قصة السامري صانع العجل الذهبي

قِصَّةُ السَّامِريّ صَانِع العَجلِ الذَهَبِي
(فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ)
منذ بداية الحياة على الأرض بدأ الصراع بين الحق والباطل، وتماشى الطريقان مع كل جيل حتى شهدت البشرية أنواعاً وألوانا من الكفر وأهله، ومع وجود الأهواء والمطامع التي يدعمها إبليس أصبح فعلُ الشر متاحاً لمن يرغب من ذوي النفوس المريضة.
وكان من نِعَم الله على الناس أنه أرسل إليهم الأنبياء مبشرين ومنذرين وداعين إلى الحق بأمره وإذنه، ولولا ذلك لامتلأت الأرض بالكفر المطبق ولم يبق للخير أي مكان.
وعلى الجميع أن يوقنوا بأنّ قوى الخير في الإنسان أقوى من قوى الشر، والإنسان بغرائزه وشهواته هو الذي يُضعف نفسه التي كان بإمكانها التغلّب على الوسوسات الشيطانية بكل سهولة بما آتاها الله من عقل وعلمٍ وبصيرة.
ومن جملة نماذج رموز الكفر وعناوين الضلال الذين كانوا حطباً لنار الوثنية(حيث أحرقوا أنفسهم في سبيل إثباتها وتغلّبها على دعوة الأنبياء إلى التوحيد) شخصٌ حاقد على نور النبوّة، عاش في زمن نبي الله موسى(ع) وكان يعمل نحّاتاً يصنع التماثيل للوثنيين، وكان فنُّه محبوباً لديهم إذ أتقن صنعها بدقة متناهية وأعطاها العديد من الأشكال والصور الملفتة للنظر، وكان يُدعى السامريّ الذي ذكر القرآن اسمه أكثر من مرة.
فبعد أن أهلك الله فرعون وجنوده وسار موسى وبنوا إسرائيل في الطريق التي شقّها الله لهم في البحر كان السامريّ برفقتهم، وبقي معهم حتى وصلوا إلى مكانٍ أمرهم كليم الله بالتخييم فيه حيث أراد أن يصعد إلى الجبل لميقات ربه فصعد الجبل وخلّف أخاه نبي الله هارون(ع) فيهم يرعى لهم شؤونهم في غيبته.
لقد صعد موسى إلى الجبل حتى يرجع إلى بني إسرائيل بخير الدنيا والآخرة، بتعاليم التوراة التي أنزلها الله تعالى ألواحاً إليهم، ولكنهم ما عملوا بها ولا استجابوا لله ورسوله.
ولم يكن هارون كموسى في تعامله مع بني إسرائيل، فهم يخشون موسى ولا يخافون هاروناً ولا يأتمرون بأوامره، وبعبارة أخرى كانوا يستضعفونه لأسباب نفسية لا تخفى على أي عاقل مطّلع.
وفي تلك الأثناء استغلّ السامري فرصة غياب موسى ونفسية بني إسرائيل المتزلزلة لعلمه بميولهم إلى الإنحراف بكذبة واحدة، فقد عاش بينهم فترة طويلة وهو يعرف الكثير عنهم ويُدرك سهولة انحرافهم عن الحق بأكذوبة واحدة، وهو واحد من الذين رأوا المعجزات وكذّبوها، بل إنه رأى الخيل الذي حمل جبرائيل وهم يسيرون وسط الماء وأخذ قبضة من أثر أقدام خيله ومزج بها المادة التي صنع منها العجل المشؤوم.
فصنع لهم عجلاً من الذهب الخالص له فتحتان، واحدة في مقدمته وأخرى في مؤخرته، ووضعه في مكان بعكس الهواء، فكان الهواء يدخل من مقدمته ويخرج من مؤخرته أو العكس، وكان يُصدر صوتاً عالياً يشبه صوت العجل بفعل الهواء، فأُعجب بنوا إسرائيل بهذا العمل الفني المميز، وعندما رأى السامري دهشة بني إسرائيل وإعجابهم بعجله المصنوع من الذهب خطرت له فكرة جهنمية، فلقد وسوس الشيطان في قلب السامري فادعى بأنّ هذا العجل هو إلههم وإله هارون موسى، وهو يتكلم معهم بهذا الصوت، فانكبوا على عبادته وراحوا يقدمون له القرابين ويأخذها السامري.
وقد حصلت هذه الحادثة بعد رؤية بني إسرائيل للعديد من المعجزات التي من شأنها أن تلين الصخر، ولكنّ قلوبهم أقسى من الصخر الأصم لأنهم ميّالون للشر دائماً.
(قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)
استغلّ السامري بُعد موسى عن بني إسرائيل الجهلة عندما تركهم وصعد إلى الجبل ليأتيهم بالتوراة، فصنع العجل الذي ذكرناه، وعكف بنوا إسرائيل على عبادته من دون الله عز وجل، فحذّرهم نبي الله هارون من الكفر، فهددوه بالقتل، وأنكروا كل المعجزات التي رأوها بأم أعينهم وما حصل لفرعون يوم شَقِّ البحر، والجراد والقمّل والدم وغير ذلك من المعجزات الكبرى.
وادعى السامري بأنه صنع العجل من التراب الذي داس عليه المَلَك جبريل، وكان ذلك مبالغة منه في الكفر، فبدل أن يستعمل تلك القبضة فيما ينفع الناس راح يستعملها فيما يزيدهم كفراً، ولهذا استحق العذاب في الدنيا قبل الآخرة.
لقد غاب موسى عنهم أربعين يوماً، وكان غيابه امتحاناً لبني إسرائيل من الله سبحانه حيث كان المقرر أن يغيب عنهم ثلاثين ليلة فأتمها الله إلى الأربعين، وكان لهذا التأخير أثرُ سلبي على نفوسهم حيث أشاعوا بين بعضهم البعض بأنّ موسى هرب وتركهم تائهين مشردين، والدليل أنه لم يرجع في الوقت المحدد، وحينها أعلنوا الحرب على التوحيد ولم يسمعوا لنبي الله هارون وعبدوا العجل بكل وقاحة، فامتحنهم ربهم ولم ينجحوا لا في هذا الإمتحان ولا في غيره.
وبينما هم غارقون في عبادة الوَثَن مطمئنون بأنّ موسى لن يرجع إليهم وإذ بهم يرونه قادماً من جهة الجبل يحمل في يديه ألواحاً، فعندما نظر إليهم وهم يعبدون هذا التمثال غضب بشدة وأمسك بلحية أخيه هارون يؤنبه كيف سمح لهم أن يعبدوا هذا الوثن، فأخبره هارون بأنه حاول منعهم ولكنهم استضعفوه وهددوه بالقتل، وقد خشي من إحداث الفرقة إن حاول منعهم بالقوة(قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)
ولما هدأ روعه توجّه نحو السامري الذي كاد يقع على الأرض من شدة خوفه، ودار بينهما حوار قاس وشديد اللهجة، وقد حاول السامري أن يكذب ويخدع بني إسرائيل حتى مع وجود موسى ولكنّ محاولته باءت بالفشل حيث حكم موسى عليه وعلى العجل بحكمٍ يتناسب مع تلك الجريمة.
أما حكمه على العجل فتحطيمه وحرقُه وإلقاؤه في البحر بعيداً بهدف إذلال هذا الوثن الذي ظنّ بنوا إسرائيل لوهلة أنه إلههم حقاً.
وأما حكمه على السامري فكان أشد من الموت بالنسبة لهذا الضال، فقد منع الجميع بالتكلم معه أو النظر إليه فجلس وحيداً بقية حياته كئيباً تقتله الوحدة والوحشة، وبقي في منفاه إلى ما شاء الله، ولكن مع الأسف لم تمت تلك العقيدة الفاسدة التي زرعها في نفوس ضعفاء العقول من البشر، وقد استمرت عبادة العجل فترة طويلة وربما ما زالت قائمة حتى يومنا الحاضر.
(قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا * إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)



