
الشيخ علي فقيه
دُعَاءُ الإِفْتِتَاح
عِلْمٌ وَعِبَادَةٌ
دعاء الإفتتاح دعاء عظيم تُستحب قراءته في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، وينبغي على المؤمن الداعي أن يتوجه بجميع مشاعره في الدعاء نحو الله سبحانه وتعالى في شهر رمضان وغيره من الشهور لأن الله تعالى يسمع الدعاء في كل وقت من عمر الإنسان، ولكننا نؤكد دائماً على شهر رمضان لأن الإستجابة فيه أسرع والأجر فيه أكبر، وقد قال رسول الله(ص) ودعاؤكم فيه مستجاب: ولكن شرط الإستجابة هو التوجه الخالص والنية الصادقة لله عز وجل، فإذا قرأنا الدعاء من دون توجه أو قصدنا به غير الله فلا يمكن أن نحصل على الإجابة مهما قرأنا وكررنا القراءة واجتهدنا بالدعاء لأن هناك محاور ينبغي أن تحضر عند الدعاء، فهناك داعي ودعاء ومدعو، ولكل واحد منهم شروطه الخاصة لكي تحصل الإجابة، وقد أشرنا إلى شيء من ذلك قبل قليل وهو التوجه الخالص.
يبدأ دعاء الإفتتاح بقول الداعي:
(اَللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ)
فقوله(اَللّـهُمَّ) يعني يا ألله أنا أثني عليك وأذكرك ذكراً حسناً من خلال حمدك لأنك تحمد على كل حال، وإن أجود أنواع الثناء على الله تعالى هو أن تحمد ربك على النعم والنقم، وهناك فرق في التعاطي مع النعمة والنقمة، فإن النعمة تقابَل بالشكر والحمد معاً أما النقمة فينبغي أن تقابل بالحمد وليس بالشكر، وعندما ندعو إلى حمد الله أو شكره فلا نقصد به مجرد القول حيث قد يكون القول مجرداً عن العمل والتطبيق، ولكي يكون الشكر أو الحمد نافعاً ومثمراً يجب أن نخرجه إلى مرحلة العمل ودائرة التطبيق فلا تكفي فيه لقلقة اللسان لأنها إذا تجردت عن العمل فلن تجدي نفعاً للعبد في يوم الحساب.
(وَاَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَّنِكَ) وهذا إقرار من العبد بأن معرفة الصواب والإستدلال على طرق الخير لا تحصل إلا بتوفيق وتسديد من الله تبارك وتعالى، فبعد أن دعا الداعي ربه واعترف بأنه يفتتح الثناء بحمد الله حقاً وصدقاً راح يتوج هذا الإعتراف بإقرار آخر وهو أن التعرف على الحق لا يتم إلا بالرجوع إلى الخالق القدير، ونفس هذا الإقرار الصادق يحمل معه من الأجر والثواب ما لا يعد ولا يحصى، وفي هذا الشهر المبارك يجب أن نعيش مع الله عز وجل بقلوبنا وعقولنا ونتفكر في عظمته وأسمائه وصفاته لأن التفكر في مثل هذه الأمور عبادة يتقرب بها العباد إلى خالقهم سبحانه وتعالى، وشهر رمضان هو شهر التفكر والتأمل في الرحمة الإلهية التي فرضت علينا ما نربح به الدنيا والآخرة في وقت واحد.
(وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَاَشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَاَعْظَمُ الْمُتَجَبِّرِينَ في مَوْضِعِ الْكِبْرياءِ وَالْعَظَمَةِ)
قبل أن يجتهد المؤمن في العبادة من صلاة وصوم ودعاء وأذكار ومناجاة هناك مفاهيم عقائدية مهمة للغاية هي الميزان في قبول الطاعات واستحقاق الثواب عليها، فقد يصلي العبد لربه وهو لا يعرف شيئاً عنه، وقد يقرأ القرآن أو الدعاء ولا يدري ما يقول، فإن كانت نيته خالصة لله فقد استحق الأجر والثواب وإن لم يعلم ما يقول، ولكنه لو كان عالماً بالله وبما يقوم به من أنواع العبادات لكان الأجر على العمل أعلى بدرجات من أجر العمل من دون معرفة، وعلى سبيل المثال فإن أمامنا فقرات من دعاء الإفتتاح الذي نقرؤه يومياً مرة أو أكثر من مرة ولكننا قد نقرأ ولا نعلم ماذا نقول أو ماذا نقصد بهذه القراءة، فقوله(وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ) فقد يضع العبد نصب عينيه بأن الله تعالى سريع الرضا وأن رحمته وسعت كل شيء وأنه سبقت غضبه فيتكل على هذا المعنى أو هذا المفهوم ويرتكب بعض الأخطاء بحجة أن الله تعالى أرحم الراحمين، نحن نقول بأن هذا المعتقد برحمة الله جميل ولكن إذا كان العبد أهلاً لنيل الرحمة فقد يكون مؤمناً بكونه تعالى أرحم الراحمين ولكن أعماله السيئة تحول بينه وبين الرحمة، الله تعالى رحيم ولكنه ليس في كل الحالات والظروف فيجب عليك أن تضع نصب عينيك هذا الميزان الذي ذكره القرآن الكريم حول الرحمة والعذاب عندما قال تعالى(نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ) فكما يجب أن تعتقد بكونه تعالى أرحم الراحمين فكذلك يجب أن تعتقد بأنه شديد العقاب كيلا تقع في مسألة الأمن من مكر الله، وإذا تأملنا قليلاً في فقرات الدعاء المذكورة لوجدنا بأنها تحرص على هذا الميزان حيث قال الداعي(وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ) يعني إذا كان العبد مستحقاً للعفو والرحمة فسوف يجد بأن الله تعالى أرحم الراحمين، وأما إذا كان مستحقاً للعقاب بسبب عصيانه وتقصيره فسوف يجد بأن الله عز وجل شديد العقاب، وهذا ما أشير إليه في الدعاء حيث يقول الداعي(وَاَشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ) يعني إذا أراد الله أن يعذب فرداً أو مجموعة فسوف يلمسون شدة غضب الله عز وجل، فالإعتقاد برحمة الله تعالى ليس مطلقاً بل يجب أن يخضع للميزان الذي ذكرناه، وكما أنه تعالى أرحم الراحمين في موضع الرحمة وأشد المعاقبين في موضع العقاب فكذلك هو أعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة، ولا يقصد بالتجبر لدى الله تعالى تجبر جبابرة الأرض فإن جبروته غير جبروتهم.
(اَللّـهُمَّ اَذِنْتَ لي في دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ)
يعني يجب على المؤمن أن يشكر ربه على نعمة الإذن له بالدعاء لأنه من العبادات السهلة التي لا تحتاج تأديتها إلى أي نوع من أنواع التعب والمشقة فإن العبد يستطيع أن يكسب الكثير من الأجر والثواب بكلمات يتوجه بها نحو ربه بصدق وإخلاص، فماذا كنا نصنع لو منعنا ربنا من المسألة وقطع هذه الصلة بيننا وبينه؟ بالطبع سوف نعيش حالة من الضياع والتفكك وربما يجرنا ذلك إلى ما لا تحمد عقباه.
وبما أنه تعالى أذن لنا في مسألته فقد سأل الداعي ربه بأن:
(فَاسْمَعْ يا سَميعُ مِدْحَتي، وَاَجِبْ يا رَحيمُ دَعْوَتي، وَاَقِلْ يا غَفُورُ عَثْرَتي)
وهنا يقر الداعي ببعض الصفات الخاصة بالله تعالى وهذا يعني الإيمان بأسمائه وصفاته كالسميع والرحيم والغفور، وهنا يطلب الداعي من ربه أن يسمع مدحته حيث مدح ربه بالفقرات السابقة من الدعاء وذلك عندما قال(وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ) وهنا يطلب الداعي من ربه أن يسمع منه هذه المدحة ويقبلها لأن فيها أجراً وثواباً في يوم الحساب، وأجب يا رحيم دعوتي: فإن الداعي في هذا الدعاء سوف يسأل ربه أشياء كثيرة ومطالب عديدة لا يمكن أن يحققها له سوى الله تبارك وتعالى، وهذا الداعي يسأل ربه الإجابة لأنه معتقد بمضمون قوله عز وجل(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) فإذا استجاب الله دعاء عبده فقد أنعم عليه بنعمة لا تقدر، وآنس شيء على قلب المؤمن هو أن يستجيب الله له لأن الإستجابة تعني أن الله معه وهو يسمعه أينما كان وهذا من شأنه أن يزرع الطمأنينة في قلب الإنسان ويشجعه للمثابرة على التواصل مع الله عز وجل.
