
النظام الكوني أبرز آيات الوجود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على رسوله الكريم وآله الميامين وأصحابهم المنتجبين
قال سبحانه وتعالى(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
لو أردنا أن نشرّح مفردات هذه الآية الكريمة لحصلنا على مجموعة من العناوين العقائدية والعلمية والغيبية، حيث قلنا ونقول: إن للقرآن ظاهراً وباطناً، وإن باطنه عميق لا يُدرك فهو بحر زخّار لا نهاية لأسراره ولا حدود لتعاليمه.
ولكنني سوف أقف على الفقرة الأولى من هذه الآية الكريمة لأن هذا البحث سوف ينعقد من أجل بيان ما ورد فيها وهو موضوع الآيات في الآفاق.
وإن للفظ الآية معنيين، وقد استعملهما القرآن الكريمة، المعنى الأول هو العلامة، فبدل أن تقول علامة الشيء كذا يمكن أن تقول آية الشيء كذا، وهذا من إحدى الإستعمالات في القرآن كما في قوله سبحانه(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ) أي فيه علامات على أنه بيت قديم ومعظّم لدى الناس، ومن تلك العلامات مقام إبراهيم الذي يقصده الناس منذ قرون من الزمن.
وكذا في قوله تعالى(وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ)
المعنى الثاني للفظ الآية هو آيات القرآن الكريم، ولعل لفظ الآية من الألفاظ المنقولة التي وُضعت لمعنى ثم استُعملت في معنى آخر لوجود مناسبة بين المعنيين.
هذا بالنسبة للآية، أما بالنسبة للآفاق فإنها تلك الموجودات التي تسبح في هذا الفضاء الواسع الذي امتلأ بملايين العلامات الدالة على القدرة التي لا حدود لها، تلك القدرة التي أوجدت الوجود من العدم ووضعت له نظاماً دقيقاً لا ينحرف عن مساره لأن أدنى انحراف فيه قد يسبب الكوارث الكبرى للحياة على كوكب الأرض الذي اختاره الله تعالى ليكون موضعاً لامتحان خلقه في هذا الوجود.
إن هناك علاقة قوية ومتينة وأكيدة بين العلم والإيمان، وهناك من ألفوا كتباً حول هذه العناوين ككتاب الله يتجلى في عصر العلم، وكتاب العلم يدعو إلى الإيمان، وهذا يعني أنه لا يمكن فصل العلم عن الإيمان بحال من الأحوال لأن نفس الإيمان هو قائم على العلم بالمعنى العام، كما أن الإيمان يفرض علينا أن نطلب العلم لأنه أساس استمرار الحياة وأهم أبواب السعادة بعد الممات.
لقد خلقنا رب العالمين بقدرته وصوّرنا بحكمته واحتج علينا بقوله(يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ) فجعل أصلنا من تراب حيث كوّن أصل البشر منه ثم تحوّلت عملية الإنشاء من تراب إلى هذه الطريقة المعلومة التي أصبحت في نظر الناس أمراً طبيعياً جداً مع أنها من أعظم آيات الله في خلقه، وها هو القرآن الكريم يصف لنا خلقنا ليكون هذا الوصف تذكيراً وعبرة كيلا ننسى أصلنا ونتغافل عن ربنا الذي تجب طاعته.
قال تعالى(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) وقال(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) وفي هذه الآية بيانٌ لنظام تكويني رائع ومذهل، وفيها باب واسع من أبواب العلم والمعرفة.
والغرض من هذا البحث هو الإشارة إلى كون ما حولنا آيات لنا على قدرة الله وكونه واحداً لا شريك له وأنه يجب علينا أن نطيعه لننجح في الإمتحان الذي فرضه علينا، وأن جميع المسائل التي بيّنها سواء كانت علمية أو عقائدية إنما الغرض منها يعود إلى مسألة الدلالة عليه ليكون ذلك بمثابة موعظة لنا نعمل بها في حياتنا كيلا نُضل الطريق وننحرف عن المسار الصحيح وننزلق في أفخاخ الشيطان الغوي الذي كان جزءاً أساسياً من هذا الإمتحان.
فالأنبياء(ع) من قبل استعملوا ما في الوجود من مخلوقات وأنظمة للدلالة على وجود الخالق ووحدانيته كما صنع خليل الله إبراهيم(ع) مع عبدة الكواكب عندما استعمل الكوكب والشمس والقمر للدلالة على الحق، وكما صنع مع الحاكم نمرود عندما قال له(فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
حتى أن هذا التاريخ يذكر لنا كلاماً عن أشخاص أميين نظروا إلى النظام الكوني ووصلوا إلى الحق من خلاله كتلك العجوز التي آمنت بالله تعالى فسُئلت عن سبب إيمانها فقالت: البعرةُ تَدُلّ على البعير، وأثر الأقدام على المسير، فسماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فِجاج، ألا تدلاّن على الصانع اللطيف الخبير:
ولهذا فإننا نجد كثيراً من آيات القرآن الكريم تعتمد على النظام الكوني في إثبات الحق، ولكن قبل أن نبدأ بتلاوة تلك الآيات والوقوف عليها أود أن أذكر كلاماً لأمير المؤمنين(ع) يعظ فيه الناس من خلال ذكر آيات من هذا التكوين.
قال(ع) في بيان خلق السماء والأرض والإنسان:
أَنْشَأَ الخَلْقَ إنْشَاءً، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلاَ رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا، وَلاَ تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا، وَلاَ حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا، وَلاَهَمَامَةِ نَفْسٍ اظْطَرَبَ فِيهَا. أَحَالَ الْأَشيَاءَ لَأَُوْقَاتِهَا، وَلْأَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا، وَغَرَّزَ غَرائِزَهَا، وَأَلزَمَهَا أَشْبَاحَهَا، عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا، مُحِيطاً بِحُدُودِها وَانْتِهَائِهَا، عَارفاً بِقَرَائِنِها وَأَحْنَائِهَا. ثُمَّ أَنْشَأَ ـ سُبْحَانَهُ ـ فَتْقَ الْأََجْوَاءِ، وَشَقَّ الْأََرْجَاءِ، وَسَكَائِكَ الَهوَاءِ، فأَجْرَي فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ، مُتَراكِماً زَخَّارُهُ، حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ، وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ، فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ، وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ، وَقَرنَهَا إِلَى حَدِّهِ، الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيقٌ، وَالمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ . ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا، وَأَدَامَ مُرَبَّهَا، وَأَعْصَفَ مَجْرَاها، وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا، فَأَمَرَها بِتَصْفِيقِ المَاءِ الزَّخَّارِ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ البِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ، وَعَصَفَتْ بهِ عَصْفَهَا بِالفَضَاءِ، تَرُدُّ أَوَّلَهُ عَلَى آخِرِهِ، وَسَاجِيَهُ عَلَى مَائِرِهِ، حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ، وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ، فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ، وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَموَاتٍ، جَعَلَ سُفْلاَهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً، وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً، وَسَمْكاً مَرْفُوعاً، بِغَيْر عَمَدٍ يَدْعَمُهَا، وَلا دِسَارٍ يَنْظِمُها. ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزينَةِ الكَوَاكِبِ، وَضِياءِ الثَّوَاقِبِ، وَأَجْرَى فِيها سِرَاجاً مُسْتَطِيراً، وَقَمَراً مُنِيراً: في فَلَكٍ دَائِرٍ، وَسَقْفٍ سَائِرٍ، وَرَقِيمٍ مَائِرٍ.
وقال(ع) في بيان خلق الإنسان:
ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ وَسَهْلِهَا، وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا، تُرْبَةً سَنَّهَا بالمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ، وَلاَطَهَا بِالبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ، فَجَبَلَ مِنْها صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَ وُصُولٍ، وَ أَعْضَاءٍ وَ فُصُولٍ : أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ، لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ، وَأجَلٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ نَفَخَ فِيها مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إِنْساناً ذَا أَذْهَانٍ يُجيلُهَا، وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا، وَ جَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا، وَ أَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا، وَ مَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ:
والآيات التي تشير إلى هذا النظام الكوني كثيرة جداً ولكنني سوف أنتقي بعضها في هذا البحث.
ففي سورة المزمل(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) وفي سورة الرحمن(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) وفي سورة المعارج(فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ).
إن هذه الآيات الكريمة لا تقف عند مسألة بيان القدرة والإتقان في الصنع فقط، بل هي تفتح مجالات واسعة أمام أهل العلم ليبحثوا عن حقائق كونية تغني مختبراتهم العلمية بمعلومات قيمة حول نظام الموجودات المسخرة لهم، وقد استعملت هذه الآيات ثلاثة ألسن أوثلاثة ألفاظ في البيان، مرة بلفظ المفرد وأخرى بلفظ المثنى وثالثة بلفظ الجمع، فهل أن هناك مشرقاً واحداً وأتى التعبير بالمثنى والجمع لغاية أخرى؟ أم أن هناك أكثر من مشرق ومغرب حقيقةً؟
أما في استعمال المفرد للمشرق والمغرب فلا خلاف فيه ولا إشكال، وهو الدال على شروق الشمس وغروبها.
ولهذا سوف ينصب الكلام على التعبيرين الآخرين التعبير بالمثنى والتعبير بالجمع:
لماذا ذكر الله عز وجل مشرقين ومغربين؟ وقبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أبين أمراً قرآنياً يتعلق بالحديث عن الشمس والقمر فإنه لم يأت القرآن على ذكرهما إلا بصيغة المفرد، وإليكم بعض الآيات الحاكية عن الشمس والقمر.
ففي سورة البقرة(فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ)
وفي سورة الأنعام(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً)
وفي نفس السورة(وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا)
وفي سورة الأعراف(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ)
وفي سورة يس(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)
فلا يوجد استعمال صيغة المثنى لا للشمس ولا للقمر لا في القرآن ولا في اللغة العربية إلا في الإستعمالات المجازية كالتعبير عن أصحاب الأئمة(ع) بأنهم شموس لا تغيب، أو أقمار لا تأفُل.
إن هذا الكوكب الأرضي الذي نعيش عليه هو المكان الذي دحاه الله عز وجل وجعله صالحاً للعيش عليه بعد أن خلق فيه جميع مقومات الحياة للبشر والأنعام، وهذا ما أشار إليه بقوله(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) ولم يخبرنا الله تعالى عن كوكب آخر عليه حياة وفيه بشر لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ولعل حصر استعمال لفظ الشمس والقمر بصيغة المفرد يستدل به على عدم وجود حياة مثل حياتنا على كوكب آخر لأنه وبحسب ما علّمنا رب العالمين أن للحياة أنظمة ومقومات يجب أن تتوفر فإذا كان هناك كوكب مثل كوكبنا فيه ما في كوكبنا للزم أن يكون نظامه الكوني مشابهاً لنظامنا، وعندما لم يُشر الله تعالى إلى ذلك فنحن أمام خيارين، إما أن نعتقد بأننا نحن الوحيدون في هذه الحياة، وإما أن نعتقد بوجود حياة أخرى في هذا الوقت ولكننا لا نعرف شيئاً عنها، وأولاً وأخيراً فإن الأمر يعود إلى الله تعالى الذي لم يطلعنا سوى على الشيء اليسير من العلم.
وبناءاً عليه يمكن أن يكون التعبير عن المشرق والمغرب قد أتى بصيغة المثنى للدلالة على شروق الشمس والقمر وغروب الشمس والقمر، ولكن في استعمالات اللغوية وحتى في استعمالات القرآن الكريم لا يوجد استعمال لفظي لظهور القمر بلفظ الشروق، أي لا توجد آية في القرآن تستعمل لفظ الشروق للقمر، بل يوجد استعمال لفظ الشروق للنور كما في قوله تعالى(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) حتى التعبير عن شروق الشمس لم يأتي بلفظ الشروق في القرآن، ولا ندري سبب ذلك، ولكن استعمالاتنا نحن خصصت لفظ الشروق للشمس والظهور للقمر أو الطلوع حيث نقول ظهر القمر أو طلع القمر وكذا ظهرت الشمس وطلعت وأشرقت.
ويمكن أن يكون المراد بالمشرقين والمغربين خاصاً بالشمس التي هي في حالة شروق وغروب مستمرَّين فإنها عندما تغرب عن أرض فهي تشرق في موضع آخر وهذا معلوم لدى جميع الناس، ففي نفس اللحظة يوجد للشمس شروق وغروب فهي تُشرق عندنا وتغيب عن غيرنا، وتغرب عنا وتشرق عند غيرنا.
وهذا الحكم ليس خاصاً بالشمس بل هو يشمل القمر أيضاً ما خلا المحاق لأنه قد يختفي لفترة، وهو ما يعبّر عنه بالمحاق، وكذا بالنسبة للمشارق والمغارب فإن الشمس تشرق كل يوم من مكان مغاير لمكان شروقها في الأمس وما قبله، وهذا يعني أن للشمس عشرات المشارق وكذا للقمر.
وبما أنني افتتحت هذا البحث بالحديث عن الشمس والقمر فإنني أرى من المناسب أن نكمل الكلام عنهما لما فيه من فوائد علمية وعقائدية.
وسوف أنطلق بالبحث مجدداً من خلال قوله تعالى(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)
وكالعادة أريد أن أقف على مفردات هذه الآية وأعالج بعض الشبهات التي خلّفتها أيدي الجهلة الذين لم يحيطوا بشيء من علم القرآن الكريم وهم يدعون المعرفة ولا يحصنون أنفسهم مما قد يرد عليهم من إشكالات.
نلاحظ بأن الله تعالى عبّر عن الشمس بالضياء وعن القمر بالنور، ولا شك بأن هناك اختلافاً بين المعنيين فمعنى النور شيء ومعنى الضياء شيء آخر وكلاهما يشترك في المعنى من ناحية النور دون باقي الخصائص، وقد سئل أحد أهل السنة عن الفرق بين الضياء والنور فأجاب قائلاً: الضياء فيه نور وحرارة، والنور ليس مصحوباً بالحرارة: وأنا شخصياً أؤيد هذا المنطق من جهة بيان فارق واحد بينهما، ولكن هذا لا يعني عدم استعمال الضياء للدلالة على أمور معنوية، ولعل هذا النابغة يريد أن يقول إن الله عبّر عن الشمس بالضياء لأنها تعطي الحرارة فضلاً عن النور، وعبّر عن القمر بالنور لأنه يعطي ضوءاً دون حرارة، وقد استشهد بحديث نبوي مضمونه: الصلاة نور والصبر ضياء: ولا أدري ما هو الرابط بين هذا الحديث وبين حرارة الضياء، فهل للصبر حرارة دون الصلاة؟ هذا عين الجهل والسخرية والإستهتار والإستسلام لجهلة الماضي، وأنا بدوري أريد أن أسأل هذا النابغة عن معنى قوله تعالى في الآية 48 من سورة الأنبياء(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ) ما هو المراد بالضياء في هذه الآية؟ هل هو الشمس؟ بالطبع لا، الله يعبّر هنا بالمجاز عن نور الكتب والتعاليم السماوية وقد وصفها بالضياء وهي لا تحتوي على الحرارة، إلا إذا قلنا بأن المراد بها حرارة الإيمان وهذا بعيد عن الواقع وأجنبي عن المنطق.
النار تعطي حرارة ومع ذلك لا توصف بالضياء بل بالنار.
هناك فرق في اللغة بين الضياء والنور كالفرق فيها بين العلم والمعرفة، ولكن هذا لا يعني عدم جواز استعمال أحدهما للدلالة على الآخر ولو بنحو المجاز.
القرآن له طريقة خاصة في التعبير، ولا يعني أنه إذا استعمل لفظاً في شيء أنه لا يصح استعمال هذا اللفظ للدلالة على معنى آخر، فلقد عبّر القرآن الكريم عن الشمس بالسراج المنير كما في قوله تعالى(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) فالسراج هنا هو الشمس، وقد استعمل الله تعالى لفظ السراج هنا في معناه الحقيقي، وكذلك استعمل لفظ السراج في المعنى المجازي وذلك عندما وصف خاتم أنبيائه بهذا الوصف في سورة الأحزاب حيث قال(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)
منازل القمر :
- قسم العرب الدائرة التي يقطعها القمر في حركة دورانه الشهرية حول الأرض إلى
( 28 موقعاً ) ، متساوين في مقدار البعد بينهم .. أطلقوا على هذه المواقع أسماء
( منازل القمر ) . ً
يبقى القمر في كل منزلة منهن مقدار ( ليلة واحدة ) . وهذه ( الثماني والعشرين ) منزلة ، هي نجوم ، أو تشكيلة نجوم تقع ضمن مجموعة النجوم التي تتألف منها التجمعات التي تسمى ( البروج ) ، وعددها اثني عشر برجا ( البروج المعروفة ) ، إضافة إلى كوكبتي : الجبار ، والحصان المجنح .
- وسميت تلك المنازل ( نجوم الأخذ ) : لأخذ القمر في كل ليلة منزلة منها .
- يظهر من المنازل ( 14 ) منزلة ، ويختفي ( 14 ) منزلة أخرى .
وكلما غربت منزلة في ( الأفق الغربي ) ، ظهرت في ( الأفق الشرقي ) منزلة تقابلها تسمى ( الرقيب ) .
- تقع ( 14 ) منزلة من المنازل ( الثماني والعشرين ) شمال خط الاستواء السماوي وتسمى ( المنازل الشامية ) وهي : الشرطان ، البطين ، الثريا ، الدبران ، الهقعة ، الهنعة ، الذراع ، النثرة ، الطرفة ، الجبهة ، الزبرة ، الصرفة ، العواء ، السماك .
- وتقع ( 14 ) منزلة منها جنوب خط الاستواء السماوي وتسمى ( المنازل اليمانية ) وهي :
الغفر ، الزبانا ، الإكليل ، القلب ، الشولة ، النعايم ، البلدة ، سعد الذابح ، سعد بلع ، سعد سعود ، سعد الأخبية ، الفرغ المقدم ، الفرغ المؤخر ، الرشاء .
منازل الشمس :
- أن القمر ينتقل من منزلة إلى أخرى في يوم وليلة ، أما الشمس فتحل في كل منزلة من منازل القمر مدة ( 13 يوما ) ، عدا منزلة ( الطرفة ) ، فتمكث فيها ( 14 يوما ) .
وذلك ( 364 ) يوما ، هي مجموع أيام السنة الشمسية .
وفي السنة الكبيسة ( التي يكون فيها عدد أيام شهر فبراير 29 يوما ) يضاف
( يوما ) إلى منزلة القلب ( قلب العقرب ) .
النوء والأنواء :
- كان العرب في الجاهلية يعتبرون أن لكل نجم ( منزلة ) حالة طقس معينة من مطر أو رياح أو برد …….. وكانوا ينسبون حالة الطقس إلى النجم ( المنزلة التي تحل بها الشمس في فترة محددة من السنة ) .
فكانوا يسمون سقوط النجم ( المنزلة ) الهابط في الغرب مع الفجر ( النوء ) .
وطلوع النجم ( المنزلة ) المقابلة لها والصاعدة في جهة الشرق من ساعتها
( الرقيب ) .
وكل منزلة من منازل القمر لها طالع ( نوء ) خلال الفترة التي تحل بها الشمس في تلك المنزلة .
أنواء ، ومنازل القمر ( الثماني والعشرين ) :
الشرطان ، البطين ، الثريا ، الدبران ، الهقعة ، الهنعة ، الذراع ، النثرة ، الطرفة ، الجبهة ، الزبرة ، الصرفة ، العواء ، السماك ، الغفر ، الزبانا ، الإكليل ، القلب ، الشولة ، النعايم ، البلدة ، سعد الذابح ، سعد بلع ، سعد السعود ، سعد الأخبية ، الفرغ المقدم ، الفرغ المؤخر ، الرشاء ( بطن الحوت ) ، أو السمكة .
الشيخ علي فقيه



