قِصَّةُ إِحيَاءِ العُزَيْرِ بَعْدَ مَوْتِه

قِصَّةُ إِحيَاءِ العُزَيْرِ بَعْدَ مَوْتِه
قال سبحانه(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ)
الحياة والموت بيد الله عز وجل وحده، فهو يحيي ويميت وبيده مقاليد السموات والأرض، فلا يُسئل عما يفعل، ولا يفعل الله إلا الجميل، والرابح الأكبر هو الإنسان الذي يُفوّض أمره إلى خالقه ويتكل عليه، فمن يفعل ذلك فقد فاز وإن كان الثمن عليه كبيراً في دار الدنيا فإن ميزان الربح والخسارة إنما هو في يوم القيامة.
وصاحب هذه القصة ليس وحده مَن مات في الدنيا ثم أحياه الله، فهناك أشخاص كُثُرٌ وقع عليهم الموت ثم أحياهم ربهم في الدنيا لحكمة منه سبحانه كالقتيل الذي أحياه ربه على يد كليمه موسى عندنا ضربوه ببعض لحم البقرة، وكالذين أخذتهم الصاعقة من بني إسرائيل عندما طلبوا من موسى أن يريَهم ربهم جهرة، وكأولئك الذين أحياهم عيسى بن مريم بأمر الله، والعِبر المشابهة لهذه أكثر من أن تُحصى.
والعُزير رجلٌ من الصالحين، وقيل إنه من الأنبياء، وإن وإن لم يكن نبياً فقد كان فعله نبوياً، ولسنا هنا بصدد إثبات نبوّته أو نفيها، لأن المهم هنا هو الإستفادة مما حدث له ومعه، وقد جعله الله سبحانه عبرة للبشرية عبر الأزمان حيث استفيد مما حدث له مبدأٌ عقائدي كبير، وهو المَعاد الجسماني الذي نفاه وأنكره الكثيرون من الناس عبر الزمن، وقد أثبت الله لهم ذلك مراراً.
ففي ذات مرة ركب العُزير حماره وخرج من مدينته لغاية في نفسه، وأثناء مسيره شعر بتعب المسافر وأراد أن يستريح، فوقف قرب قريةٍ خَرِبَة خاليةٍ من سُكانها فجهّز طعامه وجلس في ظل حائط متهدم، ثم نظر عن كثب في بعض أرجاء تلك القرية فوجد بعض العظام البالية، فقال في نفسه متسائلاً: كيف يحيي الله هذه العظام وهي رفات: ولا يعني ذلك أنه شاكٌّ في القدرة الإلهية، بل هو طلبٌ يُطلب للإطمئنان فقط، وهذا ما طلبه العديد من الأنبياء، وهي من الحالات الطبيعية التي تعتري قلب كل إنسان منا.
وهناك حدثت معجزةٌ كبرى بيّن الله سبحانه من خلالها قدرته الباهرة حيث أمات عزيراً وحماره مئة عام، ثم أحياه مجدداً ولم يكن العزير يعرف ما حدث.
كان يظنّ أنّه نام لبعض الوقت ثم أفاق كالعادة، ولكنه لم يكن نوماً، بل موتٌ أعقبه حياةٌ من جديد، والموت شبيه بالنوم، وقد ورد عن خاتم الأنبياء محمد(ص) أنه قال: كما تنامون تموتون:
ولكنه عندما نهض حياً رأى شيئاً مدهشاً ومحيراً، نظر إلى الطعام الذي كان يحمله فوجده كما كان لم يصبه أي تعفّن فهو على حاله لم يتغيّر، بل أخذته الحيرة عندما لم يجد حماره الذي كان بالأمس في صحبته، غاية ما رآه في المكان الذي ربط فيه حماره عظاماً بالية ورفاتاً متناثرة، وهناك زادت حيرته أكثر، وعندها أوحي إليه بعد توهّمه أنه نام جزءاً من اليوم(بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ) ولم يصرّح القرآن بكيفية هذا الوحي، فربما كان إلقاءاً في النفس كما حصل لأم موسى عندما أوحى الله إليها أن تلقي بولدها في اليم.
وهناك بدأت قدرة الله تتجلى في نفسه أكثر، رغم أنه كان غارقاً في الحيرة، وفي تلك الأثناء أَمَره ربه أن ينظر إلى رفات حماره وأراه كيف يجمعها ويعيد الحياة فيها فتركّب بعضها على بعض ثم بقدرة الله كُسيت لحماً ونهض الحمار حياً، وقد راحت ذرات رفاته تتطاير من أمكنة بعيدة حيث تلاشت بفعل العواصف الرملية في المئة عام المنصرفة، فنقّى الله ذرات الرفات من بين الرمال وجمعها مجدداً، وقد رأى العزير تلك الآية بنفسه.
وهناك اطمأن قلبه واعترف بأنه كان مؤمناً بأنّ الله على كل شيء قدير، ولكنَّ النفس تسأل حتى يطمئن القلب وهذا من عادات البشر.
ثم رجع إلى قومه وهناك كانت الدهشة الكبرى عندما رأوه عائداً بعد مئة عام وقد تعرّف عليه الطاعنون في السن، وقد أخبرهم بكل ما حدث.
وها هو القرآن يخبرنا بما أخبر به العزير قومه.
(فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
الشيخ علي فقيه