(وَاَقِلْ يا غَفُورُ عَثْرَتي) فلا يقيل العثرة ولا يغفر الذنب ولا يحفظ من الشر سوى الخالق القدير الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن، وإذا قال للشيء كن فلا بد وأن يكون.
وهنا يتقرب العبد من ربه بذكر نعم الله وفضله عليه وعلى جميع الخلق فيقول:
(فَكَمْ يا اِلهي مِنْ كُرْبَة قَدْ فَرَّجْتَها وَهُمُوم قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَة قَدْ اَقَلْتَها، وَرَحْمَة قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاء قَدْ فَكَكْتَها)
إن الله تعالى هو الذي كشف الضر عن الأنبياء والصالحين وأقال عثرتهم وأنقذهم من البلاءات الكثيرة والمتتالية.
(اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبيراً)
في هذه الفقرات من دعاء الإفتتاح يحمد الداعي ربه على أنه لم يتخذ زوجة ولا ولداً وهو بذلك يقر بالوحدانية لله عز وجل، وهذه مسألة تستحق الشكر والحمد لأنه لو كان مع الله شريك لفسدت السموات والأرض كما يقول الله تعالى في محكم كتابه(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) وليس لله ولي لأنه الولي الأول والعزيز الأكبر الذي ليس محتاجاً إلى غيره، وهذه العبارات هي عبارات التوحيد الذي بعث به جميع الأنبياء من أولهم وإلى خاتمهم سلام الله عليهم أجمعين، وهذا أمر يستدعي منا حمد الله تعالى وشكره لأن التوحيد أكبر نعم الله على الإنسان لكونه المدخل إلى نيل سعادة الدنيا والآخرة.
(اَلْحَمْدُ للهِ بِجَميعِ مَحامِدِهِ كُلِّهَا، عَلى جَميعِ نِعَمِهِ كُلِّها)
يعني بأي لفظ وبأية طريقة يمكن أن يحمد الله تعالى فأنا أحمده بجميع المحامد على جميع نعمه التي تستحق منا الحمد والشكر، وهو أقل ما يمكن أن نبادر به تلك النعم الجمة التي لا يحصى لها عدد(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) وهذه الفقرة من الدعاء رائعة في معناها والمراد منها فهي تدل على احتياط العبد تجاه الحمد وحرصه على أن لا يفوته من حمد ربه شيئاً لأنه يدرك ويؤمن بضرورة شكر النعم لعلمه بعظيم الأثر الذي ينتج عنها إن على صعيد الدنيا أو على صعيد الآخرة.
(اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا مُضادَّ لَهُ في مُلْكِهِ، وَلا مُنازِعَ لَهُ في اَمْرِهِ اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا شَريكَ لَهُ في خَلْقِهِ، وَلا شَبيهَ لَهُ في عَظَمَتِهِ)
المؤمن المخلص لربه والعالم بصفاته الكريمة وأسمائه الحسنى وبعض خصوصياته يرى ما لا يراه غيره لأنه صاحب نظرة عميقة وصائبة، فكثير من الناس يشكرون الله تعالى على النعم المادية أو النعم الظاهرية فقط ويغفلون عن شكر النعم الباطنة أو الخفية نوعاً ما، هذا مع العلم بأن شكر النعم الباطنة أعظم بركة وأجراً وأثراً لصاحبها في الدنيا والآخرة، فبعضهم يحمد الله ويشكره على إعطائه الرزق أو الولد أو أي نعمة من هذه النعم الظاهرية، وبعضهم وهم المؤمنون الصادقون العالمون يشكرون الله على نعم لا يظنها الآخرون نعماً مع أنها اكبر من المال والولد والنبات وغير ذلك من المادة، فنلاحظ هنا بأن الداعي يحمد ربه على أنه لم يجعل لنفسه منازعاً أو بشكل مطلق فهو يحمد الله لأنه لا مضاد له في ملكه، فقد يظن البعض بأن المؤمن الذي يحمد ربه على هذه النعمة بأنه مبالغ في حمده، ويعود سبب هذا الظن إلى جهل الظان بكون هذه المسألة نعمة، فلو كان مع الله تعالى مضاد له في ملكه لقضى علينا وما رحمنا، وهذا يعني بأن هذه النعمة قريبة منا جداً وليست بعيدة عن واقعنا كما يتوهم البعض ممن يجهلون حقيقة الأمر.
وكذلك يحمد ربه على أنه لا منازع له في أمره لأنه لو نازعه أحد في أمره لاختلت جميع الموازين التي نسير عليها والتي نؤمن بها وننطلق من خلالها في أعمالنا وحركاتنا وسكناتنا، وكذلك يحمده لأنه لم يتخذ معه شريك وليس له شبيه في عظمته الباهرة وهذا كله يصب في خانة التوحيد وهذه العبارات كما قلنا في البحث الماضي هي إقرار من العبد بالوحدانية وهذا هو المطلوب الأولي من العباد أو هو المرحلة الأولى من الإيمان ويليها المرحلة الثانية المكملة لها وهي مرحلة العمل والتطبيق.
ونحن ننصح كل مؤمن ومؤمنة بالتفكر والتأمل والعيش مع الله تعالى وفي رحاب رحمته قدر المستطاع فإن المدة التي تعيشها مع ربك هي التي تربها وتربح بها آخرتك فهي أوقات من نور لأنها تتصل بالنور المطلق سبحانه وتعالى.
وهذا الدعاء الكريم الذي نغوص قليلاً في أعماقه وأبعاده ومعانيه يستحق منا التأمل في فقراته كيلا تكون قراءتها مجرد إعمالٍ للسان من دون إعمال القلب والعقل والروح وإن الأجر من وراء الدعاء أو أية عبادة أخرى إنما هو بقدر التوجه إلى الله والخشوع له والتذلل بين يديه.
(اَلْحَمْدُ للهِ الْفاشي في الْخَلْقِ اَمْرُهُ وَحَمْدُهُ، الظّاهِرِ بِالْكَرَمِ مَجْدُهُ، الْباسِطِ بِالْجُودِ يَدَهُ، الَّذي لا تَنْقُصُ خَزائِنُهُ، وَلا تَزيدُهُ كَثْرَةُ الْعَطاءِ إلاّ جُوداً وَكَرَماً، اِنَّهُ هُوَ الْعَزيزُ الْوَهّابُ)
وهنا يحمد العبد ربه على أنه هو الذي ينفذ أمره في خلقه وليس غيره، فأمره نافذ فينا وكذلك حمده فإن الحمد لا يصح لغير الله تعالى بخلاف الشكر الذي يصلح لله وعبيده فيصح أن تقول الشكر لله على كذا والشكر لفلان على كذا، ولا يصح أن تقول الحمد لفلان لأن الحمد لله وحده، ولم يكتف الداعي بالحمد فقط وإنما راح يبيّن أموراً خاصة بالله تعالى وبعض صفاته وأفعاله في العباد، فلقد ذكر الداعي أموراً لا بد من الوقوف على معانيها لأن فهم المراد منها يزيدنا إيماناً بالله عز وجل وإخلاصاً له.
فأمر الله تعالى نافذ وكرمه ظاهر ولا يمكن لأحد أن ينكر هذه الحقيقة لأنه تعالى أكرم الأكرمين وأجود المعطين وهو الرحمن الذي تصيب نعمه جميع خلقه من دون استثناء فهو تعالى لا يتعاطى مع عباده كما يتعاطى العباد معه لأنه لو تعامل معنا كما نتعامل معه لما أبقانا في الحياة لحظة لأن أكثر أفعالنا قبيحة نستحق عليها العقاب، غير أنه تعالى بسبب رحمته الواسعة يؤخر العقاب بهدف فتح المجال أمامنا للتوبة.
ثم يشير الداعي إلى أمر عقائدي وهو أن خزائن الله لا تنقص وملكه لا ينفد مهما أعطانا ورزقنا فهو القوي وهو الغني، وكل ما في الكون من كرم وعطاء لا يساوي ذرة في بحر رزق الله فلو أنه أعطى العباد على مدى ملايين السنين وضاعف لهم العطاء فكأنه بسبب غناه لم يعط شيئاً لأن خزائنه لا تنقص بالنفقة فهو يوجد الأشياء بمجرد إرادته لها فهي ليست موضوعة في مكان ما حتى تنقص بإخراج الشيء منها.
وبالإضافة إلى ذلك كله فإن كثرة عطائه لنا لا يزيده إلا عطاءاً وجوداً وكرماً لأنه كما وصف نفسه الوهّاب والكريم والرازق والباسط.
(اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ قَليلاً مِنْ كَثير، مَعَ حاجَة بي اِلَيْهِ عَظيمَة وَغِناكَ عَنْهُ قَديمٌ، وَهُوَ عِنْدي كَثيرٌ، وَهُوَ عَلَيْكَ سَهْلٌ يَسيرٌ)
فبعد أن أثنى الداعي على ربه راح يسأله مراده فقد سأله قليلاً من كثير لأنه مهما طلب من الله تعالى فهو في جنب ملكه وعطائه قليل جداً، ولذلك قال قليلاً من كثير، وهذا القليل عند الله تعالى حاجتي إليه عظيمة، فالجنة كلها قليلة لدى الله عز وجل ولكنها بالنسبة للعبد أمر عظيم للغاية، وغنى الله عن هذا الكثير قديم، فهو غني عنه منذ الأزل، ثم يقر العبد بأن هذا الذي هو عند العبد كثير هو على الله تعالى سهل يسير وهذا إقرار واضح بإيمان العبد بقدرة الله تبارك وتعالى.
(اَللّـهُمَّ اِنَّ عَفْوَكَ عَنْ ذَنْبي، وَتَجاوُزَكَ عَنْ خَطيـئَتي، وَصَفْحَكَ عَنْ ظُلْمي وَسِتْرَكَ عَنْ قَبيحِ عَمَلي، وَحِلْمَكَ عَنْ كَثيرِ جُرْمي، عِنْدَ ما كانَ مِنْ خَطئي وَعَمْدي، اَطْمَعَني في اَنْ اَسْأَلَكَ ما لا اَسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ، الَّذي رَزَقْتَني مِنْ رَحْمَتِكَ، وَاَرَيْتَني مَنْ قُدْرَتِكَ، وَعَرَّفْتَني مِنْ اِجابَتِكَ)
في هذه الفقرات من دعاء الإفتتاح يطلق الداعي عدة اعترافات بتقصيره نحو الله تعالى وعدم استحقاقه للرحمة ويعترف بأن الله تعالى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، ويبيّن المنة الإلهية التي يجب أن يشكرها كل إنسان لأن العفو عن الذنب لمن أكبر نعم الله على الإنسان وأدومها فالنعم الدنيوية قابلة للنقصان أو الزوال كالمال والولد وبعض أمتعة الحياة أما غفران الله للذنوب فلا يزول ولا ينقص.
ولَكَم عفا الله عن الذنوب وتجاوز عن الأخطاء وصفح عن الظلم وستر على القبيح وحلم عن الكثير من الزلات والأخطاء، وهنا يبين الداعي عظيم رحمة الله وغفرانه حيث أنه ارتكب الأخطاء عن عمد وعلم بأنها أخطاء يستوجب عليها فاعلها العقاب، ورغم ذلك كله وجد الله تعالى غفاراً للذنوب وستاراً للعيوب وسريعاً في إنزال الرحمة ومتأنياً في إنزال العقاب.
وهذا الغفران وتلك الرحمة هي التي دفعتني يا رب لأن أسألك أموراً لا يستحقها عاص مثلي ولكنني رغم ذلك أرى بأنك لا ترد سائلاً عن بابك ولا تقطع رجاء عبادك فيك ولا تسد في وجوههم أبواب رحمتك وتوبتك.
ولا بد من وقفة قصيرة على الفقرات التي ذكرناها حيث قال الداعي بعد الثناء على الله وذكر نعمه وآلائه(أطمعني في أن أسألك ما لا أستوجبه منك) يعني ما لا أستحقه بعملي وجهدي إلا برحمتك الواسعة حيث أن العطايا التي يمن الله بها علينا لا نستحقها مقابل أعمالنا لأن ما نفعله لله هو في الحقيقة لأنفسنا فلا يصيب اللهَ منه شيء، وإلى هذا المعنى يشير الإمام علي(ع) بقوله: لأنه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه: ثم إن اعتراف العبد بأنه يسأل ربه بما لا يستوجبه هو في الواقع تذلل لله تعالى وهذا ما يحبه الله من عبده، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن العبد عندما يسأل ربه ما لا يستحقه يعني أن ثقته بالله تعالى كبيرة جداً ونفس هذه الثقة ضرب من ضروب العبادة.
(الذي رزقتني من رحمتك وأريتني من قدرتك وعرّفتني من إجابتك)
فأنا لا أستحق الرزق وقد رزقتني يا رب العالمين من رحمتك ولو أراد العبد أن يحصي رزق الله له لما استطاع أن يحصيه لكثرته، ثم إن ما أرانا الله إياه من قدرته هو رحمة لنا لأن رؤيانا لآثار القدرة موعظة لنا تردعنا عن ارتكاب الحرام، وأما قوله وعرفتني من إجابتك فهو أحد أكبر الأسباب التي تدفع بالعبد نحو المسألة لأنه يطمع في الإجابات التي رآها وهذا أمر يشجع صاحب المسألة على الدعاء وإن كان بينه وبين نفسه أنه لا يستحق الإجابة، فقد استجاب الله لغيره وكما استجاب لغيره فهو تعالى قد يستجيب له، وهنا إن كان العبد عاصياً فعليه أن يستحي من كرم الله وفضله عليه ويعمل صالحاً على قاعدة وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
(فَصِرْتُ اَدْعُوكَ آمِناً، وَاَسْاَلُكَ مُسْتَأنِساً، لا خائِفاً وَلا وَجِلاً، مُدِلاًّ عَلَيْكَ فيـما قَصَدْتُ فيهِ اِلَيْكَ، فَاِنْ اَبْطأَ عَنّي عَتَبْتُ بِجَهْلي عَلَيْكَ)
بعد أن أثنى الداعي على ربه سبحانه مشيراً إلى أن رحمة الله الواسعة هي التي جرأته على المسألة وهو يعلم بأنه لا يستحق الإجابة راح يصرح باطمئنانه عند الدعاء لأنه يعلم إلى من يتوجه، فهو يتوجه إلى أعظم العظماء وأكرم الكرماء وأرحم الراحمين، وصار يدعو ربه آمناً وهو يستأنس بسؤاله والطلب منه وحده لأن الطلب من الله عز للطالب والمطلوب، أما الطلب من الناس فهو ذل للطالب على كل حال وإن حاول الطرف الآخرة أن يحافظ على ماء وجه السائل يبقى هناك في النفس أثر لذل المسألة، فالسؤال يستبطن الذل إلى إذا كان المطلوب هو الله تعالى فيكون الطالب منه عزيزاً، وهذا الداعي بعد أن علم حجم كرم الله وسعة رحمته وأنه لا يغلق باب الرحمة في وجوه عباده راح يسأله من دون خوف ولا وجل، وأود هنا أن أقف على كلمة وردت في الفقرات المذكورة تنبئنا بعظمة ربنا وصبره علينا وهو قادر على أن يمحينا من الوجود بمجرد إرادته لذلك، يقول الداعي(لا خائفاً ولا وجلاً مدلاً عليك فيما قصدت فيه إليك) يعني لعظيم رحمة الله ولطفه راح العبد يسأله بكل جرأة ووقاحة وأنه صاحب فضل على ربه، أو بمعنى آخر راح يدعو ربه وكأنه صاحب منة عليه، وهذا الإعتراف الذي ورد في الدعاء ليس فيه من الخطأ شيء لأن الداعي بهذه الفقرة يحاول أن يقرب المعنى إلى أذهاننا ويبين لنا أنه يتعاطى مع ربه على أنه خير من يرجع إليه العباد في جميع الأحوال، وبمعنى آخر كأن هذا الداعي يريد أن يقول لربه أنا يار عندما أدعوك وأسألك ما لا أستحق هو أنني أشعر وكأنني مدلل عندك وأنت تتحملني وتسمع ندائي ودعائي لا لأنني وقح بل لأنني عرفت حجم رحمتك وسعتها وسرعتها وأن تستجيب لخلقك وأنك قلت وقولك الحق(أدعوني أستجب لكم) ثم تابع الداعي قوله:
(وَلَعَلَّ الَّذي اَبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاُْمُورِ)
العبد يسأل ربه ويلح عليه بأن يستجيب له ولكنه إذا تباطئت الإستجابة عنه فقد صبره وربما ارتكب الخطأ بسبب ذلك فيعاتب ربه أنا يا رب أعمل الصالحات وأقوم بالواجبات لماذا لا تستجيب لي؟ وهذا العتاب لا ضرورة منه لأنه لا مجال للعتاب فإنك إن تكن صادقاً في دعائك وأعمالك فاعلم بأن هذا التأخير لمصلحتك فالله يعلم أن هناك مصلحة لك في التأخير وأن الإستجابة السريعة ليست من مصلحتك، كما لو سأل ربه أن يرزقه توأماً فلا يستجيب له لأنه تعالى يعلم بأن هذا الرجل لن يطيق إعالة التوأم ولأجل ذلك أخر استجابة دعائه حتى يصبح هذا الرجل أهلاً لحمل هذه المسؤولية، ولذلك يشير الداعي إلى هذه النقطة فيقول(ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك يا رب بعاقبة الأمور) فإذا سار العبد على هذا الميزان فقد حاز خيراً كثيراً، فأنت لو كنت تعلم بشر عاقبة الإستجابة لما دعوت ربك بها من الأساس فلقد وفر عليك ربك المسألة لهذه القضية فأخر لك الإجابة قبل أن تسأله أنت تأخيرها لأن في تأخيرها خيراً لك إما على صعيد الدنيا وإما على صعيد الآخرة وإما على صعيديهما معاً.
فلا ينبغي للمرء أن يستعجل بالحكم خصوصاً على الله تعالى إذا كان واثقاً بربه والواثق بربه لا يظن به سوءاً حتى ولو أنه لم يستجب له دعاءاً واحداً طيلة حياته وإنما تدعوه الثقة بربه إلى تعزيز الثقة به وهذا من أهم أسباب الخير للإنسان.
(فَلَمْ اَرَ مَوْلاً كَريماً اَصْبَرَ عَلى عَبْد لَئيم مِنْكَ عَلَيَّ يا رَبِّ، اِنَّكَ تَدْعُوني فَاُوَلّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ اِلَيَّ فَاَتَبَغَّضُ اِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ اِلَىَّ فَلا اَقْبَلُ مِنْكَ)
في فقرات الدعاء السابقة لهذه الفقرات ذكر الداعي جود الله على العباد وكرمه وتفضله عليهم مما جعلهم مدلين عليه في المسألة فهم يسألونه متى شاؤوا ويطرقون باب رحمته متى أرادوا من دون أن يعترضهم شيء ومن دون أن تواجههم المشاكل والمتاعب فمتى أرادوا أن يكلموا ربهم كلموه ومتى أرادوا الإختلاء به فسوف يجدون الطريق مفتوحاً أمامهم، وهذه الألطاف الإلهية لا تقدر بثمن ولكن على الناس أن يدركوا قيمتها فيعملوا صالحاً وينقذوا أنفسهم من الهلاك.
(فلم أر مولى كريماً أصبر على عبد لئيم منك عليّ يا رب) فلو أراد الله تعالى أن يعملنا بالمثل لهلكنا وما استطعنا أن نخرج من العذاب وهذا موضع دهشة المؤمن تجاه ربه الذي يتحبب إلينا ونتبغض إليه ويدنينا منه ونحن نبتعد عنه مع علمنا بأن التقرب إلى الله تعالى فيه النجاة من الهلكة، ولأن الداعي يعي هذه الحقيقة فلقد أطلق هذه العبارة التي يجب أن يؤمن بها كل إنسان فيجب على كل إنسان أن يعتقد بأن الله تعالى أكرم مولى وأصبر صابر على العباد اللئام.
فلماذا قال الداعي ذلك؟ قال ذلك لأن الواقع هو كذلك.
(إنك تدعوني فأولي عنك وتتحبب إلي فأتبغض إليك وتتودد إلي فلا أقبل منك)
هذه إيضاحات لسبب إطلاق الفقرة السابقة فلقد اعترف العبد بلؤمه تجاه كرم الله وفضله، ولكن السؤال هنا هو لماذا؟ والجواب عليه هو أن الله سبحانه وتعالى يدعوننا إليه إلى العمل الصالح وطلب المغفرة والفوز بالجنة ونحن لا نلبي الدعوة التي لا يعود منها شيء على الله وإنما الفائدة محصورة بنا لأننا إذا لبينا دعوة الله فقد أنقذنا أنفسنا من الهلاك والعذاب وحصلنا على السعادة الأبدية التي يطلبها الصادقون المخلصون النية والعمل لربهم عز وجل، ونشير هنا إلى نموذج واحد من نماذج دعوة الله لنا لما فيه الخير لأنفسنا وهو قواه تعالى في سورة آل عمران(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين)
الله يدعونا قبل أن تفوت الفرصة بحلول الأجل فإذا جاء الأجل توقفت مرحلة العمل ودخلنا في مرحلة الحساب أو في المرحلة التي ليس فيها عمل ولا فيها عودة إلى الحياة مرة أخرى لأن الفرصة التي أتاحها لنا ربنا واحدة وهي فترة وجودنا في الحياة الدنيا ومهما طلبت من ربك أن يعيدك للحياة مرة أخرى فلن يستجيب لك وإليه يشير القرآن الكريم بقوله(حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) الله يدعونا إليه ويتحبب إلينا ويتودد إلينا فلا نقبل منه ذلك مع أننا محتاجون إلى نيله ورضوانه ورحمته وبركاته ونحن الفقراء إلى الله وهو الغني عن العالمين، ولكننا نتصرف معه كأننا الأغنياء وهذا عين الضلال.
(كَاَنَّ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لي، وَالاِْحْسانِ اِلَىَّ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ فَارْحَمْ عَبْدَكَ الْجاهِلَ وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ اِحْسانِكَ اِنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ)
بعد أن ذكر الداعي سوء تعاطيه مع الله تعالى الذي يدعونا إليه ويتحبب إلينا ويتودد إلينا راح الداعي يؤنب نفسه ويحقرها لأنه لا يحق لها أن تصنع ما تصنعه مع خالقها وتتصرف معه بتلك الطريقة البعيدة عن كل الإعتبارات والأجنبية عن المنطق السليم والمباينة للصواب فيقول كأن لي التطول عليك، يعني كأنني بعدم استجابتي لدعوتك يا رب أنا صاحب الفضل والحقيقة عكس ذلك فأنا أتدلع عليك وأتباطأ بتلبية دعوتك التي وجهتها إلي، ورغم هذه المعاملة السيئة التي صدرت مني(عليك فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إلي والتفضل علي بجود وكرمك) إنك يا رب لا تتأثر بسوء فعلي ولم يمنعك سوئي من أن تحسن إلي وتتفضل عليّ بجودك الكبير وفضلك الكثير والواسع، وكل ما تصنعه لي يا رب أنا لا أستحق منه شيئاً وإنما تصنع المعروف معي لأنك الجواد الكريم الذي لا يبخل على العباد المقصرين.
وهذا التقصير يجب استدراكه والإعتراف به من قبل العبد ومعالجته قبل فوات الأوان، والداعي هنا اعترف بجهله لأنه لو كان عالماً بالأمر بشكل عام لبادر إلى الجد والإجتهاد بالعمل لأنه مهما عمل من الصالحات فسوف يبقى مقصراً تجاه الله تعالى وهذا التقصير أمر تكويني في البشر لا أحد منهم يقدر على تأدية حق الله، فهناك أمران: تأدية للواجبات وتأدية لحق الله تعالى، أما الأول فمقدور عليه لأنه في حدود طاقاتنا وأما الثاني فهو خارج عن طاقتنا ومقدورنا ولم يكلفنا ربنا بما هو خارج عن حدود قدرتنا، ولكن يمكن التعبير عن تأدية الواجب بتأدية حق الله مجازاً وليس حقيقة، ونحن تجاه حق الله قاصرون ولسنا مقصرين لأن التقصير يقع فيما هو موضع تكليف لنا، ولذا اعترف الداعي بأنه ما يرتكبه من إهمال ليس عن عمد وإنما عن جهل منه بواقع الأمر كله فقال(فارحم عبدك الجاهل وجد عليه بفضل إحسانك إنك جواد كريم) وهنا اعترف بجهله وبفضل الله عليه.
(اَلْحَمْدُ للهِ مالِكِ الْمُلْكِ، مُجْرِي الْفُلْكِ، مُسَخِّرِ الرِّياحِ، فالِقِ الاِْصْباحِ، دَيّانِ الدّينِ، رَبِّ الْعَالَمينَ)
وهنا يكرر الداعي حمده ذاكراً بعض صفات الله عز وجل، منها أنه مالك الملك أي أنها مالك كل شيء في الدنيا والآخرة فهو المالك الأول والأخير لجميع الخلق، وهذا الإعتراف ليس لمجرد البيان فقط وإنما يتضمن أو يفهم منه أن الداعي يبرهن عن إيمانه بذكر هذه الصفات والإقرار بها، ومنها أنه مجري الفلك، والفلك حسب الظاهر هي السفن التي تجتاز البحار وحملها فوق الماء إنما يتم بقدرة الله تبارك وتعالى فهو الذي خلق البحر لأهداف منها حمل السفن ليوسع الناس تجاراتهم وتتحسن بذلك معايشهم، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المسألة بالخصوص في العديد من سور القرآن المجيد، ففي سورة الرحمن قال تعالى(وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام) وفي سورة البقرة قال سبحانه(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ) ومنها، تسخير الرياح فإن ذلك يتم بأمر الله تعالى وهو خاضع للنظام الذي وضعه سبحانه، وقد أشار القرآن الكريم إلى موضوع تسخير الرياح وأنه آية من آيات الله عز وجل.
ومنها أنه تعالى فالق الإصباح وأنه صاحب يوم الدين وديانه وأنه رب كل شيء، وصاحب هذه الصفات هو الأعظم والأكرم وهو المحسن الذي تجب طاعته منذ لحظة التكليف وإلى يوم الوفاة.
(اَلْحَمْدُ للهِ عَلى حِلْمِهِ بَعْدَ عِلمِهِ، وَالْحَمْدُ للهِ عَلى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ، وَالْحَمْدُ للهِ عَلى طُولِ اَناتِهِ في غَضَبِهِ، وَهُوَ قادِرٌ عَلى ما يُريدُ)
تشتمل هذه العبارات على أربعة مفاهيم إسلامية كبرى هي في الحقيقة من الصفات الفعلية لله تبارك وتعالى، وفي نفس الوقت هي من الأمور التي فرضها الله على عباده لما فيها من منفعة للإنسان في دنياه وآخرته، ويحب الله تعالى أن يتشبه عباده في سلوكهم بتلك الصفات التي اختارها لنفسه ليكون الإنسان خليفة ربه على الأرض حقاً وصدقاً ومعتقداً وعملاً.
المفهوم الأول: وهو الحلم مع العلم، والله تعالى هو الحليم العليم، وهو الذي يحلم عن المسيء وكأنه لم يقترف أي خطأ إذا تاب إلى الله توبة نصوحاً، وقد أشار الإمام السجاد(ع) في دعاء أب حمزة الثمالي إلى هذه الناحية حيث خاطب ربه قائلاً: وتحلم عني حتى كأني لا ذنب لي فربي أحمد شيء عندي وأحق بحمدي: وقد أمرنا ربنا سبحانه وتعالى بأن نكون حلماء فيما بيننا نحلم عن المسيئين إلى ما شاء الله.
فالحلم صفة من صفات الله تعالى، وكذلك صفة من صفات أهل الإيمان، وقد قال الإمام علي(ع) الحلم سجية فاضلة، وقال الحسين(ع) إن الحلم زينة، ويقول علي(ع):الحلم غطاء ساتر والعقل حسام قاطع فاستر خلل خُلُقك بحلمك وقاتل هواك بعقلك، وقال(ع) جمال المرء حلمه.
المفهوم الثاني: وهو العفو بعد المقدرة، وليس العفو المطلق وإن كان حسناً غير أن الثواب الأكبر يترتب على العفو إذا كان صاحب الحق قادراً على المعاقبة أو الإقتصاص من المذنب، فإن في العفو مع المقدرة أجر عظيم لأنه سلوك يحبه الله تعالى ويأمر به وهو في نفس الوقت عامل لتقوية إرادة الصبر وكظم الغيظ لدى الإنسان فقد أمرنا ربنا بأن نحبس الغضب الذي هو رأس الخطأ في أغلبية الموارد والمواضع وقد جعل الله تعالى كظم الغيظ والعفو عن المسيء علامة على الإيمان، وقد تظافرت النصوص في هذا الشأن فورد أنه لا يكتمل إيمان العبد حتى يعفو عمن ظلمه، ويشير الإمام السجاد(ع) في دعائه إلى هذه الناحية بقوله: أللهم إنك أنزلت في كتابك العفو وأمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا: ونفهم من هذه العبارة أن ثواب عفوك عن الناس عفو الله عنك في يوم الحساب لأنه أكرم منك وهو أولى بأن يعفو عن المسيء لأنه خير العافين، وقد جعل العفو إسماً من أسمائه الحسنى.
المفهوم الثالث: التأني عند الغضب، فكم منا يرتكبون الأخطاء الجسام ويتفننون بالحرام والله تعالى قادر على تعذيبهم والإنتقام منهم فوراً ولكنه عز وجل يتأنى ليفتح لعباده مجالاً حول التوبة علهم يرجعون إليه ويستغفرونه من ذنوبهم، ونلاحظ معاً بأن أكثر الجرائم والأخطاء تُرتكب في حالات الغضب، أما بالنسبة لهذا السلوك عند الله تعالى فيجب أن يحمد عليه لأنه يؤخر العقاب مرة بعد مرة وهذه من أعظم النعم الإلهية على العباد، فلو أخذنا الله بذنوبنا فوراً لما بقي منا أحد لأننا كلنا نقع في الخطأ عن عمد أو جهل أو نسيان، وقد أشار القرآن المجيد إلى هذه النعمة حيث يقول(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)
المفهوم الرابع: وهو أن الله على كل شيء قدير.
(اَلْحَمْدُ للهِ خالِقِ الْخَلْقِ، باسِطِ الرِّزْقِ، فاِلقِ اَلاِْصْباحِ ذِي الْجَلالِ وَالاِْكْرامِ وَالْفَضْلِ وَالاِْنْعامِ، الَّذي بَعُدَ فَلا يُرى، وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوى تَبارَكَ وَتَعالى)
نلاحظ بأن أغلب الأدعية المعتبرة وبالخصوص تلك الواردة على ألسنة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين لا تقتصر على مجرد الطلب والتذلل والخشوع وإنما هي بحد ذاتها نصوص علمية وعقائدية ووعظية وإرشادية وفقهية كما نلاحظ وتلاحظون.
وفي هذه الفقرات المذكورة على قلة ألفاظها يوجد سبعة أمور عقائدية يجب الإيمان بها وإلا فلا إيمان لأن اكتمال الإيمان متوقف على الإعتقاد الكامل بكل ما وجب الإيمان به من وجود الخالق ووحدانيته وباقي صفاته الجلالية والجمالية والكمالية أو بعنى آخر صفاته الثبوتية والسلبية.
الأمر الأول: وهو أن الله تعالى خالق الخلق فلا شريك له في الخالقية، ولكي يكون التوحيد صحيحاً يجب أن يكون في الخالقية والربوبية والرازقية، لا أن يؤمن المرء بتوحيد الله في الخالقية ويكفر بكونه واحداً في الرازقية مثلاً، والداعي هنا يحمد الله على أنه واحد في الخالقية وهو في نفس الوقت يبين للناس هذا المعتقد الأعظم.
الأمر الثاني: أنه تعالى باسط الأرزاق، فهو يرزق من يشاء ويمنع من يشاء ولا يشاركه في الأمر أحد بل ولا يستطيع أحد أن يجلب الرزق لنفسه إذا لم يكن مقسوماً ومقدراً عند الله سبحانه وتعالى، فالرازق الأول هو الله تعالى ولكن طريقة الحصول على الرزق متوقفة على السعي والعمل وإجراء الصفقات التجارية مع الناس.
فلا أحد من الناس يقول أنا أرزقك وإنما يقول أنا أهيؤ لك أسباب الرزق، والله تعالى يرزق جميع خلقه في البر والبحر والفضاء حتى الدودة العمياء في قعر الماء مهيَؤ لها رزقها، وقد أشار القرآن الكريم إلى مسألة الرازقية في العديد من سوره فقال تعالى في سورة النحل(وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ)
وفي سورة الإسراء(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا)
وفي سورة القصص(وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ)
وفي سورة العنكبوت(إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
وفي سورة هود(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) وهناك الكثير من الآيات المشيرة إلى الوحدانية في الرزق.
الأمر الثالث: أنه تعالى فالق الإصباح، فهو الذي يفلق الصباح ويخرج النور من العتمة وهذا من الآيات العظيمة الدالة على القدرة اللامتناهية والدقة في الصنع، قال تعالى(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً)
الأمر الرابع: أنه تعالى ذو الجلال والإكرام والفضل والإنعام، وهذا من أوضح الواضحات التي لا يشك بها أحد إلى الملحد أو المعاند.
الأمر الخامس: وهو أن الله تعالى بعُد عن الأنظار والأسماع ولكنه أقرب الأقربين إلينا فهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وهو يحول بين المرء وقلبه، فلا تراه الأبصار ولكنه تراه القلوب، قال تعالى(لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)
الأمر السادس: أنه قرب فشهد النجوى، بمعنى أنه يعلم السر وما هو أخفى من السر، قال سبحانه(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
الأمر السابع: وهو أن الداعي يثني على هذه الصفات العظيمة فيقول(تبارك وتعالى)
(اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ، وَلا شَبيهٌ يُشاكِلُهُ، وَلا ظَهيرٌ يُعاضِدُهُ قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الاَْعِزّاءَ، وَتَواضَعَ لِعَظَمَتِهِ الْعُظَماءُ، فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ ما يَشاءُ)
كلما دخلنا إلى أعماق هذا الدعاء لمسنا فيه العظمة والمنفعة والعمق في التعبير والأبعاد وكثرة المفاهيم المشار إليها في فقراته التي قد يقرؤها البعض منا من دون أن يكون لديهم أدنى معرفة بها، وهذا يعتبر نقصاً يجب استدراكه بهدف الإحاطة بالثواب المترتب على قراءته، وفي هذه الفقرات يشير الداعي إلى جملة من المسائل العقائدية التي يجب على كل مؤمن أن يكون محيطاً بها ومعتقداً بجوهرها، والداعي هنا يحمد ربه حيث ليس له منازع يعدله في القوة والعظمة والملك، وقد أشرنا في بحث سابق إلى كون هذه النقطة مستحقة للحمد الكثير والشكر الجزيل لأنه لو كان لله منازع لفسدت السموات والأرض، فلا إله غير الله ولا شريك له في خلقه ولا عديل له في كل ما هو خاص به سبحانه وتعالى.
ثم إنه تعالى ليس له شبيه في قوته وقدرته وصنعه وحقيقته التي كانت وما تزال وسوف تبقى مجهولة لدى العباد فهم تعالى منزه عن أن تطاله العقول بالأوهام فلا يمكن لمخلوق من الناس والجن والملائكة أن يدرك تلك الحقيقة المحجوبة عنهم لحكمة من الله تبارك وتعالى، وخير ما يمكن أن أستشهد به في هذا المقام كلام أمير المؤمنين علي(ع) في وصف الله سبحانه حيث يقول:أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزّأه ومن جزأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حده ومن حده فقد عده: وهذا يعني أنه تعالى ليس له شبيه يشاكله.
ثم تابع الداعي كلامه فقال(ولا ظهير يعاضده) أي أنه لا يوجد من يعينه ويساعده في شؤونه فهو الأقوى وهو الغني وهو الذي لا يؤوده شيء ولا يعزب عنه شيء في السموات والأرض.
(قهر بعزته الأعزاء وتواضع لعظمته العظماء) الله تعالى هو القاهر فوق عباده وكل عزيز دونه ذليل لأن العزة لله وحده ومن أعزهم من خلقه فمع وجود الله لا أثر لأية عزة من دونه، وكذلك فقد تواضع كل عظيم لعظمته تعالى باختيار أو بغير اختيار.
ولأجل ما ذكرناه قال الداعي(فبلغ بقدرته ما يشاء) يعني أنه تعالى فعال لما يريد فلا يمنعه شيء من فعل شيء أو عدم فعله.
(اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي يُجيبُني حينَ اُناديهِ، وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَورَة وَاَنَا اَعْصيهِ، وَيُعَظِّمُ الْنِّعْمَةَ عَلَىَّ فَلا اُجازيهِ، فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَة هَنيئَة قَدْ اَعْطاني، وَعَظيمَة مَخُوفَة قَدْ كَفاني، وَبَهْجَة مُونِقَة قَدْ اَراني، فَاُثْني عَلَيْهِ حامِداً، وَاَذْكُرُهُ مُسَبِّحاً)
تشير الفقرة الأولى إلى مفهوم إسلامي كبير، وهو مفهوم الدعاء أو جانب من هذا المفهوم وهو جانب الإستجابة حيث قد يكون هناك دعاء ولا تصحبه الإستجابة بسبب وجود خلل في نية الداعي، فقد حمد الداعي ربه على أنه يجيبه متى ناداه أو سأله، وهذه حقيقة واقعية وثابتة إذا تحققت الشروط المطلوبة والآداب الخاصة التي تكون سبباً في الإستجابة، وهي بإيجاز: معرفة الله تعالى، والعمل بما تقتضيه هذه المعرفة، وطيب المكسب، وحضور القلب عند الدعاء، وأما الآداب فهي: البسملة، والصلاة على محمد وآله، والإستشفاع بالصالحين، والإقرار بالذنب، والتضرع والإبتهال، وصلاة ركعتين، وعدم استصغار شيء من الدعاء، وعدم استكثار المطلوب، وتعميم الدعاء، والإسرار به، وحسن الظن بالإجابة، والإلحاح، واختيار الأوقات المناسبة، وقد دعانا ربنا سبحانه إلى مسألته في أي وقت نشاء فقال(أدعوني أستجب لكم) وقال(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) وقد أشار الإمام زين العابدين(ع) إلى هذا الأمر حيث يقول: الحمد الذي أدعوه كلما شئت لحاجتي وأخلو به حيث شئت لسري من غير شفيع فيقضي لي حاجتي: وفي موضع آخر قال(ع) الحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي:
ثم يشير الداعي إلى أمر عظيم كلنا بحاجة إليه ولا تصلح حياتنا من دونه وهو ستر العيوب عن الآخرين فإن من أعظم النعم علينا ستر عيوبنا عن الناس لأنه لو علم الناس بعيوبنا لما استقرت الحياة معهم لحظة، والله تعالى هو ستار العيوب، وهو يأمر بأن نستر عيوب بعضنا البعض فلا يجوز لنا أن نفضح بعضنا وهذا سلوك ديني يجب أن يتبعه كل مؤمن ومؤمنة إذا لا يليق بالمؤمن أن يشهر بالآخرين فإذا شهّر بهم كان إيمانه ناقصاً.
وهذا الستر الذي منّ الله به علينا له ثمن، فثمنه الطاعة وعدم ارتكاب المعصية فلا يليق بك أيها الإنسان أن تطلب من الله مرادك ولا تلتزم بمراده ولا يحسن بك أن تلح عليه في استجابة دعائك وأنت لا تستجيب له.
ثم يقول الداعي(ويعظّم النعمة علي فلا أجازيه) وهذا المعنى شبيه بما ذكرناه قبل قليل فإن ثمن النعمة هو الشكر فينبغي أن تجازي المنعم عليك، ثم راح يعدد الداعي بعض نعم الله عليه وعلى الآخرين فقال(فكم من موهبة هنيئة قد أعطاني وعظيمة مخوفة قد كفاني وبهجة مونقة قد أراني فأثني عليه حامداً وأذكره مسبحاً) إن مواهب الله لا تعد ولا تحصى منها العطاء الحسن ومنها الأمن من المخاوف ومنها ما يرينا ربنا من البهجة والسرور، ولأجل ذلك فأنا أثني عليه بالحمد وأذكره بالتسبيح.
(اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا يُهْتَكُ حِجابُهُ، وَلا يُغْلَقُ بابُهُ، وَلا يُرَدُّ سائِلُهُ، وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ، اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي يُؤْمِنُ الْخائِفينَ، وَيُنَجِّى الصّالِحينَ، وَيَرْفَعُ الْمُسْتَضْعَفينَ، وَيَضَعُ الْمُسْتَكْبِرينَ،يُهْلِكُ مُلُوكاً وَيَسْتَخْلِفُ آخَرينِ، وَالْحَمْدُ للهِ قاِصمِ الجَّبارينَ، مُبيرِ الظّالِمينَ، مُدْرِكِ الْهارِبينَ، نَكالِ الظّالِمينَ صَريخِ الْمُسْتَصْرِخينَ، مَوْضِعِ حاجاتِ الطّالِبينَ، مُعْتَمَدِ الْمُؤْمِنينَ)
يحمد الداعي ربه الذي لا يهتك حجابه ولا يستطيع أحد من خلقه أن يؤثر في ملكه وحكمه شيئاً، والحمد لله الذي لا يغلق بابه، فإذا غلق بابه فقد سُد علينا باب الرحمة بجميع معانيها ومراتبها فلا نعود نستطيع أن ندعوه ونسأله وهذا يعني نهايتنا لأننا لا نستطيع العيش من دون رحمة الله، ثم يحمد الداعي ربه على عدم رد السائلين مهما كانوا على درجة عالية من الخطأ لأن الله تعالى كما ذكرنا لا يسد باب رحمته بوجه أحد من عباده ولا يغلق عليهم باب التوبة والإنابة فمن أراد أن يتوب إلى ربه وجد ربه تواباً رحيماً ولا ينبغي للإنسان أن يقنط من رحمة الله فإن القنوط من رحمته معصية(ولا تقنطوا من رحمة الله) ثم إن المتأمل بربه خيراً يجد ربه كما أمله لأنه تعالى لا يخيب ظن عبده به وهو القائل في الحديث القدسي: أنا عند حسن ظن عبدي:
وحسن الظن بالله تعالى ضرب من ضروب الإيمان فلا يمكن أن يكتمل إيمان عبد ظان بالله ظن السوء لأنه لا يقوم بهذا السلوك السيء سوى الكافرين الذين غضب الله عليهم وأعد لهم عذاباً أليماً كما قال سبحانه(وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)
(الحمد لله الذي يؤمن الخائفين وينجي الصالحين) فمن نعم الله علينا أنه يؤمن الخائفين منا ومصادر الخوف في هذه الدنيا كثيرة وبعد الممات أكثر، وهذه المخاوف ليس لها غير الله تعالى مأمناً ومؤنساً، وكذلك فإن الله عز وجل ينجي عباده الصالحين من أيدي الشر في هذه الدنيا وينجيهم من عذاب يوم القيامة لأنهم أصلحوا العمل وأخلصوه لله تبارك وتعالى.
كما ويجب أن نحمد الله عز وجل لأنه يرفع المستضعفين وينصرهم ويضع المتكبرين الذين يظنون بأنه لا يقدر عليهم أحد من خلق الله، إن الله تعالى مع عباده المؤمنين فإن كانوا خائفين آنسهم من خوفهم وإن كانوا جائعين أشبهم من جوعهم وإذا كانوا بين الناس أذلاء أعزهم ورفع شأنهم، أما المتكبرون فقد أعد الله لهم خزياً في الدنيا وفي الآخرة، وكذلك فقد أهلك الله ملوكاً واستخلف غيرهم، فقد أهلك جبابرة الناس وطواغيتهم عبر الزمن كفرعون وهامان ونمرود وقارون ليكونوا عبرة للناس على مر الزمن وليعلم الناس أن الله على كل شيء قدير.
(والحمد لله قاصم الجبارين مبير الظالمين مدرك الهاربين نكال الظالمين صريخ المستصرخين موضع حاجات الطالبين معتمد المؤمنين)
وفي هذه الفقرة تكرار لما ذُكر من أنه تعالى القادر على إبادة الظالمين وأنه هو المسؤول من قبل خلقه فلا يُسأل غيره ولو سئل غيره لما استجاب وأنه تعالى معتمد المؤمنين والمؤمنات.
(اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي مِنْ خَشْيَتِهِ تَرْعَدُ السَّماءُ وَسُكّانُها، وَتَرْجُفُ الاَْرْضُ وَعُمّارُها، وَتَمُوجُ الْبِحارُ وَمَنْ يَسْبَحُ في غَمَراتِها)
يتابع الداعي حمده لله على قدرته الباهرة ونعمه الظاهرة، ومن جملة مظاهر تلك القدرة أن السماء ترعد وسكانها من خشية الله لأنه العزيز القوي الجبار، وكذلك من خشيته ترجف الأرض وأهلها وجميع المخلوقات فإن من شيء إلا يخشى الله ويسبحه حتى الحيتان في البحار وهذا يعني أن جميع الخلق يسبحون بحمد ربهم سواء كانوا من العقلاء أوالجمادات والماء والرياح، وإليه يشير القرآن الكريم بقوله(تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) والقرآن يخبرنا بأن عقولنا المحدودة لا تفهم كيفية تسبيح هذه المخلوقات، وكأنه تعالى يقول إذا كانت الموجودات الجامدة والعجماوات تسبح بحمد ربه فما بال الإنسان العاقل الذي ميزه ربه عن جميع مخلوقاته وكرّمه وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلاً ما باله لا يطيع الله واجب الطاعة.
وفي موضع آخر يشير القرآن إلى هذه الحقيقة المجهولة لدى كثير من الناس رغم وضوحها فيقول(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)
وقال سبحانه(وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) وهذه أدلة واضحة على صحة ما ورد في فقرات الدعاء، وكذلك فإن البحار ومن يسبح في غمراتها، وفي بعض النسخ ومن يسبّح في غمراتها كلهم يموجون من خشية ربهم الذي يجب أن نخشاه ونتقيه حتى ننال الرحمة منه في يوم الحساب، فعجيب للذين ينظرون إلى ربهم نظرة عادية فيرتكبون المعاصي على مرأى ومسمع منه وهم يأكلون رزقه ويسكنون بلاده ويستخدمون خلقه.
(اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا اَنْ هَدانَا اللّهُ)
ومن اللازم علينا كمخلوقين وفقراء وأذلاء ومحتاجين لخالقنا أن نحمده على أنه هدانا للحق وعرّفنا قدرته في خلقه ليكون ذلك دافعاً لنا نحو الطاعة، ولولا الله لما اهتدينا فهو الذي دلّ على ذاته بذاته، وكما يقول الإمام السجاد(ع) بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك ولولا أنت لم أدر ما أنت:
(اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي يَخْلُقُ، وَلَمْ يُخْلَقْ وَيَرْزُقُ، وَلا يُرْزَقُ وَيُطْعِمُ، وَلا يُطْعَمُ وَيُميتُ الاَْحياءَ وَيُحْيِي الْمَوْتى وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْء قَديرٌ)
وكذلك من جملة الأمور التي يجب على العباد حمد ربهم عليها هو أنه تعالى يخلق ولا يخلق، ويرزق ولا يرزق إلى آخر الفقرات المذكورة، وهو يعني أن الأمر لو كان بيد غيره تعالى لهلكنا جميعاً، فمسألة الإطعام مثلاً نحن نحمد ربنا ونشكره على أن الإطعام بيده لأنه لو كان الإطعام بيد غيره لجاع أغلب الناس على وجه الأرض لأن البشر بخلاء وأشرار في حق بعضهم البعض، ثم يشير الداعي إلى أن مسألة الخلق والبعث بيد الله وأن الخير كله عنده وليس عند غيره، وإذا كان الأمر كذلك فلا مناص من اللجوؤ إلى الله وطلب الحوائج منه والإخلاص له وحده.
(اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَاَمينِكَ، وَصَفِيِّكَ، وَحَبيبِكَ، وَخِيَرَتِكَ مَنْ خَلْقِكَ، وَحافِظِ سِرِّكَ، وَمُبَلِّغِ رِسالاتِكَ، اَفْضَلَ وَاَحْسَنَ، وَاَجْمَلَ وَاَكْمَلَ، وَاَزْكى وَاَنْمى، وَاَطْيَبَ وَاَطْهَرَ، وَاَسْنى وَاَكْثَرَ ما صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ، وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ عَلى اَحَد مِن عِبادِكَ وَاَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ، وَصِفْوَتِكَ وَاَهْلِ الْكَرامَةِ عَلَيْكَ مِن خَلْقِكَ، اَللّـهُمَّ وَصَلِّ عَلى عَليٍّ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ، وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعالَمينَ، عَبْدِكَ وَوَليِّكَ، وَاَخي رَسُولِكَ، وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ، وَآيَتِكَ الْكُبْرى، وَالنَّبأِ الْعَظيمِ، وَصَلِّ عَلَى الصِّدّيقَةِ الطّاهِرَةِ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ، وَصَلِّ عَلى سِبْطَيِ الرَّحْمَةِ وَاِمامَيِ الْهُدى، الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ اَهْلِ الْجَّنَةِ، وَصَلِّ عَلى اَئِمَّةِ الْمُسْلِمينَ، عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ ابْنِ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد، وَمُوسَى بْنِ جَعْفَر، وَعَلِيِّ بْنِ مُوسى، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّد، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ، وَالْخَلَفِ الْهادي الْمَهْدِيِّ، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ، وَاُمَنائِكَ في بِلادِكَ صَلَاةً كَثيرَةً دائِمَةً)
بعد أن توجه الداعي إلى ربه بقلب سليم مثنياً عليه ومبيناً بعض صفاته وبعد أن ذكر حوائجه لجأ إلى الثلة المباركة التي بها يستجاب الدعاء لأنها تشكل الرابط بين الله والعباد وهم محمد وآله(ص) إذ لولا التوسل بهم لما كان للدعاء أية قيمة فإن الإستشفاع بالنبي وآله شرط في تحقق الإستجابة فهم حبل الله المتين وهم الصراط المستقيم وهم النور المبين وهم القرآن الناطق وهم الذين خلق الله الخلق لأجلهم وبسببهم، وهم نور الله في السموات والأرضين.
والإنسان المؤمن الواعي يعرف من أين تؤكل الكتف فقد علم الداعي بأنه لولا اللجوؤ إلى النبي وآله لما كان لدعائه أي أثر فقد استجلب الإجابة عن طريق التوسل بالرسول وآله، وهذا ما ينبغي أن يفعله كل مؤمن يرغب باستجابة دعائه.
فبعد أن صلى الداعي على هذا النبي العظيم وذكر بعض خصاله الكريمة لجأ إلى الإمام الأكبر وأمير الكون علي بن أبي طالب مستشفعاً به أيضاً لأنه باب الله الذي منه يؤتى فقال(اللهم وصل على علي أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين عبدك ووليك وأخي رسولك وحجتك على خلقك وآيتك الكبرى والنبأ العظيم)
فعلي(ع) هو أمير المؤمنين بنص الغدير الذي لا ينكره إلا معاند أو معادي لمذهب الحق، وهو وصي النبي لقول النبي أنت أخي ووصيي، وهو حجة الله في أرضه وسمائه وهو الآية الكبرى وهو النبأ العظيم، وتاريخه العظيم شاهد على هذه الصفات التي لا يقدر عليها إلا من أخلص لله ورسوله وعرف الله ورسوله وعرفه الله ورسوله: ثم استشفع الداعي بفاطمة الزهراء(ع) فقال(وصل على الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين: ثم راح يذكر أئمة الهدى واحداً تلو الآخر ليحيط بالمكسب ويضمن الإستجابة الحتمية فقال(وصل على سبطي الرحمة وإمامي الهدى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وصل على أئمة المسلمين علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلى بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف الهادي المهدي حججك على عبادك وأمنائك في بلادك صلاة كثيرة دائمة)
وأما باقي فقرات الدعاء فإنها تتحدث عن صاحب العصر والزمان الإمام المهدي(ع) وكيف أن الداعي يسأل الله تعالى أن يعجّل في فرَج هذا المنقذ والمخلّص حيث صار وجوده أمراً ملحاً في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها شعوب العالم.
(اَللّـهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِىِّ اَمْرِكَ الْقائِمِ الْمُؤَمَّلِ، وَالْعَدْلِ الْمُنْتَظَرِ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبينَ، وَاَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ يا رَبَّ الْعالَمينَ، اَللّـهُمَّ اجْعَلْهُ الدّاعِيَ اِلى كِتابِكَ، وَالْقائِمَ بِدينِكَ، اِسْتَخْلِفْهُ في الاَْرْضِ كَما اسْتَخْلَفْتَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِ، مَكِّنْ لَهُ دينَهُ الَّذي ارْتَضَيْتَهُ لَهُ، اَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِ اَمْناً يَعْبُدُكَ لا يُشْرِكُ بِكَ شَيْئاً، اَللّـهُمَّ اَعِزَّهُ وَاَعْزِزْ بِهِ، وَانْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ، وَانْصُرْهُ نَصْراً عَزيزاً، وَاْفتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسيراً، وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصيراً، اَللّـهُمَّ اَظْهِرْ بِهِ دينَكَ، وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ، حَتّى لا يَسْتَخْفِيَ بِشَىْء مِنَ الْحَقِّ، مَخافَةَ اَحَد مِنَ الْخَلْقِ اَللّـهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة تُعِزُّ بِهَا الاِْسْلامَ وَاَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَاَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ اِلى طاعَتِكَ، وَالْقادَةِ اِلى سَبيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ، اَللّـهُمَّ ما عَرَّفْتَنا مِن الْحَقِّ فَحَمِّلْناهُ، وَما قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلِّغْناهُ، اَللّـهُمَّ الْمُمْ بِهِ شَعَثَنا، وَاشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا، وَارْتُقْ بِهِ فَتْقَنا، وَكَثِّرْبِهِ قِلَّتَنا، وَاَعْزِزْ بِهِ ذِلَّتَنا، وَاَغْنِ بِهِ عائِلَنا، وَاَقْضِ بِهِ عَنْ مَغْرَمِنا، وَاجْبُرْبِهِ فَقْرَنا، وَسُدَّ بِهِ خَلَّتَنا، وَيَسِّرْ بِهِ عُسْرَنا، وَبَيِّضْ بِهِ وُجُوهَنا، وَفُكَّ بِهِ اَسْرَنا، وَاَنْجِحْ بِهِ طَلِبَتَنا، وَاَنْجِزْ بِهِ مَواعيدَنا، وَاسْتَجِبْ بِهِ دَعْوَتَنا، وَاَعْطِنا بِهِ سُؤْلَنا، وَبَلِّغْنا بِهِ مِنَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ آمالَنا، وَاَعْطِنا بِهِ فَوْقَ رَغْبَتِنا، يا خَيْرَ الْمَسْؤولينَ وَاَوْسَعَ الْمُعْطينَ، اِشْفِ بِهِ صُدُورَنا، وَاَذْهِبْ بِهِ غَيْظَ قُلُوبِنا، وَاهْدِنا بِهِ لِمَا اخْتُلِفَ فيهِ مِنَ الْحَقِّ بِاِذْنِكَ، اِنَّكَ تَهْدي مَنْ تَشاءُ اِلى صِراط مُسْتَقيم، وَانْصُرْنا بِهِ عَلى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنا اِلـهَ الْحَقِّ آمينَ، اَللّـهُمَّ اِنّا نَشْكُو اِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَغَيْبَةَ وَلِيِّنا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا، وَشِدّةَ الْفِتَنِ بِنا، وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَيْنا، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاَعِنّا عَلى ذلِكَ بِفَتْح مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَبِضُرٍّ تَكْشِفُهُ، وَنَصْر تُعِزُّهُ وَسُلْطانِ حَقٍّ تُظْهِرُهُ، وَرَحْمَة مِنْكَ تَجَلِّلُناها وَعافِيَة مِنْكَ تُلْبِسُناها، بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ)
وأعتقد بأن هذه الفقرات واضحة الدلالة فلا أريد أن أعلق عليها.
جعلنا الله وإياكم ممن يسيرون في طريق محمد وآله وجعلنا ممن يهتدون بهداهم ويقتدون بهم في الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب.