
قِصةُ خَلْقِ الذَر
قبلَ هذَا الوُجود لم يكن في الوجود موجودٌ سوى الله عزّ وجلّ فأحبَّ أن يُعرَف ويُعبَد فخلق الخلق من العَدَم.
وأولُ خَلْقِه عالَمُ الذَّرّ، وهو عالَم أرواح بلا أجساد، وهي أرواح الخلائق من أولهم إلى آخرهم، وكان عددهم هائلاً لا يعلمه إلا الله، فجمعَهُم ليأخُذَ العَهْدَ عليهم، ثمّ وَجَّه سؤالَه إليهم،(ألستُ بربكم؟) فأجابوه(بلى) دونَ أن يعترضَ منهم أحد، وبعد ذلك واعَدَهُم العذَابَ إنْ هُمْ نقضوا العهدَ وأخلفوا الميثاق، وقد عاهدوه منذ ذلك الحين أن لا يعبدوا الشيطان الغَويَّ فنقض الكثيرون منهم عهدهم بعدَ أن خرجوا إلى هذه الدنيا حيث غَرّتْهُم شهواتُها وألهتْهُم ملذاتُها وهم موقنون بعدم البقاء فيها، وكان أكثرهم للحق كارهين بعد أن آثروا طاعة الشيطان على عبادة الرحمن، وفي ذلك قال سبحانه(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)
ثم انتقلتْ الأرواح بطريقة لا يعلمُهَا البَشَر إلى عالَم الأصلاب بعدَ أَنْ كُوِّنَ آدمُ من ترابٍ تحَوَّلَ بقدرة الله إلى لحْمٍ وَدَمٍ وعِظَام ومشاعرَ وأحاسيس، ثم انتقَلَتْ من عالَم الأصلاب إلى عالَم الأرحام، ثم إلى عالَم الدنيا، وبالموت انتقلَتْ إلى مرحَلَة البَرْزَخ، وبالنشور انتقلَتْ إلى عالَم الآخرة.
ففي البدايَة عاهدوا ربَّهم ثم أخلفوا، وفي النهاية ندموا حيث لا ينفع النَّدم.
(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ)
الشيخ علي فقيه