
قِصَّةُ أَبي طَالِب كَفِيْلِ الرَّسول
توفي الجد العظيم الذي لم يُقصّر لحظة في تربية حفيده محمد(ص) ولم يكن يُشغل باله إلا هذا اليتيم الذي يحمل في صفحات وجهه ملامح النبوة، وفي قلبه أنوار الإيمان، وكان عبد المطلب عندما شعر بدنو الأجل جمع أبناءه وأوصاهم بمحمدٍ خيراً، وقد أوكل أمر كفالته إلى ولده الكريم أبي طالب رضوان الله عليه الذي كان شعوره تجاه ابن أخيه كشعور أبيه الراحل.
وكان أبو طالب سيداً مُطاعاً في قريش، وقد استعمل نفوذه لحماية محمد ودعوته الصادقة طيلة عقود من الزمن دون أن يصرّح بالإيمان وهو مؤمن يشبه في سلوكه مؤمن آل فرعون الذي كتم إيمانه من أجل حماية الإيمان.
وما كان يعلمه عبد المطلب عن حفيده فقد علِمه أبو طالب عن ابن أخيه، ولذا فقد بذل كل ما بوسعه للحفاظ على هذه الأمانة الغالية التي شغلت باله لسنوات طويلة.
وكما استُهدف جده هاشم وأبوه عبد المطلب استُهدف هو أيضاً، ولكن الفرق بينه وبين جده وأبيه أنه استُهدف في حياته بطريقٍ غير مباشر، وبعد وفاته بطرقٍ مباشرة حيث اتهمه القوم بأنه وثني وأنه مات على الكفر مع أنّ كل ما قام به طيلة حياته دلّ على عكس اتهاماتهم وافتراءاتهم.
وفي الحقيقة لم يكن شخصُ أبي طالب هو المستهدَف، بل شخص ابنه أمير المؤمنين(ع) الذي لم يجدوا عليه عيباً واحداً في حياته فراحوا يشوّهون بسمعته من خلال اتهام أبيه بالكفر مع أن إيمان أبي طالب كان واضحاً لكل ذي عقل.
هذا الذي يتهمونه بالكفر هو الذي حمى نبيّهم من الموت مراراً، وهو الذي دافع عن الرسالة كما دافع عنها صاحبها(ص) وهو الذي فداه بنفسه وأولاده بعد أن سمع كلام الراهب بحيرا في حقه عندما التقى به وأخبره بأن ابن أخيه يحمل علامات النبوة، ومن حينها أهمل أعماله وتجارته وتفرّغ لحماية ابن أخيه من كيد القرشيين.
لقد كان أبو طالب الداعم الأول للرسالة والرسول، وقد أنفق كل ما يملك عندما حوصر النبي والمسلمون في شُعبه المعروف، ولم يترك وسيلة إلا واستعملها ليُبقي النبي والمسلمين على قيد الحياة.
وكانت له مواقف مشرِّفة وجريئة، وقد عرّض حياته وحياة عائلته للخطر بسبب حماية الإسلام، وقد عبّر مراراً عن مدى شغفه بابن أخيه النبي، ومن أشهر أقواله: إنّ ابن آمنة النبي محمداً عندي يفوق منازل الأولاد:
وكما أوصاه والده عبد المطلب بحماية محمد ونصرة دينه فكذا أوصى أولاده وأخوته بحمايته ونصرته، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على قناعته بالإسلام وإيمانه بالله ورسوله.
فلو كان أبو طالب كافراً لما أكل النبي من ماله، ولو كان كافراً لَما ترحّم عليه وأطلق على العام الذي توفي فيه بعام الحزن.
والنبي لا يقوم بشيء إلا بوحي من الله، وما صنعه مع عمه أبي طالب كان بوحي من السماء، وكل مواقف النبي وكلامه في حقه عمه تدل على كونه كان من أوائل الذين آمنوا بالله ورسوله.



