محاضرات

خَلْقُ السّمَواتِ والأَرْض(البحث الثالث)

أَصْلُ الكَوْنِ

قال سبحانه وتعالى في الآية السابعة من سورة هود(وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء)
إن للفظ العرش أكثر من معنى:
المعنى الأول: (السقف أو ما يكون له سقف)
وهو الكرسي أو الأسرة التي كان يجلس عليها الملوك، وهذا ما أشير إليه في سورة النمل حيث قال تعالى في حديثه عن ملكة سبأ ونبيّه سليمان(ع) 🙁قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) وفي نفس السورة قال تعالى(قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا) أي: الكرسي الذي كانت تجلس عليه تلك الملكة والذي استطاع نبي الله سليمان(ع) بما سخّر له ربه من القدرات أن يأتي بعرشها بلحظة ويضعه في قصره.
المعنى الثاني: (خشب بعض الأشجار)
المعنى الثالث: (القدرة) كما يقال:ثلّ عرش فلان: وهو كناية عن ذهاب قدرته.
المعنى الرابع: (عالَم الوجود)
وبناءاً على ذلك يمكن أن يكون المراد من عرش الله تعالى هو عرش قدرته التي تستوعب جميع هذا العالَم.
ولكن لا يمكن الجزم بهذا الرأي وإن كان صحيحاً ومتفقاً مع معتقداتنا لأن هناك آية في القرآن الكريم اختلف المفسرون في معناها، فهي توحي بأن العرش شيء مادي يُجعل في يوم القيامة أو يُنصب فوق الخلائق للدلالة على عظيم قدرة الله، وهنا لا إشكال في الأمر لأن حكم العرش المادي لا يختلف عن حكم الكون وما فيه في الدلالة على القدرة، فكما جعل الله تعالى هذا الوجود آية على وجوده وقدرته فكذلك سوف يجعل العرش آية على قدرته أيضاً في يوم القيامة، ولا مانع من أن يكون العرش في يوم القيامة هو عالَم الوجود أيضاً ليكون وجوده هناك حجة على المعاندين والكافرين الذي أنكروا وجود الموج لهذا الوجود، ولعل المعنى يكون حينئذ: إن هذا العرش(عالم الوجود) الذي أنكرتم خالقه في الدنيا فها هو الخالق نصبه أمامكم كيلا تنكروا ما أنكرتموه في الدنيا، وهناك لا معنى للإنكار أو عدمه لأن الحكم قد صدر عليهم يوم مماتهم وانقطع عنهم الإمتحان، وهذا مجرد احتمال لا أجزم به وإن كان لا يتعارض مع موازين العقل إلا أنه قد يتعارض مع العقيدة في بعض الجوانب، ولذا كان لا بد من توسيع الشرح كيلا نقع في المحظور.
فلنذكر الآية التي تشير إلى هذا الموضوع بالذات ثم نتابع التوضيح.
قال تعالى في سورة الحاقة الآية 17 (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)
فعندما يقرأ القارئ هذه الآية يتبادر إلى ذهنه للوهلة الأولى أن ثمانية من الخلوقين يحملون كرسياً كبيراً ويطوفون به فوق البشر عندما يُنفخ في الصور ويقومون للحساب، ولا شك بأن كثيراً من الناس يتخيلون هذا الأمر، ولكن عندما يرجعون إلى التفاسير يجدون بأن ما تبادر إلى أذهانهم للوهلة الأولى ليس هو المعنى الصحيح لأن الأمر هناك لا يتعلق بالمادة، فقد يكون كل ذلك كناية عن الملك والقدرة، وفي نفس الوقت قد يكون هناك مادة كما ذكرت لكم قبل قليل إذ لا مانع عقلي من الأمر، ولكننا أمام كلام الله تعالى لا يجوز لنا أن نأخذ بالذوق الخاص أو بالإستحسان إذ لا بد من الرجوع إلى أهل الذكر في هذا الشأن فمن فسّر القرآن برأيه هلك.
وقد لا حظت من خلال مراجعة بعض التفاسير الهامة سكوتهم عن حقيقة العرش، وذلك لسكوت الله تعالى عن الأمر، ولكن بعضهم أشار إلى أن العرش كناية عن عرش حكومة الله الذي يحمله في الدنيا أربعة من الملائكة، وفي الآخرة ثمانية، وبعضهم ذهب إلى أن الثمانية في يوم القيامة ليس كلهم من الملائكة وسوف نأتي على ذكر هذا الأمر بعد قليل.
وأنا شخصياً لا أريد أن أدخل في تفاصيل قد لا تنفعنا كثيراً ولكنني سوف أكتفي بما ذكره صاحب الميزان حرفياً حول هذه الآية الكريمة.
قال العلامة الطباطبائي رحمه الله: قوله تعالى: «و الملك على أرجائها و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية» قال الراغب: رجا البئر و السماء و غيرهما جانبها و الجمع أرجاء قال تعالى: «و الملك على أرجائها» انتهى، و الملك – كما قيل – يطلق على الواحد و الجمع و المراد به في الآية الجمع.
وقوله: «و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية» ضمير «فوقهم» على ظاهر ما يقتضيه السياق للملائكة، و قيل: الضمير للخلائق.
وظاهر كلامه أن للعرش اليوم حملة من الملائكة قال تعالى: «الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم و يؤمنون به و يستغفرون للذين آمنوا»: المؤمن: 7 وقد وردت الروايات أنهم أربعة، و ظاهر الآية أعني قوله: «و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية» أن الحملة يوم القيامة ثمانية و هل هم من الملائكة أو من غيرهم؟ الآية ساكتة عن ذلك و إن كان لا يخلو السياق من إشعار ما بأنهم من الملائكة.
ومن الممكن – كما تقدمت الإشارة إليه – أن يكون الغرض من ذكر انشقاق السماء و كون الملائكة على أرجائها وكون حملة العرش يومئذ ثمانية بيان ظهور الملائكة و السماء و العرش للإنسان يومئذ، قال تعالى: «و ترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم»: الزمر: 75.
جاء في الدر المنثور، في قوله تعالى: “و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية” أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يحمله اليوم أربعة و يوم القيامة ثمانية.
وفي تفسير القمي، و في حديث آخر قال: حمله ثمانية أربعة من الأولين و أربعة من الآخرين فأما الأربعة من الأولين فنوح و إبراهيم و موسى و عيسى، و أما الأربعة من الآخرين فمحمد و علي و الحسن و الحسين (ع).
ونعود هنا إلى ما بدأنا به، وهو أن عرش الله تعالى على الماء، وقد قال بعضهم بأن هذا الكون كان ماءاً فحوّله الله تعالى إلى ما هو عليه الآن.
وقد يكون المراد من الماء ليس الماء الذي نشربه أو ماء البحر، فقد يكون المعنى مواداً ذائبة عبّر عنها القرآن الكريم بالماء.
ولعل هذا ما أشار إليه أمير المؤمنين علي(ع) في نهج البلاغة حيث قال” ثُمَّ أَنْشَأَ ـ سُبْحَانَهُ ـ فَتْقَ الْأََجْوَاءِ، وَشَقَّ الْأََرْجَاءِ، وَسَكَائِكَ الَهوَاءِ، فأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ، مُتَراكِماً زَخَّارُهُ، حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ، وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ، فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ، وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ، وَقَرنَهَا إِلَى حَدِّهِ، الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيقٌ، وَالمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ”
وفي كنز العمال قال رسول الله(ص)”خلق الله السماء الدنيا من الموج المكفوف
وفي بحار الأنوار: سئل الإمام علي(ع) مما خَلق السموات؟ فقال(ع)”من بخار الماء

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى