منوعات تاريخية

الشكْرُ وَالكُفْرُ

أَسْرَارُ الخُطْبَة الفَدَكيَة

 

 

الشكْرُ وَالكُفْرُ

 

ولمزيد من الإستفادة نلقي نظرة بسيطة وسريعة على الآية الشريفة لأن كلام المعصومين(ع) يفتح لنا آفاقاً واسعة وأبواباً كثيرة، ونحن نستغل هذه المجالات للحديث عن أكثر من مفهوم، فبعد أن عرفنا أن الشكر وسيلة لمواصلة النعم واستزادتها ينبغي أن نشير إلى أن الشكر تارة يقابل عدم الشكر المستوجب لحرمان النعم أو القلة منها، وأخرى يكون مقابلاً للكفر إذا قصدنا به الشكر العملي المستوجب للطاعة من فعل الواجب وترك المحرم، وإلى هذا المعنى يشير القرآن الكريم بقوله(وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) وهذا الكفر يمكن حمله على معناه الحقيقي وهو الكفر بالله لأن عدم شكر النعمة بالعمل يعني أن الممتنع عنه قد أنزل نفسه بهذا السلوك إلى مستوى الكافر الذي لا يبالي بالثواب والعقاب، ويمكن حمل معنى الكفر في الآية الكريمة على الجَحد بالنعمة، وهو لا شك سلوك سيء مع الخالق القدير سبحانه وتعالى، ولسنا هنا في مقام اختيار الأنسب من المعنيين أو ترجيح أحدهما على الآخر.

وعندما دعانا ربنا إلى الشكر فقد دعانا إلى ما هو خير لنا في الدنيا والآخرة، لأن أثر الشكر وعاقبته يعودان على الشاكر، وليس على المشكور الذي لا تنفعه طاعاتنا ولا تضره معصياتنا، وهذا الأمر واضح في الآية المذكورة حيث قال تعالى(وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) وقد ركّز القرآن على موضوع الشكر لأنه صفة يحبها الله تبارك وتعالى، وهو في نفس الوقت تعبير عما في ضمير الإنسان، وهو من الصفات الحسنة العامة سواء صدرت من مسلم أو من غير المسلم، ولكن ترتب الأثر على الشكر له شروط، أولها الإيمان بالله وبكل ما يجب الإيمان به، ونحن تارة نتحدث عن الشكر كمفهوم ديني، وأخرى نتحدث عنه كسلوك إنساني، ولكل مورد منها أحكامه الخاصة به، ومتعلقاته التي تخضع لنية الشاكر وتعبيره عن الشكر، لأنه تارة يعبر عنه باللفظ، وأخرى بالعمل، وثالثة بهما معاً وهو المطلوب.

ومن هنا كان الممتنع عن شكر النعمة خارجاً عن القوانين الإنسانية والموازين التكوينية لسلوكيات البشر.

الفقرة الثانية: قولها(ع) (وَاْسْتَحْمَدَ إِلَى الْخَلائِقِ بِإِجْزَالِهَا)

وهي من العبارات العظيمة التي تُظهر لنا مدى لطف الله بالعباد، وكرمه لهم، ورحمته بهم رغم كونه غنياً عن العالمين، وتكمن العظمة خلف هذا السر إذ كيف يعطينا ربنا الكثير على عمل قليل، وهذا العمل القليل لا يصيب اللهَ منه شيء لأننا في الحقيقة نعمل لأنفسنا، وليس لربنا، وقد أكد القرآن المجيد على هذه الحقيقة وهذا المبدأ الكبير في أكثر من موضع، ففي سورة الروم قال سبحانه(مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ  لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) وفي سورة فصلت قال تعالى(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) وفي سورة الجاثية(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)

فإذا كانت الطاعة من أجلنا فلماذا يثيبنا عليها؟

الجواب:  إنه يثيبنا عليها لأنه الكريم والرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.

الشيخ علي فقيه

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى