
موجَزُ سيْرَةِ خاتَم الأَنبِيَاء محمد بن عبد الله(ص)
بقلم: الشيخ علي فقيه
هو محمدُ بنُ عبد الله بنِ عبد المطّلب بنِ هاشم، فقد تزوّج والده آمنةَ بنتَ وهب فحملت به، ثم سافر الوالد فأُصيب بمرض شديد فعرّج على خالٍ له في المدينة وتوفي ودُفن فيها ورسول الله ما زال في بطن أمه، وقد وُلد في السابع عشر من ربيعٍ الأول عام الفيل، وظهرت يومَ مولده كراماتٌ حيث تكسّرت الأصنام في الكعبة وانخمدت نار فارس وارتج إيوان كسرى فأيقن الناس بحدوث أمرٍ جَلل.
وبعد أيام احتفل الجد بمولد حفيده رغم حزنه على فقدِ ولده، وعقّ عنه وشاركته العائلة تلك الفرحة المشحونة بالأسى.
ارتضع من أمه ثلاثة أيام، وأُصيبتْ مكة بوباء، فأرسله الجد بعيداً، فأرضعته ثُويبةُ ثم حليمة السعدية التي ترعرع عندها لسنوات، ورأتْ ببركته كثيراً من الخير.
ورجع من قبيلة بني سعد إلى مكة، وبعد أشهرٍ قليلة تُوفيَت أمه أثناء زيارتها لقبر زوجها في الأبواء ودُفنتْ هناك، وعاد محمد إلى كنف جده الذي كفله وعامله معاملة خاصة، وهو يعلم أنّ لحفيده شأناً.
وبعد مدة توفي الجد العطوف وكان قد أوصى أولاده بمحمد الذي شعر بمرارة اليُتم عند موت جده، فكفله عمُّه أبو طالب أفضلُ أولاد عبد المطلب، وكان على دين جده إبراهيم، فعامله أحسن معاملة، ودافع عنه بكل بسالة، وكرّس حياته لحفظه.
وفي الثانية عشرة من عمره الشريف رافق محمد(ص) عمه في سفره إلى الشام، وفي الطريق التقى أبو طالب بالراهب بحيرا الذي بمجرد أن وقعتْ عيناه على محمد أدرك أنه النبي الموعود، فأخبر أبا طالب بالأمر وحذّره من شر اليهود وأعوانهم، فخاف عليه وقطع سفره ورجع به إلى مكة.
وفي سنّ الشباب اشتُهر بالصدق والأمانة، وشارك في حِلف الفضول، وكان له دورٌ مهم في مكة، وقد عمل بالتجارة، فسمعت خديجة عن أمانته وأخلاقه فطلبت منه العمل معها فوافق، وشاءت حكمة الله تعالى أن يتزوج النبي من تلك الصالحة التي آثرت الآخرة على الدنيا رغم ثرائها، وحصل الزواج الميمون وله من العمر خمسةٌ وعشرون عاماً، وقد رزقه الله منها بأولاد منهم سيدة النساء فاطمة(ع).
وقُبيل مبعثه الشريف هُدمت الكعبة بسيلٍ عظيم وأُعيد بناؤها، واختلفوا فيمَن يضع الحجر الأسود مكانه، فأشير عليهم بتحكيم أول داخلٍ عليهم فدخل رسول الله فحكّموه، فوضع الحجر في ثوبٍ وطلب من كل شيخ قبيلة أن يأخذ بطرف فحملوه جميعاً.
وكان يُكثر المكوث في غار حراء للتأمل والتفكر، وفي الأربعين من عمره وبينما كان جالساً في الغار هبط عليه حبريل الأمين وحمّله رسالة ربه، فنزل من الغار إلى بيت خديجة وأخبرها بالأمر فسألت خالاً لها كان حكيماً فأخبرها بأنه النبي الموعود، فكانت أول مَن آمن بالرسول والرسالة من النساء، وعلي بن أبي طالب(ع) من الرجال، ومِن هنا بدأت مرحلة جديدة للتاريخ البشري.
وبقيَت الرسالة سرّية لثلاث سنوات حتى أتى الأمر بإعلانها فوقف النبي على جبل الصفا ودعا الناس إلى الإيمان بواحد لا شريك له، فكذبوه وعذبوه واتهموه وهددوه فتابع تبليغ الرسالة وكان مُحصّناً بعمّه بعد ربّه، فلجأ الوثنيون إلى تعذيب المؤمنين للضغط عليهم، ولكن دون جدوى، فأحدق الخطر الفعلي بالرسول والرسالة وأهلها وقاطعتهم قريش، فلجأ النبي ومَن معه إلى شُعب أبي طالب ليتحصنوا به، وقد أنفقت السيدة خديجة كامل ثروتها على إطعام المسلمين، وبعدها تضوروا جوعاً وكادوا يهلكون، فأشار النبي عليهم بالهجرة إلى الحبشة ليسلموا ويسلم دينهم، وكان ذلك في السنة الخامسة للبِعثة، وأخبرهم بأنّ ملِكها لا يُظلَم عنده أحد، فخرج نفرٌ من المسلمين ليلاً وتوجهوا نحو ميناء جدة، وسافروا في البحر، فلحق بهم المشركون ليمنعوهم فكان انطلاق السفينة أسرع، فلم يُدركوهم، ثم خرجت مجموعة أخرى في مقدمتهم جعفر بن أبي طالب، فوصلوا إلى الحبشة فوجدوها كما وصفها نبيّهم، فحاول المشركون إرجاعهم ولكنّ النجاشي رفض أن يسلّمهم بعدما لمس الصديق في حديثهم.
وتوفي أبو طالب ثم بعده خديجة بأسابيع في السنة العاشرة للبعثة، ولم يبق للنبي ظهرٌ في مكة فقرر الخروج إلى الطائف فخرج إليها، وقابل زعماء ثقيف دون جدوى، فأحاط به جمْعٌ من سفهائهم سبّوه وصاحوا به ونهروه فلجأ إلى بستان عُتبة وشيبة وهو يتصبب عرَقاً، فأتيا إليه بطبق من عِنب، وكان لهما غلامٌ نصراني أسلم لمّا سمع القرآن، ثم أرسل النبي إلى المُطعم بن عدي أن يجيره، وكان وثنياً ولكنه قبِل بإجارته فرجع النبي إلى مكة آمناً.
وكان الأَوس والخَزرَجُ من أهل المدينة، وكانوا يأتون إلى مكة كثيراً، فبايعه ستة من الخزرج وكانوا أصحاب نفوذ، ثم قدِم اثنا عشر رجلاً منهم عقدوا مع النبي(ص) بَيعة العَقَبة فشعرت قريش بالخطر الذي بات يتهددهم فاجتمعوا وأجمعوا أمرهم على قتل النبي، وكانوا زعماءَ أربعين قبيلة حتى يضيع دمه بينها، فهبط جبريل وأخبر النبي بتلك المؤامرة، فبات علي(ع) تلك الليلة على فراش النبي الذي خرج دون أن يراه أحد، وتوجه نحو المدينة المنورة، فدخلوا إلى داره ليقتلوه فوجدوا علياً نائماً مطمئناً فوقعوا في خيبة أمل، ثم لحقوا به ليقتلوه فنجّاه الله منهم ووصل إلى المدينة وكان أكثر أهلها قد أسلموا واستقبلوه استقبال الفاتحين.
وصل إلى قباء في الثاني عشر من ربيع الأول وانتظر هناك وصول علي وفاطمة اللذين لحق بهما الكفار فقاتلهم علي وأجبرهم على الرجوع، فخرج النبي من ثِنية الوداع ودخل أرض يثرب حيث حطّتْ ناقته المأمورة بأرضٍ ليتيمين كانت موضعَ مسجده الذي بُني للصلاة والتجمع وبعض الخدمات، ثم بُنيَت حوله بيوت للفقراء، وكُلّف عبادة بن الصامت بتعليم الكتابة وقراءة القرآن، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، وبينه وبين ابن عمه علي، ومنذ ذلك بدأت الغزوات والسرايا.
وفي ذلك العام تغيّر اتجاه القِبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وكان المشركون قد صادروا أموال المسلمين، وعلم النبي بأنَّ قافلةً كبيرة لقريش يقودها أبو سفيان بصحبة أربعين رجلاً، فقرر أن يعترضها ليُرجع حقوق المسلمين فحصلت بين الفريقين معركة طاحنة انتهتْ بانتصار المسلمين وهي معركة بدرٍ المذكورة في القرآن.
وتوالت الغزوات التي عُدّت بالعشرات حتى جرت معركة أُحد التي خالف فيها البعض أمر رسول الله فانتهتْ بهزيمة المسلمين، وقد حصل في تلك الفترة زواجٌ ميمون حيث سهّل الله تعالى زواج الإمام علي من سيدة النساء فاطمة فأنجبوا الحسن والحسين ثم زينب(ع).
وبعد غزوة بني النّضير وذات الرّقاع ودَومة الجندل حدثت غزوة الأحزاب التي تحقق فيها أعظم انتصار على يد الإمام علي(ع) الذي قتل عمرو بن عبد ود العامري بعد أن خندق المسلمون لمنع المشركين من دخول المدينة، وعلى إثرها استسلم بنوا قريظة بالقوة.
وفي السنة السادسة للهجرة قضى النبي(ص) على اليهود بعد أن دخل خيبر، وبعدها غزوة بني المصطلق وصلح الحديْبيَة، واشتد ساعد المسلمين مما جعل الدعوة عالمية وقد أرسل النبي الكتب إلى جميع الملوك والحكّام يدعوهم فيها إلى الإسلام.
وبعدها حدثت معركة مُؤتة بقيادة جعفر بن عبد المطلب، ثم غزوة ذات السلاسل ثم جاء أمر الله تعالى بفتح مكة ففُتحت على أيدي المسلمين، وقد طهّر النبي الكعبة وما حولها من الأوثان.
وبعد خمسة عشر يوماً من مكوثه في مكة غادرها متوجهاً نحو هوازن وثقيف، فالتقى بالعدو الذي أراد الفتنة بين المسلمين ولكن النبي قضى على فتنتهم وأسر منهم الآلاف، ثم غزا الطائف رغم قلاعها الحصينة، ولكنه لم يتمكن من دخولها فراماهم بالمنجنيق ثم توجه إلى الجعرانة وهناك أطلق الأسرى الذين تعجبوا من أخلاقه فأسلموا، وفي عام الوفود أخذت القبائل المتمردة بالتقرب من المسلمين، وفي ذاك الوقت حاول أبو عامر والد حنظلة إحداث فرقة بين المسلمين فبنى مسجداً مقابل مسجد قباء فأمر النبي بهدمه.
ثم كتب إلى أسقف نجران يدعوهم إلى الإسلام فقدم منهم وفد إلى مسجد النبي وبدأ النقاش بينهم حول المسيح عيسى(ع) فلم يقبلوا كلامه فدعاهم إلى المباهلة فارتجفوا وتراجعوا ونهاهم كبيرهم عن المباهلة كيلا يهلكوا فدفعوا الجزية وانصرفوا.
وبعدها حجّ حجة الوداع ووقف في غدير خم ونصب علياً خليفة بأمر الله تعالى وأخبرهم أنه بذلك أكمل لهم الدين، وكان(ص) قد فقد أبناءه الثلاثة وبناته الثلاث إلا السيدة فاطمة التي رحلت بعده بأشهر.
وأصيب بمرض فأراد أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده فأبى بعض الصحابة ذلك وتركوه بين يدي ابن عمه علي إلى أن فارق الدنيا عن رغبة منه واختيار، واجتمع أولئك لتقسيم الإرث الذي تركه، وبدأت مرحلة قاسية لم تنته إلى يومنا الحالي.
فصلاة ربي وسلامه عليك يا سيد الخلق.


