طعامك لم أتمالك نفسي، مذاقه طيب، والله عمري ما تذوقت طعاماً أشهى من هذا الطعام، إن الذي جعله هكذا هو حسن ضيافتك، بارك الله بك.

الشاب: والله ما قمتُ إلا ببعض الواجب، والآن كلي آذان صاغية سل ما بدا لك، فإن كنت أعرف الجواب أجبتك وإلا دللتك على مَن يعلم.

الشيخ: أظنك تعرف الجواب، لا أظن أنّ أحداً من أهل هذه المدينة يجهل ما سوف أسأل عنه، إسمعني يا بني، ما حملني إلى زيارة بلادكم إلا الذي سمعناه عن قوة قائدكم وعدله، إن الناس يغبطونكم على هذه النعمة.

الشاب: أصبتَ أيها الشيخ، إنه بالفعل كما تقول، إنه نعمة من الله أنعم بها علينا في زمن قلّ فيه أهل العدل والرحمة.

الشيخ: والله إن الناس يغبطونكم عليه ويتمنون لو كان في بلادهم شبيه لهذا الرجل المؤمن المجاهد، لقد سمعنا الكثير عن بطولاته وجولاته وكثرة ترحاله في البلاد ونشره للعدل في كل الأمصار، وأنه صاحبُ عِلمٍ وحكمة وقوة وبأس لا تأخذه في ربه لومة لائم.

الشاب: نعم أيها الشيخ، هو كما تقول وأكثر، لقد مكّنه الله في الأرض وآتاه من كل شيء سبباً، إنه يعرف الكثير من الفنون والعلوم واللغات والمِهن، لا تعترضه مَعضِلة إلا وكان حلُها عنده حاضراً، إنه يجاهد في سبيل الله ويجد مُتعتَه عندما ينصر المظلومين ويعلّم الناس أساليبَ عيشهم.

الشيخ: يبدو أنك تعرف الكثير عن ذي القرنين.

الشاب: ليس إلى هذه الدرجة، إن معرفتي بذي القرنين يسيرة، إننا مهما اجتهدنا في فهم شخصيته فلن نصل إلى عُشر ما هو عليه من العلم والمعرفة، إنّ الذي به إنما هو مِنّةٌ من الله عز وجل، إننا لا نعرف كيف استطاع أن يؤسس هذا الجيش الجرار وكيف يستطيع تأمين لوازمه، نحن نجزم بأن الوحي يأتيه، ولكنه كتوم لا يصرّح بهذه الأمور، لم ندخل عليه يوماً إلا ووجدناه راكعاً أو ساجداً أو ذاكراً لربه، إنه يسعى للسجود في كل بقاع الأرض، لم يُهزم يوماً، ولم يقصّر تجاه أحد، دائماً باله مشغول يفكّر في الناس، وبالخصوص من كان مظلوماً منهم، إنه يسعى لنشر العدل في كل بقاع الأرض.

الشيخ: هل تعرف اسمَه الحقيقي؟

الشاب: لا أحدَ يعرفُ إلا اسمَ ذي القرنين، قد يكون له اسمٌ غيره ولكنني في الحقيقة أجهله، الجميع يعرفه ذو القرنين ولا يأبهون لاسم غيره.

الشيخ: أرى أنه اسمٌ غريب، ولكن لماذا يُطلق عليه هذا الإسم؟

الشاب: سمعت من بعض المقرّبين لذي القرنين بأن هذا اللقب معناه أن ذا القرنين أخذ بقرني الشمس، أي أنه زار مشرقها ومغربها، وهذا يعني أنه جال في معظم بقاع الأرض وما زال عازماً على زيارة أبعد الأماكن وأغربها.

الشيخ: ولكن البعض يقولون إن في رأسه قرنين.

الشاب: في الحقيقة لم أر ذلك قط، ولكن هل كانت زيارتك إلى هذه المدينة لمعرفة هذه الأمور اليسيرة فقط، أم أنّ لك شأناً آخر؟

الشيخ: بل هناك سببٌ كبير دفعني لزيارة بلدكم، إنني أريد أن ألتقي بالقائد ذي القرنين فهناك شعوب في مشرق الشمس ومغربها يحتاجون إليه، إنني أريد أن أرجوه زيارةَ تلك الأماكن.

الشاب: إنك بهذا الطلب سوف تُثلج صدره وتُدخل السرور إلى قلبه.

الشيخ: حقاً؟ إلى هذا الحد يحب فعلَ الخير؟

الشاب: نعم أيها الشيخ، إنه يرى متعته في زيارة أماكن لم يزرها هو وجيشه من قبل، ما رأيك لو جمعتك بالقائد ذي القرنين؟

الشيخ: هذا ما أصبو إليه، والله ما قطعت تلك المسافة إلا من أجل اللقاء به، إنك تسدي إليّ خدمة لن أنساها مدى الحياة.

الشاب: على الرحب والسعة أيها العم، ما رأيك لو نذهب إلى داره الآن.

الشيخ: إن كان قصره بعيداً فلنأجّل الزيارة إلى الغد، لأنني منهك من تعب السفر.

الشاب: قصر؟ عن أي قصر تتحدث أيها الشيخ؟

الشيخ: قصر القائد ذي القرنين.

الشاب: إنه يفضل الجلوس في بيت عادي، إنه لا يحب القصور، فهو متواضع إلى درجة أنك لو رأيته لظننتَ أنه فلاح من الفلاحين.

الشيخ: حقاً هو هكذا؟ إن كثيراً ممن يعرفونه ويسمعون عن جيشه الجرار وقوته الهائلة يعتقدون أنه يسكن في قلعة محصّنة.

الشاب: سوف نذهب إلى داره وهناك تعرف الجواب بنفسك، هيا بنا.

الشيخ علي فقيه

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى